الموسوعة الفقهية

المطلب الأول: حُكمُ تعزيَةِ المُسلم


التعزيَةُ [9097] التعزية هي التَّصبيرُ، وذِكْرُ ما يُسَلِّي صاحِبَ الميِّتِ، ويخَفِّف حُزْنَه، ويُهَوِّن مُصيبته. ((الأذكار)) للنووي (ص 148). وتحصُلُ التَّعزيةُ بأيِّ وسيلةٍ من وسائل الاتِّصالِ الحديثةِ؛ كاتِّصالٍ بالهاتف، أو رسالةِ جوال، أو بريد إلكتروني، إلَّا إذا كانوا من الأقارب القَريبينَ فلا بُدَّ من زيارتهم والذَّهاب إليهم إن تَيَسَّرَ ذلك. ينظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/408)، ((نور على الدرب)) لابن عثيمين (6/261). أمَّا التَّعزيةُ في الصُّحُف والمجلَّات فينبغي تَرْكُها، لأنَّ فيها تبذيرًا وإضاعةً للمال الكثيرِ، ومن أهل العلم مَن ذَهَبَ إلى أنَّ ذلك من النعْيِ المنهيِّ عنه. ينظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/408)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/343 مستحَبَّةٌ [9098] من عادات العزاءِ التي لا أصْلَ لها في الشَّرْعِ وهي من البِدَع المحدثة: قراءةُ الفاتحةِ عند لقاءِ المُعَزَّى، واجتماعُهم على القراءةِ، ونَصْب سُرادقاتٍ [المكان الذي يجتمعُ النَّاسُ فيه للمأتمِ] للعزاءِ، وجَلْب قُرَّاءٍ يتناوبونَ على القراءةِ بأَجْرٍ أو بغير أجرٍ، وإقامةُ الولائِمِ إذا مات المَيِّت، إلى غير ذلك. ينظر: ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/508)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (9/318)، ((فتاوى نور على الدرب)) لابن باز (14/354)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/354)، ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (9/136)، ((أحكام الجنائز)) للألباني (ص256، 257، 261). ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [9099] ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 228)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/240). ، والمالِكيَّة [9100] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/229). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/129). ، والشَّافعيَّة [9101] ((المجموع)) للنووي (5/305)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/354). ، والحَنابِلَة [9102] ((الفروع)) لابن مفلح (3/403)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/159). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [9103] قال ابن قدامة: («ويُستَحَبُّ تعزيةُ أهْلِ الميِّتِ» لا نعلم في هذه المسألَةِ خلافًا إلَّا أنَّ الثوريَّ قال: لا تُستَحَبُّ التعزيةُ بعد الدَّفْنِ؛ لأنَّه خاتِمَةُ أمْرِه). ((المغني)) (2/405).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن أسامةَ بنِ زيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كنَّا عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ إذ جاءه رسولُ إحدى بناتِه يدعوه إلى ابنِها في المَوتِ، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ارجِعْ، فأخْبِرْها أنَّ لِلَّهِ ما أخَذَ، وله ما أعطى، وكُلُّ شيءٍ عنده بأجَلٍ مُسَمًّى، فمُرْها فَلْتَصبِرْ ولْتَحتسِبْ، فأعادتِ الرَّسولَ أنَّها أقسَمَتْ لَتَأتِيَنَّها، فقام النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقام معه سعدُ بنُ عُبادةَ، ومعاذُ بنُ جَبَلٍ، فدُفِعَ الصبيُّ إليه ونَفْسُه تَقَعقَعُ كأنَّها في شَنٍّ، ففاضَتْ عيناه، فقال له سعدٌ: يا رسولَ اللهِ! قال: هذه رحمةٌ جَعَلَها اللهُ في قلوبِ عِبادِهِ، وإنَّما يَرحَمُ اللهُ مِن عبادِه الرُّحَماءَ )) [9104] أخرجه البخاري (7377) واللفظ له، ومسلم (923).
2- عن معاويةَ بنِ قُرَّةَ، عن أبيه، قال: ((كان نبيُّ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا جلس يجْلِسُ إليه نفَرٌ من أصحابه، وفيهم رجلٌ له ابنٌ صغيرٌ يأتيه مِن خَلْفِ ظهرِه، فيُقْعِدُه بين يديه، فهَلَك فامتنَعَ الرَّجُلُ أن يحضُرَ الحلقَةَ لذِكْرِ ابنِه، فحَزِنَ عليه، ففَقَدَه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: مالي لا أرى فلانًا؟ قالوا: يا رسولَ الله، بُنَيُّه- الذي رأيتَه- هَلَكَ، فلَقِيَه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فسأله عن بُنَيِّه، فأخبَرَه أنَّه هَلَكَ، فعَزَّاه عليه.. )) [9105] أخرجه النسائي (2088)، والطبراني (19/31) (66)، والبيهقي (7340) حسن إسناده النووي في ((الأذكار)) (199)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (2088).
3- عن عمرِو بنِ حزمٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما من مُؤمنٍ يُعزِّي أخاه بمصيبةٍ إلَّا كَسَاه اللهُ من حُلَلِ الكرامةِ يومَ القيامةِ)) [9106] أخرجه ابن ماجه (1601) واللفظ له، وعبد بن حُميد في ((مسنده)) (287)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (5296)، والبيهقي (7338). حسَّنَ إسنادَه النووي في ((الأذكار)) (197)، وقال محمد ابن عبدالهادي في ((تنقيح تحقيق التعليق)) (2/164): فيه إرسال، ووثَّقَ رجالَ إسنادِه ابنُ الملقن في ((تحفة المحتاج)) (1/615)، وقال البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (1/286): إسناده فيه مقال، وقال الشوكاني في ((السيل الجرار)) (1/371): كل رجاله ثقاتٌ إلا قيسًا أبا عمارة؛ ففيه لِينٌ، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (1601).
ثانيًا: لأنَّ التعزيةَ مشتَمِلَةٌ على الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَر، وهي داخلةٌ أيضًا في قوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [9107] ((الأذكار)) للنووي (ص 148). قال النووي: (وهذا أحسَنُ ما يُستَدَلُّ به في التعزيَةِ). [المائدة: 2]

انظر أيضا: