الموسوعة الفقهية

المبحث الثاني: حِكمةُ زكاِة الذَّهَبِ والفضَّة


مهمَّةُ النُّقودِ أن تتحرَّك وتتداوَلَ، فيستفيد مِن ورائها كلُّ الذين يتداولونَها، وأمَّا اكتنازُها وحَبْسُها، فيؤدِّي إلى كسادِ الأعمال، وانتشارِ البِطالةِ، ورُكودِ الأسواقِ، وانكماشِ الحَرَكةِ الاقتصاديَّة بصفةٍ عامَّة، ومن هنا كانت الزَّكاةُ فريضةً في كلِّ حولٍ فيما بلَغَ نِصابًا من رأسِ المال النقديِّ، سواءٌ ثمَّرَه صاحِبُه أم لم يُثمِّرْه (وهو أمثلُ خطَّةٍ عمليَّةٍ للقضاء على حبْسِ النقود واكتنازِها؛ ذلك الداءُ الوَبيلُ الذي حار علماء الاقتصاد في علاجِه، حتى اقترح بعضهم أن تكون النقودُ غيرَ قابلةٍ للاكتناز بأن يحدَّدَ لها تاريخُ إصدارٍ، ومن ثَمَّ تفقِدُ قيمَتَها بعد مُضيِّ مدَّة معيَّنة من الزمن، فتبطُلُ صلاحيتها للادِّخار والكَنْز، وتسمَّى هذه العملة المقترحة "النقود الذَّائبة"، وقام بعض رجال الغرب الاقتصاديِّين بتنفيذِ فكرة أخرى، هي فَرْضُ رسم "دمغة" شهريَّة على كلِّ ورقةٍ نقدية حتى يحاوِلَ كل من يحوزُها في يَدِه التخلُّصَ منها قبل نهاية الشَّهر؛ ليدفَعَ الرَّسَمَ غيرُه، وهذا يؤدِّي إلى نشاط التبادُلِ، واتِّساعِ حركة التداول، وانتعاشِ الاقتصادِ بوجه عامٍّ، وهذه الوسائِلُ- ما اقتُرِحَ منها وما نُفِّذَ فعلًا- تُلابِسُها صعوباتٌ وتعقيداتٌ كثيرةٌ، ولكنَّها على أيَّةِ حالٍ، تؤيِّدُ وِجهةَ النَّظَر الإسلاميَّةِ في النُّقودِ، ومقاومة اكتنازِها بطريقةٍ أبسَطَ وأيسَرَ من تلك الطُّرق، وهي فرض (2.5) بالمئة عليها سنويًّا، مما يحفِّزُ الإنسانَ إلى تنمِيَتِها واستغلالِها، حتى تَنمي بالفعل وتُدِرَّ دخلًا منتظمًا، وإلَّا أكَلَتْها الزَّكاةُ بمرورِ الأيَّام). ((فقه الزَّكاة)) (ص: 242).

انظر أيضا: