الموسوعة الفقهية

المبحث الخامِس: صلاةُ التطوُّعِ مَثنَى مَثنَى


صلاةُ اللَّيلِ والنَّهارِ مَثنَى مَثنَى (ركعتين ركعتين) مَثنى مثنى: أي ثُنائية لا رباعيَّة، ومثنى معدولٌ من اثنين اثنين. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/225). وعند مسلم (749) قيل لابن عُمرَ: ما مثنى مثنى؟ قال: تُسلم في كل ركعتين. ، وهذا مذهبُ الجمهور: المالِكيَّة ((الكافي)) لابن عبد البر (1/257)، وينظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/217)، ((الذخيرة)) للقرافي (2/402). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/49، 51)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (7/150). ، والحَنابِلَة مذهب الحنابلة: صلاة التطوُّع في الليل لا تجوزُ إلَّا مثنى مثنى، والأفضل في تطوُّع النهار كذلك مثنى مثنى، وإن تطوع بأربعٍ في النهار، فلا بأس. ((الإقناع)) للحجاوي (1/152)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/91)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/79). ، وهو قولُ داودَ الظاهريِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (اختلف الفقهاءُ في صلاة التطوُّع بالنهار والليل، فقال مالكٌ، والليث بن سعد، والشافعيُّ، وابن أبي ليلى، وأبو يوسف، ومحمَّد بن الحسن: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، وهو قولُ أحمد بن حنبل، وأبي ثور وداود). ((الاستذكار)) (2/109).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رجلًا سألَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن صلاةِ اللَّيلِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صلاةُ الليلِ مَثْنَى مَثْنَى [3938] وقال النوويُّ: (هذا الحديث محمولٌ على بيان الأفضل، وهو أن يسلِّم من كلِّ ركعتين، وسواء نوافل الليل والنهار، يستحبُّ أن يسلم من كلِّ ركعتين). ((شرح النووي على مسلم)) (6/30). ، فإذا خشِي أحدُكم الصُّبحَ، صلَّى ركعةً واحدةً تُوتِرُ له ما قدْ صلَّى )) [3939] رواه البخاري (990)، ومسلم (749).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ قوله: ((مَثْنَى مَثْنى)) يَقتضي التسليمَ من كلِّ ركعتين، وإنَّما خَصَّص الليلَ؛ لكون غالبِ التنفُّلِ فيه، فلا مفهومَ له؛ لخروجِه مخرجَ الغالبِ فيعمُّ صَلاةَ اللَّيل والنَّهار، أو أنَّه كان جوابًا لسؤالِ سائلٍ، سأل عن صلاةِ اللَّيل؛ فلا يكون له مفهومٌ مُعتَبَر قال ابن حجر: (وقال ابن المنير في الحاشية: إنما خصَّ الليل بذلك؛ لأنَّ فيه الوتر؛ فلا يقاس على الوتر غيره فيتنفل المصلِّي بالليل أوتارًا، فبيَّن أن الوتر لا يُعاد وأنَّ بقية صلاة الليل مثنى، وإذا ظهرت فائدةُ تخصيص الليل صار حاصلُ الكلام صلاة النافلة سوى الوتر مَثْنى، فيعمُّ الليل والنهار). ((فتح الباري)) (3/50) وقال ابن رجب: (مَن يقول: لا مفهومَ لقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «صلاة الليل مثنى مثنى» يقول: إنَّ ذكر الليل إنما كان جوابًا لسؤال سائلٍ سأل عن صلاة الليل، ومثل هذا يدفع أن يكون له مفهومٌ معتبر). ((فتح الباري)) (6/193)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/402)، ((الاستذكار)) لابن عبد البر (2/93)، (2/108)، ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 211).
2- عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعلِّمنا الاستخارةَ في الأمورِ كما يُعلِّمنا السورةَ من القرآنِ، يقول: إذا هَمَّ أحدُكم بالأمرِ فلْيرَكَعْ ركعتينِ من غيرِ الفريضةِ... )) رواه البخاري (7390).
3- عن أبي قتادةَ بنِ ربعيٍّ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا دخَل أحدُكم المسجدَ فلا يجلسْ حتى يُصلِّي ركعتينِ )) رواه البخاري (444)، مسلم (714).
4- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((صَلَّى لنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ركعتينِ، ثم انصرَف )) رواه البخاري (1164)، ومسلم (658).
5- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((صليتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ركعتينِ قبل الظُّهرِ، وركعتينِ بعدَ الظُّهر، وركعتينِ بعدَ الجُمُعةِ، وركعتينِ بعد المغربِ، وركعتينِ بعدَ العِشاء )) رواه البخاري (1165) واللفظ له، ومسلم (729).
6- عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يخطُب: ((إذا جاءَ أحدُكم والإمامُ يَخطُبُ أو قدْ خرَج، فليصلِّ ركعتينِ )) رواه البخاري (1166)، ومسلم (875).
7- عن عِتْبانَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((غدَا عليَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأبو بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه بعدَما امتدَّ النهارُ وصَفَفْنا وراءَه فركَع ركعتينِ )) رواه البخاري (1167) ومسلم (1329).
وجهُ الدَّلالة من هذه الأحاديث:
أنَّ دأبَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في التطوُّعِ كان ركعتينِ ركعتينِ؛ فقد كان يُصلِّي قبلَ الظهرِ ركعتينِ، وبعدها ركعتينِ، وبعد المغربِ ركعتينِ، وبعد الجُمُعة ركعتينِ، وتحيَّةُ المسجد ركعتانِ، وكان إذا قدِم من سفر نهارًا صلَّى ركعتينِ، وصلاةُ الفِطر والأضحى والاستسقاءِ ركعتان، فهذه كلُّها صلاةُ النَّهارِ، وما أجمعوا عليه مِن هذا وجَبَ ردُّ ما اختلفوا فيه إليه قياسًا ونظرًا ((الاستذكار)) لابن عبد البر (2/109، 110)، ((المغني)) لابن قدامة (2/92).
ثانيًا: لم يثبتْ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في التطوُّعِ المطلَقِ خلافُ ذلك، ولو جازَ لبيَّنه ولو مَرَّةً ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (2/65).
ثالثًا: الاعتبارُ بالتراويحِ؛ فإنَّ الإجماعَ على الفصلِ فيها ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/449).
رابعًا: أنَّ الصلاةَ رَكعتينِ أبعدُ عن السَّهو، وأشبهُ بصلاة اللَّيل، وبتطوُّعات النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فإنَّ الصحيحَ في تطوُّعاتِه رَكعتانِ ((المغني)) لابن قدامة (2/92).

انظر أيضا: