الموسوعة الفقهية

المبحث العاشر: اشتراطُ الصَّومِ للاعتكاف


يصِحُّ الاعتكافُ مِن غَيرِ صَومٍ، وهو مذهَبُ الشَّافِعيَّة ((الأم)) للشافعي (2/118)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/486). قال الماوردي: (فأمَّا الصَّومُ فغيرُ واجبٍ فيه، بل إن اعتكَفَ مُفطِرًا جاز). ، والمشهورُ عِندَ الحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/348)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/145)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/188). ، وقولُ طائفةٍ من السَّلَفِ قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (وقال الشَّافعي وأحمد بن حنبل، وداود بن علي، وابن عُلَيَّةَ: الاعتكافُ جائزٌ بغير صومٍ، وهو قول الحسن وسعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح وعمر بن عبد العزيز) ((التمهيد)) (11/200)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/188). ، واختاره ابنُ حَزم قال ابنُ حزم: (مِن البرهان على صِحَّةِ قَولِنا؛ اعتكافُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في رمضانَ، فلا يخلو صَومُه مِن أن يكونَ لِرَمضانَ خَالِصًا، وكذلك هو، فحصل الاعتكافُ مُجَرَّدًا عن صومٍ يكونُ مِن شَرْطِه، وإذا لم يَحتَجِ الاعتكافُ إلى صومٍ يَنوي به الاعتكاف، فقد بطل أن يكون الصَّومُ مِن شروطِ الاعتكافِ، وصَحَّ أنَّه جائِزٌ بلا صومٍ، وهذا برهانٌ ما قَدَرُوا على اعتراضِه.. وأيضًا فإنَّ الاعتكافَ هو بالليلِ، كهو بالنَّهارِ، ولا صومَ باللَّيلِ، فصَحَّ أنَّ الاعتكافَ لا يحتاجُ إلى صومٍ) ((المحلى)) (5/186). ، وابنُ دقيقِ العيدِ قال ابنُ دقيق العيد: (الصَّومُ ليس بشرطٍ) ((إحكام الأحكام)) (ص295). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (ولا يُشتَرَطُ أن يكونَ معه صومٌ على الصَّحيحِ، فلو اعتكف الرجلُ أو المرأةُ وهما مُفطِرانِ، فلا بأس في غيرِ رمضان) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/441). وقال أيضًا: (ولا يُشتَرَطُ له الصَّومُ، ولكنْ مع الصوم أفضَلُ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/442). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (القول الثاني: أنَّه لا يُشتَرَطُ له الصوم.. وهذا القول هو الصَّحيح) ((الشرح الممتع)) (6/507).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن ابنِ عمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ عُمَرَ سأل النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: كنتُ نَذَرْتُ في الجاهليَّةِ أن أعتكِفَ ليلةً في المسجِدِ الحَرامِ؟ قال: فأوْفِ بِنَذرِك )) رواه البخاري (2032)، ومسلم (1656).
وجه الدلالة:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد أَذِنَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه بالاعتكافِ ليلًا، ومعلومٌ أنَّ اللَّيلَ لا صَومَ فيه ((التمهيد)) لابن عبدِ البَرِّ (11/200). ، فلو كان الصَّومُ شَرْطًا في صحَّةِ الاعتكاف، لَمَا صَحَّ اعتكافُ اللَّيلِ؛ لأنَّه لا صيامَ فيه.
2- عن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أراد أن يعتكِفَ، صلَّى الفَجرَ، ثم دخَلَ مُعتَكَفَه. وإنَّه أمَرَ بخِبائِه فضُرِبَ. أراد الاعتكافَ في العَشرِ الأواخِرِ مِن رمضانَ، فأمَرَت زينبُ بخِبائِها فضُرِبَ، وأمَرَ غَيرُها من أزواجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بخِبائِه فضُرِبَ، فلمَّا صلى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الفَجرَ، نظر فإذا الأخبِيةُ، فقال: آلبِرَّ تُرِدْنَ؟ فأمَرَ بخبائِه فقُوِّضَ، وترك الاعتكافَ في شَهرِ رمضانَ، حتى اعتكَفَ في العَشرِ الأُوَلِ مِن شَوَّال )) رواه البخاري (2045)، ومسلم (1173) واللفظ له.
وجه الدلالة:
في الحديثِ دليلٌ على جوازِ الاعتكافِ بِغَيرِ صَومٍ ((فتح الباري)) لابن حجر (4/276).
ثانيًا: أنَّ إيجابَ الصَّومِ حُكمٌ لا يثبُتُ إلَّا بالشَّرعِ، ولم يصِحَّ فيه نصٌّ ولا إجماعٌ ((المغني)) لابن قدامة (3/188).
ثالثًا: لأنَّهما عبادتان مُنفَصِلتانِ، فلا يُشتَرَطُ للواحِدةِ وُجودُ الأخرى ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/ 507).

انظر أيضا: