الموسوعة الفقهية

المطلب العاشر: الموالاةُ في الغُسل   


اختلف أهلُ العِلمِ في حكمِ الموالاةِ في الغُسلِ، على قولين:
القول الأوّل: لا تجِبُ الموالاةُ في الغُسلِ قال ابن حزم: (ومَن فَرَّق وضوءَه أو غُسلَه، أجزأه ذلك، وإن طالت المدةُ في خلال ذلك أو قَصُرَت، ما لم يُحدِث في خلالِ وُضوئِه ما ينقُضُ الوضوءَ، وما لم يُحدِث في خلالِ غُسلِه ما ينقُضُ الغُسل) ((المحلى)) (1/312). وقال ابن تيمية: (الموالاةُ في غُسلِ الجنابة لا تجِبُ؛ للحديثِ الذي فيه: أنَّه رأى في بَدَنِه موضعًا لم يُصِبْه الماءُ فعصَرَ عليه شَعْرَه) ((مجموع الفتاوى)) (21/418). وقال ابنُ باز: (لا يجِبُ الترتيب، ولا الموالاةُ في الغسل) ((شرح الرَّوضِ المُرْبِع، كتاب الطهارة- منقول من اختيارات الشيخ ابن باز الفقهية لخالد آل حامد)) (1/225). وقال أيضًا: (الغسلُ لا يجِبُ فيه الترتيبُ ولا الموالاة، فإذا ذَكَر يُمضمِضُ ويستنشِقُ بنيَّةِ الجنابة) ((شرح الموطأ، كتاب الطهارة- منقول من اختيارات الشيخ ابن باز الفقهية لخالد آل حامد)) (1/225-226). ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: جمهورُ الفُقَهاءِ يَرَون الموالاةَ في الغُسلِ، سُنَّةً. ، الحنفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (1/123)، ((الفتاوى الهندية)) (1/8). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/184)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/75). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/153)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/162).
الأدلة:
أولًا: من الكتاب
قول الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة: 6]
وجهُ الدلالة:
أنَّ الله عزَّ وجَلَّ أمَرَ بالتطهُّرِ مِن الجنابةِ، ولم يشتَرِطْ عَزَّ وجل في ذلك متابعةً، فكيفما أتى به المرءُ أجزأه؛ لأنَّه قد وقع عليه الإخبارُ بأنَّه تطَهَّرَ ((المحلى)) لابن حزم (1/312).
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عن ميمونةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّها قالت في وَصْفِ غُسلِ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((توضَّأَ، ثم غسَلَ رأسَه ثلاثًا، ثمَّ أفرغ على جَسَدِه، ثم تنحَّى من مَقامِه، فغسَلَ قَدَميه )) رواه البخاري (265) واللفظ له، ومسلم (317)
وجه الدلالة:
أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جعل بين وُضوئِه وغُسلِه وبين تمامِهما، مهلةَ خروجِه من مُغتَسَلِه لغَسْلِ رِجْليه ((المحلى)) لابن حزم (1/312).
ثالثًا: من الآثار
عن إبراهيم النخعي: (كان أحدُهم يغسِلُ رأسَه مِن الجنابةِ بالسِّدْرِ السِّدْر: شَجَرُ النَّبْقِ، وإذا أطلِقَ السِّدرُ في الغُسلِ، فالمرادُ الوَرَقُ المَطحونُ. ((المصباح المنير)) للفيومي (1/271). ، ثم يمكُثُ ساعةً، ثم يغسِلُ سائِرَ جَسَدِه) رواه عبدالرزاق في ((المصنف)) (1010)، وأورده ابن حزم في ((المحلى)) (2/69).
وجه الدلالة:
أنَّ إبراهيمَ تابعيٌّ أدرك صغارَ الصَّحابة رَضِيَ اللهُ عنهم، وأدرك أكابِرَ التَّابعين من أصحابِ ابنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وقد حكاه عمَّنَ أدرَكَهم ((المحلى)) لابن حزم (1/312).
رابعًا: أنَّ تفريقَ الغُسلِ يُحتاجُ إليه أحيانا؛ وقد ينسى فيه موضِعَ لُمعةٍ أو لُمعتينِ أو باطِن شَعرِه، وفي إعادَتِه مشقةٌ عظيمة ((المحلى)) لابن حزم (1/312)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (21/166).
القول الثاني: تجِبُ الموالاةُ في الغُسلِ، وهذا مَذهَبُ المالكيَّة ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (1/133)، وينظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/28). ، ووجهٌ للشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/453). ، وروايةٌ عند الحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/188). ، واختاره ابنُ عثيمين قال ابنُ عُثيمين: (كَونُ الموالاةِ شرطًا، أصحُّ؛ لأنَّ الغُسلَ عبادةٌ واحدة، فلزم أن ينبني بعضُه على بعضٍ بالموالاة، لكن لو فرَّقه لعُذر؛ لانقضاءِ الماءِ في أثناء الغُسلِ مثلًا، ثم حصَّلَه بعد ذلك، لم تلزَمْه إعادةُ ما غَسَله أوَّلًا، بل يُكمِل الباقيَ، وهذا- أعني كونَ الموالاةِ شَرطًا- أصحُّ). ((الشرح الممتع)) (1/365).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يغتسلْ إلَّا متواليًا، ولو كان التَّفريقُ جائزًا لفَعَلَه، ولو مرَّةً.
ثانيًا: أنَّ الغُسلَ عبادةٌ واحدةٌ؛ فلزِمَ أن ينبنيَ بعضُه على بعضٍ بالموالاةِ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/365).

انظر أيضا: