الموسوعة الفقهية

المبحث الثالث: أكثَرُ النِّفاس وأقلُّه


المطلب الأوَّل: أكثَرُ النِّفاس
أكثَرُ النِّفاسِ أربعونَ يومًا، وهو مذهبُ الحنفيَّة ((تبيين الحقائق للزيلعي وحاشية الشلبي)) (1/68)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/41). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/273)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/250). ، واختاره ابنُ عبدِ البَرِّ قال ابن عبدِ البَرِّ: (التَّحديدُ ضعيف؛ لأنَّه لا يصحُّ إلَّا بتوقيفٍ، وليس في مسألةِ أكثرِ النِّفاسِ مَوضِعٌ للاتِّباعِ والتقليدِ، إلَّا مَن قال بالأربعين؛ فإنَّهم أصحابُ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا مخالِفَ لهم منهم، وسائِرُ الأقوال جاءت عن غَيرِهم، ولا يجوز عندنا الخلافُ عليهم بِغَيرِهم؛ لأنَّ إجماعَ الصحابة حُجَّةٌ على مَن بَعدَهم، والنَّفسُ تسكُن إليهم، فأين المَهرَبُ عنهم دون سُنَّةٍ ولا أصلٍ؟!). ((الاستذكار)) (1/355). ، ومال إليه الشَّوكانيُّ قال الشوكانيُّ- بعدما ساق الأقوالَ الواردة في أكثر النِّفاسِ، وبدأ بقول مَن قال: إنَّ أكثَرَه أربعين يومًا-: (وجميع الأقوال ما عدا الأوَّلَ لا دليلَ عليها، ولا مُستَندَ لها، إلَّا الظُّنونَ). ((نيل الأوطار)) (1/284). ، وبه أفتت اللَّجنة الدَّائمة قالت اللجنة الدائمة برئاسة ابن باز: (لا يكون ما تراه من الدَّم بعد الأربعينَ نفاسًا، بل دمُ استحاضة). ((فتاوى اللجنة الدائمة- 1)) (5/457). ، وبه قال أكثرُ أهلِ العِلمِ قال ابن عبدِ البَرِّ: (قال أكثرُ أهل العلم: أقصى مدَّة النِّفاس أربعون يومًا، ورُوي ذلك عن عمر بن الخطَّاب، وعبد الله بن عبَّاس، وعثمان بن أبي العاصي، وأنس بن مالك، وعائذ بن عَمرٍو المزنيِّ، وأمِّ سلمة زوج النبيِّ عليه السَّلام، وهؤلاء كلُّهم صحابةٌ لا مخالفَ لهم فيه، وبه قال سفيان الثوريُّ، والليث بن سعد، وأبو حنيفة وأصحابه، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو عُبَيد القاسم بن سلَّام، وداود). ((الاستذكار)) (1/354). وقال النوويُّ: (ذهب أكثرُ العلماءِ مِن الصَّحابة والتَّابعين ومَن بَعدَهم إلى أنَّ أكثرَه أربعونَ، كذا حكاه عن الأكثرينَ: الترمذيُّ، والخطابيُّ، وغيرهما). ((المجموع)) (2/524)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/250).
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
عن أمِّ سلمةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: (كانت النُّفَساءُ تجلِسُ على عهدِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أربعينَ يومًا وأربعينَ ليلةً ) رواه أبو داود (311)، والترمذيُّ (139)، وابن ماجه (648)، وأحمد (26626)، حسَّنه النووي في ((المجموع)) (2/525)، وجوَّد إسناده الذهبي في ((تنقيح التحقيق)) (1/91)، وصححه ابن القيم في ((زاد المعاد)) (4/369)، وابن الملقِّن في ((خلاصة البدر المنير)) (1/83)، وحسن إسناده ابن باز في ((حاشية بلوغ المرام)) (145) وقال: تقوم به الحجة وله شواهد، وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (139): حسن صحيح.
ثانيًا: من الإجماع
نقل إجماعَ الصَّحابة رَضِيَ اللهُ عنهم على ذلك: الترمذيُّ قال أبو عيسى الترمذيُّ: (أجمع أهلُ العلم من أصحاب النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومَن بعدَهم على أنَّ النُّفَساءَ تدَع الصَّلاةَ أربعين يومًا، إلَّا أن ترى الطُّهرَ قبل ذلك فتغتسِل وتصلِّي) سنن الترمذي (1/258)، ((المغني)) لابن قدامة (1/250). ، وابنُ عبدِ البَرِّ قال ابن عبدِ البَرِّ: (أقصى مدَّة النِّفاسِ أربعون يومًا، ورُوي ذلك عن عُمرَ بنِ الخطَّاب، وعبد الله بن عبَّاس، وعثمان بن أبي العاصي، وأنس بن مالك، وعائذ بن عمرٍو المزنيِّ، وأمِّ سلمةَ زوج النبيِّ عليه السَّلام، وهؤلاء كلُّهم صحابةٌ لا مخالِفَ لهم فيه). ((الاستذكار)) (1/354). وقال أيضًا: (ليس في مسألةِ أكثرِ النِّفاسِ مَوضِعٌ للاتِّباعِ والتقليدِ، إلَّا مَن قال بالأربعين؛ فإنَّهم أصحابُ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا مخالِفَ لهم منهم، وسائِرُ الأقوال جاءت عن غَيرِهم، ولا يجوز عندنا الخلافُ عليهم بِغَيرِهم؛ لأنَّ إجماعَ الصحابة حُجَّةٌ على مَن بَعدَهم، والنَّفسُ تسكُن إليهم، فأين المَهرَبُ عنهم دون سُنَّةٍ ولا أصلٍ؟!) ). ((الاستذكار)) (1/355). وقال الطحاويُّ: (لم يقل بالستِّينَ أحدٌ مِن الصَّحابةِ) ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (1/68).
المطلب الثاني: أقلُّ النِّفاس
لا حدَّ لأقلِّ النِّفاسِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (2/18)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/41). ، والمالكيَّة ((الكافي)) لابن عبدِ البَرِّ (1/186)، وينظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/52). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/169)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/436). ، والمشهورُ عند الحنابلة ((الفروع)) لابن مفلح (1/394)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/251). ، وهو اختيارُ ابنِ حزم الظاهريِّ قال ابن حزم: (ولا حدَّ لأقلِّ النِّفاس) ((المحلى)) (1/413). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال الترمذيُّ: (قد أجمع أهل العلم من أصحاب النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والتَّابعين ومَن بعدهم، على أنَّ النُّفَساءَ تدَعُ الصَّلاةَ أربعين يومًا، إلَّا أن ترى الطُّهرَ قبل ذلك؛ فإنَّها تغتسِلُ وتصلِّي). ((سنن الترمذي)) (1/256). وقال الكاسانيُّ: (أمَّا الكلامُ في مقداره، فأقلُّه غيرُ مقدَّرٍ، بلا خلافٍ). ((بدائع الصنائع)) (1/41). ؛ وذلك لأنَّه لم يأتِ دليلٌ على تحديدِ أقلِّ النِّفاسِ؛ فالمرجعُ فيه يكونُ إلى الوجودِ قال ابن قدامة: (لم يَرِد في الشَّرعِ تحديدُه، فيُرجَع فيه إلى الوجود، وقد وُجِدَ قليلًا وكثيرًا، وقد رُوي أنَّ امرأةً ولدت على عهدِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلم ترَ دمًا، فسُمِّيت ذاتَ الجُفوفِ. قال أبو داود: ذاكرتُ أبا عبدِ الله حديثَ جريرٍ: كانت امرأةٌ تُسمَّى الطَّاهِرَ؛ تضَع أوَّلَ النَّهارِ وتطهُرُ آخِره؟ فجعل يعجَبُ منه). ((المغني)) (1/251).

انظر أيضا: