الموسوعة الفقهية

الفصل الأوَّل: الفَواتُ


تمهيدٌ: في تعريفِ الفَواتِ
الفَواتُ لغةً: مَصدَرُ فاتَه يفُوتُه فوَاتًا وفَوْتًا، أي: ذهب عنه، وخرَجَ وقتُ فِعْلِه ((لسان العرب)) لابن منظور (2/ 69،70)، ((القاموس المحيط)) للفيروزآبادي (1/ 157)، ((المصباح المنير)) للفيومي (2/ 482).
الفَواتُ اصطلاحًا: خروجُ العَمَلِ المطلوبِ شرعًا عن وقتِه المحَدَّدِ له شَرعًا ((موسوعة الفقه الكويتية)) (32/211).
المبحث الأوَّل: فَواتُ الحجِّ
مَن فاتَه الوقوفُ بعَرَفةَ حتى طلَعَ الفَجْرُ مِن يومِ النَّحرِ؛ فقد فاته الحجُّ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّة
 عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ يَعْمَرَ الدِّيليِّ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ ناسًا مِن أهْلِ نجدٍ أتَوْا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو بعَرَفةَ، فسألوه، فأمَرَ مناديًا فنادى: الحجُّ عَرَفةُ، من جاء ليلةَ جَمْعٍ قبلَ طُلوعِ الفَجرِ؛ فقد أدرَكَ الحَجَّ )) رواه أبو داود (1949)، والترمذي (889، 2975)، والنسائي (3044)، وابن ماجه (3015)، وأحمد (18796) قال الترمذي: حسنٌ صحيح، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/209)، واحتج به ابن حزم في ((المحلى)) (7/121)، وقال ابنُ عَبْدِ البَرِّ في ((الاستذكار)) (3/638): (لا أشرَفَ ولا أحسَنَ من هذا)، وصحَّحه النووي في ((المجموع)) (8/95)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/230).
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المُنذِر قال ابنُ المُنذِر: (وأجمعوا على أنَّ الوقوفَ بعَرَفةَ فَرْضٌ، ولا حجَّ لِمَن فاته الوقوفُ بها) ((الإجماع)) (ص: 57). ، وابنُ عَبدِ البَرِّ قال ابن عَبدِ البَرِّ: (وذكر مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قصَّةَ أبي أيوبَ إذ فاته الحجُّ، وذَكَر عن نافعٍ عن سليمان بن يَسارٍ قصَّة هَبَّارِ بنِ الأَسْوَدِ إذ فاتَه الحجُّ أيضًا، فأمَرَهما عُمَرُ بنُ الخطَّاب؛ كلَّ واحدٍ منهما أن يَحِلَّ بعَمَلِ عُمرةٍ، ثم يحُجَّ مِن قابلٍ ويهدي، فمَن لم يجِدْ صام ثلاثةَ أيَّامٍ في الحجِّ وسبعةً إذا رجع، وهذا أمر مجتَمَعٌ عليه فيمن فاته الحجُّ بعد أن أحرَمَ به، ولم يدرك عَرَفة إلَّا يومَ النَّحرِ) ((التمهيد)) (15/201). ، وابنُ قُدامة قال ابن قُدامة: (أن آخر وقت الوقوف آخر ليلة النحر، فمن لم يدرك الوقوف حتى طلع الفجر يومئذٍ فاته الحج. لا نعلم فيه خلافًا) ((المغني)) (3/454). ، والنوويُّ قال النووي: (فإذا أحرَمَ بالحجِّ فلم يقِفْ بعَرَفةَ حتى طلَعَ الفَجرُ من يومِ النَّحرِ؛ فقد فاتَه الحجُّ بالإجماع) ((المجموع)) (8/285).
المبحث الثاني: فَواتُ العُمرةِ
العُمرةُ لا يُتصَوَّرُ فَواتُها باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/62). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/294). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/288). ، والحَنابِلَة ((المغني)) لابن قُدامة (3/455). ؛ وذلك لأنَّ جميعَ الزَّمانِ وقْتٌ لها ((المجموع)) للنووي (8/288).
المبحث الثالث: كيفيَّةُ تحلُّلُ مَن فاتَه الحَجُّ
مَن فاتَه الحجُّ لَزِمَه الطَّوافُ والسَّعيُ وحَلْقُ الرَّأسِ أو تقصيرُه، وبذلك يتحلَّلُ مِنَ الحجِّ، وهو باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/61)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/220). ، والمالكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير (2/96). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/287). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/523)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/507). وقولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ قال النووي: (وهو مذهَبُ عُمَرَ، وابنِ عُمَرَ، وزيدِ بنِ ثابتٍ، وابنِ عبَّاسٍ) ((المجموع)) (8/287). وقال ابن قُدامة: (رُوِيَ ذلك عن عمر بن الخطاب، وابنِه، وزيد بن ثابت، وابن عبَّاس، وابنِ الزُّبير، ومروان بن الحَكَم) ((المغني)) (3/454). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابن قُدامة: (ولنا قولُ مَن سَمَّيْنا من الصحابة، ولم نعرِفْ لهم مخالفًا؛ فكان إجماعًا) ((المغني)) (3/454).
الدَّليل مِنَ السُّنَّة:
عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال: ((مَن لم يُدرِكْ عَرَفةَ حتى طلَعَ الفجْرُ؛ فقد فاتَه الحجُّ، فليأتِ البَيتَ فلْيَطُفْ به سبعًا، ولْيطَّوَّفْ بين الصَّفا والمروةِ سبعًا، ثمَّ لْيحلِقْ أو يقَصِّرْ إن شاء، وإن كان معه هديٌ فلْيَنْحَرْه قبل أن يحلِقَ، فإذا فرغَ مِن طوافِه وسَعْيِه فلْيَحلِقْ أو يقصِّرْ، ثم لْيَرجِعْ إلى أهله، فإن أدركَه الحجُّ مِن قابلٍ فليَحُجَّ إن استطاعَ، وليُهْدِ في حَجِّه، فإنْ لم يجِدْ هديًا فليَصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ في الحجِّ وسبعةً إذا رجَعَ إلى أهلِه)) رواه الشافعي في ((الأم)) (3/416)، والبيهقي (10104). صحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/290)، وصححه موقوفًا ابن حجر في ((الدراية)) (2/47)
المبحث الرابع: حُكْمُ التحلُّلِ
اختلف العلماء في التحلل لمن فاته الحج إلى قولين:
القول الأول: مَن فاتَه الحجُّ فله الخيارُ: إن شاء بَقِيَ على إحرامِه للعامِ القابِلِ، وإن شاء تحلَّلَ، والتحلُّلُ أفضَلُ، وهو مذهَبُ المالكيَّة ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عَبدِ البَرِّ (1/401)، ((حاشية الدسوقي)) (2/95)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/295) ، والحَنابِلَة ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 399)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/456). ، واختارَه ابنُ عُثيمين قال ابن عُثيمين: (إذا فاته الوقوفُ وطلعَ الفَجرُ قبل أن يصِلَ إلى عَرَفةَ تحلَّلَ بعمرةٍ، أي: بقَلْبِ نيَّةِ الحجِّ إلى العمرةِ. فطاف وسعى وحلق أو قَصَّر، وإن شاء أن يبقى على إحرامِه إلى الحجِّ القادِمِ فله ذلك، ولكن سيختارُ الأوَّلَ بلا شكٍّ،... ولكن يقال: الأَوْلى أن يتحلَّل؛ لأن ذلك أيسَرُ وأسهَلُ) ((الشرح الممتع)) (7/412). ؛ وذلك لأنَّ تطاوُلَ المدَّةِ بين الإحرامِ وفِعلِ النُّسُكِ لا يمنَعُ إتمامَه، كالعُمرةِ، والمُحْرِمُ بالحجِّ في غيرِ أشهُرِه ((المغني)) لابن قُدامة (3/456).
القول الثاني: أنَّ مَنْ فاتَه الحجُّ لزِمَه التحلُّلُ بعمَل عُمرة، وليس له أنْ يبقي على إحرامِه للعَامِ القابِل، وهو مذهبُ الحنفيَّة [3474] ((البناية شرح الهداية)) للعيني (4/ 458)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/220). ، والشَّافعيَّة [3475] ((المجموع)) للنووي (8/290)، ويُنظر: ((النجم الوهاج)) للدميري (3/534)، ((حاشية الجمل على شرح المنهج)) (2/552). ، واختاره ابنُ المنذر قال ابن المنذر: (واختلفوا فيمن فاته الحج فأقام حرامًا إلى قابل، فقال الشافعي، وأصحاب الرأي: لا يجزيه أن يجج مع الناس من قابل بإحرامه الأول. وحكى ابن وهب عن مالك أنه قال: كما قال الشافعي. وحكى ابن نافع عنه أنه قال: إن أحب أن يقيم على إحرامه فعل وأقام حتى يحج قابل، أو إن أحب حل بعمرة وعليه حج قابل والهدي. قال أبو بكر: قول الشافعي صحيح). (( الإشراف)) (3/388).
الأدلة:
أولًا: من الآثار
1- عن ابن عمر أنه قال: (من لم يدرك عرفة حتى طلع الفجر فقد فاته الحج فليأت البيت فليطف به سبعا وليطوف بين الصفا والمروة سبعا ثم ليحلق أو يقصر إن شاء وإن كان معه هدي فلينحره قبل أن يحلق فإذا فرغ من طوافه وسعيه فليحلق أو يقصر ثم ليرجع إلى أهله فإن أدركه الحج من قابل فليحجج إن استطاع وليهد في حجه فإن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله) أخرجه الشافعي في ((الأم)) (3/416)، والبيهقي (5/174) (10104). صحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/290)، وصححه موقوف ًا ابن حجر في ((الدراية)) (2/47)
2- عن سليمان بن يسار: (أن أبا أيوب الأنصاري خرج حاجا حتى إذا كان بالنازية من طريق مكة ضلت راحلته فقدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم النحر فذكر ذلك له فقال له عمر اصنع كما يصنع المعتمر ثم قد حللت فإذا أدركت الحج قابلا فاحجج وأهد ما استيسر من الهدي) أخرجه مالك في ((الموطأ)) (1/308)، والشافعي في ((الأم)) (3/416)، والبيهقي (10105) صحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/291)، وصححه ابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/428)، وصحح إسناده ابن حجر في ((الدراية)) (2/46) وقال: إلا أنه اختلف فيه على سليمان بن يسار.
3- وروى مالك أيضا في الموطأ بإسناده عن سليمان بن يسار: (أن هبار بن الأسود جاء يوم النحر وعمر بن الخطاب ينحر هديه فقال يا أمير المؤمنين أخطأنا العدة كنا نظن أن هذا اليوم يوم عرفة فقال له عمر اذهب إلى مكة فطف بالبيت أنت ومن معك واسعوا بين الصفا والمروة وانحروا هديا إن كان معكم ثم احلقوا أو قصروا ثم ارجعوا فإذا كان عام قابل فحجوا وأهدوا فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع) أخرجه مالك في ((الموطأ)) (1/383)، والشافعي في ((الأم)) (3/416)، وابن وهب في ((الجامع)) (133)، والبيهقي (10106) وصحح إسناده ابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/428)، وقال ابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (3/940): صورته منقطع لكن ذكر موصولا، وصحح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/260)
4- وعن الأسود قال (سألت عمر عن رجل فاته الحج قال يهل بعمرة وعليه الحج من قابل ثم سألت في العام المقبل زيد بن ثابت عنه فقال يهل بعمرة وعليه الحج من قابل) أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (13864)، ومحمد بن الحسن الشيباني في ((الحجة على أهل المدينة)) (2/332)، والبيهقي (10107). صحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/291)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (4/346)
ثانيًا: لأن إحرام الحج يصير في غير أشهره فصار كالمحرم بالعبادة قبل وقتها [3481] ((المغني)) لابن قُدامة (3/456)، ((النجم الوهاج)) للدميري (3/534).
ثالثًا: لأن استدامة الإحرام كابتدائه, وابتداؤه لا يصح فكذلك الاستدامة [3482] ((النجم الوهاج)) للدميري (3/534).
المبحث الخامس: ما يَلزَمُ مَن فاتَه الحَجُّ
المطلب الأوَّل: القَضاءُ
الفرع الأوَّل: حُكْمُ قضاءِ الحَجِّ الواجِبِ
مَن فاتَه الحَجُّ الواجِبُ لَزِمَه القضاءُ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك الجصَّاصُ قال الجصَّاص: (اتِّفاقُ الجميعِ أنَّ على المريض القضاءَ إذا فاته الحجُّ، وإن كان معذورًا في الفواتِ،كما يلزَمُه لو قصَدَ إلى الفواتِ مِن غيرِ عُذرٍ) ((أحكام القرآن)) (1/348). ، وابنُ رُشدٍ قال ابنُ رشد: (لا خلافَ أنَّ مَن فاتَه الحجُّ بعد أنْ شَرَع فيه، إمَّا بِفَوتِ رُكْنٍ من أركانِه، وإمَّا مِن قِبَلِ غَلَطِه في الزَّمان، أو مِن قِبَل جَهلِه أو نسيانِه أو إتيانِه في الحجِّ فِعلًا مُفسدًا له- فإنَّ عليه القضاءَ إذا كان حجًّا واجبًا) ((بداية المجتهد)) (1/370). ، وبرهانُ الدِّين ابنُ مُفْلِح ((المبدع شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/191). ، وابنُ نجيم قال ابن نجيم: (لزومُ القَضاءِ؛ سواءٌ كان ما شَرَعَ فيه حَجَّةَ الإسلامِ أو نذرًا أو تطوُّعًا، ولا خلافَ بين الأمَّةِ في هذه الثلاثةِ، فدَليلُها الإجماعُ) ((البحر الرائق)) (3/61).
ثانيًا:أنَّه فَرْضٌ ولم يأتِ به على وَجْهِه، فلم يكُنْ بدٌّ من الإتيانِ به ليخرُجَ عن عُهدَتِه، وتسمِيَتُه قضاءً باعتبارِ الظَّاهِرِ (المبدع شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/191).
مسألةٌ:
إذا قَضى أجزَأَه القضاءُ عن الحَجَّةِ الواجِبةِ
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:
 نقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ قُدامة قال ابن قُدامة: (إذا قضى أجزَأَه القضاءُ عن الحَجَّة الواجبة، لا نعلَمُ في هذا خلافًا؛ لأنَّ الحجَّةَ المقضِيَّة لو تمَّتْ لأجزَأَتْ عن الواجِبةِ عليه، فكذلك قضاؤُها؛ لأن القضاءَ يقوم مقامَ الأداء) ((المغني)) (3/455).
الفرع الثاني: حُكْمُ قضاءِ الحَجِّ النَّفْلِ
مَن فاتَه الحجُّ النَّفْلُ لَزِمَه القضاءُ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/61)، ويُنظر: ((النهر الفائق)) لابن نجيم (2/160). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/301)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و((حاشية الدسوقي)) (2/96). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/301)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/182). ، والحَنابِلَة هذا المَذهَبُ، وعن أحمد روايةٌ: (أنَّه لا قضاء عليه، بل إن كانت فرضًا فَعَلَها بالوجوبِ السابق، وإن كانت نفلًا سقَطَتْ. وروي هذا عن عطاءٍ، وهو إحدى الروايتين عن مالك؛ لأنَّه لو وجب القضاءُ لكان الحج واجبًا أكثَرَ من مرَّةٍ، ولأنه معذورٌ في ترك إتمام حَجِّه، فلم يلزَمْه القضاءُ كالمحصَر، ولأنها عبادةُ تطوُّعٍ، فلم يجب قضاؤُها، كسائِرِ التطوُّعات) ((المغني)) لابن قُدامة (3/455)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/47)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/524). ، وحُكيَ فيه الإجماعُ قال ابن نجيم: (لزومُ القَضاءِ؛ سواءٌ كان ما شَرَعَ فيه حَجَّةَ الإسلامِ أو نذرًا أو تطوُّعًا، ولا خلافَ بين الأمَّةِ في هذه الثلاثةِ، فدَليلُها الإجماعُ) ((البحر الرائق)) (3/61). ووصَفَ ابنُ رشدٍ القولَ بعدمِ الوجوبِ بالشذوذِ، فقال: (شَذَّ قومٌ، فقالوا: لا هَدْيَ أصلًا ولا قضاءَ إلَّا أن يكون في حجٍّ واجبٍ) ((بداية المجتهد)) (1/370).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
1- قال اللهُ تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة: 196]
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الآيةَ تقتضي إيجابَ النُّسُكِ بالدُّخولِ فيه، فيلزَمُه القضاءُ بالخُروجِ منه قبل إتمامِه ((أحكام القرآن)) للجصاص (1/348).
2- قال اللهُ تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29]
وَجهُ الدَّلالةِ:
 أنَّه لَمَّا شَرَعَ وأحرَمَ بالنُّسُكِ، صار ذلك واجبًا، كأنَّما نَذَرَه نَذْرًا، وهذا هو معنى قولِه: وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/413). [الحج: 29]
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقَلَ إجماعَ الصَّحابةِ رُوِيَ ذلك عن عُمَرَ، وابنِه، وزيدٍ، وابنِ عباس، وابنِ الزبير- رَضِيَ اللهُ عنهم. ((المغني)) لابن قُدامة (3/455)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/510). على ذلك: الماورديُّ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/239). ، وابنُ قُدامة ((المغني)) لابن قُدامة (3/455).
ثالثًا: مِنَ الآثارِ
1- عنِ الأسْوَدِ بنِ يَزيدَ: (أنَّ رجُلًا فاته الحجُّ، فأمَرَه عُمَرُ بنُ الخطَّابِ أن يَحِلَّ بعُمرةٍ، وعليه الحجُّ مِن قابلٍ) أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (13864)، ومحمد بن الحسن الشيباني في ((الحجة على أهل المدينة)) (2/332)، والبيهقي (10107). صحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/291)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (4/346) ، وفي روايةٍ: (قال الأسْوَدُ: مكَثْتُ عشرينَ سنةً، ثمَّ سألتُ زيدَ بنَ ثابتٍ عن ذلك؟ فقال مِثلَ قَولِ عُمَرَ) أخرجه البيهقي (10108) صحح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/346)
2- عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال:(مَن لم يُدرِكْ عَرَفةَ حتى طلَعَ الفجْرُ؛ فقد فاتَه الحجُّ، فليأتِ البَيتَ فلْيَطُفْ به سبعًا، ولْيطَّوَّفْ بين الصَّفا والمروةِ سبعًا، ثمَّ لْيحلِقْ أو يقَصِّرْ إن شاء، وإن كان معه هديٌ فلْيَنْحَرْه قبل أن يحلِقَ، فإذا فرغَ مِن طوافِه وسَعْيِه فلْيَحلِقْ أو يقصِّرْ، ثم لْيَرجِعْ إلى أهله، فإن أدركَه الحجُّ مِن قابلٍ فليَحُجَّ إن استطاعَ، وليُهْدِ في حَجِّه، فإنْ لم يجِدْ هديًا فليَصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ في الحجِّ وسبعةً إذا رجَعَ إلى أهلِه) رواه الشافعي في ((الأم)) (3/416)، والبيهقي (10104). صحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/290)، وصححه موقوفًا ابن حجر في ((الدراية)) (2/47)
وَجهُ الدَّلالةِ مِن هذه الآثارِ:
أنَّ عُمومَها يشمَلُ الفَرْضَ والنَّفْلَ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/524).
رابعًا: أنَّ الحجَّ يلزَمُ بالشُّروعِ فيه، فيصيرُ كالمنذورِ، بخلافِ سائِرِ التطَوُّعاتِ ((المغني)) لابن قُدامة (3/455)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/524).
خامسًا: أنَّ المانِعَ من إجزاءِ الحَجِّ شيئان: فواتٌ وفسادٌ، فلمَّا كان الفسادُ موجِبًا للقضاءِ، وجب أن يكون الفَواتُ مُوجبًا للقضاءِ ((الحاوي الكبير)) للماوردي(4/239).
سادسًا: أنَّ الوقوفَ له وقتٌ محدودٌ يُمكِنُ في العادةِ ألَّا يتأخَّرَ عنه، فتأخُّرُه يكونُ لجَهلِه بالطَّريقِ، أو بما بَقِيَ من الوقتِ، أو لتَرْكِ السَّيرِ المعتادِ، وكلُّ ذلك تفريطٌ منه، فيجِبُ عليه القضاءُ لتَفريطِه ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (26/229).
المطلب الثاني: الهَدْيُ
مَن فاتَه الحجُّ يلزَمُه هَدْيٌ، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ: المالكيَّة ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/301). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/285). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/524).
الأدلَّة مِنَ الآثارِ:
1- عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال:((مَن لم يُدرِكْ عَرَفةَ حتى طلَعَ الفجْرُ؛ فقد فاتَه الحجُّ، فليأتِ البَيتَ فلْيَطُفْ به سبعًا، ولْيطَّوَّفْ بين الصَّفا والمروةِ سبعًا، ثمَّ لْيحلِقْ أو يقَصِّرْ إن شاء، وإن كان معه هديٌ فلْيَنْحَرْه قبل أن يحلِقَ، فإذا فرغَ مِن طوافِه وسَعْيِه فلْيَحلِقْ أو يقصِّرْ، ثم لْيَرجِعْ إلى أهله، فإن أدركَه الحجُّ مِن قابلٍ فليَحُجَّ إن استطاعَ، وليُهْدِ في حَجِّه، فإنْ لم يجِدْ هديًا فليَصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ في الحجِّ وسبعةً إذا رجَعَ إلى أهلِه)) رواه الشافعي في ((الأم)) (3/416)، والبيهقي (10104). صحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/290)، وصححه موقوفًا ابن حجر في ((الدراية)) (2/47)
2- قول عُمَرَ لأبي أيوبَ رَضِيَ اللهُ عنهما لَمَّا فاته الحجُّ: ((اصنَعْ ما يصنَعُ المعتمِرُ، ثمَّ قد حلَلْتَ، فإن أدركْتَ الحجَّ قابلًا فحُجَّ، وأهْدِ ما تيسَّرَ مِنَ الهَدْيِ)) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/562)، والبيهقي (5/174) (10105). وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/291) وابن حجر في ((الدراية)) (2/46) وقال: إلا أنه اختلف فيه على سليمان بن يسار، وصححه ابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/428).

انظر أيضا: