الموسوعة الفقهية

المبحث الرابع: المستحاضة المميِّزة غير المعتادة


مَنْ ميَّزَت الدَّمَ ولم تكن لها عادةٌ، فإنَّها تعمَلُ بالتمييزِ، وهذا مَذهَبُ الشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/140)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/390). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/209)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لابن قدامة (1/329، 334). ، واختاره ابنُ تيميَّةَ ((مجموع الفتاوى)) (21/22). ، والشَّوكاني قال الشوكاني: (فالمستحاضةُ- وهي التي يستمِرُّ خروجُ الدمِ منها- تعمل على العادةِ المُتقَرِّرة، فتكونُ فيها حائضًا يثبُتُ لها فيه أحكامُ الحائِضِ، وفي غيرِ أيَّامِ العادة طاهرًا لها حُكمُ الطاهِرِ، كما أفادت ذلك الأحاديثُ الصَّحيحةُ الواردة من غير وجه، فإذا لم تكن لها عادةٌ مُتقرِّرة، كالمُبتدَأة والمُلتبسةِ عليها عاداتُها، فإنَّها ترجع إلى التَّمييزِ، فإنَّ دَمَ الحيضِ أسوَدُ يُعرَف، كما قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) ((الدراري المضية)) (1/68). ، وابن باز قال ابن باز: (للمرأةِ المستحاضةِ في ذلك ثلاثةُ أحوالٍ؛ أحدها: أن تكون مُبتدأة، فعليها أن تجلِسَ ما تراه من الدمِ كلَّ شَهرٍ، فلا تُصَلِّي ولا تصوم، ولا يحِلُّ لزوجها جماعُها حتى تطهُرَ، إذا كانت المدَّةُ خمسة عشر يومًا أو أقلَّ، عند جمهور أهل العِلمِ. فإن استمَرَّ معها الدَّمُ أكثَرَ مِن خمسةَ عشرَ يومًا، فهي مُستحاضةٌ، وعليها أن تعتبِرَ نَفسَها حائضًا ستَّةَ أيام أو سبعةَ أيام بالتحرِّي والتأسي، بما يحصُلُ لأشباهِها مِن قَريباتِها، إذا كان ليس لها تمييزٌ بين دمِ الحَيضِ وغَيرِه. فإن كان لديها تمييزٌ امتنعت عن الصَّلاةِ والصَّومِ وعن جماعِ الزَّوجِ لها، مُدَّةَ الدَّمِ المتمَيِّز بسوادٍ أو نتْنِ رائحةٍ، ثم تغتسِلُ وتصَلِّي، بشرط: ألَّا يزيدَ ذلك عن خمسةَ عشَرَ يومًا). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/223). ، وابن عثيمين قال ابن عثيمين: (إن استغرق دمُ المبتدَأة أكثَرَ الوقت، فإنها حينئذٍ مُستحاضة، ترجع إلى التَّمييزِ، فإن لم يكنْ تمييزٌ، فغالِبُ الحيضِ أو حَيض نسائِها، هذا هو الصَّحيحُ) ((الشرح الممتع)) (1/495). وقال أيضًا: (الحالة الثانية: ألَّا يكونَ لها حيضٌ معلومٌ قبل الاستحاضةِ، بأن تكونَ الاستحاضةُ مستمرةً بها من أوَّلِ ما رأتِ الدَّمَ من أوَّلِ أمرِها، فهذه تعمَلُ بالتمييز، فيكون حَيضُها ما تميَّز بسوادٍ أو غِلْظَةٍ أو رائحةٍ يثبْتُ له أحكامُ الحيض، وما عداه استحاضةٌ يثبتُ له أحكامُ الاستحاضةِ). ((رسالة في الدماء الطبيعية للنساء)) (ص: 41).   
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قولُ الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى [البقرة: 222]
وجه الدَّلالة:
 أنَّ الشَّارِعَ علَّق أحكامَ الحيضِ بوُجودِه، وهذا دَمُ الحَيضِ بوصفِه، والله قد بيَّن لنا الحيضَ بوَصفٍ مُنضبطٍ، فما دام هذا الأذى موجودًا فهو حَيضٌ ((رسالة في الدماء الطبيعية للنساء)) (ص: 16)، ((الشرح الممتع)) (1/496، 497).
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عن أمِّ سلمةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((بَينا أنا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مضطجعةٌ في خميصةٍ، إذ حِضْتُ، فانسلَلتُ فأخذتُ ثيابَ حَيضتي، قال: أنفِسْتِ؟ قلت: نعَمْ، فدعاني، فاضطجعتُ معه في الخميلةِ )) رواه البخاري (298) واللفظ له، ومسلم (296).
ثالثًا: من الآثار
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: (كانتْ تَبعثُ إليها النِّساءُ بالدِّرَجةِ فيها الصُّفرةُ والكُدرةُ، فتقول: لا تَعجلْنَ حتَّى ترينَ القَصَّةَ البيضاءَ) رواه البخاريُّ معلقًا بصيغةِ الجَزمِ قبل حديث (320)، ورواه موصولًا مالك في ((الموطأ)) (2/80) (189)، وعبد الرزاق في ((المصنف)) (1/301)، والبيهقي (1/335) (1650). والحديث صحَّحه النووي في ((الخلاصة)) (1/233)، والألبانيُّ في ((إرواء الغليل)) (198)
وجه الدَّلالة:
أنَّ معناه: لا تعجلنَ بالغُسلِ، حتَّى ينقطِعَ الدَّم، وتذهَبَ الصُّفرةُ والكُدرةُ، ولا يبقى شيءٌ يخرُجُ من المحلِّ، بحيث إذا دخلَت فيه قُطنةٌ خرجت بيضاءَ، ولو لم تُعَدَّ الزيادةُ حَيضًا، لَلَزِمَها الغُسلُ عند انقضاءِ العادة، وإن كان الدَّمُ جاريًا ((المغني)) لابن قدامة (1/255).
رابعًا: أنَّ الشَّارِعَ علَّق على الحيضِ أحكامًا، ولم يحدَّه، فعُلِمَ أنَّه ردَّ النَّاسَ فيه إلى عُرفِهم، والعُرفُ بين النِّساء أنَّ المرأةَ متى رأت دمًا يصلُحُ أن يكونَ حيضًا، اعتقَدَته حيضًا ((المغني)) لابن قدامة (1/255).
خامسًا: أنَّ ردَّها إلى التمييزِ أوْلى مِن ردِّها إلى عادةِ غالِبِ النِّساء ((رسالة في الدماء الطبيعية للنساء)) (ص: 42).

انظر أيضا: