الموسوعة الفقهية

المبحث الخامس: التَّرتيب في الوضوء


المطلب الأوَّل: تعريفُ التَّرتيبِ:
المراد بالتَّرتيب: أن يأتي بالطَّهارةِ عُضوًا بعد عُضوٍ، كما أمَر الله تعالى، بأنْ يَغسِلَ الوَجهَ، ثمَّ اليَدينِ إلى المِرفَقينِ، ثم يَمسَح رأسه، ثم يَغسِل الرِّجلين ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/189)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/141).
المطلب الثَّاني: حُكمُ التَّرتيب:
التَّرتيبُ في الوضوءِ فرضٌ من فُروضِه، وهو مذهَبُ الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/443)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/54). والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/138)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/104). ، وقولٌ للمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/264)، ((الذخيرة)) للقرافي (1/278). ، واختيارُ ابنِ حَزم قال ابن حزم: (ومَن نكَّسَ وضوءَه، أو قدَّم عضوًا على المذكورِ قبْلَه في القرآنِ عَمدًا أو نسيانًا، لم تُجزِه الصَّلاةُ أصلًا، وفرضٌ عليه أن يبدأَ بِوَجهِه، ثم ذِراعَيه، ثم رأسَه، ثم رِجلَيه...) ((المحلى)) (2/66). ، وابنِ باز قال ابن باز: (فروضُ الوضوء، وهي سِتَّة: غَسلُ الوجه- ومنه المضمضةُ والاستنشاق، وغَسْلُ اليدينِ مَع المِرفَقين، ومسحُ جميعِ الرَّأسِ- ومنه الأُذنان، وغَسلُ الرِّجلينِ مع الكَعبين، والتَّرتيبُ، والموالاة). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (3/294). ، وابنِ عثيمين قال ابن عثيمين: (الصَّحيح: أنَّ التَّرتيبَ والمولاة فرضان من فروض الوضوءِ، وأمَّا عُذرُ الإنسانِ فيهما بالنِّسيان أو بالجهل، فمَحَلُّ نظرٍ، فالمشهور عند فقهاءِ الحنابلة رحمهم الله أنَّ الإنسانَ لا يُعذَر فيهما بالجهلِ ولا بالنِّسيان، وأنَّ الإنسانَ لو بدأ بغَسلِ يَديه قبل غَسلِ وَجهِه ناسيًا، لم يصحَّ غَسلُ يديه، ولَزِمَه إعادةُ الوضوءِ مع طولِ الزَّمنِ، أو إعادة غَسل اليَدينِ وما بعدهما إن قصُرَ الزَّمن، ولا شكَّ أنَّ هذا القَولَ أحوطُ وأبرأُ للذِّمَّة، وأنَّ الإنسانَ إذا فاته الترتيبُ ولو نسيانًا، فإنَّه يُعيدُ الوضوءَ، وكذلك إذا فاتَته الموالاةُ، ولو نسيانًا، فإنَّه يُعيدُ الوضوء). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/142).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قول الله تعالى: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة: 6]
وجه الدَّلالة من الآيةِ مِن وَجهين:
الوجه الأوَّل: أنَّه أدخَلَ الممسوحَ- وهو مسحُ الرَّأسِ- بين مغسولينِ- وهما غَسلُ اليَدين والرِّجلين- فقطع بذلك حُكمَ النَّظيرِ عن نظيره، فدلَّ على لزوم التَّرتيب؛ لأنَّ عادةَ العَرب إذا ذكرتْ أشياءَ مُتجانسةً وغيرَ مُتجانسةٍ، جمعت المتجانسةَ على نسَقٍ، ثم عطفَتْ غيرَها، ولا يُخالفونَ ذلك إلَّا لفائدةٍ، فلو لم يكُن الترتيبُ واجبًا لَمَا قطعَ النَّظيرَ عن نظيرِه ((المجموع)) للنووي (1/444).
الوجه الثَّاني: أنَّ الآيةَ سِيقت لبيانِ الوُضوءِ الواجبِ، لا للمَسنونِ، حيث لم يُذكَر فيها شيءٌ من السُّنَنِ ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (43/356).
ثانيًا: مواظبَتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على ترتيبِ الوُضوءِ، وفعْلُه وقَع بيانًا للوضوءِ المأمورِ به في الآيةِ؛ فإنَّ كلَّ مَن حكى وضوءَ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حكاه مرتَّبًا، مع كثرَتِهم وكثرةِ المَواطِنِ التي حَكَوها ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (43/356).
ثالثًا: أنَّ الوضوءَ عبادةٌ تشتمِلُ على أفعالٍ مُتغايرةٍ يَرتَبِطُ بعضُها ببعضٍ، فوَجب فيها التَّرتيبُ كالصَّلاةِ والحجِّ ((المجموع)) للنووي (1/441).

انظر أيضا: