الموسوعة الفقهية

الفصل الثَّاني: شروطُ الوقوفِ بعَرَفة


المبحث الأوَّل: أن يكون الوقوفُ في أرضِ عَرَفاتٍ
تمهيدٌ:
يُشتَرَط أن يكون الوقوفُ في أرضِ عَرَفاتٍ لا في غيرها، وعَرَفةُ كُلُّها مَوْقِفٌ.
الأدِلَّة:
أولًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ووقفتُ ههنا، وعَرَفةُ كلُّها مَوقِفٌ )) رواه مسلم (1218)
2- فِعْلُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقد قال: ((لِتَأخُذوا مناسِكَكم )) رواه مسلم (1297) من حديث جابر رضي الله عنهما.
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على كونِ الوقوفِ بعَرَفةَ رُكْنًا لا يصحُّ الحجُّ بدونِه: ابنُ المُنذر؛ قال ابنُ المُنذر: (أجمَعوا على أنَّ الوقوفَ بعَرَفة فرض، ولا حجَّ لِمَن فاته الوقوفُ بها). ((الإجماع)) (ص: 57). ، وابنُ حزم قال ابنُ حزم: (وأجمَعوا أنَّ... الوقوف بعَرَفة فرضٌ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 42). ، وابنُ عبد البَرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (أمَّا الوقوفُ بعَرَفة فأجمع العُلَماءُ في كلِّ عصرٍ، وبكلِّ مصر فيما علمتُ، أنَّه فرضٌ لا ينوبُ عنه شيءٌ، وأنَّه مَن فاته الوقوفُ بعَرَفة في وقته الذي لا بدَّ منه، فلا حجَّ له). ((التمهيد)) (10/ 20). ، وابنُ رُشد قال ابنُ رُشد: (أمَّا حُكم الوقوف بعَرَفة، فإنَّهم أجمعوا على أنَّه ركنٌ من أركان الحجِّ، وأنَّ مَن فاته، فعليه حجُّ قابلٍ، والهَدْيُ، في قولِ أكثرهم). ((بداية المجتهد)) (1/ 346). ، والنووي قال النووي: (إن غلطوا في المكان فوقفوا في غير أرضِ عرفاتٍ يظنُّونها عرفاتٍ لم يُجْزِهم، بلا خلافٍ) ((المجموع)) (8/292). ، والصَّنعانيُّ قال الصَّنعانيُّ: (فأمَّا الوقوفُ بعَرَفةَ، فإنَّه مُجمَعٌ عليه [يعني أنَّ مَن لم يَفعلْه لم يتِمَّ حجُّه]). ((سبل السلام)) (2/ 209).
ونقل النوويُّ الإجماعَ على صِحَّةِ الوقوفِ بأيِّ جزءٍ مِن عَرَفات قال النووي: (يصحُّ الوقوف في أي جزءٍ كان من أرض عرفاتٍ بإجماع العُلَماء) ((المجموع)) (8/105).
المطلب الأوَّل: حدودُ عَرَفاتٍ؟
لعرفاتٍ أربعةُ حُدودٍ ((الاختيارات الجلية في المسائل الخلافية مع نيل المآرب)) لعبد الله البسام (2/250). ويُنْظَر: ((القاموس المحيط)) للفيروز آبادي (1/ 836)، ((المصباح المنير)) للفيومي (2/ 404)، ((المجموع)) للنووي (8/105-111)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/492), ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (30/61). :
الأوَّل: الحدُّ الشَّماليُّ: هو مُلتقى وادي وَصيقٍ بوادي عُرَنةَ في سَفْحِ جَبَلِ سَعْدٍ.
الثَّاني: الحدُّ الغربيُّ: هو وادي عُرَنةَ ويمتد هذا الحدُّ الغربيُّ مِنِ التقاءِ وادي عُرَنةَ بوادي وَصيقٍ إلى أن يحاذِيَ جَبَلَ نَمِرةَ، ويبلغُ طولُ هذا الضِّلعِ خمسةَ كيلومتراتٍ، فهذا الوادي فاصِلٌ بين الحَرَمِ وعرفاتٍ، وليس واحدًا منهما.
الثَّالث: الحدُّ الجنوبيُّ: وهو ما بين الجبالِ الجنوبيَّةِ لعرفاتٍ، وبين وادي عُرَنةَ.
الرابع: الحدُّ الشَّرقيُّ: هي الجبالُ المُقَوَّسة على مَيداِنِ عَرَفاتٍ ابتداءً مِنَ الثنيَّة التي تَنفُذُ إلى طريقِ الطَّائِفِ، وتستمِرُّ سلسلةُ تلك الجبالِ حتى تنتهيَ بجَبَل سعدٍ.
وقد وُضِعَت الآن علاماتٌ حولَ أرضِ عَرَفة تُبَيِّنُ حُدودَها، ويجب على الحاجِّ أن يتَنَبَّه لها؛ لئلَّا يقع وقوفُه خارجَ عَرَفة، فيفوتَه الحجُّ.
المطلب الثَّاني: حُكْمُ الوقوفِ بوادي عُرَنةَ.
لا يصِحُّ الوقوفُ بوادي عُرَنةَ وادي عُرَنةَ: وادٍ بحذاءِ عَرَفاتٍ بين العَلَمين اللذين على حدِّ الحَرَم. ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (3/ 223)، ((لسان العرب)) لابن منظور (13/ 284)، ((حاشية العدوي)) (1/539). ،ويقال له أيضًا: مسجِدُ عُرَنةَ، لأنَّه خارجُ عرفاتٍ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((البناية شرح الهداية)) للعيني (4/ 220)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/125). ، والمالِكيَّةِ في المشهورِ قال الحطَّاب: (فتحصَّلَ في بطنِ عُرَنةَ ثلاثةُ أقوالٍ: الصحيحُ أنَّه ليس من عَرَفة ولا مِنَ الحرم) ((مواهب الجليل)) (4/135، 136)، ويُنْظَر: ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/539)، وينظر أيضًا: ((المجموع)) للنووي (8/120- 122). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/107). ، والحَنابِلة ((المغني)) لابن قُدامة (3/367). ، وحُكي الإجماعُ على ذلك قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (ليس المسجِدُ موضِعَ وقوفٍ؛ لأنه فيما أحسَبُ مِن بطْنِ عُرَنةَ الذي أُمِرَ الواقفُ بعَرَفة أن يرتفِعَ عنه؛ وهذا كلُّه أمرٌ مجتمَعٌ عليه لا موضِعَ للقول فيه) ((التمهيد)) (13/158). وقال أيضًا: (أجمع الفقهاءُ على أنَّ مَن وقَفَ به لا يُجْزِئه) نقلا عن ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/428). وقال القاضي عياض: ((اتَّفقَ العُلَماء على أنَّه لا موقف فيه [يعني بطن عُرَنة])) ((إكمال المعلم)) (4/154). وقال الحطاب: (حُكِيَ سندُ الاتفاقِ على أنَّ بطْنَ عُرَنةَ ليس من عَرَفة ولا يُجزئ الوقوفُ به) ((مواهب الجليل)) (4/136)، ويُنْظَر: ((المجموع)) للنووي (8/120- 122). وقال الزيلعي: (عرفاتٌ كلُّها موقِفٌ إلا بطنَ عُرَنةَ)... وعليه إجماعُ المسلمين، فيكون حُجَّةً على مالك في تجويزِ الوقوف ببطنِ عُرَنةَ وإيجابِ الدَّمِ عليه) ((تبيين الحقائق))(2/25).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
حديثُ: ((ارفعوا عن بَطْنِ عُرَنةَ )) رواه، ابن خزيمة (2816)، والحاكم (1697)، والبيهقي (9731). من حديث ابن عبَّاس رضي الله عنهما. جوَّد إسناده ابن باز في ((حاشية بلوغ المرام)) (456) وقال: على شرط مسلم وله شاهد، وصحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (903). قال الباجي: (وقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ارتَفِعوا عن بطنِ عُرَنةَ يحتمِلُ معنيين: أحدُهما أن تكون عُرَنةُ من جملةِ ما يقع عليه اسمُ عَرَفة، فيكون ذلك استثناءً مما عمَّمَه بقوله: عَرَفةُ كلُّها موقِفٌ، فكأنه قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: عَرَفةُ كلُّها موقف إلا بطْنَ عُرَنةَ... ويؤيد هذا التأويلَ أنَّه لم يمد عَرَفة من غير جهةِ عُرَنة، واقتصر على أن يكون الموقف يختص بالموضِعِ الذي يتناوله هذا الاسمُ، فدلَّ ذلك على أنه احتاج إلى استثنائها كما لم يَسْتَثْنِ ما ليس من عَرَفة من سائِرِ الجهات، وإن كنا نعلمُ أنَّه لا يجوز الوقوفُ به، ويحتمل أن تكون عُرَنة ليست من عَرَفة ولا يتناولها اسمُها، فيكون معنى قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((وارتَفِعوا عن بطْنِ عُرَنةَ)) على معنى قَصْرِ هذا الحكم على عَرَفة وما قَرُبَ منها؛ ولذلك قال: ((ارتفعوا عن بطْنِ عُرَنةَ)) مع قربه من عَرَفة) ((شرح الموطأ)) (2/319). ، فلا يُجْزيه أن يقفَ بمكانٍ أمَرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ألَّا يَقِفَ به ((الإشراف)) لابن المُنْذِر 3/311، ((التمهيد)) لابن عَبْدِ البَرِّ 24/420.
ثانيًا: لأنَّه لم يقِفْ بعَرَفةَ، فلم يُجْزِئه، كما لو وقف بمزدلِفةَ ((المغني)) لابن قُدامة (3/368).
المطلب الثَّالث: هل نَمِرَةُ من عَرَفةَ؟ وحكمُ النُّزولُ بها
نَمِرةُ نَمِرة: موضعٌ معروفٌ بقرب عرفاتٍ خارجَ الحَرَم بين طَرَف الحرمِ وطَرَف عرفات، وعليه أنصابُ الحرم، وفيها كان ينزل خلفاؤه الرَّاشدون، وبها الأسواقُ وقضاءُ الحاجةِ والأكل ونحو ذلك. ((المجموع)) للنووي (8/81)، ((مجموع الفتاوى)) (26/161). ليست من عَرَفة مَسْجِدُ نمرةَ والذي كان يُسمَّى مسجِدَ إبراهيم، تقع مقدِّمَتُه في عُرَنة خارجَ عرفات، والتي فيها محلُّ الخطبة والصَّلاة، ويقع آخرُه في عَرَفة، وقد مُيِّزَ بينهما، وقد كان قديمًا يُمَيَّز بينهما بصخراتٍ كبارٍ فُرِشَت هناك. يُنْظَر: ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/296))، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (81/862). ، ولا مِنَ الحرمِ، وإنما يُستحبُّ النزولُ بها بعد طلوعِ الشَّمْسُ إلى الزوالِ، وذلك قبل النُّزولِ بعَرَفة، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((البناية شرح الهداية)) (4/ 268)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 468). وقد خصَّ الحنفية النزول بنمرة بالإمام. يُنظر ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 361)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 503). ، والمالِكيَّة ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/539،538). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/ 81)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 298). ، والحَنابِلة ((الفروع)) للمرداوي (6/ 47)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 491).
الدَّليل مِنَ السُّنَّةِ:
عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنه قال في حديثِه الطَّويلِ في صِفَةِ حجَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فأجاز رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى أتى عَرَفةَ، فوَجَدَ القُبَّةَ قد ضُرِبَتْ له بنَمِرةَ، فنزل بها، حتى إذا زاغتِ الشَّمْسُ أمرَ بالقَصْواءِ، فرُحِلَتْ له ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 181)، ((مرقاة المفاتيح)) للملا الهروي (5/ 1771). ، فأتى بطْنَ الوادي موضِعٌ بعَرَفاتٍ يُسَمَّى عُرَنَةَ، وليست من عرفاتٍ. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 181)، ((مرقاة المفاتيح)) للملا الهروي (5/ 1771). ، فخطَبَ النَّاسَ )) رواه مسلم (1218)
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ فيه استحبابَ النُّزولِ بنَمِرَةَ إذا ذهبوا من مِنًى؛ لأنَّ السنَّةَ ألَّا يدخلوا عرفاتٍ، إلَّا بعد زوالِ الشَّمسِ، وبعد صلاتَيِ الظُّهْرِ والعصرِ جَمْعًا ((شرح النووي على مسلم)) (8/180)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/468).
المطلب الرابع: حُكْمُ مَن وقفَ بعَرَفةَ وهو لا يعلَمُ أنَّه عَرَفة
مَن وقف بعَرَفةَ مُحْرِمًا في زَمَن الوقوف وهو لا يعلَمُ أنَّه بعَرَفة، فإنَّه يُجْزِئُه باتِّفاقِ المَذاهِبِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((الهداية)) للمرغيناني (1/151)، ((المبسوط)) للسرخسي (4/50). ، والمالِكيَّة ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (2/ 474)، ويُنظر: ((الاستذكار)) لابن عَبْدِ البَرِّ (4/286). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/94،119). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/494).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
 عمومُ قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((وقد أتى عرفاتٍ، قبل ذلك ليلًا أو نهارًا )) رواه أبو داود (1950) واللفظ له، والترمذي (891)، والنسائي (3041)، وأحمد (16253). قال الترمذي: حسن صحيح، وصحَّحه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/208)، وأبو أحمد الحاكم في ((المدخل)) (52)، وذكر الدارقطني في ((الإلزامات والتتبع)) (84) أنه يلزم البخاري ومسلم إخراجه، وقال أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (7/221): صحيح ثابت.
ثانيًا: أنه لا تُشْتَرَط النيَّةُ لصِحَّةِ الوقوف بعَرَفة قال النووي: (لو وقف بعَرَفة ناسيًا أجزَأَه بالإجماعِ) ((المجموع)) للنووي (8/17)، ويُنْظَر: ((كشاف القناع)) البهوتي (2/494)، ((المجموع)) للنووي (8/17)
ثالثًا: أنَّ الرُّكْن قد حصل وهو الوقوفُ، ولا يمتنع ذلك بالإغماءِ والنَّومِ؛ كرُكْنِ الصَّوْمِ ((الهداية)) للمرغيناني (1/151).
رابعًا: أنه وقف بعرفة في زمن الوقوف وهو عاقل، فأجزأه كما لو علم ((المغني)) لابن قُدامة (3/372).
المبحث الثَّاني: أن يكون الوقوفُ في زمانِ الوُقوفِ
تمهيدٌ:
يُشْتَرَط لصحَّةِ الوقوفِ بعَرَفة أن يكون في وقتِ الوقوفِ.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
فِعْلُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كما في حديثِ جابرٍ- الطَّويلِ- في صِفَةِ حَجَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «فأجازَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى أتى عَرَفةَ، فوجَدَ القُبَّةَ قد ضُرِبَتْ له بنَمِرَةَ، فنزل بها، حتى إذا زاغت الشَّمْسُ أمَرَ بالقصواءِ، فرُحِلَتْ له، فأتى بطْنَ الوادي، فخطَبَ النَّاس » رواه مسلم (1218) ، وقد قال: ((لِتَأخُذوا مناسِكَكم )) رواه مسلم (1297)
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
 نقلَ الإجماعَ على ذلك ابْنُ حَزْمٍ قال ابنُ حزم: (فصَحَّ أنَّ كلَّ من وقف بها أجزَأَه ما لم يقِفْ في وقتٍ لا يختلف اثنانِ في أنَّه لا يُجْزيه فيه) ((المحلى)) (7/191). ، وابن تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (وكذلك الوقوفُ لو فرَضْنا أنَّه أمكنه الوقوفُ قبل الوقت أو بعده، إذا لم يُمكِنْه في وقتِه، لم يكن الوقوفُ في غير وقته مُجزيًا باتِّفاق العلماء). ((مجموع الفتاوى)) (26/233).                وقال: (وقد اتَّفق المسلمون على أنَّ مَن فاته الوقوفُ بعرفة لعُذر أو لغيرِه، لا يقف بعرفةَ بعد طلوع الفجرِ). ((منهاج السُّنة النبويَّة)) (5/144).
المطلب الأوَّل: أوَّلُ وقتِ الوقوفِ بِعَرَفةَ:
يبدأُ الوقوفُ بعَرَفةَ مِن زوالِ الشَّمْسِ يومَ التَّاسِعِ مِن ذي الحِجَّةِ، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ قال النووي: (قال القاضي أبو الطيب والعبدري: (هو قول العُلَماءِ كافةً إلا أحمد؛ فإنه قال: وقتُه ما بين طلوعِ الفَجْرِ يومَ عَرَفة وطلوعِه يومَ النَّحْرِ) ((المجموع)) للنووي (8/120)، ويُنْظَر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/259). : الحَنَفيَّة ((العناية شرح الهداية)) للعيني (2/ 508)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/125). ، والمالِكيَّة ((الكافي)) لابن عَبْدِ البَرِّ (1/359)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/37). ، والشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (3/97). ، وروايةٌ عن أحمَدَ ((الإنصاف)) للمرداوي (4/29). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (ولا يُجْزئ الوقوفُ بالنهار قبل الزوالِ بإجماعٍ، ولا حُكْمَ له، وإنَّما أوَّلُ وقتِ الوقوفِ بعد جمْعِ الصلاتينِ: الظُّهر والعصر في أوَّلِ وقتِ الظُّهْرِ) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) (1/359). وقال ابنُ حزم: (فصَحَّ أنَّ كلَّ من وقف بها أجزأَه، ما لم يقف في وقتٍ لا يختلف اثنان في أنَّه لا يُجْزيه فيه. وقد تيقَّنَ الإجماع مِنَ الصغير, والكبير, والخالف, والسالف: أنَّ من وقف بها قبل الزَّوالِ مِنَ اليومِ التاسع من ذي الحجة أو بعدَ طُلوعِ الفَجْرِ مِنَ الليلةِ الحاديةَ عَشْرَةَ من ذي الحجَّةِ، فلا حَجَّ له) ((المحلى)) (7/191). وقال أيضًا: (وأجمعوا أنَّ وقت الوقوفِ ليس قبل الظُّهْرِ في التَّاسِعِ من ذي الحِجَّة) ((مراتب الإجماع)) (ص: 42). وتعقَّبه شيخ الإسلام قائلًا: قلتُ: (أحد القولين بل أشهَرُهما في مذهب أحمد أنَّه يُجْزِئ الوقوف قبل الزَّوالِ، وإن أفاض قبل الزَّوالِ لكن عليه دمٌ، كما لو أفاض قبل الغُروبِ) ((نقد مراتب الإجماع)) (ص: 291). وقال القرطبي: (أجمع أهلُ العلم على أنَّ مَن وَقَف بعَرَفة يوم عَرَفة قبلَ الزوالِ، ثم أفاض منها قبلَ الزَّوال أنه لا يُعتدُّ بوقوفِه ذلك قبلَ الزَّوال) ((تفسير القرطبي)) (2/415).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- فِعْلُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كما في حديثِ جابرٍ- الطَّويلِ- في صِفَةِ حَجَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فأجازَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى أتى عَرَفةَ، فوجَدَ القُبَّةَ قد ضُرِبَتْ له بنَمِرَةَ، فنزل بها، حتى إذا زاغت الشَّمْسُ أمَرَ بالقصواءِ، فرُحِلَتْ له، فأتى بطْنَ الوادي، فخطَبَ النَّاس )) رواه مسلم (1218) ، وقد قال: ((لِتَأخُذوا مناسِكَكم )) رواه مسلم (1297) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.
ثانيًا: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقفَ بعد الزَّوالِ، وكذلك الخلفاءُ الرَّاشدون فمَن بَعْدَهم إلى اليوم، وما نُقِلَ أنَّ أحدًا وقف قبل الزَّوالِ ((المجموع)) للنووي (8/120).
المطلب الثَّاني: آخِرُ وَقْتِ الوُقوفِ بعَرَفةَ:
ينتهي الوقوفُ بعَرَفةَ بطلوعِ فَجْرِ يَومِ النَّحْرِ، فمن أتى إلى عَرَفةَ بعد فَجْرِ يومِ النَّحْرِ فقد فاته الحجُّ.
الأدِلَّة:
أولًا: مِنَ السُّنَّةِ
 1- عن عُروةَ بنِ مُضَرِّس الطَّائيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن شَهِدَ صلاتَنا هذه، ووقَفَ معنا حتى ندفَعَ، وقد وقف بعَرَفةَ قبل ليلًا أو نهارًا؛ فقد أتَمَّ حجُّه وقضى تَفَثَه )) رواه أبو داود (1950)، والترمذي (891) واللفظ له، والنسائي (3041)، وأحمد (16253). قال الترمذي: حسن صحيح، وصحَّحه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/208)، وأبو أحمد الحاكم في ((المدخل)) (52)، وذكر الدارقطني في ((الإلزامات والتتبع)) (84) أنه يلزم البخاري ومسلم إخراجه، وقال أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (7/221): صحيح ثابت.
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابْنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (وأجمعوا على أنَّ الوقوفَ بعَرَفةَ فَرْضٌ، ولا حَجَّ لِمَن فاته الوقوفُ بها) ((الإجماع)) (ص: 57). ، وابْنُ حَزْمٍ قال ابنُ حزم: (قد تيقَّنَ الإجماعُ مِنَ الصغير, والكبير, والخالف, والسالف: أنَّ مَن وقَفَ بها قبل الزوال مِنَ اليوم التاسِعِ من ذي الحجَّة أو بعد طلوعِ الفجْرِ مِنَ الليلةِ الحاديةَ عَشْرَةَ من ذي الحجَّة؛ فلا حجَّ له) ((المحلى)) (7/191). ملاحظة: لعلَّ قول ابْن حَزْمٍ: (مِنَ الليلة الحادية عشر) سبق قلم، ولعل الصواب مِنَ الليلة العاشرة. ، وابنُ عَبْدِ البَرِّ قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (وذكر مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قصةَ أبي أيوب؛ إذ فاته الحج، وذكر عن نافع عن سليمان بن يسار قصة هبار بن الأسود؛ إذ فاته الحجُّ أيضًا، فأمرهما عمر بن الخطاب كلَّ واحدٍ منهما أن يَحِلَّ بعملِ عُمْرةٍ ثم يحُجَّ من قابلٍ ويَهْدي، فمن لم يجِدْ صام ثلاثةَ أيَّامٍ في الحجِّ وسبعةً إذا رجع، وهذا أمرٌ مجتمَعٌ عليه فيمن فاته الحجُّ، بعد أن أحرَمَ به ولم يُدْرِكْ عَرَفةَ إلَّا يوم النَّحْر) ((التمهيد)) (15/201). ، وابنُ قُدامة قال ابنُ قُدامة: (آخِرُ وقتِ الوقوفِ آخِرَ ليلةِ النَّحْرِ، فمَنْ لم يُدْرِكِ الوقوف حتى طلعَ الفَجْرُ يومئذٍ؛ فاته الحجُّ، لا نعلمُ فيه خلافًا) ((المغني)) (3/454)، ويُنْظَر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/433).
المطلب الثَّالث: قَدْرُ الوقوفِ المُجْزِئ بعَرَفاتٍ
من وقف بعَرَفة ولو لحظةً مِن زوالِ شَمْسِ يومِ التَّاسِعِ إلى فَجْرِ يومِ العاشِرِ، قائمًا كان أو جالسًا أو راكبًا؛ فإنَّه يُجْزِئُه، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (2/ 37)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/126). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/103) والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/494).
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّةِ:
عن عُروةَ بنِ مُضَرِّس الطَّائيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن شَهِدَ صلاتَنا هذه، ووقَفَ معنا حتى ندفَعَ، وقد وقف قبل ذلك بعَرَفةَ ليلًا أو نهارًا؛ فقد تَمَّ حجُّه وقضى تَفَثَه )) رواه أبو داود (1950)، والترمذي (891)، والنسائي (5/263)، وأحمد (4/15) (16253). قال الترمذي: (حسن صحيح)، وصحَّحه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/208)، وأبو أحمد الحاكم ((المدخل)) (52)، وقال أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (7/221): (صحيح ثابت)، وصحَّحه النووي في ((المجموع)) (8/97)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/240)، وابن القيم في ((أعلام الموقعين)) (4/252).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
عمومُ قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((وقف قبل ذلك بعَرَفةَ ليلًا أو نهارًا)) ((كشاف القناع)) للبهوتي(2/494).
المطلب الرابع: إلى متى يجِبُ الوقوفُ بعَرَفة لمِن وافاها نهارًا؟
يجبُ الوقوفُ بعَرَفة لِمَن وافاها نهارًا، إلى غروبِ الشَّمْسِ، ولا يجوزُ له الدَّفْعُ قبل الغُروبِ، فإن دَفَعَ أجزأَه الوقوفُ، وعليه دَمٌ، وهذا مذهَبُ الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/366)، ويُنظر: ((شرح فتح القدير)) لابن الهمام (2/478). ، والحَنابِلة ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 388)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/370). ، وهو قولٌ للمالِكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/132). ، والشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (3/97)، ((نهاية المحتاج)) الرملي (3/299). ، واختاره اللخمي وابنُ العربي، ومال إليه ابنُ عَبْدِ البَرِّ قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (لا نعلم أحدًا من فقهاء الأمصار قال بقولِ مالك، ولا رُوِّينا عن أحدٍ مِنَ السَّلَف، وقال سائر العُلَماء: كل من وقف بعَرَفة بعد الزَّوالِ أو في ليلة النَّحر؛ فقد أدرك الحج) ((التمهيد)) (10/21)، ويُنْظَر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/132). ، وهو اختيارُ ابنِ باز قال ابنُ باز: (مَن وقف بعد الزَّوالِ أجزأه، فإن انصرف قبل المغرِبِ، فعليه دمٌ إن لم يَعُدْ إلى عَرَفة ليلًا؛ أعني ليلةَ النَّحْرِ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/142). ، واستحسَنَه ابنُ عُثيمين قال ابنُ عثيمين: (ولو قيل بالقول الثَّالثِ الذي يُلْزِمُه الدَّمَ إذا دفع قبل الغروبِ مطلقًا، إلَّا إذا كان جاهلًا ثُمَّ نُبِّهَ فرَجَعَ، ولو بعد الغروبِ؛ فلا دَمَ عليه، لكان له وَجْهٌ؛ وذلك لأنَّه إذا دفع قبل الغروب فقد تعمَّدَ المخالَفةَ فيَلْزَمُه الدمُ بالمخالفة، ورجوعُه بعد أن لَزِمَه الدمُ بالمخالفة لا يُؤَثِّرُ شيئًا، أمَّا إذا كان جاهلًا ودفَعَ قبل الغروب، ثم قيل له: إنَّ هذا لا يجوزُ، فرجع ولو بعد الغروبِ، فإنَّه ليس عليه دمٌ، وهذا أقرَبُ إلى القواعِدِ مِمَّا ذهب إليه المؤلِّف) ((الشرح الممتع)) (7/301).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
حديثُ جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((حتى إذا زاغَتِ الشَّمْسُ أمَرَ بالقَصْواءِ، فَرُحِلَتْ له. فأتى بطْنَ الوادي. فخَطَبَ النَّاسَ... ثم أَذَّنَ، ثم أقامَ فصَلَّى الظُّهرَ، ثمَّ أقام فصلَّى العصرَ، ولم يُصَلِّ بينهما شيئًا، ثم رَكِبَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، حتى أتى الموقِفَ )) رواه مسلم (1218)
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ مُكْثَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيها إلى الغروبِ مع كون الدَّفْعِ بالنَّهارِ أرفَقُ بالنَّاسِ؛ يدلُّ على وجوبِه؛ لأنَّه لو كان جائزًا لاختارَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فإنَّه: ((ما خُيِّرَ بين أمرينِ إلَّا اختار أيسَرَهما ما لم يكُنْ إثمًا )) رواه البخاري (6786)، انظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/387، 388).
ثانيًا: أنَّ تأخيرَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الدَّفْعَ إلى ما بعدَ غروبِ الشَّمسِ، ثم مبادَرَتَه به قبل أن يُصَلِّيَ المغرِبَ، مع أنَّ وَقْتَ المغربِ قد دخل- يدلُّ على أنَّه لا بدَّ مِنَ البقاءِ إلى هذا الوقتِ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/388، 389).
ثالثًا: أنَّ في الدَّفْعِ قبلَ الغُروبِ مشابهةٌ لأهْلِ الجاهليَّة؛ حيث كانوا يدفعونَ قبلَ غُروبِ الشَّمْسِ؛ إذا كانت الشَّمْسُ على رؤوسِ الجبالِ كعمائمِ الرِّجالِ على رؤوسِ الرِّجالِ ((شرح فتح القدير)) لابن الهمام (2/477)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/388).
رابعًا: ولا يَفْسُدُ الحجُّ بتَرْكِه أشبَهَ تَرْكَ الإحرامِ مِنَ الميقاتِ ((مفيد الأنام ونور الظلام)) للوهيبي (2/ 34).
خامسًا: عليه دمٌ؛ لأنَّه ترك واجبًا، وهو الوقوفُ في جزءٍ مِن أجزاءِ اللَّيلِ ((مفيد الأنام ونور الظلام)) للوهيبي (2/ 34).
المطلب الخامِسُ: حُكْمُ مَن دَفَع قبلَ غُروبِ شَمْسِ التَّاسِعِ ثم عاد قَبْلَ فَجْرِ العاشِرِ
مَن دَفَعَ قبلَ غُروبِ شَمْسِ يومِ التَّاسِعِ، ثم عاد قبل فجْرِ يومِ النَّحْرِ- أجزَأَه الوقوفُ, ولا شيءَ عليه، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ: المالِكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/132)، ويُنظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/422). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/119)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/174). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للماوردي (4/24)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/495). ، وهو قولٌ للحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (4/50، 51). ، اختاره الكَمالُ ابنُ الهُمامِ قال الكمال ابن الهمام: (الواجبُ مقصودُ النَّفْر بعد الغروبِ، ووجوبُ المدِّ ليقَعَ النَّفْر كذلك فهو لغيره، وقد وُجِدَ المقصود فسقَطَ ما وجب له؛ كالسَّعي للجمعة في حقِّ من في المسجِدِ. وغايةُ الأمرِ فيه أن يُهْدَر ما وقَفَه قبل دَفْعِه في حق الرُّكْن، ويُعْتَبَر عودُه الكائِنُ في الوقت ابتداءَ وُقوفِه، أليس بذلك يحصل الرُّكْنُ من غيرِ لزومٍ دَمٍ). ((فتح القدير)) (2/478).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه استدرَكَ ما فاته وأتى بما عليه, لأنَّ الواجِبَ عليه الإفاضةُ بعد غروب الشَّمسِ, وقد أتى به، فيسقُطُ عنه الدَّمُ؛ كمن جاوز الميقاتَ حلالًا ثم عاد إلى الميقاتِ وأحرَمَ ((المبسوط)) للسرخسي (4/51).
ثانيًا: أنَّه لو وقف بها ليلًا دون النَّهارِ لم يجِبْ عليه دَمٌ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/174).
ثالثًا: أنَّه أتى بالواجِبِ، وهو الجمعُ بين اللَّيلِ والنَّهارِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/495).
المطلب السادس: حُكْمُ من وقف بعَرَفة ليلًا فقط
مَن لم يقف بعَرَفةَ إلَّا ليلةَ العاشِرِ مِن ذي الحِجَّة؛ فإنَّه يُجْزِئُه، ولا يَلْزَمُه شيءٌ، ولكِنْ فاتَتْه الفضيلةُ.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ يَعْمَرَ الدِّيْليِّ أنَّ ناسًا مِن أهْلِ نَجدٍ أتَوْا رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو بعَرَفةَ، فسألوه، فأمر مناديًا فنادى: الحجُّ عَرَفةُ، من جاءَ ليلةَ جَمْعٍ قبلَ طلوعِ الفَجْرِ، فقد أدرَكَ الحَجَّ)) رواه أبو داود (1949)، والترمذي (889، 2975)، والنسائي (3044)، وابن ماجه (3015)، وأحمد (18796) قال الترمذي: حسنٌ صحيح، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/209)، وقال ابنُ عَبْدِ البَرِّ في ((الاستذكار)) (3/638): (لا أشرَفَ ولا أحسَنَ من هذا)، وصحَّحه النووي في ((المجموع)) (8/95)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/230).
2- عن عُرْوةَ بن مُضَرِّسٍ الطائيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن شَهِدَ صلاتَنا هذه، ووقَفَ معنا حتى ندفَعَ، وقد وقف قبل ذلك بعَرَفةَ ليلًا أو نهارًا؛ فقد تَمَّ حجُّه، وقضى تَفَثَه )) رواه أبو داود (1950) واللفظ له، والترمذي (891)، والنسائي (3041)، وأحمد (16253). قال الترمذي: حسن صحيح، وصحَّحه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/208)، وأبو أحمد الحاكم في ((المدخل)) (52)، وذكر الدارقطني في ((الإلزامات والتتبع)) (84) أنه يلزم البخاري ومسلم إخراجه، وقال أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (7/221): صحيح ثابت.
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (أجمعوا على من وقَفَ بها من ليلٍ، أو نهار بعد زوالِ الشَّمس من يوم عَرَفةَ؛ أنه مُدْرِكٌ للحج، وانفرد مالك، فقال: عليه الحجُّ مِن قابلٍ). ((الإجماع)) (ص: 57). ملاحظة: انفراد مالك هو في قوله بعدمِ الإجزاءِ في الوقوفِ نهارًا بعد الزَّوالِ، لأنَّ الرُّكْنَ عنده الوقوفُ باللَّيلِ. , وابنُ عَبْدِ البَرِّ قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (أجمع المسلمون أنَّ الوقوف بعَرَفة ليلًا يجزئ عن الوقوفِ بالنهار).((الإجماع)) (ص: 169). ، وابنُ قُدامة قال ابنُ قُدامة: (من لم يُدْرِكْ جزءًا مِنَ النهار، ولا جاء عَرَفة، حتى غابَتِ الشَّمس، فوقف ليلًا، فلا شيء عليه، وحجُّه تامٌّ، لا نعلمُ فيه مخالِفًا) ((المغني)) لابن قُدامة (3/371)، ويُنْظَر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/436). , والنوويُّ قال النووي: (أمَّا من لم يَحضُرْ عرفاتٍ إلَّا في ليلةِ النَّحر، فحصل فيها قبل الفجر- وقيل بالمذهَبِ إنه يصِحُّ وقوفُه – فلا دمَ عليه بلا خلافٍ، وإنما الخلافُ فيمن وقف نهارًا ثم انصرَفَ قبل الغروبِ؛ لأنه مقَصِّرٌ بالإعراضِ وقطْعِ الوقوفِ، والله أعلم) ((المجموع)) (8/102).
المطلب السابع: الخطأُ في زَمَن الوقوفِ
الفرع الأوَّل: الخطأُ في زَمَن الوقوفِ بالتَّقْديمِ
إذا كان الخطأُ في التَّقْديمِ: بأن أخطأَ النَّاسُ جميعًا، فوقفوا يومَ الثَّامِنِ يومَ التَّرْوِية، وأمكن أن يقفوا في التَّاسِعِ- فإنَّه لا يُجْزِئُ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (4/51)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/618). , والمالِكيَّة في المشهور ((التاج والإكليل)) للعبدري (3/95)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/259). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/293). ، وذلك لأنَّ التَّدارُكَ مُمْكِنٌ في الجملةِ بأن يزول الاشتباهُ في يومِ عَرَفةَ ((حاشية ابن عابدين)) (2/618).
الفرع الثَّاني: الخَطَأُ في زَمَن الوقوفِ بالتَّأخيرِ
إذا كان الخطأُ في التَّأخيرِ بأن أخطأ النَّاسُ، فوقفوا يومَ النَّحْرِ، وكان الخطأُ مِنَ الجميعِ أو الأكثَرِ- فحَجُّهم صحيحٌ، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفقهية الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (4/51)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/618). ، والمالِكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (2/37). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/292). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (4/66)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/513). نقَلَ النوويُّ الاتِّفاقَ على ذلك قال النووي: (اتَّفقوا على أنَّهم إذا غَلِطوا فوقفوا في العاشِرِ، وهم جمعٌ كثيرٌ على العادة؛ أجزَأَهم). ((المجموع)) (8/293).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الصَّومُ يومَ تَصومونَ، والفِطْرُ يومَ تُفْطِرونَ، والأضحى يومَ تُضَحُّون )) رواه الترمذي (697)، والدارقطني (2/164). قال الترمذي: حسن غريب، وصحَّحه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (2/159)، وابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/280)، وحسن إسناده النووي في ((المجموع)) (6/283).
ثانيًا: أنَّ الهلالَ هو اسمٌ لِمَا اشتُهِرَ عند النَّاس وعَمِلوا به، لا لِمَا يطلُعُ في السَّماءِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/525)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/414).
ثالثًا: أنَّ في القولِ بعَدَمِ الإجزاءِ حرجًا شديدًا؛ لعمومِ البلوى به، وتعذُّرِ الاحترازِ عنه، والتَّداركُ غيرُ مُمكِنٌ، وفي الأمرِ بقضاءِ الحَجيجِ كُلِّهم حَرَجٌ بَيِّنٌ، فوجَبَ أن يُكتَفى به عند الاشتباهِ ((حاشية ابن عابدين)) (2/618).
رابعًا: أنَّهم فعلوا ما أُمِروا به، ومَن فَعَل ما أُمِرَ به على وجهِ ما أُمِرَ به؛ فإنَّه لا يلزَمُه القضاءُ؛ لأنَّنا لو ألْزَمْناه بالقضاءِ، لأوجَبْنا عليه العبادةَ مَرَّتينِ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/414، 415).
المبحث الثَّالث: حُكْمُ مَن وقفَ بعَرَفةَ على غيرِ طَهارةٍ
يُجزِئُ الوقوفُ بعَرَفة على غيرِ طهارةٍ، ولا شيءَ عليه، ولكن يُستحَبُّ له أن يكون على طهارةٍ قال الإمام أحمد: (يُستحَبُّ أن يشهَدَ المناسِكَ كُلَّها على وضوءٍ). انظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/435).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعائشة رَضِيَ اللهُ عنها: ((افعلي كما يفعل الحاجُّ غيرَ أن لا تَطُوفي بالبيتِ )) رواه البخاري (1650) واللفظ له، ومسلم (1211).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
فيه دلالةٌ على أنَّ الوقوفَ بعَرَفةَ على غيرِ طهارةٍ جائزٌ، ووقَفَتْ عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنها بها حائضًا بأمْرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((المغني)) لابن قُدامة (3/373).
2- عن عُرْوةَ بنِ مُضَرِّسٍ الطائيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن شَهِدَ صلاتَنا هذه، ووقَفَ معنا حتى ندفَعَ، وقد وقف بعَرَفةَ قبل ليلًا أو نهارًا؛ فقد أتَمَّ حجُّه، وقضى تَفَثَه )) رواه أبو داود (1950)، والترمذي (891) واللفظ له، والنسائي (3041)، وأحمد (16253). قال الترمذي: حسن صحيح، وصحَّحه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/208)، وأبو أحمد الحاكم في ((المدخل)) (52)، وذكر الدارقطني في ((الإلزامات والتتبع)) (84) أنه يلزم البخاري ومسلم إخراجه، وقال أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (7/221): صحيح ثابت.
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ هذا الحديثَ وغيرَه من أحاديثِ الوقوفِ بعَرَفةَ مُطلَقٌ عَن شرطِ الطَّهارةِ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/127).
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (وأجمعوا على أنَّه من وقف بعرفاتٍ على غيرِ طهارةٍ، أنَّه مُدرك للحجِّ، ولا شيءَ عليه). ((الإجماع)) (ص: 57) ، وابنُ قُدامة قال ابنُ قُدامة: (ولا يُشتَرَط للوقوفِ طهارةٌ، ولا ستارةٌ، ولا استقبالٌ، ولا نيَّةٌ، ولا نعلم في ذلك خلافًا). ((المغني)) (3/372).
ثالثًا: لأنَّه نُسُكٌ غيرُ متعَلِّقٍ بالبيتِ، فلا تُشتَرَط له الطَّهارةُ، كرمي الجِمارِ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/127).
المبحث الرابع: هل يُشْتَرَطُ للوقوفِ بعَرَفةَ سَتْرُ العورةِ واستقبالُ القبلةِ ؟
لا يُشْتَرَطُ للواقِفِ بعَرَفةَ أن يستُرَ عورَتَه، أو أن يستقبِلَ القِبلةَ.
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابْنُ قُدامة قال ابنُ قُدامة: (ولا يُشترَط للوقوف طهارةٌ ولا ستارةٌ ولا استقبالٌ ولا نيَّة، ولا نعلمُ في ذلك خلافًا). ((المغني)) (3/372).
المبحث الخامس: حُكْمُ وقوفِ النَّائِمِ
مَن وَقَف بعَرَفةَ وهو نائمٌ؛ فقد أدرك الحجَّ، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((الفتاوى الهندية)) (1/ 229)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/127). ، والمالِكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/133). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/94). ، والحَنابِلة ((شرح منتهي الإرادات)) للبهوتي (1/ 580)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/372).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه أتى بالقَدْرِ المفروضِ، وهو حصولُه كائنًا بعَرَفة ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/127).
ثانيا: أنَّ النَّائِمَ في حُكْمِ المستيقِظِ، فهو مِن أهْلِ العباداتِ؛ لذا فإنِّه إن نام في جميعِ النَّهارِ صَحَّ صَومُه ((المجموع)) للنووي (8/94).
المبحث السادس: حُكْمُ وقوفِ المُغْمَى عليه
مَن وقَفَ بعَرَفة وهو مُغمًى عليه؛ فإنَّه يُجْزِئُه الوقوفُ، وهو مذهَبُ الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (4/51)، ((الهداية شرح البداية)) للمرغيناني (1/151)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/127). ، والمالِكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/133). ، ووجْهٌ عند الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/104). ، واختارَه الشنقيطيُّ قال الشنقيطي: (ليس في وقوفِ المُغمَى عليه نصٌّ من كتابٍ ولا سُنَّة يدلُّ على صِحَّتِه أو عَدَمِها، وأظهَرُ القولين عندي قَوْلُ من قال بصِحَّتِه؛ لِمَا قَدَّمْنا من أنَّه لا يُشتَرَط له نيَّة تخصُّه، وإذا سَلَّمْنا صحَّته بدون النيَّة، كما قدَّمْنا أنه هو الصوابُ؛ فلا مانِعَ مِن صِحَّتِه مِنَ المغمى عليه، كما يصِحُّ مِنَ النائم). ((أضواء البيان)) (4/439). , وابنُ عُثيمين قال ابنُ عثيمين: (وقوفُه صحيحٌ؛ لأنَّ عَقْلَه باقٍ لم يَزُلْ، وهذا هو الرَّاجِحُ). ((الشرح الممتع)) (7/299).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عُروةَ بنِ مُضَرِّسٍ الطَّائيِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((أتيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالموقِفِ- يعني بجَمْعٍ- فقلتُ: يا رسولَ الله, أهلكْتُ مَطِيَّتي, وأتعبْتُ نَفْسي, واللهِ ما تركْتُ مِن جبلٍ إلَّا وقفْتُ عليه, فهل لي مِنْ حَجٍّ؟ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: منْ أدرَكَ معنا هذه الصَّلاةَ وأتى قبل ذلك عرفاتٍ ليلًا أو نهارًا؛ فقد تمَّ حَجُّه وقضى تَفَثَه )) رواه أبو داود (1950) واللفظ له، والترمذي (891)، والنسائي (3041)، وأحمد (16253). قال الترمذي: حسن صحيح، وصحَّحه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/208)، وأبو أحمد الحاكم في ((المدخل)) (52)، وذكر الدارقطني في ((الإلزامات والتتبع)) (84) أنه يلزم البخاري ومسلم إخراجه، وقال أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (7/221): صحيح ثابت.
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ مَن وَقَف بعَرَفةَ وهو مُغمًى عليه؛ فقد أتى بالقَدْرِ المفروضِ، وهو حصولُه كائنًا بعَرَفةَ، فحصل الرُّكْنُ، ولا يمتنِعُ ذلك بالإغماءِ والنَّومِ؛ كرُكْنِ الصَّوم ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/127)، ((الهداية شرح البداية)) للمرغيناني (1/151)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/257).
ثانيًا: أنَّ الوقوفَ ليس بعبادةٍ مقصودةٍ؛ ولهذا لا يُتَنَفَّلُ به، فوجودُ النيَّة في أصل العبادةِ- وهو الإحرامُ- يُغني عن اشتراطِه في الوقوفِ ((البحرالرائق)) لابن نجيم (2/379).
ثالثًا: أنَّ الوقوفَ بعَرَفة لا يُعتَبَر له نيَّةٌ ولا طهارةٌ، ويصِحُّ مِنَ النائم، فصَحَّ مِنَ المُغمى عليه، كالمَبيتِ بمزدَلِفةَ ((المغني)) لابن قُدامة (3/372).

انظر أيضا: