الموسوعة الفقهية

المطلب السادسُ: التَّأمينُ في الصَّلاةِ


التَّأمينُ سنَّةٌ مؤكَّدةٌ بعد قراءةِ الفاتحةِ قال النَّوويُّ: (قد اجتمعَتِ الأمةُ على أنَّ المنفَرِدَ يؤمِّن، وكذلك الإمامُ والمأمومُ في الصلاة السِّرية، وكذلك قال الجمهورُ في الجهرية). ((شرح النَّووي على مسلم)) (4/130). قال ابن عبد البرِّ: (قولُه في حديث سُمَيٍّ: ((إذا قال الإمام: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، فقولوا: آمينَ))، ولا خلافَ أنَّه لا تأمين في الصلاة في غير هذا الموضع) ((الاستذكار)) (1/474). وخالف الحنفية فقالوا: السنَّة المخافَتَة في الجهرية. يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/270). أما مذهَبُ المالكية فلا يُنْدَبُ عندهم للإمامِ التأمينُ في الصلاة الجهرية، ويُنْدَبُ للمأموم إن سَمِعَ قراءة الإمام: قال الخرشي: ("ص" وتأمينُ فَذٍّ مطلقًا وإمامٍ بِسِرٍّ ومأمومٍ بِسِرٍّ أو جَهْر إن سَمِعَه على الأظهر وإسرارهم به (ش) أي إنَّه يندَبُ على المذهب تأمينُ الفَذِّ، أي: قولُه آمين عقب (ولا الضالين) في قراءته سواءٌ كانت قراءةُ الصلاةِ سرًّا أو جهرًا كما يُندَب للإمامِ التأمين على قراءته في السِّرِّية وكذا مأمومُه، وأمَّا في الجهرية فلا يُندَب للإمامِ ويندب للمأموم إن سَمِعَ قراءة الإمام؛ لأنَّه مُؤَمِّن حينئذ على دعائِه، فإن لم يَسْمَعْه فلا؛ على الأظهر عند ابن رشد) ((شرح مختصر خليل)) (1/282)، وينظر: ((منح الجليل)) لابن عليش (1/259). ، ويُسرُّ بها في الصَّلاةِ السِّريَّةُ، ويجهرُ بها في الجَهريَّةِ، ويؤمِّنُ فيها مع الإمامِ، وهو مذهبُ الشافعيَّةِ ((المجموع)) للنووي (3/368، 371)، وينظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/154). ، والحنابلةِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/339)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/352). ، وبه قال جمهورُ أهلِ العِلمِ قال النَّوويُّ: (ذكرنا أن مذهبَنا استحبابُه للإمام والمأموم والمنفرد، وأن الإمام والمنفرد يَجهران به، وكذا المأموم على الأصح، وحكى القاضي أبو الطيِّب والعبدري الجهرَ به لجمعهم، عن طاوس، وأحمد، وإسحاق، وابن خزيمة، وابن المنذر، وداود، وهو مذهبُ ابنِ الزبير) ((المجموع)) (3/373). وقال ابنُ رجب: (دلَّ هذا الحديثُ على أنَّ الإمام والمأمومين يؤمِّنون جميعًا، وهذا قول جمهور أهل العلم، رُوي عن أبي بكر، وعمر، وابن عمر، وأبي هريرة، وقال عطاءٌ: لقد كنت أسمعُ الأئمة يقولون على إثر أم القرآن: آمين، هم أنفسهم ومَن وراءهم، حتى إن للمسجد للجةً، وبهذا قال الثوري، وأبو حنيفة، والأوزاعي، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وهو رواية المدنيِّين عن مالك، واختيارُهم). ((فتح الباري)) (4/492). ، وعامَّةُ أهلِ الحديثِ قال ابنُ رجب: (اختلفوا في الجهر بها على ثلاثة أقوال: أحدها: يجهر بها الإمام ومَن خلفه، وهو قولُ عطاءٍ، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وابن أبي شيبة، وعامةُ أهل الحديث). ((فتح الباري)) (4/493)، وينظر: ((الاستذكار)) لابن عبد البر (1/475).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن أبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا أمَّن الإمامُ فأمِّنوا؛ فإنَّه مَن وافَقَ تأمينُه تأمينَ الملائكةِ، غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِن ذَنبِه )) رواه البخاري (780)، ومسلم (410).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه لولا جهرُه بالتَّأمينِ لَمَا أمكَنَ المأمومَ أنْ يؤمِّنَ معه ويوافِقَه في التَّأمينِ ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (2/396)، ((فتح الباري)) لابن رجب (4/493).
ثانيًا: مِن الآثارِ
عن ابنِ جُرَيجٍ قال: قلتُ لعطاءٍ: أكان ابنُ الزُّبيرِ يؤمِّنُ على أثرِ أمِّ القرآنِ؟ قال: نعم، ويؤمِّنُ مَن وراءَهُ، حتَّى إنَّ للمسجدِ للَجَّةً أخرجه البخاري معلقًا بصيغة الجزم قبل حديث (780) مختصرًا، وأخرجه موصولًا عبد الرزاق في ((المصنف)) (2640)، وابن حزم في ((المحلى)) (3/264). صحح إسناده الألباني في ((أصل صفة الصلاة)) (1/380).
ثالثًا: أنَّ التَّأمينَ تابعٌ للفاتحةِ، فكان حُكمُه حُكمَها في الجهرِ؛ كالسُّورةِ ((المجموع)) للنووي (3/368).

انظر أيضا: