الموسوعة الفقهية

المبحث الثاني: قضاءُ الصِّيامِ عن الميِّتِ الذي أخَّرَه لغَيرِ عُذرٍ


مَن مات وعليه صومٌ واجبٌ- سواءٌ كان عن نذرٍ أو كفَّارةٍ، أو عن صومِ رَمَضانَ- وقد تمكَّنَ من القضاءِ، ولم يقضِ حتى مات؛ فلوَلِيِّه والوليُّ الذي يقضي عنه الصَّومَ: هو الوارِثُ؛ لقوله تعالى: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ [الأنفال: 75] . ولقولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ألحِقوا الفرائِضَ بأهْلِها، فما بَقِيَ فهو لأَوْلى رَجُلٍ ذَكَرٍ)). [البخاري (6735) ومسلم (1615)] فذكر الأولويَّة في الميراث، إذن الوليُّ هو الوارِثُ. ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/451). أن يصومَ عنه، فإنْ لم يفعَلْ أطعَمَ عنه لكُلِّ يَومٍ مِسكينًا، وهذا قولُ الشَّافعيِّ في القديمِ ((المجموع)) للنووي (6/369)، قال الشربيني: (وفي القديمِ يصومُ عنه وليُّه، أي: يجوز له الصومُ عنه، بل يُندَبُ له، ويجوز له الإطعامُ) ((مغني المحتاج)) (1/439). ، واختاره النوويُّ قال النووي: (الصوابُ الجَزمُ بجَوازِ صَومِ الولي، سواءٌ صَومُ رمضانَ والنَّذرِ وغَيرِه من الصَّومِ الواجِبِ) ((المجموع)) (6/370). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (يُشرَعُ لأوليائِهما- وهم الأقرباء- القضاءُ عنهما؛ لقول النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((من مات وعليه صيامٌ، صام عنه وليُّه)) متَّفقٌ على صحَّته، فإن لم يتيسَّرْ من يصومُ عنهما، أُطعِمَ عنهما مِن تَرِكَتِهما؛ عن كلِّ يومٍ مِسكينٌ، نِصفُ صاعٍ، ومقدارُه كيلو ونصف على سبيلِ التَّقديرِ، ومن لم يكُنْ له تَرِكةٌ يُمكِنُ الإطعامُ منها، فلا شيءَ عليه؛ لقول الله عَزَّ وجلَّ: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ، وقوله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/367-368).  وقال ابنُ باز أيضًا: (... فهذا الحديث والذي قبله، وما جاء في معناهما، كلُّها تدلُّ أنَّ الصومَ يُقضَى عن الميت، سواءٌ كان نذرًا، أو صوم رمضان، أو صوم كفَّارة، في أصحِّ أقوالِ أهل العلم، وإن لم يتيسَّرِ القضاءُ أُطعِمَ عن كلِّ يومٍ مسكينٌ، هذا كله إذا كان الذي عليه الصِّيامُ قَصَّرَ في القضاءِ وتساهَلَ، أمَّا إذا كان معذورًا بمرضٍ أو نحوه من الأعذار الشَّرعية، فلا إطعامَ ولا صيامَ على الوَرَثةِ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/372). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (يُستحَبُّ لِوَليِّه أن يقضِيَه، فإن لم يفعَلْ، قلنا: أطعِمْ عن كلِّ يوم مسكينًا؛ قياسًا على صومِ الفَريضةِ). ((الشرح الممتع)) (6/450). وقال أيضًا: (إذا كان رجل قد أفطر في رمضانَ لِسَفرٍ أو لِمَرضٍ، ثم عافاه الله من المرضِ، ولم يصُمِ القضاءَ الذي عليه ثم مات، فإنَّ وَلِيَّه يصومُ عنه، سواء كان ابنَه، أو أباه، أو أمه، أو ابنته، المهِمُّ أن يكون من الورثةِ، وإن تبرَّعَ أحد غيرُ الورثة فلا حرَجَ أيضًا، وإن لم يقُمْ أحَدٌ بالصيام ِعنه، فإنَّه يُطعِمُ مِن تركَتِه لكُلِّ يَومٍ مِسكينًا) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/395). وقال ابنُ عُثيمين أيضًا: (القول الراجِحُ أنَّ من مات وعليه صيامُ فَرضٍ بأصلِ الشَّرعِ، فإنَّ وَلِيَّه يقضيه عنه.... إلى أن قال:... وأن َّالعموم في حديث عائشة: ((من مات وعليه صومٌ)) شاملٌ لكل صُوَرِ الواجب) ((الشرح الممتع)) (6/450-451).
الأدِلَّة منَ السُّنَّة:
1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن مات وعليه صيامٌ، صام عنه وليُّه )) رواه البخاري (1952)، ومسلم (1147).
وجه الدلالة:
أنَّ قَولَه: ((صام عنه وليُّه)) خبَرٌ بمعنى الأمرِ، لكنَّه ليس للوُجوبِ قال ابنُ عُثيمين: (فلو قال قائل: إنَّ قَولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: صام عنه وليُّه، أمرٌ، فما الذي صَرَفَه عن الوجوبِ؟ فالجواب: صَرَفَه عن الوجوبِ قَولُه تعالى: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى **الأنعام: 164** ولو قلنا: بوجوبِ قَضاءِ الصَّومِ عن الميِّتِ، لَزِمَ من عدَمِ قَضائِه أن تَحمِلَ وازرةٌ وِزرَ أخرى، وهذا خلافُ ما جاء به القرآنُ) ((الشرح الممتع)) (6/450).
و(صيامٌ) هنا نكرةٌ غيرُ مُقَيَّدةٍ بصيامٍ مُعَيَّنٍ.
2- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما، قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رسولَ اللهِ إنَّ أمِّي ماتت وعليها صومُ شَهرٍ، أفأقضيه عنها؟ قال: ((نعم، قال: فدَينُ اللهِ أحقُّ أن يُقضى )) [1382] رواه البخاري (1953)، ومسلم (1148).

انظر أيضا: