الموسوعة الفقهية

المبحث الرابع: المريضُ العاجِزُ عن الرُّكوعِ والسُّجودِ


المريضُ العاجِزُ عن الرُّكوعِ والسجودِ يُومِئُ [5330] قال ابن الأثير: (الإيماء: الإشارةُ بالأعضاءِ؛ كالرأس، واليد، والعين، والحاجب، وإنَّما يريد به هاهنا الرأسُ). ((النهاية)) (1/81). بهما، ويكونُ السُّجودُ أخفَضَ مِن الرُّكوعِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّةِ الأربعة: الحَنَفيَّة ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 6)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/6)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/228). ، والمالِكيَّة ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/346)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/166). ، والشافعيَّةِ ((المجموع)) للنووي (4/317، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/155). ، والحَنابِلَةِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/499)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/383)، ويُنظر: ((الروض المربع)) للبهوتي، مع ((حاشية ابن قاسم)) (2/369). ، وبه قال أكثرُ أهلِ العِلمِ قال ابن عبد البرِّ: (عن نافعٍ، عن ابنِ عُمرَ أنَّه كان يقول: إذا لم يستطِعِ المريضُ السجودَ، أومَأَ برَأْسِه إيماءً، ولم يَرْفَع إلى جبهته شيئًا، فعلى قولِ ابن عمر هذا أكثرُ أهل العِلم من السَّلف والخَلَفِ، وقد رُوِيَ عن أمِّ سَلَمَةَ أنَّها كانت تسجد على مِرفقةٍ؛ من رمدٍ كان بها، وعن ابنِ عبَّاسٍ أنه أجاز ذلك، وعن عروةَ بن الزبير أنَّه فَعَلَه، وليس العملُ إلَّا ما رُوي فيه عن ابنِ عُمَرَ). ((الاستذكار)) (2/335).
الأدلَّة:
أولًا: مِن الكتابِ
1- قال اللهُ تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه أتَى بما استطاعَ، وهو الإيماءُ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/337).
2- وقال عزَّ وجلَّ: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286]
ثانيًا: من السُّنَّة
1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((فإذا أمرتُكم بشيءٍ فأتُوا منه ما استطعْتُم، وإذا نهيتُكم عن شيءٍ فدَعُوه )) أخرجه البخاري (7288)، ومسلم (1337) واللفظ له.
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ قولَه: ((فأْتُوا مِنه ما استطعتُم)) دلَّ على أنَّ مَن عجزَ عن فِعل المأمورِ به، فإنَّه يأتي بما أمكنَه منه ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/256).
2- عن عِمرانَ بن حُصَينٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: كان بي الناصورُ، فسألتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الصَّلاةِ؟ فقال: ((صلِّ قائمًا، فإنْ لم تستطعْ فقاعدًا، فإنْ لم تستطعْ فعلى جَنبٍ )) [5339] رواه البخاري (1117).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنه رتَّب الأمرَ على حسَبِ الاستطاعةِ، فيَركَعُ ويسجُدُ بقدْرِ ما يَستطيعُ، فإنْ عجَزَ أَوْمأَ برأسِه ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (2/305).
ثالثًا: مِن الآثار
1- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((صلِّ على الأرضِ إن استطعتَ، وإلَّا فأَوْمِ إيماءً، واجعَلْ سجودَك أخفَضَ مِن ركوعِكَ )) رواه أبو نُعيم في ((حلية الأولياء)) (7/98)، البيهقي (2/306) (3819) صحَّح وقْفَه أبو حاتم الرازيُّ كما في ((بلوغ المرام)) لابن حجر (126)، وقال ابن القيِّم في ((بدائع الفوائد)) (3/197): الظاهر أنَّ الحديث موقوف. وقوَّى إسنادَه ابنُ حجر في ((بلوغ المرام)) (97) وقال: ولكن صحَّح أبو حاتم وقْفَه.
2- عن نافعٍ أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عمرَ كان يقولُ: (إذا لم يستطِعِ المريضُ السُّجودَ أومَأَ برأسِه إيماءً، ولم يرفَعْ إلى جَبهتِه شيئًا) رواه مالك في ((الموطأ)) (2/234) (581)، والبيهقي (2/306) (3821). قال الضياء المقدسي في ((السنن والأحكام)) (1/418): رواه بعضهم فرفعه، وفيه ضعف، وصححه النَّووي في ((الخلاصة)) (1/340)، وقال ابن القيم في ((بدائع الفوائد)) (3/198): الصواب وقفُه.
رابعًا: مِنَ الِإِجْماع
نقَل الإجماعَ على سقوطِ الرُّكوعِ والسُّجودِ على مَن لم يستطِعْهما: ابنُ رُشدٍ قال ابنُ رشد: (أجمع العلماء على أن المريض مخاطَبٌ بأداءِ الصلاة، وأنَّه يسقط عنه فرضُ القيام إذا لم يستطعه، ويصلي جالسًا، وكذلك يسقط عنه فرضُ الركوعِ والسجود إذا لم يستَطِعْهما أو أحدَهما، ويومئُ مكانَهما). ((بداية المجتهد)) (1/178). ، وابنُ تيميَّةَ قال ابنُ تَيميَّة: (وقد اتَّفق المسلمون على أنَّ المصليَ إذا عجز عن بعض واجباتها- كالقيام، أو القراءة، أو الركوع، أو السجود، أو ستر العورة، أو استقبال القبلة، أو غير ذلك- سقط عنه ما عجز عنه) ((مجموع الفتاوى)) (8/438).
خامسًا: أنَّ الإيماءَ هو أكثرُ ما يستطيعُه ((المنتقى))‏ للباجي (1/299).
سادسًا: أنَّ نفْسَ السُّجودِ أخفضُ مِن الرُّكوعِ، فكذلك الإيماءُ بالسُّجودِ أخفضُ مِن الإيماءِ بالرُّكوعِ ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/228).

انظر أيضا: