الموسوعة الفقهية

المبحث الخامس: مَيْتةُ الحيوانِ البَرْمائيِّ [504] الحيوانُ البَرْمائيُّ، هو: حيوانٌ يعيشُ في البَرِّ والبحرِ، فهو قادرٌ على العيش في الماءِ وعلى اليابسةِ يُنظر: ((المعجم الوسيط)) ((مَجمع اللغة العربية)) لمجموعة مؤلفين (1/52)، ((معجم اللغة العربية المعاصرة)) لأحمد مختار عمر (1/196) ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/196)، ((نهاية المحتاج)) للرَّمْلي (8/150)  


اختَلَف العلماءُ في مَيْتةِ الحيوانِ البَرْمائيِّ، على قولين:
القول الأوّل: تَحرُمُ مَيْتةُ الحيوانِ البَرْمائيِّ، وهذا مذهبُ الجمهورِ: الحَنَفيَّةِ [505] وذلك لأنَّ الحنَفيَّةَ لا يُبيحون مِن مَيْتةِ حيوانِ البحرِ إلَّا السَّمكَ، فمَيْتةُ غيرِ السَّمكِ غيرُ مباحةٍ عِندَهم؛ والحيوانُ البَرْمائيُّ مِن بابِ أَوْلى. ((تبيين الحقائق)) للزَّيلَعي (5/296)، ((البحر الرائق)) لابن نُجَيم (8/196)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/79).   ، والشَّافعيَّةِ [506] ((روضة الطالبين)) للنَّووي (3/275)، ((منهاج الطالبين)) للنَّووي (ص: 322)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهَيْتَمي (9/378)، ((نهاية المحتاج)) للرَّمْلي (8/152)، ((حاشيتا قليوبي وعميرة)) (4/258).   ، والحنابلةِ [507] ((الإنصاف)) للمَرْداوي (10/288)، ((كشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (6/204).   ، وقولٌ عند المالكيَّةِ [508] ((مواهب الجليل)) للحَطَّاب (1/124)، ويُنظر: ((البيان والتحصيل)) لابن رُشْد الجد (3/299)، ((مناهج التحصيل)) للرجراجي (3/203).   ، وهو قولُ أبي ثَورٍ [509] قال ابن عبدِ البَرِّ: (وقال أبو ثَورٍ: السَّرَطانُ والسُّلَحْفاةُ وما كان مِثْلَها لا يكونُ بحِلٍّ إلَّا بالذَّكاةِ؛ لأنَّهما يعيشان في البَرِّ حينًا). ((الاستذكار)) (5/285).  
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه مِن صَيدِ البَرِّ ودَوابِّه، وإنْ قَتَله المُحْرِمُ جَزاهُ [510] ((المحلى)) لابن حَزْم (6/65).  
ثانيًا: أنَّه لَمَّا كان يعيشُ في البَرِّ ويَرعَى فيه؛ أُلحِقَ بحيوانِ البَرِّ؛ تغليبًا لجانبِ الحَظرِ [511] ((مناهج التحصيل)) للرجراجي (3/203)، ((كشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (6/204)، ((تفسير الفاتحة والبقرة)) لابن عُثيمين (2/253).  
ثالثًا: أنَّ الأخبارَ الَّتي تُحِلُّ مَيْتةَ البحرِ مَحمولةٌ على ما لا يعيشُ إلَّا في البحرِ كالسَّمكِ وشَبَهِه؛ لأنَّه لا يُتمكَّنُ مِن تَذكيتِه؛ لأنَّه لا يُذبَحُ إلَّا بعدَ إخراجِه مِنَ الماءِ، ومتى خَرَج مات [512] (الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (11/44).  
رابعًا: أنَّه حيوانٌ له نفْسٌ سائلةٌ، يَعيشُ في البَرِّ؛ فأَشبَهَ بهيمةَ الأنعامِ [513] ((شرح الزَرْكَشي على مختصر الخرقي)) (6/697).  
القول الثاني: تُباحُ مَيْتةُ الحيوانِ البَرْمائيِّ، وهو مذهبُ المالكيَّةِ [514] ((مواهب الجليل)) للحَطَّاب (1/124)، ويُنظر: ((البيان والتحصيل)) لابن رُشْد الجد (3/299، 300)، ((الجامع لمسائل المدونة)) لابن يونس الصقلي (5/765).   ، وقولٌ للشَّافعيَّةِ [515] ((المجموع)) للنَّووي (9/33).   ، وروايةٌ عِندَ الحنابلةِ [516] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (9/187)، ((الإنصاف)) للمَرْداوي (10/289).   ، واختارَه الشِّنقيطيُّ [517] قال الشِّنقيطيُّ: (وقال ابنُ القاسم: وأنا أتَّقيهِ، ولو أَكَله رَجُلٌ لم أَرَه حرامًا. هذا هو حاصلُ مذهبِ مالكٍ في المسألةِ، وحُجَّته في إباحةِ مَيْتةِ الحَيوانِ البَحْريِّ، كان يعيشُ في البَرِّ أو لا: قولُه تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ [المائدة: 96] ، ولا طعامَ له غيرُ صَيدِه إلَّا مَيتَتُه، كما قالَه جمهورُ العلماءِ، وهو الحقُّ. ويُؤيِّدُه قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في البحرِ: ((هو الطَّهورُ ماؤُه، الحِلُّ مَيْتتُه)). وقد قدَّمْنا ثُبوتَ هذا الحديثِ، وفيه التَّصريحُ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأنَّ مَيْتةَ البحرِ حلالٌ، وهو فصْلٌ في محلِّ النِّزاعِ. وقد تَقرَّر في الأصولِ أنَّ المُفرَدَ إذا أُضيف إلى معرفةٍ؛ كان مِن صِيَغِ العُمومِ... وبه نَعلَمُ أنَّ قولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَيْتتُه)) يَعُمُّ بظاهِرِه كلَّ مَيْتةٍ ممَّا في البحرِ). ((أضواء البيان)) (1/51).  
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكتاب
قولُه تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ [المائدة: 96]
وجهُ الدَّلالةِ:
 أنَّ البَرْمائيَّ يَدخُلُ في عُمومِ صَيدِ البحرِ وطعامِه [518] ((فتاوى اللَّجنة الَّدائمة)) (22/319).   ، كما أنَّه لا طَعامَ له غيرُ صَيدِه إلَّا مَيْتتُه [519] ((أضواء البيان)) للشِّنقيطي (1/50).  
ثانيًا: مِنَ السُّنَّة
قولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ البحرِ: ((هو الطَّهورُ ماؤُه، الحِلُّ مَيْتتُه )) [520] أخرجه أبو داودَ (83)، والتِّرْمذيُّ (69)، والنَّسائيُّ (59)، وابنُ ماجَهْ (386)، وأحمدُ (8735). وصحَّحه البُخاريُّ كما في ((الاستذكار)) لابن عبدِ البَرِّ (1/197). وقال التِّرْمذيُّ: حسَنٌ صحيحٌ. وأخرجه ابنُ حِبَّانَ في ((صحيحه)) (1243). وصحَّحه ابنُ عبدِ البَرِّ في ((التَّمهيد)) (16/217)، وقال: لأنَّ العلماء تَلقَّوْه بالقَبولِ. وكذا صحَّحه النَّوويُّ في ((المجموع)) (1/82).  
وجهُ الدَّلالةِ:
 فيه التَّصريحُ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأنَّ مَيْتةَ البحرِ حلالٌ، وهو فصْلٌ في محلِّ النِّزاعِ. وقد تَقرَّر في الأصولِ أنَّ المُفرَدَ إذا أُضيف إلى معرفةٍ كان مِن صِيَغِ العُمومِ؛ فقولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَيْتَتُه)) يَعُمُّ بظاهِرِه كلَّ مَيْتةٍ ممَّا في البحرِ [521] ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/51).  
ثالثًا: مِنَ الآثارِ
قال شُرَيْحٌ رضيَ اللهُ عنه، صاحِبُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((كلُّ شيْءٍ في البحرِ مَذبوحٌ)) [522] أخرجه البُخاري مُعلَّقًا بصيغةِ الجَزْم، قَبلَ حديثِ (5493)، وأخرَجه موصولًا في ((التاريخ الكبير)) (4/228)، والدَّارَقُطنيُّ في ((المؤتلف والمختلف)) (3/1274). وقال البُوصيريُّ في ((إتحاف الخِيَرة المَهَرة)) (5/288): إسنادُه مقطوعٌ، رجالُه ثِقاتٌ. وذَكَر ابنُ حَجَرٍ في ((فتح الباري)) (9/531) أنَّه رُويَ مرفوعًا وموقوفًا وهو الأصحُّ.  
رابعًا: لأنَّ المُحْرِمَ يَصيدُه؛ وإنَّما جازَ له صَيدُه مِن أجْلِ أنَّه مُذكًّى لا يَحتاجُ إلى تَذكيةٍ. فمَن قال: لا يُؤكَلُ إلَّا بذَكاةٍ، وأَجازَ للمُحْرِمِ صَيدَه؛ فقد تَناقَضَ [523] ((البيان والتحصيل)) لابن رُشْد الجد (3/300).  
خامسًا: أنَّه مِن حيوانِ الماءِ؛ فأُبيح بغيرِ ذَكاةٍ، كالسَّمَكِ والسَّرَطانِ [524] ((الشرح الكبير)) لشمس الدِّينِ ابنِ قُدامة (11/44).  

انظر أيضا: