الموسوعة الفقهية

المبحث الثاني: تكبيراتُ الانتقالِ


اختَلَفَ العلماءُ في حُكمِ تكبيراتِ الانتقالِ تكبيرات الانتقال: هي التكبيراتُ في الصَّلاة، غير تكبيرة الإحرام، فيدخل بذلك التكبيرُ للركوع وللسجود وللرفع منهما، وللقيام من التشهُّد الأول. يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (3/316). على قولينِ:
القولُ الأوَّلُ: أنَّ تكبيراتِ الانتقالِ سنَّةٌ مِن سُنَنِ الصَّلاةِ وليست بواجبةٍ، وهو مذهبُ الجمهور: الحنفيَّةِ ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/320)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/476). ، والمالكيَّةِ ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (1/243)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/210)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 38). ، والشافعيَّةِ ((المجموع)) للنووي (3/397)، ((مغني المحتاج)) للشريبني (1/177). ، وجمهورِ العُلماءِ مِن الصَّحابةِ والتَّابعين ومَن بعدَهم قال النَّوويُّ: (تكبيرات الانتقالات... وهذه كلها عندنا سُنَّة، إلا تكبيرةَ الحرامِ؛ فهي فَرْضٌ، هذا مذهبنا ومذهب جمهور العلماء، من الصَّحابة والتابعين ومَن بعدَهم، قال ابنُ المنذِر: وبهذا قال أبو بكر الصِّدِّيق، وعمر، وابن مسعود، وابن عمر، وابن جابر، وقيس بن عباد، وشعيب، والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، وعوامُّ أهل العلم) ((المجموع)) (3/397). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال البغويُّ: (اتَّفقت الأمَّةُ على هذه التكبيراتِ، وهي ثنتان وعشرون تكبيرة في أربعِ ركعاتٍ، وكلها سنَّة، إلَّا التكبيرةَ الأولى؛ فإنَّها فريضةٌ لا تنعقِدُ الصَّلاةُ إلَّا بها) ((شرح السنَّة)) (3/91). وقال النَّووي معلِّقًا على هذا الكلام: (وأمَّا قول البغويِّ في شرح السنَّة: اتَّفقت الأمَّة على هذه التكبيراتِ، فليس كما قال، ولعلَّه لم يبلغْه ما نقلناه، أو أراد اتِّفاق العلماء بعد التابعين على مذهب مَن يقول: الإجماع بعد الخلاف يرفع الخلافَ، وهو المختارُ عند متأخري الأصوليِّين، وبه قال مِن أصحابنا: أبو علي بن خيران، والقفال، والشاشي، وغيرهما) ((المجموع)) (3/397).
الدليل مِنَ السُّنَّة:
عن أبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه، قال: إنَّ رجلًا دخَل المسجدَ، ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جالِسٌ في ناحِيةِ المسجدِ، فصلَّى ثم جاء فسلَّم عليه، فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((وعلَيكَ السَّلامُ، ارجِعْ فصلِّ؛ فإنَّك لم تُصَلِّ، فرجَع فصلَّى ثم جاء فسلَّم، فقال: وعلَيكَ السَّلامُ، فارجِعْ فصلِّ؛ فإنَّك لم تُصَلِّ، فقال في الثَّانيةِ، أو في التي بعدَها: علِّمْني يا رسولَ اللهِ، فقال: إذا قُمْتَ إلى الصَّلاةِ فأسبِغِ الوُضوءَ، ثم استقبِلِ القِبلةَ فكبِّرْ، ثم اقرَأْ بما تيسَّر معَك منَ القرآنِ، ثم اركَعْ حتَّى تَطمَئِنَّ راكِعًا، ثم ارفَعْ حتَّى تستوِيَ قائِمًا، ثم اسجُدْ حتَّى تَطمَئِنَّ ساجِدًا، ثم ارفَعْ حتَّى تَطمَئِنَّ جالِسًا، ثم اسجُدْ حتَّى تَطْمَئِنَّ ساجِدًا، ثم ارفَعْ حتَّى تَطمَئِنَّ جالِسًا، ثم افعَلْ ذلك في صلاتِكَ كلِّها )) رواه البخاري (6251)، ومسلم (397).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يأمُرْه بتكبيراتِ الانتقالاتِ، وأمَره بتكبيرةِ الإحرامِ ((المجموع)) للنووي (3/397).
القول الثاني: أنَّ تكبيراتِ الانتقالِ واجبةٌ، وهو مذهبُ الحنابلةِ ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/502)، وينظر: ((أخصر المختصرات)) لابن بلبان (ص: 116)، ((الروض المربع)) للبهوتي (ص: 78)، ((حاشية الروض المربع)) لابن قاسم (2/128). ، وبه قال إسحاقُ بنُ راهَوَيْهِ ((فتح الباري)) لابن رجب (5/34). ، وبعضُ الظَّاهريَّةِ قال الشَّوكانيُّ: (وقال أحمد- في رواية عنه- وبعضُ أهل الظاهر: إنَّه يجب كلُّه) ((نيل الأوطار)) (2/278)، ويُنظر: ((المحلى)) لابن حزم (2/291). ، وهو اختيارُ ابنِ بازٍ قال ابن باز: (واجباتُ الصَّلاة - وهي ثمانية -: جميعُ التكبيراتِ غير تكبيرةِ الإحرام، وقول: سمِع الله لِمَن حمِده للإمام والمنفرد...) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (3/291). ، وابنِ عُثَيمين قال ابن عُثَيمين: (الصَّواب: أنَّ هذه التكبيراتِ- تكبيراتِ الانتقالِ- واجبةٌ) ((تعليقات ابن عُثَيمين على الكافي لابن قدامة - الموقع الرسمي لابن عُثَيمين)). ، وبه أفتَتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ جاء في فتوى اللَّجنة الدَّائمة: (تكبيراتُ الانتقالِ واجبٌ من واجباتِ الصَّلاةِ في أصحِّ قولَيِ العُلماءِ، مَن تركها أو شيئًا منها متعمِّدًا بطَلَت صلاتُه، ومن تَرَكَها ناسيًا وجَب عليه سجودُ السَّهْوِ). ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة - المجموعة الثانية)) (6/10).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن أبي هريرة قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما جُعِلَ الإمامُ لِيؤتَمَّ به، فإذا كبَّرَ فكبِّروا، وإذا ركعَ فاركعوا، وإذا قال: سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه، فقولوا: ربَّنا ولك الحَمدُ، وإذا سجَدَ فاسجُدوا، وإذا صلَّى جالسًا، فصَلُّوا جلوسًا أجمعونَ )) [1791] رواه البخاري (734)، ومسلم (414).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الحديثَ يعُمُّ كلَّ تكبيرٍ في الصَّلاةِ ((فتح الباري)) لابن رجب (5/36)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (3/316).
2- عن أبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا قام إلى الصَّلاةِ يكبِّرُ حين يقومُ، ثم يكبِّرُ حين يركَعُ ثم يقولُ: سمِعَ اللهُ لِمَن حمِده حين يرفَعُ صُلبَه مِن الرُّكوعِ، ثم يقولُ وهو قائمٌ: ربَّنا ولك الحمدُ، ثم يكبِّرُ حين يَهْوِي ساجدًا، ثم يكبِّرُ حين يرفَعُ رأسَه، ثم يكبِّرُ حين يسجُدُ، ثم يكبِّرُ حين يرفَعُ رأسَه، ثم يفعَلُ مِثلَ ذلك في الصَّلاةِ كلِّها حتَّى يقضيَها، ويكبِّرُ حين يقومُ مِن المَثْنى بعد الجلوسِ، ثم يقولُ أبو هُرَيرةَ: إنِّي لَأشْبَهُكم صلاةً برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم )) رواه البخاري (803) بمعناه، ومسلم (392) واللفظ له.
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
الحديثُ يدلُّ على أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يكبِّرُ هذه التَّكبيراتِ، وقد قال: ((صلُّوا كما رأَيتُموني أُصلِّي )) ((تعليقات ابن عُثَيمين على الكافي لابن قدامة - الموقع الرسمي لابن عُثَيمين)). والحديث رواه البخاري (631)
ثانيًا: مواظبةُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عليه إلى أنْ ماتَ، ما ترَك التَّكبيرَ يومًا مِن الدَّهرِ ((الشرح الممتع)) لابن عُثَيمين (3/316).
ثالثًا: أنَّه شِعارُ الانتقالِ مِن ركنٍ إلى آخرَ؛ لأنَّ الانتقالَ لا شكَّ أنَّه انتقالٌ مِن هيئةٍ إلى هيئةٍ، فلا بدَّ مِن شِعارٍ يدلُّ عليه ((الشرح الممتع)) لابن عُثَيمين (3/317).

انظر أيضا: