الموسوعة الفقهية

المطلب الثَّالث: أكثر مدَّة الحيض


لا حدَّ لأكثَرِ مدَّة تحيضُ فيها المرأة؛ وهذا رُوي عن مالك قال ابن عبدِ البَرِّ: (رُوي عن مالك أنَّه قال: لا وقتَ لقليلِ الحيض ولا لكثيره... وأكثرُ الحيض عنده خمسة عشر يومًا، إلَّا أن يوجَدَ في النِّساءِ أكثرُ من ذلك، فكأنَّه ترك قوله خمسةَ عشرَ، وردَّه إلى عُرفِ النِّساء في الأكثر). ((التمهيد)) (16/71، 72). ، وحكاه ابنُ المُنذِر عن طائفةٍ مِن السَّلَف ) قال ابن المُنذِر: (وقالت فرقة: ليس لأقلِّ الحيضِ بالأيَّام حدٌّ، ولا لأكثَرِه وقت). ((الإشراف)) (1/360). ، واختاره ابنُ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (ومن ذلك اسمُ الحيض؛ علَّقَ اللهُ به أحكامًا متعدِّدة في الكتابِ والسُّنة، ولم يقدِّر لا أقلَّه ولا أكثَرَه، ولا الطُّهرَ بين الحيضتينِ، مع عموم بلوى الأمَّة بذلك، واحتياجِهم إليه، واللُّغةُ لا تفرِّق بين قدْرٍ وقدْر، فمن قدَّر في ذلك حدًّا، فقد خالف الكتاب والسُّنَّة). ((مجموع الفتاوى)) (19/240). وقال أيضًا: (لا يتقدَّر أقلُّ الحيض ولا أكثرُه، بل كلُّ ما استقرَّ عادةً للمرأة فهو حيضٌ، وإن نقص عن يومٍ أو زاد على الخمسة أو السَّبعة عشر). ((الفتاوى الكبرى)) (5/314). ، والشوكانيُّ قال الشوكانيُّ: (لم يأتِ في تقديرِ أقلِّه وأكثرِه ما تقومُ به الحجَّة، وكذلك الطُّهرُ، فذاتُ العادةِ المتقرِّرة تعمل عليها، وغيرُها ترجِعُ إلى القرائن؛ فدَم الحيضِ يتميَّز من غيرِه، فتكون حائضًا إذا رأت دمَ الحيض، ومستحاضةً إذا رأت غيرَه، فهي كالطَّهارة، وتغسِلُ أثر الدَّم، وتتوضَّأ لكلِّ صلاة، والحائض لا تصلِّي ولا تصومُ ولا تُوطَأ، حتى تغتسلَ بعد الطهرِ، وتقضي الصِّيامَ). ثمَّ قال: (ما ورد في تقديرِ أقلِّ الحيض والطُّهرِ وأكثَرِهما؛ إمَّا موقوفٌ ولا تقوم به حُجَّة، أو مرفوعٌ ولا يصحُّ، فلا تعويلَ على ذلك، ولا رجوعَ إليه، بل المعتبَرُ لذات العادة المتقرِّرة، هو العادة، وغير المعتادةِ تعملُ بالقرائن المستفادة من الدَّمِ). ((الدراري المضية)) (1/67). وقال أيضًا: (لم يأتِ في تقدير أقلِّ الحيضِ وأكثره ما يصلُح للتمسِّكِ به، بل جميعُ الوارد في ذلك إمَّا موضوع، أو ضعيف لمرَّة). ((السيل الجرار)) (ص: 89). ، والألبانيُّ قال الألبانيُّ: (لقد اختلف العلماء في تحديد أقلِّ الحيض وأكثره، والأصحُّ- كما قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة- أنَّه لا حدَّ لأقلِّه ولا لأكثَرِه، بل ما رأَتْه المرأةُ عادةً مستمرَّة فهو حيضٌ، وإن قدِّر أنَّه أقلُّ من يومٍ استمرَّ بها على ذلك، فهو حيض، وأمَّا إذا استمرَّ الدَّم بها دائمًا، فهذا قد عُلِمَ أنه ليس بحيض؛ لأنَّه قد عُلم من الشَّرع واللُّغة أنَّ المرأةَ تارةً تكون طاهرًا، وتارةً تكون حائضًا، ولطُهرِها أحكامٌ، ولحَيضِها أحكامٌ). ((سلسلة الأحاديث الضعيفة)) (3/609). ، وابن عثيمين قال ابنُ عثيمين: (قال ابن المُنذِر: وقالت طائفة: وليس لأقلِّ الحيضِ ولا لأكثره حدٌّ بالأيَّام. قلت: وهذا القولُ كقول الدَّارمي السَّابق، وهو اختيارُ شيخِ الإسلام ابن تيميَّة، وهو الصَّواب). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/300). وقال أيضًا: (الذين حدَّدوا الحيضَ بأنَّ أقلَّه يومٌ وليلة، وأكثَرَه خمسةَ عشرَ يومًا، فلا بدَّ لهم من الدَّليلِ، وإلَّا فلا قبولَ) ((الشرح الممتع)) (5/31). وقال أيضًا: (لا دليلَ على أنَّ أقلَّه يومٌ وليلة، ولا أنَّ أكثَرَه خمسةَ عشر يومًا، والعادةُ تختلف، وقد بلغني أنَّ من النِّساء مَن تأتيها الحيضةُ شهرًا كاملًا، وتطهرُ ثلاثة أشهرٍ كاملةً، يعني: كأنها تحيض كلَّ شهرٍ سبعة أيَّامٍ، لكنَّها تجتمِعُ فتبقى طاهرًا ثلاثةَ أشهر، أو أربعةَ أشهر، ثم تحيضُ شهرًا كاملًا، فالصواب: أنَّ المرجِعَ في ذلك إلى وجودِ الحيض؛ لأنَّ الله علَّق أحكامَ الحيضِ بالأذى، فمتى وُجِد هذا الأذى ثبَت الحيضُ، وثبتت أحكامُه) ((الموقع الرسمي لابن عثيمين- التعليقات على الكافي لابن قدامة)).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قول الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة: 222]
وجه الدَّلالة:
أنَّ الله سبحانه جعَل غايةَ المنع هي الطُّهرَ، ولم يجعَل الغايةَ مُضيَّ عشرةِ أيَّام، ولا خمسةَ عشرَ يومًا، فدلَّ هذا على أنَّ الحُكمَ يتعلَّقُ بالحيضِ وجودًا وعدمًا؛ فمتى وُجِدَ الحَيضُ ثبَت به الحُكم، ومتى طَهُرَت منه زالتْ أحكامُه ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/300).
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((خرجْنا مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا نذكُر إلَّا الحجَّ، حتَّى جئنا سَرِفَ، فطَمِثتُ؛ فدخل عليَّ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنا أبكي، فقال: ما يُبكيكِ؟ فقلت: واللهِ لوددتُ أنِّي لم أكُن خرجتُ العامَ! قال: ما لكِ؟! لعلَّكِ نَفِسْتِ؟ قلت: نعم، قال: هذا شيءٌ كتَبَه اللهُ على بنات آدَم، افعلي ما يفعَلُ الحاجُّ، غيرَ أنْ لا تطُوفي بالبيتِ حتى تطهُري... قالت: فلمَّا كان يومُ النَّحرِ طهُرْتُ )) رواه البخاري (305)، مسلم (1211) واللفظ له.
وفي رواية: ((انتَظِري، فإذا طهُرتِ فاخرُجي إلى التَّنعيمِ، فأهِلِّي )) رواه البخاري (1787)، ومسلم (1211).
وجه الدَّلالة:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جعل غايةَ المنعِ الطُّهرَ، ولم يجعَل الغايةَ زمنًا معيَّنًا، فدلَّ هذا على أنَّ الحُكمَ يتعلَّق بالحَيض ِوجودًا وعدمًا ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/300).
ثالثًا: أنَّ هذه التَّقديراتِ التي ذكرها مَن ذكرها من الفقهاءِ، لو كانت ممَّا يجبُ على العباد فَهمُه والتعبُّد لله به، لبيَّنها الشارعُ بيانًا ظاهرًا لكلِّ أحدٍ؛ لعمومِ البلوى بها، وأهميَّةِ الأحكامِ المترتِّبةِ عليها؛ من الصَّلاةِ والصِّيام، والنِّكاحِ والطَّلاق، والإرث، وغيرِها من الأحكامِ ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/301).

انظر أيضا: