الموسوعة الفقهية

المطلَبُ الأوَّل: شروطُ الأذانِ


الفَرْعُ الأوَّل: دخولُ وقْتِ الصَّلاةِ
المسألةُ الأولى: اشتراطُ دخولِ الوقتِ لِصَحَّةِ الأذانِ
يُشترَطُ دخولُ وقتِ الصَّلاةِ المؤذَّن لها، ولا يُؤذَّن قَبلَ دُخولِ الوقتِ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على اشتراطِ دُخولِ الوقتِ للأذانِ فيما عدَا الفجرَ: ابنُ جَريرٍ ((المجموع)) للنووي (3/89). ، وابنُ رُشدٍ قال ابنُ رشد: (أمَّا وقتُ الأذان فاتَّفق الجميعُ على أنَّه لا يُؤذَّن للصَّلاة قبل وقتِها ما عدا الصُّبحَ؛ فإنَّهم اختلفوا فيها). ((بداية المجتهد)) (1/107). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (في مذاهب العلماء في الأذان للصُّبح وغيرها: أمَّا غيرها فلا يصحُّ الأذانُ لها قبل وقتِها بإجماع المسلمين، نقَل الإجماع فيه ابنُ جرير وغيرُه). ((المجموع)) (3/89). ، والهيتمي قال الهيتمي: (لأنَّه - أي: الوقت - إنما يُراد للإعلامِ به؛ فلا يجوز ولا يصحُّ قبلَه إجماعًا). ((تحفة المحتاج)) (1/475).
ثانيًا: أنَّ الأذانَ شُرِعَ للإعلامِ بدُخولِ الوقتِ، فلا يُشرَعُ قبلَ الوقتِ؛ لئلَّا يذهبَ مَقصودُه ((المغني)) لابن قدامة (1/297).
المسألة الثانية: ما يُستثنَى منِ اشتراطِ دُخولِ الوقتِ
1- الأذانُ الأوَّلُ لصلاةِ الفَجرِ
يجوزُ الأذانُ قبلَ الفجرِوهو مذهبُ الجمْهور: المالكيةِ والشَّافعيَّةِ والحنابِلةِ، ورواية عن أبي يوسف، ولكن ذهبوا إلى أنَّه تُسَنُّ إعادتُه عند دخولِ الوقت. ينظر: ((الشرحُ الكبير للدردير وحاشيةُ الدَّسُوقي)) (1/194)، ((منهاجُ الطالبين)) للنووي (ص: 23)، ((كشَّافُ القناع)) للبهوتي (1/243،242)، ((تبيينُ الحقائق)) للزيلعي (1/93).، وتجبُ إعادتُه مرةً ثانيةً عندَ طلوعِ الفجرِ اشترط بعض العلماء وجود مؤذنَينِ. ، وهو روايةٌ للحنابلة ((الكافي)) لابن قدامة (1/200)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/298). ، وقولُ طائفةٍ مِن أهْلِ الحديثِ قال ابنُ المنذِر: (وقالت طائفةٌ: لا بأس أن يؤذَّنَ للصُّبْحِ قبل طُلُوعِ الفَجْرِ إذا كان للمسجِدِ مؤذِّنانِ؛ يُؤَذِّنُ أحدُهما قبل طلوعِ الفَجْرِ، والآخَرُ بعد طلوعِ الفَجْرِ). ((الأوسط)) (3/164). وقال ابنُ قُدامَةَ: (وقال طائفةٌ من أهل الحديثِ: إذا كان له مؤذِّنان، يؤذِّنُ أحدُهما قبل طُلوعِ الفَجر، والآخَرُ بَعْده، فلا بأسَ؛ لأنَّ الأذانَ قبل الفجر يُفَوِّتُ المقصودَ من الإعلام بالوَقْتِ، فلم يَجُزْ، كبقيَّةِ الصَّلواتِ، إلَّا أن يكون له مؤذِّنان يحصُلُ إعلامُ الوقت بأحدهما، كما كان للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم). ((المغني)) (1/297). وقال النوويُّ: (وحكى ابنُ المنذر عن طائفةٍ أنَّه يجوز أن يؤذَّن قبل الفَجْرِ إن كان يؤذَّنُ بعده). ((المجموع)) (3/89). وقال ابن رجب: (وقالت طائفةٌ من أهل الحديثِ: لا يُؤذَّنُ لصلاة الصُّبْحِ قبل الفجر، إلَّا أن يعاد الأذانُ بعد الفَجْرِ في جميع الأوقات، وهو اختيارُ ابن خزيمة وغيره، وإليه مال ابنُ المنذر، وحكاه القاضي أبو الحسنِ من أصحابنا روايةً عن أحمد). ((فتح الباري)) (3/524). وابنِ حزم قال ابنُ حزمٍ: (ولا يجوز أن يؤذَّنَ لصلاةٍ قبل دخول وقتها إلَّا صلاةَ الصبح فقط؛ فإنَّه يجوز أن يؤذَّنَ لها قبل طلوع الفجر الثَّاني بمقدارِ ما يُتِمُّ المؤذِّنُ أذانه ويَنْزِل من المنار أو من العلو ويصعَد مؤذِّنٌ آخر، ويطلع الفجر قبل ابتداء الثاني في الأذانِ، ولا بد لها من أذانٍ ثان بعد الفجر، ولا يُجْزِئ الأذانُ الذي كان قبل الفجر؛ لأنَّه أذانُ سُحورٍ، لا أذانٌ للصلاة). ((المحلى)) (2/159). ، واختاره ابنُ المنذرِ والغزالي من الشافعيَّة قال ابنُ المنذر: (وقالت طائفةٌ: لا بأس أن يؤذَّنَ للصُّبحِ قبل طلوعِ الفَجْرِ إذا كان للمسجِدِ مؤذنان؛ يؤذِّنُ أحدُهما قبل طُلوعِ الفجر، والآخَرُ بعد طلوعِ الفَجْرِ... وكذلك نقول). ((الأوسط)) (3/164). وقال الشَّوكاني: (قال ابنُ المنذِرِ وطائفةٌ من أهل الحديثِ والغزالي: إنَّه لا يكتفي به). ((نيل الأوطار)) (2/58). والصنعانيُّ قال الصنعاني: (وفي الحديث شرعيَّةُ الأذانِ قبل الفجْرِ لا لِما شُرِعَ له الأذان؛ فإنَّ الأذان شُرِع كما سلف للإعلام بدخول الوَقْتِ، ولدعاء السامعينَ لحضور الصلاة، وهذا الأذانُ الذي قبل الفجر قد أخبر - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - بوجْهِ شَرْعِيَّته بقوله: «لِيُوقِظَ نائِمَكم ويَرجِعَ قائِمَكم» رواه الجماعةُ إلَّا الترمذي. والقائِمُ هو الذي يصلِّي صلاةَ الليل، ورجوعُه عَوْدُه إلى نَوْمِه، أو قعودُه عن صلاته، إذا سَمِعَ الأذانَ فليس للإعلامِ بدخولِ وَقْتٍ، ولا لحضور الصلاة، وإنما هو كالتسبيحةِ الأخيرة التي تُفعَل في هذه الأعصارِ، غايتُه أنَّه كان بألفاظِ الأذانِ؛ وهو مِثْلُ النداء الذي أحدثه "عُثمانُ" في يوم الجُمُعةِ لصلاتها، فإنَّه كان يأمُرُ بالنِّداء لها في محلٍّ يقال له "الزَّوْراء"، ليجتمِعَ النَّاسُ للصَّلاة، وكان ينادى لها بألفاظِ الأذانِ المشروع، ثم جَعَلَه النَّاسُ مِن بعده تسبيحًا بالآية، والصَّلاة على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم). ((سبل السلام)) (1/124). ، وابنُ بازٍ سُئِلَ ابنُ باز عن حُكم الأذانِ لصلاةِ الفَجْرِ قبل دخول الوقْتِ؟ فأجاب قائلًا: (لا حَرَجَ في ذلك، إذا كان هناك مؤذِّنٌ يؤذِّنُ بعد طلوعِ الفَجْرِ، أو كان المؤذِّنُ الذي يؤذِّنُ قبْلَ طُلوعِ الفَجْرِ يعيدُ الأذانَ بعد طلوعِ الفَجرِ، حتى لا يشتَبِهَ الأمرُ على النَّاسِ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/341).
الأَدِلَّةُ:
أ- أدِلَّةُ جوازِ الأذانِ للفَجْرِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِه:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّة
1- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إن بلالًا يؤذِّن بليلٍ، فكلوا واشربوا حتى يؤذِّن ابنُ أمِّ مكتومٍ )) رواه البخاري (1918)، ومسلم (1092).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ بلالًا كان يؤذِّن قبلَ الفجرِ، ويداومُ على ذلك، والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أقرَّه، ولم يَنْهَه، فثَبَتَ جوازُه ((المغني)) لابن قدامة (1/297).
2- عن ابنِ مسعودٍ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يمنعنَّ أحدَكم أو أحدًا منكم أذانُ بلالٍ من سحورِه؛ فإنَّه يؤذِّنُ أو ينادي بليلٍ؛ ليَرْجِعَ قائِمَكم، ولِيُنبِّهَ نائِمَكم )) رواه البخاري (621)، ومسلم (1093).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
في الحديث التصريحُ بأنَّ بلالًا كان يؤذِّن قبلَ الفجرِ؛ يقصِدُ ذلك ويتعمَّدُه ((طرح التثريب)) للعراقي (2/182).
ثانيًا: أنَّ الفَجرَ يَتعلَّقُ به عبادتانِ: الصَّومُ، وصلاةُ الصُّبح، فلمَّا جاز في الصومِ تقديمُ بعضِ أسبابِه على الفجرِ، وهو النيَّةُ؛ للحاجةِ الداعيةِ إلى تقديمِها، جازَ في صلاةِ الصُّبحِ تقديمُ بعضِ أسبابها، وهو الأذانُ؛ للحاجةِ الداعيةِ إليه؛ ليتأهَّبَ النَّاسُ لها فيُدرِكوا فضيلةَ تَعجيلِها ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/28)
ب - أدِلَّةُ وُجوبِ الأذانِ عند دُخولِ الوَقْتِ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّة
1- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ بلالًا يؤذِّن بليلٍ، فكُلُوا واشْرَبوا حتى يؤذِّنَ ابنُ أمِّ مكتومٍ )) رواه البخاري (1918)، ومسلم (1092).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
 أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يكتَفِ بأذانِ بلالٍ بليلٍ، بل قال: ((حتى يؤذِّنَ ابنُ أمِّ مكتومٍ)) أي: بعد دخولِ الوَقتِ.
2- عن مالكِ بنِ الحُويرثِ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لهم: ((وإذا حضَرتِ الصَّلاةُ فلْيُؤذِّنْ لكم أحدُكم )) [242] رواه البخاري (628)، ومسلم (674).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الحديثَ عامٌّ فيدخُلُ فيه الأذانُ لصلاةِ الفَجرِ.
ثانيًا: لا يُكتفَى بالأذانِ قَبل طُلُوعِ الفَجرِ؛ لأنَّه شُرِعَ لينتَبِهَ النائمُ، ويرجعَ القائمُ، فيستعدَّا للصَّلاة، والأذانُ الذي للصَّلاة هو ما بعد طُلُوعِ الفَجرِ ((الأوسط)) لابن المنذر (3/164)، ((المحلى)) لابن حزم (2/159).
2- تَقديمُ الأذانِ في صَلاةِ الجُمُعةِ
يُشرَعُ الأذانُ الأوَّلُ لصلاةِ الجُمُعةِ وهو الأذانُ الذي زادَه عثمانُ بنُ عفَّانَ رضي الله عنه. ، وهذا مذهبُ الجمهورِ: الحنفيَّة ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/152)، ((الدر المختار)) للحصكفي (2/161). ، والمالكيَّة ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/624)، ((حاشية العدوي)) (1/467). ، والحنابلة ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (2/188)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/42). ، وعليه عَمَلُ الأمَّة قال شمسُ الدِّين ابنُ قُدامة: (والنِّداء الأوَّل مستحَبٌّ في أول الوقت، سَنَّه عثمانُ رضي الله عنه، وعمِلت به الأمَّةُ بعده، وهو للإعلام بالوقت، والثاني للإعلامِ بالخطبة). ((الشرح الكبير)) (2/188). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال العينيُّ: (وأراد بالأذانِ الأوَّلِ الأذانَ الذي يُؤذَّن على الْمِئْذَنة، وهو الأذان الذي أُحدِث على الزَّوراءِ في عهد عثمانَ بن عفَّان رضي الله عنه، ولم يُنكِرْه أحدٌ من المسلمين). ((البناية)) (3/89). وقال أيضًا: (... ولكنَّه ثالثٌ باعتبار شرعيَّته باجتهادِ عُثمانَ وموافقةِ سائرِ الصَّحابة به بالسكوت وعدم الإنكار، فصار إجماعًا سكوتيًّا). ((عمدة القاري)) (6/211). ويُنظر: ((الشرح الكبير)) للدردير، مع ((حاشية الدسوقي)) (1/192).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عنِ العِرباضِ بنِ ساريةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((... فعليكم بسُنَّتي، وسُنَّةِ الخُلفاءِ الرَّاشدِينَ المهديِّينَ من بَعْدِي، تَمسَّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجِذِ، وإيَّاكم ومُحْدَثاتِ الأمورِ؛ فإنَّ كلَّ بِدعةٍ ضَلالةٌ )) رواه أبو داود (4607)، والترمذي (2676)، وابن ماجه (40)، وأحمد (4/126) (17184). قال الترمذيُّ: حسنٌ صحيح، وصحَّحه ابن عبد البر في ((جامع بيان العلم)) (2/1164) وابن تيميَّة في ((مجموع الفتاوى)) (20/309)، وابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (9/582)، والعراقيُّ في ((الباعث على الخلاص)) (1)، وابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (1/136)، وحسَّنه ابن القيم في ((إعلام الموقعين)) (4/119).
2- عنِ السَّائبِ بنِ يَزيدَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((كان النِّداءُ يومَ الجُمُعةِ أَوَّلُه إذا جَلَس الإمامُ على المِنبَرِ، على عهد رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأبي بكرٍ، وعمرَ، فلمَّا كان في خلافةِ عثمانَ وكثُروا، أمَرَ عثمانُ يومَ الجُمُعةِ بالأذانِ الثَّالثِ فأُذِّنَ به على الزَّوْراءِ، فثَبَتَ الأمرُ على ذلِك )) رواه البخاري (912).
ثانيًا: استمرارُ عَملِ النَّاسِ عليه
فالصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهم قدِ استحسنوه حِينَ أحْدَثَه عثمانُ رَضِيَ اللهُ عَنْه يومَ الجُمُعةِ على الزَّوراءِ، واستمرَّ العملُ عليه إلى اليومِ قال شمسُ الدِّين ابن قُدامة: (النِّداء الأوَّل مستحَبٌّ في أوَّل الوقت؛ سَنَّه عثمانُ رضي الله عنه، وعمِلَتْ به الأمَّة بعده، وهو للإعلامِ بالوقتِ، والثاني للإعلامِ بالخُطبة، والثالث للإعلامِ بقِيام الصَّلاة). ((الشرح الكبير)) (2/188)، ويُنظر: ((البناية)) للعيني (2/111).
ثالثًا: أنَّ هذا الأذانَ لإعلامِ الناسِ بدخولِ وقتِ الصَّلاةِ؛ قياسًا على بقيَّةِ الصَّلواتِ قال ابنُ حجر: (وتبيَّن بما مضَى أنَّ عُثمانَ أحْدَثه لإعلامِ الناس بدخولِ وقتِ الصَّلاة؛ قياسًا على بقيَّة الصَّلوات، فألحق الجُمُعةَ بها، وأبْقَى خصوصيتَها بالأذان بين يدي الخَطيب). ((فتح الباري)) (2/394).
الفَرْعُ الثاني: نِيَّةُ الأذانِ
النِّيَّةُ شرطٌ لصحَّةِ الأذانِ لا يصحُّ الأذانُ للصَّلاةِ عن طريق أذانٍ مسجَّلٍ، وهو قولُ ابنِ باز وابن عثيمين، وبه أفتت اللَّجنةُ الدائمة؛ وذلك لأنَّ الأذانَ عبادةٌ، والعبادة لا بدَّ لها من نِيَّةٍ. جاء في فتوى اللجنة الدائمة (الأذانُ الذي يُذاعُ من المسجِّل لا يكفي عن الأذانِ الشَّرعيِّ المشروع للإعلامِ بدخول الوقت؛ لأنَّه ليس أذانًا حقيقيًّا، وإنَّما هو صوتٌ مخزونٌ، والأذانُ عبادةٌ لا بد فيها مِن عَمَلٍ ونِيَّةٍ). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية)) (5/62). ويُنظر: ((فتاوى نور على الدرب)) لابن باز (6/329)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/188). ، وهذا مذهبُ المالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/73)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/454). ، والحنابلة ((الفروع)) لابن مفلح (2/15)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/240). ، ووجهٌ عند الشافعيَّة ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (1/475)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/137).
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عمومُ قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّاتِ، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نَوَى )) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907) من حديثِ عُمرَ بنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه، أنَّه قال - وهو على المنبر -: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ:... فذكره.
الفَرْعُ الثَّالِثُ: الترتيبُ والموالاةُ بين ألفاظِ الأذانِ
المسألةُ الأُولى: الترتيبُ بين ألفاظِ الأذانِ
الترتيبُ بين ألفاظِ الأذانِ شَرْطٌ من شُروطِ صِحَّةِ الأذانِ، وهذا مذهبُ الجمهورِ: المالكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (1/192)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/73). ، والشافعيَّة ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (1/470)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (1/411). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/240)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/309).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن أبي مَحْذورةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه: أنَّ نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم علَّمَه هذا الأذانَ: ((اللهُ أكبَرُ الله أكبر، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، أشهدُ أنَّ مُحمَّدًا رسولُ الله، أشهدُ أنَّ مُحمَّدًا رسولُ الله، ثم يعود فيقول: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، أشهدُ أنَّ مُحمَّدًا رسولُ الله، أشهدُ أنَّ مُحمَّدًا رسولُ الله، حيَّ على الصلاةِ مَرَّتين، حيَّ على الفلاحِ مرَّتين، زاد إسحاق: اللهُ أكبَرُ، الله أكبَرُ، لا إله إلا اللهُ )) رواه مسلم (379).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم علَّم أبا محذورةَ الأذانَ مُرتَّبًا ((المغني)) لابن قدامة (1/309).
2- عن عبدِ اللهِ بنِ زَيدٍ، قال: ((لَمَّا أمَرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالناقوسِ يُعمَلُ؛ ليُضربَ به لجَمْعِ الناسِ للصَّلاة، طاف بي وأنا نائمٌ رجلٌ يحمل ناقوسًا في يدِه، فقلت: يا عبدَ اللهِ، أتبيعُ الناقوس؟ فقال: وما تَصنَعُ به؟ قلتُ: ندعو به إلى الصَّلاة. قال: أفلا أدلُّك على ما هو خيرٌ من ذلك؟ فقلتُ له: بلى، فقال: تقول: اللهُ أكبَر اللهُ أكبر، الله أكبر اللهُ أكبر، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله، أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح، اللهُ أكبر اللهُ أكبر، لا إلهَ إلَّا الله. قال: ثمَّ استأخَر عنِّي غيرَ بعيدٍ، ثم قال: تقول إذا أَقمتَ الصَّلاةَ: اللهُ أكبر اللهُ أكبر، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الفلاح، قد قامتِ الصَّلاةُ، قد قامتِ الصَّلاة، اللهُ أكبر اللهُ أكبر، لا إلهَ إلَّا الله. فلمَّا أصبحتُ أتيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأخبرتُه بما رأيتُ، فقال: إنَّها رؤيا حقٍّ، إنْ شاء الله؛ فقُمْ مع بلالٍ، فألْقِ عليه ما رأيتَ، فليؤذِّنْ به؛ فإنَّه أنْدَى صوتًا منكَ، فقمتُ مع بلالٍ، فجعلتُ أُلقيه عليه، ويُؤذِّن به، فسَمِع ذلك عمرُ بن الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْه وهو في بَيتِه، فخرَج يجرُّ رِداءَه، فقال: يا رسولَ اللهِ، والذي بَعثَك بالحقِّ لقدْ رأيتُ مِثلَ الذي رأى! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فللهِ الحمدُ )) [264] رواه أبو داود (499)، وأحمد (16477)، والبيهقي (1/390) (1909) صحَّحه البخاريُّ كما في ((السنن الكبرى)) للبيهقي (1/390)، وصحَّح إسنادَه الخطابيُّ في ((معالم السنن)) (1/130)، وصحَّحه النووي في ((الخلاصة)) (3/76)، وقال ابنُ كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/101): له طُرُق جيِّدة وشاهدٌ. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (499): حسنٌ صحيح. وحسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (567).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الأذانَ عبادةٌ وردتْ على هذه الصِّفة؛ فيجبُ أن تُفعَلَ كما وردتْ؛ لقولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن عَمِلَ عملًا ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ )) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (2/68). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/309).
ثانيًا: أنَّ المقصودَ منه يختلُّ بعدمِ الترتيبِ، وهو الإعلامُ، فإنَّه إذا لم يكن مُرتَّبًا، لم يُعلمْ أنه أذانٌ ((المغني)) لابن قدامة (1/309)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/73).
ثالثًا: أنَّ ترْكَ الترتيبِ يُوهِمَ اللعبَ ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (1/470).
رابعًا: لأنَّه ذِكرٌ مُعتَدٌّ به؛ فلا يجوزُ الإخلالُ بنَظمِه، كأركانِ الصَّلاةِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/240).
المسألةُ الثَّانِيَةُ: الموالاةُ بين ألفاظِ الأذانِ
1- حُكم الفَصلِ القصيرِ بين ألفاظِ الأذانِ
الفَصلُ القصيرُ بين ألفاظِ الأذانِ لا يُبطِلُ الأذانَ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/272). ، والمالكيَّة ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (1/ 194)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/230)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/453). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (3/114)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/137). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/241)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/308).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الآثارِ
أنَّ سليمانَ بنَ صُرَدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه - وله صُحبةٌ - (كان يأمُرُ غلامَه بالحاجةِ في أذانِه) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (1/212) صحَّح إسنادَه ابنُ حجر في ((فتح الباري)) (2/116).
ثانيًا: أنَّه إذا كان يجوز للخطيبِ أن يتكَلَّمَ في الخُطبةِ بِغَيْرها ولا يُبْطِلُها الدليلُ على الجوازِ هو أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَكَلَّمَ في الخطبةِ. ينظر: ما أخرجه البخاري (931) ومسلم (875) من حديث جابر رضي الله عنه. ، فالأذانُ أَوْلى ألَّا يَبطُلَ بالتكلُّم؛ فإنَّه يصحُّ مع الحدَثِ، وكشْفِ العورةِ، وقاعدًا، وغيرَ ذلك من وجوه التَّخفيفِ ((المجموع)) للنووي (3/113).
2- حُكمُ الفَصلِ الطَّويلِ بينَ ألفاظِ الأذانِ
الفَصلُ الطويلُ بين كلماتِ الأذانِ، يُبطِلُ الأذانَ، ويجب في هذه الحالةِ الاستئنافُ، وهذا مذهبُ الجمهور: الحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/272)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/248). ، والمالكيَّة ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (1/ 194)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/230)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/453). ، والحنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/241)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/308). ، وقولٌ عند الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (3/113)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/137).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ ترك الموالاة يُخلُّ بالإعلامِ بوقتِ الصَّلاةِ ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/137).
ثانيًا: أنَّه يَقطَعُ الموالاةَ المشروطةَ في الأذانِ، فلا يُعلمُ أنَّه أذانٌ ((المغني)) لابن قدامة (1/308).
ثالثًا: أنَّه ذِكرٌ مُعظَّمٌ كالخُطبةِ ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/91).
الفَرْعُ الرَّابِعُ: كونُ الأذانِ باللُّغةِ العَربيَّةِ
يُشترَطُ أن يكونَ الأذانُ باللُّغةِ العربيَّة، ولا يصحُّ أن يُؤدَّى الأذانُ بأيِّ لغةٍ أخرى، وهو مذهبُ الجمهور: الحنفيَّة ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 79)، ((الفتاوى الهندية)) (1/55)، ((حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح)) (ص: 131)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازة البخاري (1/352). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (3/129)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/58). لكن يصحُّ الأذان بغير العربيَّة عندهم إذا كان المؤذِّن لا يُحسِنُ العربيَّة، ولم يوجد في الجماعةِ التي يُؤذِّن لها مَن يُحْسِنُها. ، والحنابِلَة ((الإقناع)) للحجاوي (1/77)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/134). ، واختاره ابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (لا يجوزُ أن يلبِّي بغير العربيَّة وهو يقدِرُ على التَّلبية بالعربيَّة، أو على تعلُّمِها; لأنه ذِكرٌ مشروعٌ، فلم يَجُزْ إلا بالعربيَّة، كالأذانِ والتكبيرِ، وغير ذلك من الأذكار المشروعةِ، لا سيَّما والتلبيةُ ذِكرٌ مؤقَّتٌ؛ فهي بالأذانِ أشبَهُ منها بالخُطبة ونحوها، ثم الخُطبةُ لا تكون إلَّا بالعربيَّة، فالتلبيةُ أَوْلى). ((شرح عمدة الفقه - كتاب الطهارة والحج)) (2/607).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ الأذانَ والإقامةَ وردَا بلسانٍ عربيٍّ ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي ( ص: 79).
ثانيًا: قياسًا على أذكارِ الصَّلاة؛ فإنَّها لا تجوزُ إلَّا بالعربيَّة ((المجموع)) للنووي (3/129)، ((شرح عمدة الفقه- من كتاب الطهارة والحج)) لابن تيمية (2/607).
الفَرْعُ الخامس: خلوُّ الأذانِ مِن اللَّحنِ الذي يُغيِّرُ المعنى
يُشترَطُ أنْ يخلوَ الأذانُ من أيِّ لَحْنٍ يُنظر في صُور اللَّحن: ((المغني)) لابن قدامة (1/312)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/92)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/137). يُغيِّر المعنى فإن لم يكُن يُغيِّر المعنى فهو مكروهٌ، ولا يُبطِل الأذان. يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/90،91)، ((حاشية الدسوقي)) (1/194)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (1/416)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/245). ، وهو مذهبُ الجمهور: الحنفيَّة ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/248)، ((الدر المختار للحصكفي وحاشية ابن عابدين)) (1/387). ، والشافعيَّة ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (1/473). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/245)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/296). ؛ وذلك قياسًا على الَّلحنِ في القِراءةِ في الصَّلاةِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/245).
الفَرْعُ السادِسُ: أن يكونَ من شَخصٍ واحدٍ
يُشترَطُ في الأذانِ أن يكونَ من شخصٍ واحدٍ؛ فلا يصحُّ أن يَبنيَ شخصٌ على أذانِ شخصٍ آخَرَ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعةِ: الحنفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (1/393). ، والمالكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (1/195)، وينظر:  ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/230). ، والشافعيَّة ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/47)، ((المجموع)) للنووي (3/114). ، والحنابِلَة ((المغني)) لابن قدامة (1/308)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/296).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ المُستخلَفَ في الأذانِ إذا بنَى لم يأتِ به كاملًا؛ فلمْ يُجْزِه ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/47).
ثانيًا: أنَّه عبادةٌ بدنيَّة؛ فلا يصحُّ من شَخصينِ، كالصَّلاةِ ((المغني)) لابن قدامة (1/308).
ثالثًا: أنَّ الأذانَ من شَخصينِ يوقِع في لبْسٍ غالبًا ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/137).
الفَرْعُ السَّابع: رفْع الصَّوتِ بالأذانِ
رفْعُ الصوتِ بالأذانِ يجوزُ الأذانُ عَبْرَ مكَبِّرات الصوت؛ لأنَّ علوَّ الصوتِ في الأذان مطلوبٌ، ومكبِّرُ الصوتِ من وسائله بلا شكٍّ فيكون مطلوبًا، قال ابن عثيمين: (لا نرى بأسًا بوضْعِ مكبِّر الصوت الذي يسمى (الميكرفون) في المنارَةِ للتَّأذين به؛ وذلك لِمَا يشتمِلُ عليه من المصالح الكثيرة، وسلامَتِه من المحذورِ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/168)، وجاء في فتوى اللجنة الدائمة: (الأذانُ بمكبِّراتِ الصَّوتِ لتبليغِ مَن بَعُدَ وغَيْره؛ لا حَرَجَ فيه؛ لِمَا في ذلك من المصلحَةِ العامَّة). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (6/67) شرطٌ لصحَّتِه إذا كان يُؤذِّن لجماعةٍ غيرِ حاضرينَ معه، وهذا مذهبُ الشافعيَّة ((فتح العزيز)) للرافعي (3/182)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/200). أمَّا إنْ كان يؤذِّن لنَفْسِه، أو لجماعةٍ حاضرين، ففي هذه الحالةِ يُستحَبُّ. ، والحنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (2/15)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/137). أمَّا إن كان يؤذِّن لنفسه، أو لجماعةٍ حاضرين، ففي هذه الحالة يُستحَبُّ. ، واختاره ابنُ حزم قال ابنُ حزم: (... ولقولِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأبي مَحذورةَ ((ارجع فارفعْ صوتَك))، وهذا أمرٌ برفْعِ الصوت؛ فلو تعمَّد المؤذِّن ألَّا يرفعَ صوتَه لم يُجْزِه أذانُه، وإن لم يقدِرْ على أكثر إلَّا بمشقَّة لم يلزَمْه؛ لقولِ الله تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا **البقرة: 286**). ((المحلى)) (2/179).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن عبدِ اللهِ بن عبدِ الرحمنِ بن أبي صَعْصعَةَ، أنَّ أبا سعيدٍ الخدريَّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال له: إنِّي أراك تحبُّ الغنمَ والباديةَ، فإذا كنتَ في غنمِكَ أو باديتِكَ، فأذَّنتَ للصَّلاةِ، فارفعْ صوتَك بالنِّداء؛ فإنَّه: ((لا يَسمَعُ مدَى صوتِ المؤذِّنِ جِنٌّ ولا إنسٌ، ولا شيءٌ، إلَّا شهِدَ له يومَ القِيامَةِ ))، قال أبو سعيد: سمعتُه من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رواه البخاري (3296).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَر برفعِ صوتِه مع كونِه منفردًا في البادية، فرفعُ الصوتِ بالأذانِ للجماعةِ مِن بابِ أولَى.
ثانيًا: لِيَحصُلَ السماعُ المقصودُ للإعلامِ، فالمقصودُ مِن الأذانِ الإعلامُ، ولا يحصُل إلا برفعِ الصوتِ ((فتح العزيز)) للرافعي (3/182)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/137)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/241).

انظر أيضا: