الموسوعة الفقهية

المطلب الأوَّل: مسُّ الرجُلِ ذَكَره( بدونِ حائلٍ) 


اختلف أهلُ العِلمِ في نقْضِ الوضوءِ بمسِّ المراد بالمسِّ: مسُّ اليدِ؛ قال ابنُ حزم: (أمَّا مسُّ الرُّجُلِ فرْجَ نفْسِه بساقِه ورِجلِه وفَخِذه، فلا خلافَ في أنَّ المرءَ مأمورٌ بالصَّلاةِ في قَميصٍ كثيفٍ، وفي مِئزرٍ وقميصٍ، ولا بدَّ له ضرورةً في صلاتِه كذلك مِن وقوعِ فرْجِه على ساقِه ورِجلِه وفَخِذِه، فخرَج هذا بهذا الإجماعِ المنصوصِ عليه عن جُملة هذا الخَبرِ). ((المحلى)) (1/221). الرَّجُلِ ذَكَرَه- بِدونِ حائلٍ- على أقوالٍ؛ أقواها قولان:
القول الأوّل: مسُّ الذَّكَر - بدونِ حائلٍ- ينقُض الوضوءَ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة المشهورُ عندهم اشتراطُ أن يمسَّه بباطِنِ كفِّه، أو بباطنِ أصابعِه. ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/140)، ((حاشية الدسوقي)) (1/121)، وينظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/118)، ((الذخيرة)) للقرافي (1/221). ، والشَّافعيَّة وقد تعقَّب ابنُ حزمٍ هذا الاشتراطَ، فقال: (أمَّا قول الأوزاعيِّ والشافعيِّ ومالكٍ في مراعاةِ باطِنِ الكفِّ دون ظاهِرِها، فقولٌ لا دليلَ عليه، لا من قرآنٍ، ولا من سُنَّة، ولا من إجماعٍ، ولا من قولِ صاحبٍ، ولا من قياسٍ، ولا مِن رأيٍ صحيحٍ، وشغَّب بعضُهم بأن قال: في بعضِ الآثار "من أفضى بيَدِه إلى فرْجِه فليتوضَّأ"، قال أبو محمَّد: وهذا لا يصحُّ أصلًا، ولو صحَّ لَما كان فيه دليلٌ على ما يقولون؛ لأنَّ الإفضاءَ باليَدِ يكون بظاهِرِ اليدِ كما يكون بباطِنِها، وحتى لو كان الإفضاءُ بباطِنِ اليد، لَمَا كان في ذلك ما يُسقِطُ الوضوءَ عن غيرِ الإفضاءِ؛ إذا جاء أثرٌ بزيادةٍ على لفظ الإفضاءِ، فكيف والإفضاءُ يكونُ بجميعِ الجسَد؛ قال الله تعالى وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ **النساء: 21**؟!). ((المحلى)) (1/222).      شريطةَ مسِّه بباطِنِ الكفِّ. ((روضة الطالبين)) للنووي (1/75)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/35). ، والحنابلة سواءٌ مسَّه بظاهِرِ الكفِّ أو بباطِنِه. ((الإنصاف)) للمرداوي (1/151)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/126). , وبه قالت طائفةٌ من السَّلف قال ابنُ قدامة: (وهو مذهبُ ابن عُمر، وسعيد بن المسيَّب، وعطاء، وأبان بن عثمان، وعُروة، وسليمان بن يسار، والزُّهريِّ، والأوزاعيِّ، والشافعيِّ، وهو المشهور عن مالكٍ، وقد رُوي أيضًا عن عمر بن الخطَّاب، وأبي هريرة، وابن سِيرين، وأبي العالية). ((المغني)) (1/131-132). ، واستظهَره الشوكانيُّ قال الشَّوكانيُّ: (فالظَّاهر: ما ذهب إليه الأوَّلون- أي: أنَّ المسَّ ناقضٌ للوضوء). ((نيل الأوطار)) (1/251). ، واختاره ابنُ باز قال ابن باز: (مسُّ الفرْج ينقُض الوضوءَ إذا كان مِن غيرِ حائلٍ؛ مسُّ اللَّحمِ اللَّحمَ، ولو بدونِ شَهوةٍ، هذا هو الصَّوابُ). ((فتاوى نور على الدرب)) (5-206).
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
عن بُسرَةَ بنتِ صَفوانَ رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّها سمعتْ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((مَن مسَّ ذَكَره فليتوضَّأْ )) رواه أبو داود (181)، والترمذي (83)، والنسائي (163)، وابن ماجه (479)، وأحمد (6/406) (27334)، ومالك في ((الموطأ)) (2/57) (127). قال الشافعيُّ في ((الأم)) (8/517): معروف. وصحَّحه يحيى بن معين، والإمام أحمد كما في ((الاستذكار)) لابن عبدِ البَرِّ (1/288)، وقال البخاري- كما في ((المحرر)) لمحمد ابن عبدالهادي (60)-: أصحُّ شيءٍ في هذا الباب حديثُ بُسرة. وقال الترمذيُّ: حسن صحيح. وصحَّحه الدارقطنيُّ في ((السنن)) (1/350)، وابن عبدِ البَرِّ في ((التمهيد)) (17/183)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (2/451).
ثانيًا: أنَّ الإنسانَ قد يحصُلُ منه تحرُّكُ شَهوةٍ عند مسِّ الذَّكَرِ، أو القُبُلِ، فيخرُجُ منه شيءٌ، وهو لا يشعُرُ؛ فما كان مَظِنَّةَ الحدَثِ، عُلِّقَ الحُكمُ به كالنَّوم ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/280). قال البيهقيُّ: صحيحٌ. وصحَّح إسنادَه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)).
القول الثاني: مسُّ الذَّكَرِ - بدونِ حائلٍ- لا ينقُضُ الوضوءَ مُطلقًا، وهو مذهَبُ الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/12)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/56). ، وقولُ بعض المالكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (1/121)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (1/221). ، وروايةٌ عند الحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/151). ، وبه قالت طائفةٌ من السَّلَف قال ابن قدامة: (رُوي ذلك عن عليٍّ، وعمَّار، وابن مسعود، وحذيفة، وعمران بن حُصين، وأبي الدَّرداء، وبه قال ربيعةُ، والثوريُّ، وابن المُنذِر). ((المغني)) (1/132). ، واختاره ابن المُنذِر قال ابن المُنذِر: (إذا لم يثبت حديثُ بُسرة، فالنَّظر يدلُّ على أنَّ الوضوءَ مِن مسِّ الذَّكر غيرُ واجب، ولو توضَّأ مَن مسَّ ذَكَره احتياطًا، كان ذلك حَسَنًا، وإنْ لم يفعَلْ فلا شيءَ عليه). ((الإشراف)) لابن المُنذِر (1/104)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/132). , وابن تيميَّة قال ابن تيميَّة: (الأظهَرُ... أنَّها لا تنقُض الوضوء، ولكن يُستحبُّ الوضوءُ منها؛ فمَن صلَّى ولم يتوضَّأ منها، صحَّت صلاته، ومَن توضَّأ منها، فهو أفضَلُ)). ((مجموع الفتاوى)) (21/222). ، وابنُ عثيمين اختار ابنُ عثيمين استحبابَ الوضوءِ مِن مسِّ الذَّكر احتياطًا، فقال: (الخلاصة: أنَّ الإنسانَ إذا مسَّ ذكَره استُحِبَّ له الوضوءُ مطلقًا، سواءٌ بشهوةٍ أم بغيرِ شَهوةٍ) ((الشرح الممتع)) (1/284). وقال أيضًا: (مسُّ الذَّكَر ليس بناقضٍ للوضوء، وإنَّما يُستحبُّ الوضوءُ منه استحبابًا، وهو اختيارُ شيخِ الإسلام ابن تيميَّة، وهو أقرَبُ إلى الصَّواب، لا سيَّما إذا كان عن غير عمْدٍ، لكنَّ الوضوءَ أحوَطُ) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/203). ولابن عثيمين أيضًا قولٌ قديمٌ بنَقضِ الوضوءِ إنْ كان مسُّه بشهوةٍ. ((لقاء الباب المفتوح)) (اللقاء رقم: 1).
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
عن طَلْقِ بن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((خرجْنا وفدًا حتَّى قدِمْنا على رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فبايعْناه، وصلَّينا معه، فلمَّا قضى الصَّلاة جاء رجلٌ كأنَّه بدويٌّ، فقال: يا رسولَ الله، ما ترَى في رَجُل مسَّ ذَكَرَه في الصَّلاةِ؟ قال: هل هو إلَّا مُضغةٌ منك، أو بَضعَةٌ منك؟! )) رواه أبو داود (182)، والنَّسائي (165)، وأحمد (4/23) (16338)، وابن حبان (3/403) (1120). قال ابنُ المديني كما في ((شرح معاني الآثار)) للطحاوي (1/76): أحسن من حديث بُسْرَة، وصحَّحه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (1/76)، وابن حزم في ((المحلى)) (1/238)، وحسَّنه ابن القطَّان في ((بيان الوهم والإيهام)) (4/144)، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (1/306): صحيح أو حسن، وقال محمد ابن عبدالهادي في ((تعليقة على العلل)) (83): حسن أو صحيح، وصححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (165).
وجه الدَّلالة:
 أنَّ قولَه عليه الصَّلاةُ والسَّلام: ((هل هو إلَّا مُضغةٌ منك؟!)) عِلَّة لا يُمكِنُ أن تزولَ، فلا يُمكِنُ أن يكونَ ذَكَرُ الإنسانِ في يومٍ مِن الأيَّام ليس بَضعةً منه، وإذا رُبِطَ الحُكم بعلَّة لا يمكِنُ أن تزول، فإنَّ الحُكمَ يكون مُحكَمًا، ولا يصحُّ عليه دعوى النَّسخِ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/283).
ثانيًا: أنَّ الأصلَ بقاءُ الطَّهارة، وعدمُ النَّقضِ، فلا نخرُج عن هذا الأصل إلَّا بدليلٍ متيقَّن ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/281).

انظر أيضا: