الموسوعة الفقهية

المطلب الثَّاني: وجود الماء أثناء الصَّلاة


اختلف أهلُ العِلمِ في حُكمِ مَن وجد الماءَ أثناء الصَّلاةِ على قولينِ:
القول الأوّل: مَن وَجد الماءَ أثناء الصَّلاة، فإنَّ عليه الخروجَ منها، وعليه أن يتوضَّأ إن كان محدِثًا حدثًا أصغَرَ، أو يغتسِلَ إن كان قد أحدَث حدثًا أكبرَ، وهو مذهَبُ الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (1/103)، وينظر: ((تبيين الحقائق للزيلعي وحاشية الشلبي)) (1/41). ، والحنابلة ((الفروع)) لابن مفلح (1/312)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/197). ، وبه قال طائفةٌ مِن السَّلف منهم: ابن عُليَّة، والأوزاعيُّ، وسفيان الثوريُّ. ((المحلى)) لابن حزم (1/351)، ((التمهيد)) لابن عبد البر (19/292)، ((المغني)) لابن قدامة (1/197). ، واختاره المزنيُّ وابنُ سُرَيج من الشَّافعيَّة ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/252)، ((التمهيد)) لابن عبدالبر (19/292). ، وابنُ حزم الظاهريُّ قال ابن حزم: (ينقُض التيمُّمَ أيضًا وجودُ الماء، سواءٌ وجَدَه في صلاةٍ، أو بعد أن صلَّى، أو قبل أن يُصلِّي؛ فإنَّ صلاتَه التي هو فيها تنتقِضُ؛ لانتقاضِ طَهارتِه، ويتوضَّأ أو يغتسِل، ثمَّ يبتدئ الصَّلاة) ((المحلى)) (1/351)، ((المغني)) لابن قدامة (1/197). ، وابنُ رشد الحفيد مِن المالكيَّة ((بداية المجتهد)) (1/73). ، وابنُ عثيمين قال ابن عثيمين: (الذي يظهَرُ- واللهُ أعلم- أنَّ المذهَبَ أقربُ للصَّوابِ؛ لأنَّه وجَدَ الماءَ) ((الشرح الممتع)) (1/406).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قول الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاء فَتَيَمَّمُوا [النساء: 43]
وجه الدَّلالة:
 أنَّ هذا وجد ماءً، فبطَل حُكمُ التيمُّم، وإذا بطَل حُكمُ التيمُّمِ بطَلت الصَّلاةُ؛ لأنَّه يعودُ إليه حدَثُه ((تبيين الحقائق للزيلعي وحاشية الشلبي)) (1/41)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/404).
ثانيًا: أنَّ الصَّلاةَ إذا جاز أداؤُها بالعُذرِ على صفةٍ، كان زوالُ ذلك العُذرِ مانعًا من إجزائِها على تلك الصِّفة، كالمريضِ إذا صحَّ، والأُمِّيِّ إذا تعلَّم الفاتحةَ، والعُريان إذا وجد ثوبًا ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/252، 253).
ثالثًا: أنَّ التيمُّمَ في الطَّهارة بدلٌ من الماءِ عند فقْدِه، فإذا وُجِدَ الأصلُ ارتفَعَ البَدلُ ((تبيين الحقائق للزيلعي وحاشية الشلبي)) (1/41)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/252، 253)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/404).
رابعًا: أنَّ كلَّ ما أبطلَ التيمُّمَ قبل الصَّلاةِ، أبطَلَه في الصَّلاةِ كالحَدَثِ ((المحلى)) لابن حزم (1/354)، وينظر: ((التمهيد)) لابن عبدالبر (19/292)، ((المغني)) لابن قدامة (1/198).
القول الثاني: مَن وجدَ الماءَ أثناء الصَّلاةِ، فإنَّه يُتمُّ صلاتَه، وهو مذهَبُ المالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/523)، وينظر: ((التمهيد)) لابن عبدِ البَرِّ (19/291)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/73). ، والشَّافعيَّة استثنى الشافعيَّةُ ما إذا كان تيمُّمُه يجب معه إعادةُ الصَّلاة، كما لو تيمَّم في الحضر، فإنَّه يجِبُ عليه قطعُ الصَّلاة؛ لأنَّه لو لم يقطَعْها أعادها لِأصلِهم في هذا النَّوعِ مِن التيمُّم. ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) للرملي (1/306)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/252). ، وروايةٌ عن أحمد ((المغني)) لابن قدامة (1/197). ، وبه قال أبو ثورٍ قال ابن حزم: (من رأى الماءَ وهو في الصَّلاة، فإنَّ مالكًا والشافعيَّ وأحمد بن حنبل وأبا ثور وداود قالوا: إنْ رأى الماءَ وهو في الصَّلاة، فليتمادَ على صلاتِه ولا يُعيدُها، ولا تنتقِض طهارتُه بذلك) ((المحلى)) (1/353). ، وداود الظاهريُّ ((المحلى)) لابن حزم (1/353). واختاره ابنُ المُنذِر قال ابن المُنذِر: (ذكر المتيمِّمُ يجد الماءَ بعد أن يدخُلَ في الصَّلاة... واختلفوا فيمَن تيمَّمَ فدخل الصلَّاةَ ثمَّ وجد الماء... قال أبو بكر- هو ابن المُنذِر-: ولا يجوزُ نَقضُ طهارةٍ قد مضى وقتُها، وإبطالُ ما صلَّى من الصَّلاةِ كما فُرض عليه وأُمِرَ به، إلَّا بحجَّةٍ مِن كتاب أو سُنَّة أو إجماعٍ) ((الأوسط)) (2/184-185). وقال ابن قدامة: (مسألة وجد المتيمِّمُ الماء وهو في الصَّلاة... وقال مالك، والشافعيُّ، وأبو ثور، وابن المُنذِر: إنْ كان في الصَّلاة، مضَى فيها. وقد رُوي ذلك عن أحمد، إلَّا أنَّه رُوي عنه ما يدلُّ على رجوعِه عنه) ((المغني)) (1/197). ، والطبريُّ قال ابن عبدِ البَرِّ: (اختلفوا إذا رأى الماءَ بعد دخولِه في الصَّلاة؛ فقال مالك والشافعيُّ وأصحابُهما وداود والطبريُّ: يتمادَى في صلاتِه ويُجزيه) ((التمهيد)) (19/291).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
1- قولُ الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء: 43]
وجه الدَّلالة:
أنُّه أمِرَ باستعمالِ الماء في الحالِ التي لو لم يجِد فيها الماءَ لتيمَّم، فلمَّا كان وقتُ الأمرِ بالتيمُّم قبل الصَّلاة، وجب أن يكونَ وقتُ الأمرِ باستعمالِ الماءِ قبل الصَّلاة ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/253).
2- قولُ الله عزَّ وجلَّ: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد: 33]
وجه الدَّلالة:
 أنَّه غيرُ قادرٍ على استعمالِ الماء؛ لأنَّ قُدرتَه تتوقَّفُ على إبطالِ الصَّلاةِ، وهو منهيٌّ عن إبطالِها ((المغني)) لابن قدامة (1/198).
ثانيًا: أنَّه وجد المُبدَلَ بعد التلبُّسِ بمقصودِ البَدلِ، وهي الصَّلاةُ؛ فلم يلزمْه الخروجُ، كما لو وجَد رقبةَ الكفَّارةِ بعد التلبُّس بالصِّيامِ ((المغني)) لابن قدامة (1/197).
ثالثًا: أنَّ كلَّ حالٍ لا يلزَمُه فيها طلَبُ الماء، لا يلزَمُه فيها استعمالُ الماء، وهو- ما لم يدخُل في الصَّلاة- مخاطَبٌ بذلك، فإذا دخلَ في الصَّلاةِ سقَط عنه الطَّلَبُ؛ لاشتغالِه بما هو مأمورٌ به ((التمهيد)) لابن عبدالبر (19/291، 292)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/253).
رابعًا: أنَّهم قد أجمعوا أنَّه يدخُل في صلاته بالتيمُّمِ عند عدمِ الماء، واختلفوا في قَطعِ تلك الصَّلاةِ إذا رأى الماءَ ولم تثبُت سُنَّةٌ بقَطعِها ولا إجماعٌ ((التمهيد)) لابن عبدالبر (19/291، 292)، ((المحلى)) لابن حزم (1/353).

انظر أيضا: