الموسوعة الفقهية

المبحث الأوَّل: حُكمُ تَناوُلِ المُخَدِّراتِ [187] المُخَدِّراتُ: هي كُلُّ مادَّةٍ نباتيَّةٍ أو مُصَنَّعةٍ تحتوي على عناصِرَ مُنَوِّمةٍ أو مُسَكِّنةٍ أو مُفَتِّرةٍ، والتي إذا استُخدِمَت في غيرِ الأغراضِ الطِّبيَّةِ المعَدَّةِ لها، فإنَّها تُصيبُ الِجسمَ بالفُتورِ والخُمولِ، وتشلُّ نشاطَه، كما تُصيبُ الجِهازَ العصبيَّ المركزيَّ، والجِهازَ التنفُّسيَّ، والجهازَ الدَّوريَّ بالأمراضِ المُزمِنةِ، كما تؤدِّي إلى حالةٍ مِن التعَوُّدِ أو ما يُسَمَّى «الإدمان»، مُسَبِّبةً أضرارًا بالغةً بالصحَّةِ النَّفسيَّةِ والبدنيَّةِ والاجتِماعيَّةِ ((الموقع الرسمي لوزارة الصحة السعودية))  


يَحرُمُ تَناوُلُ المُخَدِّراتِ بجَميعِ أنواعِها؛ القَليلِ منها والكثيرِ [188] فرَّق الجمهورُ من الحنفيَّةِ والمالِكيَّة والشَّافِعيَّة بين القليلِ والكثيرِ مِن الحشيشِ والأفيون والبنج وجَوزةِ الطِّيب، فحَرَّموا كثيرَها وأباحوا قليلَها المُستعمَلَ في التَّداوي وإصلاحِ الطَّعامِ. يُنظر: ((حاشية ابن عابدين)) (4/42) و(6/458)، ((منح الجليل)) لعليش (1/47)، ((تحفة المحتاج للهيتمي وحواشي الشرواني والعبادي)) (9/168)، ((نهاية المحتاج للرملي مع حاشية الشبراملسي)) (8/12).   ، وهو مذهَبُ الحَنابِلةِ [189] ((الإنصاف)) للمرداوي (8/324)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/235)، (6/189)، ((المبدع)) لابن مفلح (7/417).   ، وبعضِ الشَّافِعيَّةِ [190] قال النووي: (أمَّا ما يزيلُ العقلَ مِن غيرِ الأشرِبة والأدويةِ، كالبنج وهذه الحشيشةِ المعروفةِ؛ فحُكمُه حُكمُ الخَمرِ في التحريمِ ووجوبِ قَضاءِ الصَّلواتِ، ويجِبُ فيه التعزيرُ دونَ الحَدِّ). ((المجموع)) (3/8). وقال ابن حجر: (لهذا قال عبدُ الله بن المبارك ما قال، واستدل بمُطلَقِ قَولِه: ((كُلُّ مُسكِرٍ حرامٌ)) على تحريمِ ما يُسكِرُ ولو لم يكُنْ شَرابًا، فيدخُلُ في ذلك الحشيشةُ وغيرُها، وقد جزم النوويُّ وغيرُه بأنَّها مُسكِرةٌ، وجزم آخرون بأنها مُخَدِّرةٌ، وهو مكابَرةٌ؛ لأنَّها تُحدِثُ بالمُشاهَدةِ ما يُحدِثُ الخَمرُ؛ مِن الطَّربِ والنَّشوةِ والمداومةِ عليها والانهماكِ فيها، وعلى تقدير تسليمِ أنَّها ليست بمُسكِرةٍ فقد ثبت في أبي داود النَّهيُ عن كلِّ مُسْكِرٍ ومُفْتِرٍ، وهو بالفاء، والله أعلم). ((فتح الباري)) (10/45).   ، وهو قَولُ ابنِ تيميَّةَ [191] قال ابن تيمية: (أكلُ هذه الحَشيشةِ الصُّلبة حرامٌ، وهي من أخبَثِ الخبائِثِ المحَرَّمة، وسواءٌ أكل منها قليلًا أو كثيرًا). ((مجموع الفتاوى)) (34/213).   ، والصَّنعانيِّ [192] قال الصنعاني: (يَحرُمُ ما أسكَرَ مِن أيِّ شَيءٍ وإن لم يكُنْ مَشروبًا، كالحشيشةِ). ((سبل السلام)) (2/451). وقال: (الحَشيشةُ محَرَّمة طاهِرةٌ، وكذا المخَدِّراتُ والسُّمومُ القاتلةُ). ((سبل السلام)) (1/36).   ، والشَّوكانيِّ [193] قال الشوكاني: (إن قيل: إنَّ هذه الأمورَ المذكورةَ إنما يحصُلُ بها التفتيرُ دون السُّكرِ، فيقال: إن بلغ هذا التفتيرُ إلى حَدِّ السُّكرِ- كما يحصُلُ مِن أكلِ الحَشيشِ [وشُربِها]- فلا نزاع في أنَّ ذلك من المحَرَّماتِ، وإن لم يبلُغْ إلى ذلك الحدِّ، بل مجرَّد التفتيرِ؛ فقد ورد ما يدُلُّ على تحريمِ كلِّ مُفْتِرٍ). ((الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني)) (8/4202).   ، وابنِ باز [194] قال ابن باز: (أمَّا الأطعِمةُ والأشرِبةُ الضَّارةُ كالمُسكِراتِ والمُخَدِّراتِ وسائرِ الأطعمةِ والأشربةِ الضارَّةِ في الدِّينِ أو البَدَنِ أو العَقلِ؛ فهي من الخبائِثِ المحَرَّمةِ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (12/125).   ، وابنِ عُثيمين [195] قال ابن عثيمين: (الحشيشُ يراه شيخُ الإسلامِ- رحمه الله- أخبَثَ مِن الخَمرِ، وهو كذلك؛ فإن الحشيشةَ تُسكِرُ، وهي شَرٌّ منه؛ لأنَّها تؤثِّرُ على المخِّ أكثَرَ مِمَّا يؤثِّرُ الخَمرُ، ومثل ذلك أيضًا- فيما يظهَرُ- الحُبوبُ المخَدِّرة؛ لأنَّ مضَرَّتَها عظيمةٌ، وهي أشَدُّ مِن مضَرَّةِ الخَمرِ، وفي بعضِ الدُّوَلِ غيرِ الإسلاميَّةِ يُوجِبونَ القَتلَ على مُرَوِّجِها). ((الشرح الممتع)) (14/303).   ، وبه أفتَت اللَّجنةُ الدَّائِمةُ [196] جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: (يحرُمُ بَيعُ الحَشيشةِ وشِراؤُها واستعمالُها أكلًا وشُربًا ومَضغًا؛ لِما فيها من الإسكارِ والمضارِّ والمفاسِدِ العظيمةِ). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (22/138).   ، وحُكِيَ الإجماعُ على حُرمةِ الكَثيرِ المُسكِرِ منها [197] قال ابن تيمية: (أكلُ هذه الحَشيشةِ الصُّلبة حرامٌ، وهي من أخبَثِ الخبائِثِ المحَرَّمة، وسواءٌ أكَلَ منها قليلًا أو كثيرًا، لكِنَّ الكثيرَ المُسكِرَ منها حرامٌ باتِّفاقِ المُسلِمينَ). ((مجموع الفتاوى)) (34/213). وقال: (وكُلُّ ما يُغَيِّبُ العَقلَ فإنَّه حرامٌ وإن لم تحصُلْ به نَشوةٌ ولا طَرَبٌ؛ فإنَّ تَغييبَ العَقلِ حرامٌ بإجماعِ المُسلِمينَ). ((مجموع الفتاوى)) (34/211). وقال العيني: (وقع إجماعُ المتأخِّرينَ- رحمهم الله- على تحريمِ أكلِه [أي الحشيشِ]). ((البناية)) (12/370).
الأدلَّة:
أولًا: مِنَ السُّنَّةِ
- قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((كُلُّ مُسكِرٍ خَمرٌ، وكُلُّ خَمرٍ حَرامٌ )) [198] أخرجه مسلم (2003) من حديث ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما.  
وجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ قَولَه: (كُلُّ) لعُمومِ التَّحريمِ في كُلِّ مُسكِرٍ، ومنه الحَشيشةُ [199] ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/189).  
ثانيًا: أنَّها تُغَيِّبُ العَقلَ، وكُلُّ ما يُغَيِّبُ العَقلَ فإنَّه حرامٌ، وإن لم تحصُلْ به نَشوةٌ ولا طَرَبٌ؛ فإنَّ تَغييبَ العَقلِ حرامٌ بإجماعِ المُسلِمينَ [200] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (34/211).  
ثالثًا: أنَّها مُسكِرةٌ، وإنَّما يتناوَلُها الفُجَّارُ لِما فيها من النَّشوةِ والطَّرَبِ، فهي تجامِعُ الشَّرابَ المُسكِرَ في ذلك، وتُوجِبُ الفُتورَ والذِّلَّةَ، وفيها مع ذلك مِن فَسادِ المِزاجِ والعَقلِ، وفَتحِ بابِ الشَّهوةِ، وما توجِبُه مِنَ الدِّياثةِ مِمَّا هي مِن شَرِّ الشَّرابِ المُسكِرِ [201] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (34/211).  

انظر أيضا: