الموسوعة الفقهية

المبحث الرابع: ما لا يدخُلُ في الصَّيدِ


المطلب الأوَّل: الهوامُّ والحَشَراتُ
لا تدخُلُ الهوامُّ والحَشَراتُ في تحريمِ الصَّيدِ، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/570)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/196)، ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (7/316)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/341). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/439)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/284، 303). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال الماوردي: (ضَرْبٌ لا جزاءَ في قتله إجماعًا، وذلك الهوامُّ وحشراتُ الأرض؛ فالهوامُّ: كالحيَّة والعقرب، والزنبور، والحشراتُ: كالدود والخنافس والجُعولِ) ((الحاوي الكبير)) (4/ 341).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه لم يأتِ في تحريمِ صَيْدِها على المُحْرِمِ شيءٌ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 439).
ثانيًا: لأنَّه لا مِثلَ له ولا قيمةَ، والضَّمانُ إنما يكون بأحدِ هَذينِ الشَّيئينِ ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/303).
المطلب الثاني: قَتلُ الفَواسِقِ الخَمِسْ
للمُحْرِمِ قتلُ الفواسِقِ الخَمْسِ: الحِدَأةِ الحِدَأَةُ: طائر من الجوارِحِ ينقَضُّ على الجِرذان والدواجن والأطعمة ونحوها. ((لسان العرب)) لابن منظور (1/54) ((المعجم الوسيط))(1/159). ، والغرابِ، والفَأْرةِ، والعَقْربِ، والكَلبِ العَقورِ الكلبُ العَقور: هو كل ما عَقَرَ النَّاسَ وعدا عليهم وأخافهم؛ مثل: الأسد والنَّمِر والفهد والذِّئب، وهذا قول الجمهور، وقيل: المراد بالكَلبِ هنا الكلبُ خاصَّةً ولا يلتحِقُ به في هذا الحكم سوى الذئبِ. ينظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (4/39). ، وذلك باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة قال ابن المنذر: (ثبت أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: خمسٌ لا جُناحَ على مَن قتلهنَّ في الإحرام، فذكر الفأرة. ورُوِّينا إباحةَ ذلك عن أبي سعيد الخدري، وبه قال مالك، والثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، ومن تبعهم، وقال عطاء في الجرذ الوحشي: ليس بصيدٍ؛ فاقتُلْه، ومنع النخعي المُحْرِمَ من قتل الفأرة، وهذا لا معنى له، لأنه خلاف السنَّة، وقولِ أهل العلم) ((الإشراف)) (3/254-255). وقال النووي: (واتفق جماهيرُ العلماء على جوازِ قتلهن في الحِلِّ والحرم والإحرامِ، واتفقوا على أنَّه يجوز للمُحْرِم أن يقتُلَ ما في معناهنَّ، ثم اختلفوا في المعنى فيهن وما يكون في معناهن) ((شرح النووي على مسلم)) (8/113). وقال ابن قُدامة: (وله أن يقتُلَ الحِدأةَ، والغرابَ، والفأرة، والعقربَ، والكلبَ العقور، وكلَّ ما عدا عليه، أو آذاه، ولا فداءَ عليه، هذا قول أكثرِ أهلِ العلم؛ منهم الثوري، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وحُكِيَ عن النخعي أنه منع قتلَ الفأرة، والحديثُ صريحٌ في حِلِّ قَتلِها، فلا يُعوَّلُ على ما خالفه) ((المغني)) (3/314). : الحنفية ((الهداية)) للمرغيناني (1/172)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/36). ، والمالكية ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبد البر (1/386)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/366)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/314). المالكية اختلفوا في قتل صغار الحدأة، قال النفراوي: (ولذلك اتفقوا على قتل كبيرها، وجرى الخلاف في صغيرها، فمن نظر إلى الحال منع، ومن نظر إلى المآل أجاز، وعلى المنع لا جزاء في قتلها مراعاة للجواز) ((الفواكه الدواني)) (2/821). ، والشافعية ((المجموع)) للنووي (7/333،334)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/146). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/439)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/314). ، وحُكي الإجماع على ذلك قال ابن المنذر: (أجمعوا على ما ثبت من خبرِ النبيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم مِن قتل التي يقتلُها المُحْرِم، وانفرد النخعيُّ، فمنع مِن قتل الفأرةِ) ((الإجماع)) (ص: 54). وقال البغوي: (قال الإمام: اتَّفق أهل العلم على أنه يجوز للمُحْرم قتلُ هذه الأعيان المذكورة في الخبر، ولا شيء عليه في قَتْلِها إلا ما حكيَ عن النخعي أنه قال لا يَقتُل المحرمُ الفأرة، ولم يذكر عنه فيه فدية، وهو خلافُ النص، وأقاويل أهل العلم) ((شرح السنة)) (7/267-268). وحكاه ابنُ عَبدِ البَرِّ في الجملةِ فقال: (أجمع العلماءُ على القول بجملةِ معنى أحاديث هذا الباب، واختلفوا في تفصيلها) ((الاستذكار)) (4/151).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّة
1- عن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((خمسُ فواسِقَ يُقتلْنَ في الحَرَمِ: الفأرةُ، والعَقربُ، والحُدَيَّا، والغرابُ، والكلبُ العَقورُ )) رواه البخاري (3314) واللفظ له، ومسلم (1198)
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قالتْ حفصةُ رَضِيَ اللهُ عنها: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((خمسٌ من الدَّوابِّ لا حَرَجَ على مَن قتَلَهنَّ: الغرابُ، والحِدَأةُ، والفأرةُ، والعَقربُ، والكلبُ العَقورُ )) رواه البخاري (1828) واللفظ له، ومسلم (1199).
المطلب الثالث: قتلُ المُؤذِياتِ من الحَيَوانات
للمُحرِمِ قَتلُ كُلِّ ما آذاه، سواءٌ كان مِن طَبْعِه الأذى أو لم يكُنْ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّة
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((خمسُ فواسِقَ، يُقتلنَ في الحَرَمِ: الفأرةُ، والعقربُ، والحُدَيَّا، والغرابُ، والكلبُ العَقورُ )) رواه البخاري (3314) واللفظ له، ومسلم (1198)
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الخَبَرَ نصَّ من كل جنسٍ على صورةٍ مِن أدناه؛ تنبيهًا على ما هو أعلى منها، ودلالةً على ما كان في معناها، فنصُّه على الحِدَأةِ والغرابِ تنبيهٌ على البازيِّ ونحوه، وعلى الفأرةِ تنبيهٌ على ما يؤذي من الحشراتِ، وعلى العقربِ تنبيهٌ على الحيَّة، وعلى الكلبِ العقور تنبيهٌ على السِّباعِ التي هي أعلى منه ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/303).
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المنذر قال ابنُ المنذر: (أجمع كلُّ من يُحفظ عنه من أهل العلم، على أن السَّبُعَ إذا بدأ المُحْرِمَ، فقتله، لا شيءَ عليه) ((الإجماع)) (ص: 54). ، وابنُ حزمٍ قال ابن حزم: (أجمعوا أنَّ المحْرم يقتُلُ ما عدا عليه من الكلابِ الكبار والحديان الكبارِ، وأنَّه لا جزاء عليه فيما قتَلَه من ذلك) ((مراتب الإجماع)) (ص: 43).
ثالثا: أنَّ كُلَّ مدفوعٍ لأذاه فلا حُرمةَ له ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/146).

انظر أيضا: