الموسوعة الفقهية

المطلب الثَّاني: أجزاءُ الإبل من غير اللَّحم


اختلَفَ أهلُ العِلم في أجزاءِ الإبِلِ مِن غَيرِ اللَّحم، كالشَّحمِ والكَبِدِ والطِّحالِ؛ هل تنقُضُ الوضوءَ أم لا؟ على قولين:
القول الأوّل: أكلُ أجزاءِ الإبِلِ مِن غَيرِ اللَّحم، كالشَّحمِ والكَبِدِ والطِّحال، لا ينقُضُ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (1/76)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/32). ، والمالكيَّة ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (1/132)، وينظر: ((شرح التلقين)) للمازري (1/199)، ((الذخيرة)) للقرافي (1/235)، ((القوانيين الفقهية)) لابن جزي (ص: 22). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) (2/60)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/205). ، والحنابلة الحنفيَّة والمالكيَّة والشافعيَّة على أنَّ لحمَ الإبِلِ أساسًا لا ينقُضُ الوضوءَ، ويدخل فيه أجزاؤه، وفرَّقَ الحنابلة بين لحْمِه وأجزائِه؛ فعندهم لَحمُه ينقُضُ، وأجزاؤُه لا تنقُضُ. يُنظر: ((الفروع)) لابن مفلح (1/234)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/161). ، واختارَه ابنُ حَزمٍ قال ابن حزم: (ولا ينقُضُ الوضوءَ أكلُ شحومِها محضةً، ولا أكلُ شيءٍ منها غير لحمِها، فإنْ كان يقَعُ على بطونِها أو رؤوسِها أو أرجُلِها اسمُ لحمٍ عند العرَب، نقَض أكلُها الوضوءَ، وإلَّا فلا). ((المحلى بالآثار)) (1/225). ، وابنُ باز قال ابن باز: (ولحومُها الهبرُ، أمَّا الكِرش والمُصران، فهذه ليست داخلةً، والشَّحم كذلك، لكن إن توضَّأ منه من باب الاحتياطِ، فهو حسنٌ، أمَّا اللَّبَنُ والمَرَقُ فلا وضوءَ منهما، وإنَّما الوضوءُ مِن اللَّحم خاصَّة؛ إذا أكَلَه يتوضَّأ وضوءَ الصَّلاةِ). ((فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر)) (5/231).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ النصَّ جاء في نَقضِ الوُضوءِ مِن لحمِ الإبِلِ، وهذه الأشياءُ لا تدخُلُ تحت اسمِ اللَّحمِ، بدليل أنَّك لو أمَرْتَ أحدًا أن يشتري لك لحمًا، واشترى كَرِشًا؛ لأنكرتَ عليه ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/299).
ثانيًا: أنَّ الأصلَ بقاءُ الطَّهارة، ودخولُ غيرِ اللَّحمِ دُخولٌ احتماليٌّ، واليقينُ لا يزولُ بالاحتمالِ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/299).
ثالثًا: أنَّ النقضَ بلحم ِالإبلِ أمرٌ تعبديٌّ لا تُعرَفُ حِكمَتُه، وإذا كان كذلك، فإنَّه لا يمكِنُ قياسُ غَيرِ الهَبْرِ قال المرتضى الزبيدي: (الهَبْرةُ: بَضعةٌ من لَحم لا عظم فيها، أو هي قطعةٌ مجتمعةٌ منه، يقال: أعطيته هَبْرةً مِن لحم، إذا أعطاه مجتمعًا منه، وكذلك البِضعة والفِدرة. هَبَره يَهبُره هبرًا: قطعه قِطعًا كِبارًا، ويقال: هَبَر له من اللَّحم هَبرةً؛ أي: قطع له قِطعة) ((تاج العروس)) (14/387). على الهَبْرِ؛ لأنَّ مِن شَرطِ القِياسِ أن يكونَ الأصلُ معلَّلًا؛ إذ القياسُ إلحاقُ فرْع ٍبأصلٍ في حُكمٍ لعِلَّة جامعة، والأمورُ التعبديَّة غيرُ معلومةِ العِلَّة ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/299).
القول الثاني: أكلُ أجزاءِ الإبِلِ مِن غير اللَّحم، كالشَّحم والكَبد والطِّحال ينقُضُ، وهو روايةٌ عن أحمد ((الفروع)) لابن مفلح (1/234)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/161). ، واختاره ابنُ عُثيمين قال ابن عثيمين: (الصَّحيح: أنَّه لا فَرق بين الهَبْر وبقيَّةِ الأجزاء). ((الشرح الممتع)) (1/299).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه من جملةِ الجَزُورِ، وإطلاقُ اللَّحم في الحيوانِ يُرادُ به جملَتُه؛ لأنَّه أكثَرُ ما فيه، ولذلك لَمَّا حرَّم الله تعالى لَحمَ الخِنزيرِ، كان تحريمًا لجُملتِه، فكذلك هاهنا ((المغني)) لابن قدامة (1/141).
ثانيًا: أنَّ في الإبِلِ أجزاءً كثيرة قد تُقارِب الهَبْر، ولو كانت غير داخلةٍ لبيَّن ذلك الرسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لِعِلمِه أنَّ الناسَ يأكلون الهَبْر وغيرَه ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/300).
ثالثًا: أنَّه ليس في شريعةِ محمَّد صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، حيوانٌ تتبعَّض أجزاؤه حِلًّا وحُرمةً، وطهارةً ونجاسةً، وسلبًا وإيجابًا، وإذا كان كذلك، فلتكنْ أجزاءُ الإبِلِ كلُّها واحدةً ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/300).

انظر أيضا: