الموسوعة الفقهية

المبحثُ السادسُ: لُبْسُ المَخِيطِ


تمهيدٌ: تعريفُ المَخِيطِ
المَخِيطُ: هو المفصَّلُ على قَدْرِ البَدَن أو العُضْوِ، بحيث يُحيطُ به، ويستمْسِكُ عليه بنَفْسِه، سواءٌ كان بخياطةٍ أو غيرِها، مثل: القميص، والسَّراويل، ونحو ذلك ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/348)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/489)، ((المجموع)) للنووي (7/255)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/67).
المَطْلَب الأوَّل: حُكْمُ لُبْسِ المَخِيطِ للذَّكَر
لُبْسُ المَخِيطِ للذَّكَرِ مِن محظوراتِ الإحرامِ من أحرم بالمَخِيطِ أو لَبِسَه بعد إحرامه ليَدْخُلَ به مَكَّةَ، لعدم حَمْلِه تصريحًا بالحَجِّ، فحَجُّه صحيحٌ، لكنَّه يأثم بارتدائِه المَخِيط، وتَجِبُ عليه الفِدْية. ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عُثيمين)) (21/ 356، 357) (23/448، 450). وقال النوويُّ فيمن يتعمَّدُ ارتكابَ محظورٍ من محظوراتِ الإحرامِ: (وربَّما ارتكبَ بعضُ العامَّةِ شيئًا من هذه المُحَرَّماتِ وقال: أنا أفتدي متوهِّمًا أنَّه بالتزامِ الفِدْية يتخلَّصُ من وبالِ المعصِيَة، وذلك خطأٌ صريحٌ، وجهلٌ قبيحٌ، فإنَّه يَحْرُم عليه الفِعْلُ، وإذا خالف أثِمَ ووجبت الفِدْيةُ، وليست الفِدْية مبيحةً للإقدامِ على فِعْلِ المُحَرَّمِ، وجهالةُ هذا الفاعِل كجهالةِ من يقول: أنا أشرب الخَمْرَ وأزني والحَدُّ يُطَهِّرني، ومن فعل شيئًا مما يُحْكَمُ بتحريمه فقد أخرج حَجَّهً عن أن يكون مَبرورًا) (الإيضاح في مناسك الحَجِّ)) (ص: 211).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن يَعْلى بنِ أمَيَّةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((بينما النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم بالجِعْرانَةِ الجِعْرانَة: موضعٌ قريبٌ من مَكَّةَ، وهي في الحِلِّ، وميقاتٌ للإحرامِ، وهي بتسكينِ العينِ والتخفيفِ، وقد تُكْسَرُ العين، وتُشَدَّدُ الراءُ. ((النهاية)) لابن الأثير (1/ 276). ، ومعه نفَرٌ من أصحابِه، جاءه رجلٌ، فقال: يا رَسولَ الله، كيف ترى في رجلٍ أحرمَ بعُمْرَةٍ، وهو مُتَضَمِّخٌ التضمُّخ: التلطُّخُ بالطِّيبِ وغَيْرِه، والإِكثارُ منه حتى كأنَّما يقطُرُ. ((لسان العرب)) لابن منظور (3/ 36). بطيبٍ؟ فسكت النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم ساعةً، فجاءه الوحيُ، فأشار عُمَرُ رضِيَ اللهُ عنه إلي يَعلَى، فجاء يَعلَى، وعلى رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثَوبٌ قد أظَلَّ به، فأدخَلَ رأسَه، فإذا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ مُحمَرُّ الوَجهِ وهو يغُطُّ، ثم سُرِّي عنه، فقال: أين الذي سألَ عن العُمْرَةِ؟ فأُتِي برجُلٍ، فقال: اغسِلِ الطِّيبَ الذي بك ثلاثَ مرَّاتٍ، وانزِعْ عنك الجُبَّة، واصْنَعْ في عُمْرَتِك كما تصنَعُ في حَجَّتِك )) رواه البخاري (1536) واللفظ له، ومسلم (1180).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ قَوْلَه: ((وانزِعْ عنك الجُبَّة)) دلَّ على عدم جوازِ لُبْسِ المَخِيط للمُحْرِم، ومن ذلك لُبْسُ الجبَّة ((عمدة القاري)) للعيني (16/122).
2- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رجلًا سأل رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم: ما يلبَسُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّيابِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم: لا تَلْبَسوا القُمُصَ، ولا العمائِمَ، ولا السَّراويلاتِ، ولا البَرانِسَ، ولا الخِفافَ )) رواه البخاري (5803)، ومسلم (1177) واللفظ له.
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم نهى عن خمسةِ أنواعٍ مِنَ اللِّباسِ تشملُ جميعَ ما يَحْرُم، وذلك أنَّ اللِّباسَ إمَّا أن يُصنَع للبَدَن فقط: فهو القَميصُ وما في معناه، أو للرَّأسِ فقط: وهو العِمامةُ وما في معناها، أوْ لَهما: وهو البُرْنُسُ وما في معناه، أو للفَخِذَينِ والسَّاق: وهو السَّراويلُ وما في معناها، أو للرِّجلينِ: وهو الخُفُّ ونحوه (الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/127، 130، 131).
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (أجمع أَهْل العِلْم على أنَّ المُحْرِم ممنوعٌ مِن لُبس القُمُصِ، والعمائم، والسراويلات، والخِفاف، والبرانس، وأجمعوا على أنَّ للمرأة المُحْرِمة: لُبْسَ القميص، والدُّروع، والسراويل، والخُمُر، والخِفاف) ((الإجماع)) (ص: 53)، ويُنْظَر: ((المجموع)) للنووي (7/254). ، وابنُ حَزْم قال ابنُ حزم: (أجمعوا أَن الرجلَ المُحْرِمَ يجتنب لِباسَ العمائم والقلانِس والجِباب والقُمُص والمَخِيط والسراويل التي لا تسمَّى ثيابًا إن وَجَدَ إزارًا) ((مراتب الإجماع)) (ص: 42). ، وابنُ عَبْدِ البَرِّ قال ابنُ عبدِ البرِّ: (لا يجوز لِباسُ شيءٍ من المَخِيط عند جميعِ أَهْل العِلْم) ((الاستذكار)) (4/14)، ويُنْظَر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/272). ، وابنُ رشدٍ قال ابنُ رشد: (اتفق العلماء على أنَّه لا يلبس المُحْرِم قميصًا ولا شيئًا مما ذكر في هذا الحديث ولا ما كان في معناه من مَخِيط الثياب وأن هذا مخصوص بالرجال أعني تحريم لبس المَخِيط وأنَّه لا بأس للمرأة بلبس القميص والدرع والسراويل والخفاف والخمر) انظر: ((بداية المجتهد)) (1/326، 327).
المسألةُ الثَّانيةُ: لُبْسُ المرأةِ المَخِيطَ لغيرِ الوَجْهِ والكَفَّينِ
يجوزُ للمرأةِ المُحْرِمةِ أن تَلْبَسَ المَخِيطَ لغيرِ الوَجْهِ والكَفَّينِ.
الدليلُ مِنَ الإجماعِ:
نقلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (أجمع أَهْل العِلْم على أن للمرأة المُحْرِمة لبس القميص، والدرع، والسراويلات، والخمر، والخفاف) ((الإشراف)) (3/220). وابنُ عَبْدِ البَرِّ قال ابنُ عبدِ البرِّ: (أجمعوا على أنَّ المراد بهذا، الذكور دون النساء، وأنَّه لا بأس للمرأة بلباس القميص والدرع والسراويل والخمر والخفاف) ((الاستذكار)) (4/14)، ويُنْظَر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/272). وابنُ رُشْدٍ قال ابنُ رشد: (اتَّفقَ العلماء على أنَّه لا يلبس المُحْرِم قميصًا ولا شيئًا مما ذكر في هذا الحديث، ولا ما كان في معناه من مَخِيط الثيابِ، وأن هذا مخصوصٌ بالرجال- أعني تحريمَ لبس المَخِيط- وأنَّه لا بأس للمرأةِ بلُبس القميص والدِّرع والسراويل والخِفاف والخُمُر). ((بداية المجتهد)) (1/326، 327).
المسألة الثَّالِثة: لُبْسُ الخِفافِ للمُحْرِمِ الذَّكَرِ
لُبْسُ الخُفِّ الخُفُّ: ما يُلبَسُ على الرِّجْلِ مِن جِلْدٍ، أو نحوه. حرامٌ على الرجُلِ المُحْرِم، سواءٌ كان الخُفُّ صحيحًا أو مُخَرَّقًا، إلَّا لِمَن لم يجِدِ النَّعلينِ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم قال: ((إلَّا أحَدٌ لا يجِدُ النَّعلينِ فلْيَلْبَسِ الخُفَّينِ، ولْيَقْطَعْهما أسفَلَ مِنَ الكعبينِ )) رواه البخاري (134)، ومسلم (1177) واللفظ له.
2- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: سَمِعْتُ النَّبي صلَّى الله عليه وسَلَّم يَخْطُبُ بعَرَفَاتٍ: ((مَن لم يجِدْ النَّعْلينِ فلْيَلْبَسْ الخُفَّينِ، ومَن لم يجِدْ إزارًا فلْيَلْبَسْ سَراويلَ )) رواه البخاري (1841) واللفظ له، ومسلم (1178).
3- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم: ((مَن لم يَجِدْ نَعْلينِ فلْيَلْبَسْ خُفَّينِ، ومَن لم يَجِدْ إزارًا فلْيَلْبَسْ سَراويلَ )) رواه مسلم (1179).
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (وأجمعوا على أنَّ المُحْرِم ممنوعٌ مِن لُبس القميص والعمامة والسراويل والخفاف والبرانس) ((الإجماع)) (ص: 107). ، والنَّوَوِيُّ قال النووي: (... وأجمع العلماءُ على أنَّه لا يجوز للمُحْرِم لُبسُ شيءٍ من هذه المذكورات) ((شرح النووي على مسلم)) (8/73).
المسألة الرَّابِعةُ: حُكْمُ قَطْعِ الخُفَّينِ لِمَن لم يَجِدْ نَعْلينِ
مَن لم يَجِدْ نَعْلينِ فلَبِسَ خُفَّينِ، لا يجِبُ عليه قَطْعُهما، وهو مَذْهَبُ الحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/329)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/426). ، وبه قالَتْ طائِفةٌ مِنَ السَّلَف قال ابنُ قُدامة: (ويُروَى ذلك عن علي بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عنه، وبه قال عطاء، وعكرمة، وسعيد بن سالم القداح) ((المغني)) (3/281). ، واختارَه ابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (... فله أن يَلْبَسَ الخُفَّ ولا يقطعه، وكذلك إذا لم يجد إزارًا فإنَّه يلبَسُ السَّراويلَ ولا يفْتُقه، هذا أصحُّ قوليِ العلماء) ((مجموع الفتاوى)) (26/110). ، وابنُ القَيِّمِ ((تهذيب سنن أبي داود)) لابن القَيِّمِ (5/278-279). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (وكذا من لم يجِدْ نعلينِ جاز له لُبْس الخُفَّين من غيرِ قطعٍ...) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/53). ، وابنُ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/130-131).
 الأدلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم يخطُبُ بعَرَفاتٍ: ((مَن لم يَجِدِ النَّعلينِ فلْيَلْبَسِ الخُفَّينِ، ومن لم يجِدْ إزارًا فلْيَلْبَسِ السَّراويلَ )) رواه البخاري (1841) واللفظ له، ومسلم (1178).
2- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم: ((مَن لم يجِدْ نَعْلينِ فلْيَلْبَسْ خُفَّينِ، ومن لم يجِدْ إزارًا فلْيَلْبَسْ سَراويلَ )) رواه مسلم (1179).
وَجْهُ الدَّلالَة مِنَ الحَديثينِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أذِنَ في لُبْسِ الخُفَّينِ عند فَقْدِ النَّعلينِ، ولم يأمُرْ بقَطْعِهما، وتأخيرُ البيانِ عَن وقْتِ الحاجَةِ غيرُ جائزٍ، فلو كان القطْعُ واجبًا لبَيَّنَه صلَّى الله عليه وسَلَّم ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/54).
المَطْلَب الثَّاني: لُبْسُ المُحْرِمِ للخاتَمِ
يجوز للمُحْرِم لُبْسُ الخاتَمِ ويجوز للمُحْرِم لُبس الساعة، والنظَّارة، وسمَّاعة الأذن، وتركيبةُ الأسنان، وذلك لأنها كلَّها ليست في معنى ما نهى النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم المُحْرِمَ عن لُبْسه من أنواع الألبسة. يُنْظَر: ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/132). ، وذلك مذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي(2/14)، ويُنظر: ((فتح القدير)) لابن الهمام (2/444). والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/255)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/518). والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/449). وهو قولٌ عند المالِكِيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/432)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/141).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الآثارِ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: لا بأسَ بالخاتَمِ للمُحْرِمِ رواه الدارقطني (2/233)، والبيهقي (9455). جوَّد إسناده ابن الملقن في ((شرح البخاري)) (11/99)،
ثانيًا: أنَّه لا دليلَ يمنَعُ المُحْرِمَ مِنْ لُبْسِ الخاتَمِ ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (22/ 107).
المَطْلَب الرَّابِع: لُبْسُ الهِمْيانِ (وعاءُ النَّفَقةِ)
يجوز للمُحْرِمِ لُبْسُ الهِمْيانِ قال ابنُ حجر: (أي تكَّةُ اللِّباسِ، ويُطلَقُ على ما يوضَعُ فيه النفقةُ في الوَسَطِ) ((فتح الباري)) (1/202). ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة ((الهداية شرح البداية)) للمرغيناني (1/139). ، والمالِكِيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 141)، ويُنظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/470). ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/254، 255). ، والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (5/427)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/331)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/427). ، وهو مَذْهَبُ الظَّاهِريَّة ((الاستذكار)) لابن عَبْدِ البَرِّ (4/22) ، وبه قال أكثرُ العُلَماءِ قال ابنُ عبدِ البرِّ: (أجاز ذلك جماعةُ فقهاءِ الأمصارِ متقدِّموهم ومتأخِّروهم، وعن جماعةٍ من التابعين بالحِجَاز والعراقِ مثل ذلك). ((التمهيد)) (15/118). وقال أيضًا: (قد قال إسحاق بن راهويه: ليس للمُحْرِمِ أن يعقِدَ- يعني المِنْطَقة- ولكن له أن يُدخِلَ السُّيورَ بَعْضَها في بعض. وقول إسحاقَ لا يُعَدُّ خلافًا على الجميع، وليس له أيضًا حَظٌّ من النظر، ولا له أصلٌ؛ لأنَّ النهي عن لباس المَخِيط، وليس هذا منه، فارتفع أن يكون له حُكْمُه) ((التمهيد)) (15/118)، ((الاستذكار)) لابن عَبْدِ البَرِّ (4/22). ، وطائفةٌ مِنَ السَّلَف ورَدَ عن طائفةٍ من الصحابة، كعائشة، وابن عباس، وابن عمر رَضِيَ اللهُ عنهم، وسعيد بن المسيب، وعطاء ومجاهد، وطاوس، والقاسم، والنخعي، والشافعي، وإسحاق، وأبي ثور، وأصحاب الرأي. يُنْظَر: ((الاستذكار)) لابن عَبْدِ البَرِّ (4/22)، ((المغني)) لابن قُدامة(3/284). ، وحُكي في ذلك الإجماعُ قال ابنُ عبدِ البرِّ: (قال ابنُ عُلَيَّة: قد أجمعوا على أنَّ للمُحْرِمِ أن يعقد الهْمِيانَ والمِئْزرَ على مِئْزَره وبالمِنْطَقة كذلك) ((الاستذكار)) (4/22). وقال النووي: (إنَّه قولُ العلماءِ كافةً إلَّا ابنَ عُمَرَ ومولاه) ((المجموع)) (7/254، 255).
الأدلَّة:
أَوَّلًا: مِنَ الآثارِ
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّها سُئِلَتْ عن الهِمْيانِ للمُحْرِم، فقالت: وما بأسٌ؛ لِيَسْتَوثِق مِن نَفَقَتِه رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (15686)، والبيهقي (9453) واللفظ له. صَحَّح إسناده ابن حجر في ((الكافي الشاف)) (174)، والألباني في ((حَجَّة النبي)) (30).
ثانيًا: أنَّ الهِمْيانَ لا يدخُلُ في المنهيِّ عنه لا بالنَّصِّ ولا بالمعنى ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (22/ 107).
ثالثًا: أنَّ شَدَّ الهِمْيانِ في الوَسَطِ هو ضرورةُ حِفْظِ النَّفقةِ، ومِمَّا تدعو الحاجةُ إليه؛ فجاز كعَقْدِ الإزارِ ((الذخيرة)) للقرافي (3/306)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/277).
مَسْألةٌ: عَقْدُ الرِّداءِ
يجوزُ عَقْدُ الرِّداءِ عند الحاجةِ، وهو قولُ بعض الشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/255،256). ، اختاره الجُوَينيُّ، والغزاليُّ ((المجموع)) للنووي (7/255،256). ، وهو قول ابنُ حَزْمٍ قال ابنُ حزم: (وللمُحْرِم أن يشُدَّ المِنْطَقة على إزاره إن شاء أو على جِلْده ويحتزِمَ بما شاء, ويحمِل خُرْجَه على رأسِه, ويعقِدَ إزارَه عليه ورداءَه إن شاء) ((المحلى)) (7/258). ، وابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (يجوز عقْدُ الرداء في الإحرام، ولا فديةَ عليه فيه) ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 466). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (لو أنَّ الرجلَ عقد الرداءَ على صدرِه، فليس حرامًا) ((الشرح الممتع)) (7/132). وقال أيضًا: (ويجوز لُبْسُ السبتة، وساعة اليد، ونظارة العين، وعَقْدُ ردائه وزَرُّه بمشْبَكٍ ونحوه) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (24/392-393).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
سُئِلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم عمَّا يَلْبَسُ المُحْرِمَ، فقال: ((لا يلبَسِ القمصَ، ولا العمائِمَ، ولا السَّراويلاتِ، ولا البرانِسَ، ولا الخِفافَ )) رواه البخاري (1542)، ومسلم (1177).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ إجابَتَه صلَّى الله عليه وسَلَّم بما لا يُلْبَسُ عن السُّؤالِ عمَّا يُلْبَسُ؛ دليلٌ على أنَّ كُلَّ ما عدا هذه المذكوراتِ مِمَّا يلْبَسُه المُحْرِمُ ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (24/392-393). وقال ابنُ تيميَّة: (النبي صلَّى الله عليه وسَلَّم لم يذكُرْ فيما يَحْرُم على المُحْرِم، وما ينهى عنه، لفظًا عامًّا يتناول عقد الرداءِ، بل سُئِلَ صلَّى الله عليه وسَلَّم عما يلبس المُحْرِم من الثيابِ، فقال: لا يلبس القميص، ولا البرانس، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا الخفاف، إلَّا من لم يجِدْ نَعْلينِ) ((الفتاوى الكبرى)) (1/333).
ثانيًا: أنَّه لم يَرِدْ في ذلك منعٌ عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم، وليس هو في معنى المنصوصِ على مَنْعِه ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (24/ 280).
ثالثًا: أنَّ الرداءَ وإن عُقِدَ، لا يخرُجُ عن كونِه رداءً ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/132).
مَسْألةٌ: عَقْدُ الإزارِ للمُحْرِمِ
يجوز عَقْدُ الإزارِ للمُحْرِم إذا لم يَثْبُتْ ويستمْسِكْ إلَّا بذلك قال ابنُ عُثيمين: (لو شبَّك رداءه بمشبك فإنَّه لا يُعَدُّ لُبسًا، بل هو رداءٌ مُشَبَّك، لكن بعض الناس توسَّعوا في هذه المسألة، وصار الرجل يُشَبِّك رداءه من رَقَبَتِه إلى عانَتِه، فيبقى كأنَّه قميصٌ ليس له أكمامٌ، وهذا لا ينبغي) ((الشرح الممتع)) (7/130،131). ، وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/249،255). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/331). ، واختارَه ابنُ حزم قال ابنُ حزم: (ويعقِدُ إزاره عليه ورداءَه إن شاء) ((المحلى)) (7/258). ، وابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (وله أن يعقدَ ما يحتاج إلى عقده كالإزارِ) ((مجموع الفتاوى)) (26/111). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (ويجوز له عَقْدُ الإزارِ وربطُه بخيط ونحوه؛ لعدمِ الدَّليلِ المقتضي للمنع) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/54).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
سُئِلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم عما يلبَسُ المُحْرِمَ، فقال: ((لا يلبَسِ القمصَ، ولا العمائِمَ، ولا السَّراويلات، ولا البرانِسَ، ولا الخِفافَ )) رواه البخاري (1542)، ومسلم (1177).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ إجابَتَه صلَّى الله عليه وسَلَّم بما لا يُلْبَسُ عن السُّؤالِ عمَّا يُلْبَسُ؛ دليلٌ على أنَّ كُلَّ ما عدا هذه المذكوراتِ مِمَّا يلْبَسُه المُحْرِمُ ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيميَّة (1/333)، ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (24/392-393).
ثانيًا: أنَّه لم يَرِدْ في ذلك منعٌ عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم، وليس هو في معنى المنصوصِ على مَنْعِه ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (24/ 280).
ثالثًا: أنَّ فيه مصلحةً له، وهو أن يَثْبُت عليه ((المجموع)) للنووي (7/249،255)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (21/201).
رابعًا: أنَّه يُحتاجُ إليه لسَتْرِ العورةِ، فيباحُ، كاللِّباسِ للمرأةِ ((المغني)) لابن قُدامة (3/284).
المَطْلَب الخامس: سَتْرُ المُحْرِمةِ وَجْهَها
الفرع الأوَّل: سَتْرُ المُحْرِمةِ وَجْهَها بالنِّقابِ
أَوَّلًا: تعريفُ النِّقابِ
النِّقابُ هو: لباسُ الوَجْهِ؛ وهو أن تَسْتُرَ المرأةُ وَجْهَها، وتفتَحَ لِعَيْنَيها بقَدْرِ ما تنظُرُ منه ((لسان العرب)) لابن منظور (1/ 768)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/134).
ثانيًا: حُكْمُ النِّقابِ للمُحْرِمةِ
لُبْسُ النِّقابِ من محظوراتِ الإحرامِ على المرأة، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة [1241] ((حاشية ابن عابدين)) (2 / 488)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1 / 421). والمذهب عندهم حظر تغطية المرأة وجهها سواء بالنقاب أو غيره. يُنْظَر: ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (1/280) ، والمالِكِيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (3/141)، ويُنظر: ((الاستذكار)) لابن عَبْدِ البَرِّ (4/15). ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (3/167). ، والحَنابِلَة ((شرح منتهي الإرادات)) للبهوتي (1/ 551)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/323)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/134). ، وبه قالَتْ طائِفةٌ مِنَ السَّلَف قال ابنُ المُنْذِر: (قال ابنُ عمر، وعطاء، ونافع، والنخعي: لا تنتقب المرأةُ ولا تلبسِ القُفَّازين، وقال الأسود، وعلقمة: لا تنتقِب المرأةُ، وقال الحكم، وحماد: لا تلبَسِ البرقعَ، وبه قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي. وكان مالك يكره القفَّازين، والنقاب، وقال الثوري: لا تتبرقَعْ، ولا تلتَثِم) ((الإشراف)) (3/220). قال ابنُ عبدِ البرِّ: (وعلى كراهةِ النِّقاب للمرأة جمهورُ علماء المسلمين من الصَّحابة والتابعين ومَن بَعْدَهم من فقهاء الأمصارِ) ((الاستذكار)) (4/15).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أنَّه قال: ((ولا تنتَقِبِ المرأةُ المُحْرِمةُ، ولا تَلْبَسِ القُفَّازينِ )) رواه البخاري (1838).
ثانيًا: أنَّه قولٌ ثابتٌ عن طائفةٍ من الصَّحابَة رَضِيَ اللهُ عنهم، ولا مخالِفَ لهم قال ابنُ المُنْذِر: (كراهيةُ البُرقُع ثابتة عن سعد وابن عمر وابن عباس وعائشة رَضِيَ اللهُ عنهم ولا نعلَمُ أحدًا خالَفَ فيه) ((الإشراف)) (3/220)، ويُنْظَر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/323).
الفرع الثَّاني: سَتْرُ المُحْرِمةِ وَجْهَها بغيرِ النِّقاب
اختلف أَهْلُ العِلْمِ في تغطيةِ المُحْرِمةِ وَجْهَها بغيرِ النِّقابِ على قولينِ:
القول الأوّل: لا يجوزُ تغطيةُ المُحْرِمةِ وَجْهَها إلَّا لحاجةٍ، كمرورِ الأجانبِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة ((الهداية شرح البداية)) للمرغيناني (1/152)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/214). ، والمالِكِيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (3/141)، ويُنظر:((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/825). ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/250،261). ، والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (5/527). ، وهو قولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَف قال ابنُ قُدامة: (روي ذلك عن عثمان، وعائشة، وبه قال عطاء، ومالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، ومحمد بن الحسن) ((المغني)) (3/ 301). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابنُ عبدِ البرِّ: (أجمعوا أنَّ إحرامَ المرأةِ في وجهها، وأنَّ لها أن تسدلَ الثَّوبَ على وجهها من فوق رأسِها سدلًا خفيفًا تستَتِر به عن نظرِ الرجُلِ إليها) ((الاستذكار)) (4/164)، ((التمهيد)) (9/124، 15/104). قال ابنُ قُدامة: (المرأةُ يَحْرُم عليها تغطيةُ وَجْهِها في إحرامها، كما يحرُمُ على الرجل تغطيةُ رأسِه، لا نعلم في هذا خلافًا، إلَّا ما روي عن أسماءَ، أنها كانت تغطِّي وَجْهَها وهي مُحْرِمةٌ، ويحتمل أنها كانت تغطيه بالسَّدْل عند الحاجة، فلا يكون اختلافًا) ((المغني)) (3/301) قال ابنُ رشد: (أجمعوا على أنَّ إحرامَ المرأةِ في وَجْهِها... وأنَّ لها أن تسدلَ ثوبَها على وجهها من فوقِ رَأْسِها سَدْلًا خفيفًا تَسْتَتِرُ به عن نظَرِ الرجال إليها) ((بداية المجتهد)) (1/327).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أنَّه قال: ((ولا تتنقِبِ المُحْرِمةُ )) رواه البخاري (1838)
 وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ قَوْلَه: ((لا تتنقِبِ المُحْرِمةُ)) معناه: لا تَسْتُر وَجْهَها ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 54) فتُمنَع المرأةُ من البُرقُعِ والنِّقاب ونحوهما مِمَّا يُعَدُّ لسَتْرِ الوَجْه ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/324).
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
 عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((إحرامُ المرأةِ في وَجْهِها، وإحرامُ الرَّجُلِ في رأسِه)) رواه الدارقطني (260)، والبيهقي (9314). صحح إسناده ابنُ كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/323)
ثالثًا: أنَّ الوجهَ مِنَ المرأةِ يَجِبُ كَشْفُه، كالرَّأسِ من الرَّجُلِ ((المجموع)) للنووي (7/250).
القول الثاني: يجوز للمُحْرِمة تغطيةُ وَجْهِها مطلقًا بدون نقابٍ، وهو قولٌ في مذهَبِ الحَنابِلَة ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/324) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (22/120). ، وهو قولُ ابنِ حَزْمٍ قال ابنُ حزمٍ: (لا بأس أن تَسْدِلَ المرأةُ الثَّوْبَ مِن على رأسِها على وَجْهِها) ((المحلى)) (7/91). ، وابنِ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (وجهُ المرأة فيه قولان في مذهب أحمد وغيره؛ قيل: إنَّه كرأسِ الرجل فلا يُغطَّى، وقيل: إنَّه كيديه فلا تُغطَّى بالنقابِ والبُرقع ونحو ذلك مما صُنِعَ على قدره، وهذا هو الصَّحيحُ؛ فإنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم لم يَنْهَ إلا عن القفَّازين والنقاب، وكنَّ النِّساءُ يُدنينَ على وجوههنَّ ما يسترها من الرجالِ من غير وضْعِ ما يجافيها عن الوَجْهِ فعُلِمَ أنَّ وَجْهَها كيَدَيِ الرجلِ ويَدَيها؛ وذلك أنَّ المرأةَ كُلَّها عورةٌ كما تقدَّمَ، فلها أن تغطِّيَ وَجْهَها ويَدَيْها، لكن بغيرِ اللِّباسِ المصنوعِ بِقَدْرِ العُضْوِ كما أنَّ الرَّجُلَ لا يلبسُ السَّراويلَ ويلبَسُ الإزارَ) ((مجموع الفتاوى)) (22/120) ويُنْظَر: (26/112). ، وابنِ القَيِّمِ قال ابنُ القيم: (النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم قال: ((لا تنتقِبِ المرأةُ ولا تلبَسِ القُفَّازين))، يعني في الإحرامِ، فسوَّى بين يديها ووجْهِها في النَّهْيِ عما صُنِعَ على قَدْرِ العُضْوِ، ولم يمنَعْها من تغطيةِ وَجْهِها ولا أَمَرَها بكَشْفِه البتَّةَ ونساؤُه صلَّى الله عليه وسَلَّم أعلَمُ الأُمَّة بهذه المسألةِ، وقد كُنَّ يَسْدلْنَ على وجوهِهِنَّ إذا حاذاهُنَّ الرُّكْبانُ، فإذا جاوزوهُنَّ كَشَفْنَ وُجوهَهُنَّ) ((إعلام الموقعين)) (1/222). ، والصنعانيِّ قال الصنعاني: (المرأةُ المُحْرِمةُ تَسْتُرُ وَجْهَها بغيرِ ما ذُكِرَ، كالخِمارِ والثَّوْبِ، ومن قال: إنَّ وَجْهَها كرأسِ الرَّجُلِ المُحْرِم لا يُغَطَّى بشيءٍ، فلا دليلَ معه) ((سبل السلام)) (2/191)، وينظر ((مجموع فتاوى ابن باز)) (5/233). ، والشَّوْكانيِّ قال الشَّوْكاني: (ليس في المنع من تغطيةِ وَجْهِ المرأة ما يُتَمَسَّكُ به، والأصلُ الجوازُ، حتى يَرِدَ الدَّليلُ الدَّالُّ على المنعِ) ((السيل الجرار)) (ص: 316). ، وابنِ باز قال ابنُ باز: (معنى ((لا تنتقِبِ المرأةُ ولا تلبَسِ القُفَّازينِ)) أي: لا تَلْبَس ما فُصِّلَ وقُطِعَ وخِيطَ لأجلِ الوَجْهِ كالنِّقاب، ولأجلِ اليدينِ كالقُفَّازين, لا أنَّ المرادَ أنَّها لا تغطي وَجْهَها وكفَّيْها، كما توهَّمه البعضُ؛ فإنَّه يجب سَتْرُهما، لكن بغيرِ النِّقاب والقُفَّازين، هذا ما فسَّرَه به الفقهاءُ والعُلماء، ومنهم العلَّامة الصنعانيُّ رحمه الله تعالى) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (5/232). ، وابنِ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (لم يَرِدْ عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أنَّه حَرَّمَ على المُحْرِمة تغطيةَ وَجْهِها، وإنَّما حَرَّم عليها النِّقابَ فقط؛ لأنَّه لِباسُ الوَجْهِ، وفَرْقٌ بين النقابِ وبين تغطيةِ الوَجهِ، فلو أنَّ المرأة المُحْرِمة غطَّتْ وَجْهَها، لقلنا: هذا لا بأسَ به، ولكن الأفضَلُ أن تكشِفَه ما لم يكن حولَها رجالٌ أجانبُ، فيجب عليها أن تَسْتُرَ وَجْهَها عنهم) ((الشرح الممتع)) (7/134) وينظر ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (22/185).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الآثارِ
1- عن مُعاذَةَ عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((المُحْرِمةُ تَلْبَسُ من الثيابِ ما شاءتْ إلَّا ثوبًا مَسَّهُ وَرْسٌ أو زعفرانٌ، ولا تتبَرْقَعُ ولا تَلَثَّمُ، وتَسْدُلُ الثَّوبَ على وَجْهِها إن شاءَت)) رواه البيهقي (9316) وصَحَّح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/212)
قال ابنُ القَيِّمِ: نساؤُه صلَّى الله عليه وسَلَّم أعلَمُ الأُمَّةِ بهذه المسألَةِ ((إعلام الموقعين)) لابن القَيِّمِ (1/265).
2- عن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قالت: ((كنَّا نُغَطِّي وُجوهَنا مِنَ الرِّجالِ، وكُنَّا نَمْتَشِطُ قبل ذلك في الإحرامِ)) رواه ابن خزيمة (2690)، والحاكم (1668). صَحَّحه على شرط الشيخين والألباني في ((إرواء الغليل)) (4/212)
3- عن فاطمةَ بنتِ المُنْذِرِ أنَّها قالت: ((كنا نُخَمِّرُ وُجوهَنا ونحن مُحْرِماتٌ، مع أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ)) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/474) واللفظ له، وإسحق بن راهويه في ((مسنده)) (2255) صحح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/212).
ثانيًا: أنَّه لم يَرِد عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أنَّه حرَّم على المُحْرِمةِ تغطيةَ وَجْهِها، وإنَّما هذا قولُ بعضِ السَّلَف ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (26/112)، ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (22/185).
ثالثًا: أنَّه كما يجوز تغطيةُ الكَفِّ مِن غيرِ لُبْسِ القُفَّازينِ، فيجوز كذلك تغطيةُ الوَجهِ مِن غيرِ لُبْسِ النِّقابِ، وقد قرن النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم بينهما، وهما كبَدَنِ الرَّجُلِ، يجوز تغطِيتُه، ولا يجوز لُبْسُ شيءٍ مُفَصَّلٍ عليه ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (22/120) ويُنْظَر: (26/112).
رابعًا: أنَّ بالمرأةِ حاجةً إلى سَتْرِ وَجْهِها، فلم يَحْرُمْ عليها سَتْرُه على الإطلاقِ، كالعَورةِ ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/324).
خامسًا: أنَّ النَّهيَ إنما جاء عن النِّقاب فقط، والنِّقابُ أخَصُّ من تغطيَةِ الوجهِ، والنهيُ عن الأخصِّ لا يقتضي النَّهيَ عن الأعمِّ؛ وإنَّما جاء النهيُ عن النقابِ؛ لأنَّه لُبْسٌ مُفَصَّلٌ على العضوِ، صُنِعَ لِسَتْرِ الوجه، كالقُفَّاز المصنوعِ لسَتْرِ اليد، والقميصِ المصنوعِ لسَتْرِ البَدَنِ، وقد اتَّفقَ الأئمةُ على أنَّ للمُحْرِمِ أن يستُرَ يديه ورِجْلَيه مع أنَّه نُهِيَ عن لُبْسِ القميصِ والخُفِّ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (26/113).
الفرع الثَّالِث: حُكْمُ تغطيةِ المُحْرِمةِ وَجْهَها بما يَمَسُّه
لا تُكَلَّفُ المرأةُ أن تجافِيَ سُتْرَتَها عن الوَجْهِ؛ لا بعودٍ ولا بِيَدٍ ولا غيرِ ذلك، فيجوز أن تَسْتُرَ وَجْهَها للحاجةِ؛ كالسَّتْرِ عن أعيُنِ النَّاسِ، بثوبٍ تَسْدُله من فوقِ رَأْسِها، وهذا مَذْهَبُ المالِكِيَّة ((الكافي)) لابن عَبْدِ البَرِّ (1/388)، ويُنظر: ((الاستذكار)) لابن عَبْدِ البَرِّ (4/14)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/345). ، والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (5/529)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/356)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/447). ، واختارَه ابنُ قُدامة قال ابنُ قُدامة: (ذكر القاضي أنَّ الثوب يكون متجافيًا عن وَجْهِها، بحيث لا يصيب البَشَرَة، فإن أصابَها، ثم زال أو أزالته بسرعةٍ، فلا شيءَ عليها، كما لو أطارت الرِّيحُ الثوبَ عن عورةِ المُصَلِّي، ثم عاد بسرعةٍ، لا تَبطُلُ الصَّلاةُ، وإن لم ترفَعْه مع القدرة؛ افتَدَتْ؛ لأنها استدامت السَّتْرَ، ولم أرَ هذا الشرط عن أحمد، ولا هو في الخَبَر، مع أنَّ الظاهر خلافُه، فإنَّ الثوبَ المسدولَ لا يكاد يسْلَمُ من إصابة البَشَرة، فلو كان هذا شرطًا لبُيِّنَ، وإنما مُنِعَتِ المرأة من البُرقُعِ والنقاب ونحوهما، مما يُعَدُّ لسَتْرِ الوجه. قال أحمد: إنما لها أن تَسْدُل على وجهها من فوق، وليس لها أن تَرْفَعَ الثوب من أسفَلَ، كأنَّه يقول: إنَّ النِّقابَ مِن أسفَلَ على وَجْهِها). ((المغني)) (3/301، 302، ويُنْظَر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/324)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/529). ، وابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (لو غطَّتِ المرأةُ وَجْهَها بشيءٍ لا يَمَسُّ الوجهَ جاز بالاتِّفاقِ، وإن كان يمَسُّه فالصحيحُ أنَّه يجوز أيضًا، ولا تُكَلَّفُ المرأةُ أن تجافِيَ سُتْرَتَها عن الوجه لا بعودٍ ولا بيدٍ ولا غير ذلك؛ فإن النبي صلَّى الله عليه وسَلَّم سوَّى بين وجهها ويديها، وكلاهما كبدن الرَّجُل لا كرأسِه، وأزواجُه صلَّى الله عليه وسَلَّم كنَّ يَسْدُلنَ على وجوههنَّ من غير مراعاةِ المجافاة، ولم يَنْقُل أحدٌ من أَهْل العِلْم عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أنَّه قال: ((إحرامُ المرأةِ في وَجْهِها)) وإنما هذا قولُ بعض السَّلَفِ، لكنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم نهاها أن تنتقِبَ أو تلبَسَ القُفَّازين) ((مجموع الفتاوى)) (26/112).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الآثارِ
1- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((المُحْرِمةُ تلبَسُ مِنَ الثِّيابِ ما شاءت إلَّا ثوبًا مَسَّه ورْسٌ أو زعفرانٌ، ولا تَتَبرقَعُ ولا تَلَثَّمُ، وتَسْدُلُ الثَّوبَ على وَجْهِها إن شاءت)) رواه البيهقي (5/47) (9316)، وصَحَّح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/212). وروى ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/719) عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((تلبس المُحْرِمة ما شاءت من الثياب إلا البرقعَ والقُفَّازينِ ولا تنقِب)).
2- عن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قالت: ((كنَّا نُغَطِّي وُجوهَنا مِنَ الرِّجالِ، وكُنَّا نَمْتَشِطُ قبل ذلك في الإحرامِ)) رواه ابن خزيمة (2690)، والحاكم (1668). صَحَّحه على شرط الشيخين والألباني في ((إرواء الغليل)) (4/212)
3- عن فاطمةَ بنتِ المُنْذِرِ أنَّها قالت: ((كنا نُخَمِّرُ وُجوهَنا ونحن مُحْرِماتٌ، مع أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ)) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/474) واللفظ له، وإسحق بن راهويه في ((مسنده)) (2255) صحح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/212).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ أزواجَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم، ونساءَ الصَّحابَة رَضِيَ اللهُ عنهنَّ؛ كنَّ يَسْدُلْنَ على وجوهِهنَّ مِن غيرِ مراعاةِ المجافاةِ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (26/112).
ثانيًا: أنَّ الثَّوبَ المسدولَ لا يكادُ يَسْلَمُ من إصابة البَشَرةِ، فلو كان هذا شرطًا لبُيِّنَ، وإنَّما مُنِعَتِ المرأةُ مِنَ البُرقُعِ والنِّقاب ونحوهما، مِمَّا يُعدُّ لسَتْرِ الوجهِ ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/324).
المَطْلَب السادس: لُبْسُ القُفَّازينِ للمُحْرِمةِ
تمهيدٌ: تعريفُ القُفَّازينِ
القفَّازانِ: شيءٌ يُعمَلُ لليدينِ، يغَطِّي الأصابِعَ مع الكَفِّ ((لسان العرب)) لابن منظور (5/ 396).
الفرع الأوَّل: حُكْمُ لُبْسِ القُفَّازينِ للمُحْرِمة
 يَحْرُمُ على المُحْرِمةِ لُبْسُ القفَّازينِ، وهو مَذْهَبُ الجُمْهورِ: المالِكِيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 202)، ويُنظر: ((الاستذكار)) لابن عَبْدِ البَرِّ (4/16)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/304). ، والشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/269). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/357). ، وبه قالَتْ طائِفةٌ مِنَ السَّلَف قال ابنُ المُنْذِر: (قال ابنُ عمر، وعطاء، ونافع، والنخعي: لا تنتقب المرأة ولا تلبس القُفَّازين... وكان مالك يكره القُفَّازين، والنقاب) ((الإشراف)) (3/220).
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّةِ:
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أنَّه قال: ((لا تنتقِبِ المرأةُ المُحْرِمةُ، ولا تلبَسِ القُفَّازينِ )) رواه البخاري (1838).
الفرع الثَّاني: حُكْمُ لُبْسِ القُفَّازينِ للرجُلِ
يَحْرُمُ على الرَّجلِ لُبْسُ القُفَّازينِ.
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:
نقلَ الإجماعَ على ذلك النَّوَوِيُّ قال النووي: (يحرم على الرجل لبس القُفَّازين بلا خلاف) ((المجموع)) (7/257)، ويُنْظَر: ((روضة الطالبين)) للنووي (3/127). ، وابنُ قُدامة قال ابنُ قُدامة: (ألحق بها أَهْلُ العِلْمِ ما في معناها مثل الجبَّة والدراعة والثياب وأشباه ذلك؛ فليس للمُحْرِم سَتْرُ بدنه بما عُمِلَ على قَدْرِه ولا سَتْرُ عُضْو من أعضائه بما عُمِلَ على قَدْرِه؛ كالقميصِ للبَدَنِ، والسَّراويل لبعض البدَنِ، والقُفَّازين لليدينِ، والخُفَّين للرِّجْلين، ونحو ذلك، وليس في هذا كلِّه اختلاف) ((المغني)) (3/ 281). ، والشِّنْقيطيُّ قال الشِّنْقيطيُّ: (أمَّا لُبْسُ الرجل القُفَّازينِ، فلم يخالِفْ في مَنْعِه أحدٌ) ((منسك الشِّنْقيطيِّ)) (2/297).
المَطْلَب السَّابع: الفِدْيةُ في لُبْسِ المَخِيطِ
يجِبُ في لُبْسِ المُحْرِم المَخِيطَ فديةُ الأذى: ذبحُ شاةٍ، أو صيامُ ثلاثةِ أيَّامٍ، أو إطعامُ ستَّةِ مساكينَ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة ((حاشية رد المحتار)) لابن عابدين (2/547). ، والمالِكِيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 202)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/304)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 93). ، والشَّافِعِيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (3/125). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/426). ؛ وذلك قياسًا على الفِدْيةِ في حَلْقِ الرَّأس، بجامِعِ أنَّه زينةٌ وترَفُّهٌ باستعمالِ محظورٍ ((المجموع)) للنووي (7/ 376).
المَطْلَب الثَّامِنُ: متى تجِبُ الفِدْيةُ بلُبْسِ المَخِيطِ؟
تجب الفِدْيةُ بمجَرَّدِ اللُّبْسِ، ولو لم يستَمِرَّ زمنًا، وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّة ((المجموع)) للنووي (7/259)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/519). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/426). ؛ وذلك لأنَّه استمتاعٌ يحصُلُ بمجَرَّدِ الفِعْلِ؛ كالوَطْء في الفَرْجِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/426).
المطلب التاسع: ما فِدْيتُه الجزاءُ بمِثلِه: وهو الصَّيدِ
سيأتي في بابِ الصَّيدِ.

انظر أيضا: