الموسوعة الفقهية

المطلب الرابع: التطوُّعُ بسنٍّ أعلى من السنِّ الواجِبةِ


يجوزُ التطوُّعُ بسِنٍّ أعلى مِنَ السِّنِّ الواجبة، كأنْ يُخرِجَ بِنتَ لَبُونٍ بَدَلَ بِنتِ مَخاضٍ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن أُبيِّ بن كعبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((بعَثني النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مُصَدِّقًا، فمرَرْتُ برجلٍ، فلمَّا جمَعَ لي مالَه لم أجدْ عليه فيه إلَّا ابنةَ مَخاضٍ، فقلتُ له: أدِّ ابنةَ مَخاضٍ؛ فإنَّها صَدَقَتُك، فقال: ذاك ما لا لَبَنَ فيه، ولا ظَهْرَ، ولكنْ هذه ناقةٌ فتيَّةٌ عظيمةٌ سَمينةٌ، فخُذْها، فقلتُ له: ما أنا بآخِذٍ ما لم أُومَرْ به، وهذا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم منك قريبٌ، فإن أحببتَ أن تأتِيَه فتَعرِضَ عليه ما عرَضْتَ عليَّ، فافعل؛ فإنْ قبِلَه منك قبِلْتُه، وإن ردَّه عليك ردَدْتُه. قال: فإنِّي فاعِلٌ، فخَرَجَ معي، وخرج بالنَّاقة التي عرَضَ عليَّ، حتى قدِمْنا على رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال له: يا نبيَّ اللهِ، أتاني رسولُك؛ ليأخُذَ منِّي صدقةَ مالي، وايْمُ اللهِ، ما قام في مالي رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا رسولُه قطُّ قبلَه فجمعتُ له مالي، فزعم أنَّ ما عليَّ فيه ابنةَ مَخاضٍ، وذلك ما لا لبَنَ فيه ولا ظَهْرَ، وقد عرَضْتُ عليه ناقةً فتيَّةً عظيمةً؛ ليأخُذَها، فأبى عليَّ، وها هي ذِه قد جئتُك بها يا رسولَ الله، خُذْها. فقال له رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ذاك الذي عليك، فإنْ تطوَّعتَ بخيرٍ، آجَرَك اللهُ فيه، وقبِلْناه منك )) رواه أبو داود (1583)، وابن خزيمة (4/24)، والحاكم في ((المستدرك)) (1452) قال النووي في ((المجموع)) (5/426): إسناده صحيح أو حسن. وصحَّحه ابن الملقِّن في ((شرح البخاري)) (10/410)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1583).
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
حَكى الإجماعَ على ذلك ابنُ قُدامةَ قال ابنُ قُدامة: (إن أخرَجَ عن الواجِبِ سنًّا أعلى مِن جِنسِه- مثل أن يُخرِجَ بِنتَ لَبُونٍ عن بِنتِ مَخاضٍ، وحِقَّةً عن بِنت لَبُونٍ أو بنتِ مَخاضٍ، أو أخرَجَ عن الجذَعةِ ابنَتَي لَبُونٍ أو حِقَّتين- جازَ، لا نعلم فيه خلافًا؛ لأنَّه زاد على الواجِبِ مِن جِنسِه ما يجزئُ عنه مع غيره، فكان مُجزيًا عنه على انفرادِه، كما لو كانت الزيادةُ في العدد). ((المغني)) (2/434). ، ونقَلَه العَبدَريُّ عن العُلَماءِ كافَّةً غيرَ داودَ قال ابنُ تيميَّة عن عامَّةِ أهلِ العِلمِ قال ابنُ تيمية: (ما في هذا الحديثِ مِن إجزاءِ سِنٍّ أعلى من الواجِبِ؛ مذهَبُ عامَّةِ أهلِ العِلمِ الفُقَهاء المشهورينَ وغيرِهم). ((مجموع الفتاوى)) (31/249).

انظر أيضا: