الموسوعة الفقهية

المطلب السادس: الصَّلاةُ على الرَّاحِلةِ والسَّفينةِ والطَّائِرةِ


الفَرْعُ الأَوَّلُ: صلاةُ النافلةِ على الراحلةِ في السَّفرِ
تجوزُ صلاةُ النافلةِ على الراحلةِ في السَّفر، حيثما توجَّهت به.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكِتاب
قال الله تعالى: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة: 115]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
قال ابنُ عمر وطائفةٌ: نزلت هذه الآيةُ في الصَّلاةِ على الراحلةِ قال ابنُ عبد البَرِّ: (قولُ مَن قال: إنَّها نزلت في الصلاة على الراحلة قولٌ حسن أيضًا تُعضِّده السنَّة في ذلك) ((التمهيد)) (17/73).
ثانيًا: من السُّنَّة
1- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما: ((أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُصلِّي سُبحتَه السُّبحة: صلاة التطوُّع والنافلة، وإنما خُصَّت النافلةُ بالسُّبحة، وإنْ شاركتْها الفريضةُ في معنى التسبيح؛ لأنَّ التسبيحاتِ في الفرائض نوافلُ، فقيل لصلاة النافلة: سبحة؛ لأنَّها نافلة كالتسبيحاتِ والأذكار في أنَّها غيرُ واجبة. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/331)،. حيثما توجَّهتْ به ناقتُه )) رواه البخاري (1105)، ومسلم (700) واللفظ له.
2- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، قال: ((كان رسولُ الله يُصلِّي وهو مُقبلٌ من مكَّةَ إلى المدينةِ على راحلتِه حيث كان وجهُه؛ قال: وفيه نزلت: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة: 115] )) رواه مسلم (700).
3- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، قال: ((كان النبيُّ عليه السلام يُصلِّي في السفرِ على راحلتِه، حيث توجَّهتْ به، يُومِئ إيماءً صلاةَ اللَّيلِ، إلا الفرائض، ويُوتِر على راحلتِه )) رواه البخاري (1000)، ومسلم (700).
4- عن عامرِ بنِ رَبيعةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه قال: ((رأيتُ رسولِ اللهِ يُصلِّي على راحلتِه حيث توجَّهتْ به )) رواه البخاري (1093) واللفظ له، ومسلم (701) بمعناه.
5- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه قال: ((كان رسولُ اللهِ يُصلِّي على راحلتِه حيثُ توجَّهتْ به - أي في جِهة مَقصدِه - فإذا أراد الفريضةَ نزَلَ فاستقبلَ القِبلةَ )) [1497] رواه البخاري (400)، ومسلم (540).
ثالثًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: الترمذيُّ قال ابنُ قُدامة: (لا نعلمُ خلافًا بين أهل العِلم في إباحة التطوُّع على الراحلة في السَّفر الطويل. قال الترمذي: هذا عند عامَّة أهل العلم) ((المغني)) (1/315). ، وابنُ عبد البرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (لا خلافَ بين الفقهاء في جواز صلاة النافلة على الدابَّة حيث توجَّهت براكبها في السفر) ((الاستذكار)) (2/255). وقال أيضًا: (وقد ذَكَر في هذا الحديث وغيره جماعةُ الرواة أنَّ ذلك في التطوُّع دون المكتوبة، وهو أمر مجتمعٌ عليه؛ لأنَّه لا يجوز لمصلِّي الفرض أن يدع القبلة عامدًا بوجه من الوجوه، إلا في شدة الخوف راجلًا أو راكبًا، فإن لم يكن خائفًا شديدَ الخوف هاربًا لم يكُن له أن يصلِّي راكبًا) ((التمهيد)) (17/74). وقال أيضًا: (المحفوظُ في حديث ابن عمر: «أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يصلِّي على راحلته تطوعًا في السفر حيث توجَّهت به، وتلا ابن عمر؛ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ **البقرة: 115**»، وهذا معناه في النافلة بالسُّنة إنْ كان أمنًا، وأما الخوف فتُصلَّى الفريضة على الدابة؛ لقول الله عز وجل: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا **البقرة: 239**، وهذا كله مجتمَعٌ عليه من فُقهاء الأمصار وجمهور العلماء) ((التمهيد)) (20/132)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/315). ، وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قُدامة: (لا نعلم خلافًا بين أهل العلم في إباحة التطوُّع على الراحلة في السَّفر الطويل) ((المغني)) (1/315). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (في هذه الأحاديث جوازُ التنفُّل على الراحلة في السَّفر حيث توجَّهت، وهذا جائزٌ بإجماع المسلمين) ((شرح النووي على مسلم)) (5/210). ، وابنُ تَيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (فإنه قد ثبَت في الصحاح أنه كان يتطوَّع على راحلته في السَّفر قبل أيِّ وجه توجَّهت به. وهذا ممَّا اتَّفق العلماء على جوازه، وهو صلاةٌ بلا قيام، ولا استقبال للقِبلة) ((مجموع الفتاوى)) (21/285). ، والعينيُّ قال العينيُّ: (أمَّا التطوُّع على الراحلة فليس فيه خلاف، وأمَّا الوتر فقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يجوزُ الوترُ على الراحلة) ((شرح أبي داود)) (5/92). ، والشوكانيُّ قال الشوكانيُّ: (الحديث يدلُّ على جواز التطوُّع على الراحلة للمسافر قبل جِهة مقصده، وهو إجماعٌ) ((نيل الأوطار)) (2/168).
الفَرْعُ الثَّاني: صلاةُ الفريضةِ على الراحلةِ
لا تجوزُ صلاةُ الفريضةِ على الراحلةِ من غيرِ عُذرٍ مع اختلافِهم في الأعذار المجيزة لذلك: فالأحنافُ ذكروا من الأعذار: المطر، المرض، الخوف من اللُّصوص ومن السَّبُع، كون الدابة جموحًا، كون المسافِر لا يُمكنه الركوب إذا نزَل. والمالكيَّة نصُّوا على: الخوف، والمرض. والشافعيَّة ذكروا: الخوف من الانقطاع عن الرُّفقة لو نزل للصلاة، أو خاف على نفْسه أو ماله، لكنَّهم أوجبوا عليه الإعادة. والحنابلة ذكروا: الخوف، المطر، الوحل، الثلج، البرد، الخوف من الانقطاع عن الرُّفقة، الخوف من السَّبُع، حصول ضَرَر بالمشي. ، وذلك باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/41)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/5). قال العينيُّ: (وفي "خلاصة الفتاوى": أمَّا صلاة الفرْض على الدابة لعُذر فجائزةٌ، ومن الأعذار: المطرُ؛ عن محمَّد: إذا كان الرجل في السفر فأمطرت السماءُ لم يجِد مكانًا ما يشاء ينزل للصلاة، فإنَّه يقف على الدابة مستقبلَ القبلة ويُصلِّي بالإيماء إذا أمكنه إيقافُ الدابة، فإنْ لم يمكنه يُصلِّي مستدبرَ القبلة، وهذا إذا كان الطينُ بحال يصيب وجهَه، فإن لم تكُن هذه المثابة لكن الأرض نديَّة صلَّى هنالك، ثم قال: وهذا إذا كانت الدابةُ تسير بنفسها، أمَّا إذا سيَّرها صاحبها فلا يجوزُ التطوُّع ولا الفرض. ومن الأعذار: اللصُّ، والمرض، وأمَّا في البادية فتجوز ذلك، كذا ذكر صاحب "الخلاصة". ومن الأعذار: أن تكون الدابة جموحًا، ولو نزَل لا يُمكنه الركوبُ، ومن الأعذار: كون المسافر شيخًا كبيرًا لا يجِد مَن يُركبه إذا نزل، وفيها: الخوفُ من السَّبُع. وفي المحيط: تجوز الصلاة على الدابَّة في هذه الأحوال، ولا تلزمه الإعادةُ بعد زوال العذر) ((البناية)) (2/545). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/205)، وينظر: ((المدخل)) لابن الحاج (4/51). قال التنُّوخي: (ومن اضطرَّ إلى الصلاة على الدابة لعدم القُدرة على النزول؛ إمَّا لمرض أو لخوفه، صلَّى الفريضة عليها، فإنْ قدَر على التحوُّل إلى القبلة تحوَّل، وإلَّا سقطت في حقِّه) ((التنبيه على مبادئ التوجيه)) (1/430). ، والشافعيَّة قال النوويُّ: (ولا يجوزُ فِعل الفريضة على الراحلة من غير ضرورة، فإنْ خاف انقطاعًا عن رفقته لو نزَل لها، أو خاف على نفْسه أو ماله، فله أن يُصلِّيَها على الراحلة، وتجب الإعادة) ((روضة الطالبين)) (1/209)، ((فتح العزيز)) للرافعي (3/208). ، والحنابلة قال البُهوتيُّ: ("وتصحُّ صلاة فرض على راحلة واقفة أو سائرة خشيةَ تأذٍّ بوحلٍ أو مطر، ونحوه" كثلج وبرد... "كخائفٍ بنزوله على نفْسه من عدو ونحوه" كسَبُع؛ قال في الاختيارات: تصحُّ صلاة الفرض على الراحلة خشيةَ الانقطاع عن الرفقة، أو حصول ضرر بالمشي) ((كشاف القناع)) (1/502). ويُنظر: ((الإقناع)) للحجاوي (1/178)، ، وحُكي الإجماعُ على ذلك قال ابنُ بطَّال: (أجمع العلماء أنه لا يجوز أنْ يُصلِّي أحد فريضةً على الدابَّة من غير عُذر) ((شرح صحيح البخاري)) (2/90). وحكَى ابن عبد البر، والنووي، الإجماعَ على عدم جوازِ صلاة الفريضة على الراحلة إلَّا في حالة شدَّة الخوف؛ قال ابنُ عبد البَرِّ: (وقد انعقد الإجماعُ على أنَّه لا يجوزُ أن يُصلِّي أحدٌ فريضة على الدابة في غير شدَّة الخوف، فكفى بهذا بيانًا وحجَّةً) ((الاستذكار)) (2/255). وقال النوويُّ: (وفيه دليلٌ على أنَّ المكتوبة لا تجوز إلى غير القبلة ولا على الدابة، وهذا مُجمَع عليه إلَّا في شدَّة الخوف) ((شرح النووي على مسلم)) (5/211).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكِتاب
قال الله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة: 238-239]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ معنى الآيةِ: إذا وقَع الخوفُ فليصلِّ الرجلُ على كلِّ جِهةٍ قائمًا أو راكبًا قال ابنُ حجر: (في تفسير الطبري بسند صحيحٍ عن مجاهد: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا: إذا وقع الخوف فليصلِّ الرجلُ على كلِّ جِهة قائمًا أو راكبًا) ((فتح الباري)) (2/432)، ويُنظر: ((الروضة الندية)) لصدِّيق حسن خان (1/149).
ثانيًا: من السُّنَّة
عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما قال: ((كان النبيُّ عليه السلام يُصلِّي في السفرِ على راحلتِه، حيث توجَّهتْ به، يُومِئ إيماءً صلاةَ اللَّيلِ، إلَّا الفرائض، ويُوتِرُ على راحلتِه )) رواه البخاريُّ (1000)، ومسلم (700).
ثالثًا: من الآثار
1- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما قال: (إذا اختَلَطوا - يعني في القِتالِ - فإنَّما هو الذِّكرُ وأشارَ الرأسِ) رواه البخاري (943) مختصرا، والطبريُّ في ((تفسيره)) (5/246)، والبيهقيُّ (3/255) (6235). قال الألبانيُّ في ((أصل صفة الصلاة)) (1/68): أخرجه الطبريُّ بإسنادِ البخاري.
2- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، قال: (فإنْ كان خوفٌ أشدُّ من ذلك صَلَّوْا رِجالًا قِيامًا على أقدامهم، أو رُكبانًا مستقبلي القبلةِ وغيرَ مستقبليها)، وفي روايةٍ لمسلم: أنَّ ابنَ عُمرَ قال: (فإنْ كان خوفٌ أكثرُ من ذلك فصلِّ راكبًا، أو قائمًا، تومئ إيماءً) [1514] رواه البخاري (4535) واللفظ له، ومسلم (839). والرِّواية الثانية: رواها مسلم (839).
الفَرْعُ الثَّالِثُ: الصَّلاةُ على السَّفينةِ
تجوزُ صلاةُ الفريضةِ على السَّفينةِ في الجملةِ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما قال: ((سُئِل النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الصَّلاة في السَّفينة؟ فقال: صَلِّ فيها قائمًا إلَّا أن تخافَ الغرقَ )) [1515] رواه الحاكم (1/409)، والبيهقي (3/155) (5698). حسَّنه البيهقيُّ، وصحَّحه الألبانيُّ على شرْط مسلم في ((أصل صفة الصلاة)) (1/101).
ثانيًا: من الإجماع
نقَلَ الإجماعَ على ذلك: النوويُّ قال النوويُّ: (...كالسَّفينة... يصحُّ فيها الفريضةُ بالإجماع) ((شرح النووي على مسلم)) (5/211). ، وابنُ الملقِّن قال ابن الملقِّن: (...السَّفينة... تصحُّ فيها الفريضةُ بالإجماع) ((الإعلام)) (2/485). ، والصنعانيُّ قال الصنعانيُّ: (...السَّفينة... الصلاة تصحُّ فيها إجماعًا) ((سبل السلام)) (1/135). ، والشوكانيُّ قال الشوكانيُّ: (تصحُّ في السَّفينة بالإجماع) ((نيل الأوطار)) (2/166). ووقَع خلافٌ في الصلاة في السَّفينة إذا قدَر على الخروجِ منها؛ قال شمسُ الدِّين ابن قدامة: ("ولا تصحُّ الصلاةُ في السفينة قاعدًا لقادرٍ على القيام"، اختلَف قوله في الصَّلاة في السفينة مع القُدرة على الخروج، على رِوايتين: إحداهما: لا يجوزُ؛ لأنَّها ليستْ حالَ استقرار، أشبه الصلاةَ على الراحلة...) ((الشرح الكبير)) (2/89).
ثالثًا: أنَّ ذلك إنَّما يجوزُ للحاجةِ إلى ركوبِ البحرِ، وتعذُّرِ العدولِ في أوقاتِ الصَّلاةِ عنه قال ابنُ رجب: (إنَّما افتتح هذا الباب بذِكر الصلاة في السَّفينة؛ لأنَّ المصلِّي في السفينة لا يمكنه الصلاةُ على التراب، ولا على وجه الأرض، وإنَّما يُصلي على خشب السفينة، أو ما فوقه من البُسُط أو الحصير أو الأمتعة والأحمال التي فيها. ولهذا المعنى - والله أعلم - رُوي عن مسروق ومحمد بن سيرين: أنَّهما كانَا يحملان معهما في السفينة لبِنةً أو آجُرَّةً يسجدان عليها، والظاهر: أنَّهما فعلَا ذلك لكراهتهما السجودَ على غير أجزاء الأرض، أو أن يكون اختارَا السجود على اللبِنة على الإيماء، كما اختار قومٌ من العلماء للمريض أن يسجُد على وسادة ونحوها ولا يُومئ، ورَوى حمَّاد بن زيد، عن أنس بن سيرين، أنَّ أنس بن مالك صلَّى بهم في سفينة على بُساط. وقال حرب: قلتُ لأحمد في الصلاة في السَّفينة: يسجدون على الأحمال والثِّياب، ونحو ذلك؟ فسهَّل فيه. قال: وقال إسحاقُ: يُصلِّي فيها قائمًا على البسط) ((فتح الباري)) (2/245)، وينظر: ((الشرح الكبير)) للرافعي (3/209).
الفَرْعُ الرابع: الصَّلاةُ في الطَّائِرَةِ
تجوزُ صلاةُ الفريضةِ على الطائرةِ، مع القيامِ بأركانِها حسَبِ الاستطاعةِ، ويدورُ معها حيثُ دارتْ مِن أجلِ استقبالِ القِبلةِ، وهذا اختيارُ ابنِ باز قال ابن باز: (أمَّا إن كان السفر طويلًا، فإنَّه يُصلي في الطائرة، أو في القطار- والحمد لله- ولا يترك الصلاة حتى يخرجَ الوقتُ؛ يُصلِّيها على حسب طاقته إلى القبلة، ويدور مع القطارِ، ويدور مع الطائرة حيث دارت، ويُصلِّي قائمًا إن استطاع، فإن لم يستطع صلى جالسًا، يدور مع القِبلة مثل صاحب السَّفينة، صاحب الباخرة، كلُّ منهم مأمور بطاقته) ((فتاوى نور على الدرب)) (13/78). وقال أيضًا: (الواجِبُ على المسلِمِ إذا كان في الطائِرَة، أو في الصحراء أن يجتهِدَ في معرفة القبلة بسؤالِ أهْلِ الخبرة، أو بالنَّظَر في علامات القبلة حتى يصليَ إلى القبلة على بصيرةٍ، فإن لم يتيسَّر العلم بذلك اجتهَدَ وتحرى جهةَ القِبلةِ وصلى إليها ويُجْزِئُه ذلك، ولو بان بعد ذلك أنه أخطأَ القبلة؛ لأنه قد اجتهد واتَّقى الله ما استطاع، ولا يجوز له أن يصلِّيَ الفريضة في الطائرة، أو في الصحراء بغير اجتهادٍ، فإن فعل فعليه إعادةُ الصلاة، لكونه لم يتَّقِ الله ما استطاع ولم يجتهِدْ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (30/188). ، وابنِ عُثَيمين قال ابنُ عُثَيمين: (ولهذا نرى أنَّ الصلاة على الطائرة صحيحةٌ مطلقًا، ولو كان ذلك مع سَعة الوقت، ولكن يجب أن يفعل الواجباتِ من الاستقبالِ، والسجود، والقيام، والقعود) ((الشرح الممتع)) (4/345). وقال أيضًا: (حُكم الصلاة فيما إذا تغيَّر اتجاهُ الطائرة أن يستديرَ المصلِّي في أثناءِ صَلاتِه إلى الاتجاهِ الصَّحيحِ, كما قال ذلك أهلُ العِلْم في السفينة في البحر, أنَّه إذا تغيَّر اتجاهُها فإنَّه يتَّجِه إلى القبلة، ولو أدَّى ذلك إلى الاستدارة عِدَّة مرات, الواجِبُ على قائد الطائرة إذا تغيَّر اتجاهُ الطَّائِرَة أنْ يقول للنَّاسِ قد تغيَّر الاتجاه فانحرِفوا إلى الاتِّجاه الصَّحيحِ, هذا في صلاة الفريضةِ, أمَّا النافلة في السَّفر على راحِلَتِه أينما توجَّهَتْ به, كما في حديثِ أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ الله عنه) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (15/416).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكِتاب
قال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16]
ثانيًا: من السُّنَّة
عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا أمرتُكم بأمرٍ فأتُوا منه ما استطعتُم )) [1523] رواه البخاري (7288) واللفظ له، ومسلم (1337).
ثالثًا: قياسًا على هيئةِ الصَّلاةِ على السَّفينةِ ((فتاوى نور على الدرب)) (13/78)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (15/416).

انظر أيضا: