الموسوعة الفقهية

المطلب الثَّاني: الرِّيح


الفرع الأول: خروجُ الرِّيح
خروجُ الرِّيح ناقِضٌ للوضوء ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/25)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/7)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/34)، ((الذخيرة)) للقرافي (1/213) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/176)، ((المجموع)) للنووي (2/4)، ((المغني)) لابن قدامة (1/125)، ((الفروع)) لابن مفلح (1/219).
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تُقبَلُ صلاةُ مَن أحْدَثَ حتَّى يتوضَّأَ ))، قال رجلٌ مِن حَضرمَوت: ما الحدَثُ يا أبا هُرَيرةَ؟ قال: فُساءٌ أو ضُراطٌ رواه البخاري (135) واللفظ له، ومسلم (225).
ثانيًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنذِر قال ابن المُنذِر: (أجمع أهلُ العلم على أنَّ خروجَ الرِّيح من الدُّبُرِ حدَثٌ ينقُضُ الوضوء). ((الأوسط)) (1/245). ، وابنُ حَزمٍ قال ابن حزم: (الرِّيحُ الخارجة من الدُّبُر خاصَّةً لا من غيره، بصوتٍ خرجتْ أم بغيرِ صَوتٍ، وهذا أيضًا إجماع مُتيقَّنٌ، ولا خلاف في أنَّ الوضوء من الفَسوِ والضُّراط، وهذان الاسمان لا يقعانِ على الرِّيح البتة إلَّا إن خرجَت من الدُّبُر، وإلَّا فإنَّما يُسمَّى جُشاءً، أو عُطاسًا فقط). ((المحلى)) (1/218). ، وابن رشد قال ابن رشد: (اتَّفقوا في هذا البابِ على انتقاضِ الوُضوءِ مِن البَولِ والغائط والرِّيحِ). ((بداية المجتهد)) (1/34). ، وابن قدامة قال ابن قدامة: (الخارِجُ من السَّبيلين على ضَربينِ: معتادٌ كالبَولِ والغائط... والرِّيح؛ فهذا ينقُضُ الوضوءَ إجماعًا). ((المغني)) (1/125).
الفرع الثاني: خروجُ الرِّيح من قُبُل المرأة
اختلف أهلُ العلم في خروج الرِّيحِ من قُبُل المرأة قال ابن عثيمين: (هذه الرِّيحُ تخرُجُ أحيانًا من فُروجِ النِّساءِ). ((الشرح الممتع)) (1/269). على قولين:
القول الأوّل: خروجُ الرِّيحِ مِن قُبُلِ المرأةِ يَنقُضُ الوضوءَ، وهو مذهب الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/ 4)، وينظر:  ((الأم)) للشافعي (1/32)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/54). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/145)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/123). ، واختاره أبو ثورٍ قال أبو ثور: (وإنْ خرج رِيحٌ من قُبلٍ أو دُبرٍ توضَّأ). ((الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف)) لابن المُنذِر (1/146).
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا وُضوءَ إلَّا مِن صَوتٍ أو رِيح )) رواه الترمذي (74)، وابن ماجه (515)، وأحمد (2/471) (10095). قال الترمذيُّ: حسن صحيح، وقال البيهقيُّ في ((الخلافيات)) (2/362): صحيح ثابت، وصحَّحه النوويُّ في ((المجموع)) (2/3)، وقال ابن دقيق العيد في ((الإمام)) (2/267): إسناده على شرْط مسلم، وصححه ابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (2/419) وقال العراقي في ((طرح التثريب)) (2/369): ثابت، وقال ابنُ حجر في ((تغليق التعليق)) (2/112): أصلُه عند مسلم، وصحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (74)، وقال الوادعيُّ في ((أحاديث معلَّة)) (433): إذا نظرت في سَنَده حَكمت عليه بالحسن، ولكن قال أبو حاتم: هذا وَهمٌ؛ اختصر شعبةُ متْنَ الحديثِ. والحديث رواه بنحوه البخاريُّ معلَّقًا بصيغةِ الجَزمِ قبل حديث (176) بلفظ: ((لا وُضوءَ إلَّا مِن حَدَث)) وانظر: ((تغليق التعليق)) (2/111-113).
2- عن عبد الله بن زَيد بن عاصم: أنَّه شكا إلى رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: الرَّجُل الذي يُخيَّلُ إليه أنَّه يجِدُ الشيءَ في الصَّلاة، فقال: ((لا يَنفتِل- أو لا ينصَرِف- حتى يسمعَ صوتًا، أو يجِدَ رِيحًا )) رواه البخاري (137) واللفظ له، ومسلم (361).
وجه الدَّلالة من الحديثين:
أنَّ عمومَ الحديثِ يشمَلُ كلَّ صوتٍ أو رِيحٍ؛ من قُبُل أو دُبُر.
ثانيًا: أنَّه خارج من أحَدِ السَّبيلين، فنقَضَ؛ قياسًا على سائِرِ الخوارجِ ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/38).
القول الثاني: خروجُ الرِّيحِ مِن قُبُلِ المرأةِ لا يَنقُضُ الوضوءَ، وهو مذهَبُ الحنفيَّة في الأصحِّ ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/8)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/37، 38). ، والمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (1/291)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/336). ، وقولٌ عند الحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/145)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/125). ، وبه أفتت اللَّجنة الدَّائمة سُئلت اللَّجنة الدَّائمة برئاسة ابن باز: (امرأةٌ إذا دخلت في الصَّلاة وأخذَت في الركوع والسُّجود، وخاصَّةً أثناء السُّجود والجلوس بين السَّجدتين والجلوس للتشهُّد يخرُج من فرْجها الهواءُ، بحيث يسمَعُه المحيطون بها؛ فهل تبطُلُ صلاة المرأةِ بذلك؟ وأحيانًا يخرُجُ هواءٌ قليل جدًّا لا يسمَعُه أحدٌ؛ فهل يبطُلُ الوضوءُ والصَّلاة أيضًا؟ فأجابت:... خروجُ الهواء من القُبُل لا ينقُضُ الوضوء). ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (5/259). وللَّجنة تفصيلٌ آخَر جيِّد، وفيه: (أنَّ للرِّيح الخارجةَ مِن القُبل حالينِ: الحال الأولى: أن تكون ناشئةً عن توسُّع الفرْجِ؛ لتَكرار الولادةِ عند المرأة، فيدخُلُ الهواءُ العادي لأسباب معيَّنة من قعود أو استلقاءٍ، ونحو ذلك، ثم يخرُجُ من الفرْج عند تغيُّرِ حال الجِسم، مُحدِثًا صوتًا لا صلةَ له بفضلات الأكْلِ أو الأمعاء، وفي هذه الحال لا تُعتبَرُ هذه الرِّيحُ ناقضةً للوضوءِ. الحال الثَّانية: أن تكونَ الرِّيحُ ناشئةً عن تسرُّبِ الغازات من المُصران الغليظ إلى الفرْج؛ لوجود شقٍّ بين جدارِ المهبل الخَلفي والمُصرانِ الغليظ، وفي هذه الحالِ تُعتبَر هذه الرِّيح ناقضةً للوضوء؛ لأنَّ حقيقَتَها فُساءٌ، لكنَّه خرج من غير مخرَجِه. ويُعرفُ التفريقُ بين الحالَينِ بمراجعةِ أهلِ الاختصاصِ مِن الطَّبيبات). ((فتاوى اللجنة الدائمة – 2)) (4/109- 110).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه لم يخرُج من محلِّه المُعتاد ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/336).
ثانيًا: أنَّه اختلاجٌ لا رِيحٌ، فلا ينقُضُ، كالرِّيحِ الخارجةِ مِن جِراحة البَطنِ ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/38)، ((التاج والإكليل)) للمواق (1/291).
ثالثا: أنَّه كالجُشاءِ لا ينقضُ الوُضوء ((التاج والإكليل)) للمواق (1/291).
رابعًا: أنَّ هذه الرِّيحَ مشكوكٌ في نَقضِها للوضوء، والطَّهارةُ لا تنتقِضُ بالشكِّ ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/38)، ((التاج والإكليل)) للمواق (1/291)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/336)، ((المغني)) لابن قدامة (1/125).

انظر أيضا: