الموسوعة الفقهية

المَطلَب الخامسُ: حضورُ طعامٍ


مِن الأعذارِ المسقِطةِ لصلاةِ الجماعةِ حُضورُ طعامٍ قال ابنُ دقيق العيد: (المتشوِّفون إلى المعنى أيضًا قد لا يَقْصرون الحُكم على حضورِ الطعام، بل يقولون به عند وجود المعنى، وهو التشوُّف إلى الطعام، والتحقيق في هذا: أنَّ الطعام إذا لم يحضر فإمَّا أن يكون متيَسِّرَ الحضور عن قريب حتى يكون كالحاضرِ أو لا، فإنْ كان الأوَّل: فلا يبعُد أن يكون حُكمه حُكمَ الحاضر، وإنْ كان الثاني وهو ما يتراخَى حضورُه: فلا ينبغي أن يُلحَق بالحاضر؛ فإنَّ حضورَ الطعام يُوجِب زيادةَ تشوُّف وتطلُّع إليه، وهذه الزيادةُ يمكن أن يكون الشارعُ اعتبرَها في تقديمِ الطَّعام على الصَّلاة، فلا ينبغي أن يلحق به ما لا يساويها؛ للقاعدة الأصوليَّة: إنَّ محلَّ النَّصِّ إذا اشتمل على وصْفٍ يمكن أن يكون معتبرًا لم يُلْغَ) ((إحكام الأحكام)) (ص: 105). وقال ابنُ عابدين: (وقرُب حضورُه كحضورِه فيما يظهرُ لوجود العِلَّة، وبه صرَّح الشافعي). ((حاشية ابن عابدين)) (1/556). تاقتْ نفْسُه إليه قال ابنُ دقيق العيد: (الظاهريَّة أخذوا بظاهر الحديث في تقديم الطَّعام على الصلاة، وزادوا- فيما نُقِل عنهم- فقالوا: إنْ صلَّى فصلاته باطلةٌ، وأمَّا أهل القياس والنظر فإنَّهم نظروا إلى المعنى وفهِموا: أنَّ العلةَ التَّشويش لأجْل التشوُّفِ إلى الطعام، وقد أوضحتْه تلك الرواية التي ذكرناها، وهي قوله: «وأحدكم صائم» فتتبَّعوا هذا المعنى فحيث حصل التشوُّف المؤدِّي إلى عدمِ الحضور في الصلاة قدَّموا الطعامَ واقتصروا أيضًا على مقدار ما يَكسِر سَورةَ الجوعِ، ونُقِل عن مالك: يبدأ بالصلاة إلَّا أن يكون طعامًا خفيفًا) ((إحكام الأحكام)) (ص: 104). ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة [4248] ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 77)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/556). ، والمالِكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/184)، وينظر: ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (1/48)، ((شرح التلقين)) للمازري (1/725). والشافعيَّة [4250] ((روضة الطالبين)) للنَّووي (1/345)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/235). ، والحنابِلَة [4251] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/211)، وينظر: ((المغني)) لابن قُدامة (1/450). ، وهو قولُ طائفةٍ مِن السَّلف قال ابنُ قُدامة: (قال بظاهر الحديث عُمرُ وابنُه، وإسحاق، وابنُ المنذر، وقال ابنُ عبَّاس: "لا نقوم إلى الصَّلاة وفي أنفسنا شيءٌ"، قال ابنُ عبد البَرِّ: "أجمَعوا على أنه لو صلَّى بحضرة الطعام، فأكمل صلاتَه أنَّ صلاته تجزئه"). ((المغني)) (1/450). ، واختاره ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (ومن العُذر للرِّجال في التخلُّف عن الجماعة في المسجد: المرض، والخوف، والمطر، والبرد، وخوف ضياع المال، وحضور الأكل....) ((المحلى)) (3/118).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- عنِ ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا وُضِعَ عَشاءُ أحدِكم وأُقيمتِ الصَّلاةُ، فابْدؤوا بالعَشاءِ، ولا يَعْجَلْ حتى يَفرغَ )) رواه البخاري (673)، ومسلم (559).
2- عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا قُرِّب العَشاءُ وحضرتِ الصَّلاةُ، فابدؤوا به قبل أن تُصلُّوا صلاةَ المغربِ، ولا تَعْجَلوا عن عَشائِكم )) رواه البخاري (672)، ومسلم (557).
3- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: إنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: ((لا صلاةَ بحضرةِ طعامٍ، ولا وهو يُدافِعُه الأخبثانِ )) رواه مسلم (560).
ثانيًا: لاشتغالِ باله بالطعامِ الذي تَتُوقُ نفْسُه إليه بما يُشوِّشُ على خشوعِه في الصَّلاةِ ((حاشية ابن عابدين)) (1/556).

انظر أيضا: