الموسوعة الفقهية

المبحث السادس: الطَّهارةُ مِن الحَيضِ والنِّفاسِ


تمهيد
يُشتَرَط لوجوبِ الصَّومِ على المرأةِ طَهارَتُها مِن دَمِ الحَيضِ والنِّفاسِ.
الدَّليل من الإجماعِ:
نقل الإجماعَ على ذلك ابنُ حَزمٍ قال ابنُ حزم: (اتَّفقوا على أنَّ صِيامَ نَهارِ رَمضانَ على الصَّحيحِ المُقيم العاقِلِ البالِغِ الذي يعلم أنَّه رمضان، وقد بلغه وجوبُ صيامِه، وهو مسلمٌ، وليس امرأةً حائضًا..) ((مراتب الإجماع)) (ص 39)، ((المحلى)) (6/160). ، والنوويُّ قال النووي: (هذا الحُكمُ متَّفقٌ عليه، أجمع المسلمونَ على أنَّ الحائِضَ والنُّفَساءَ لا تجب عليهما الصَّلاةُ ولا الصَّومُ في الحال) ((شرح النووي على مسلم)) (4/26). ، والشوكانيُّ قال الشوكاني: (والحديثُ يدُلُّ على عَدَمِ وُجوبِ الصَّومِ والصَّلاةِ على الحائِضِ حال حيضِها، وهو إجماعٌ) ((نيل الأوطار)) (2/280).
المطلب الأول: حُكمُ صَومِ الحائِضِ والنُّفَساءِ
يحرُمُ الصَّومُ- فَرْضُه ونَفْلُه- على الحائِضِ والنُّفَساءِ، ولا يصِحُّ صومُهما، وعليهما القضاءُ.
الدَّليل من الإجماعِ:
نقَلَ الإجماعَ على جميعِ ما سبَقَ أو بعضِه: ابنُ عبدِ البَرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (وهذا إجماعٌ؛ أنَّ الحائِضَ لا تصومُ في أيَّامِ حَيضَتِها، وتقضي الصَّومَ... لا خلافَ في شيءٍ من ذلك، والحمدُ لله). ((التمهيد)) (22/107). ، وابنُ رُشدٍ قال ابنُ رشد: (واتَّفق المسلمون على أنَّ الحَيضَ يَمنَعُ أربعةَ أشياءَ: أحدها: فِعلُ الصلاة ووجوبُها، أعني أنَّه ليس يجِبُ على الحائضِ قضاؤُها، بخِلافِ الصَّومِ. والثاني: أنَّه يمنَعُ فِعلَ الصَّوم، لا قضاءَه..) ((بداية المجتهد)) ( 1/56). ، والنوويُّ قال النووي: (فأجمعَتِ الأمَّةُ على تحريمِ الصَّومِ على الحائِضِ والنُّفَساءِ، وعلى أنَّه لا يصِحُّ صَومُها كما قدَّمنا نَقلَه عن ابنِ جريرٍ، وكذا نقَل الإجماعَ غيرُه... وأجمعتِ الأمَّة أيضًا على وجوبِ قَضاءِ صَومِ رمضان عليها؛ نقَل الإجماعَ فيه الترمذيُّ، وابنُ المُنذر، وابنُ جرير، وأصحابُنا وغيرُهم) ((المجموع)) (2/354)، ((شرح النووي على مسلم)) (4/26)، وانظر ((المجموع)) للنووي (6/257). ، وابنُ تيميَّة ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (25/220، 267)، (26/176).
المطلب الثاني: حُكمُ إمساكِ بقيَّةِ اليومِ إذا طَهُرَتِ الحائضُ أو النُّفَساءُ أثناء نهارِ رَمَضانَ
إذا طَهُرَتِ الحائضُ أو النُّفَساءُ أثناءَ نهارِ رَمَضانَ، فاختلف أهلُ العِلم في حُكمِ لُزُومِ الإمساكِ عليهما؛ على قولينِ:
القول الأول: لا يلزَمُهما إمساكٌ بقيَّةَ اليَومِ، وهو مذهبُ المالكِيَّة ((الكافي)) لابن عبد البر (1/340). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/257). ، وروايةٌ عن أحمَدَ ((الشرح الكبير)) لابن قدامة (3/62). ، وهو اختيارُ ابنِ حَزمٍ ((المحلى)) (6/241). ، وابنِ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (لو أنَّ الحائِضَ طَهُرت في أثناءِ اليومِ مِن رمضانَ، فإنَّه لا يلزَمُها- على القَولِ الرَّاجِح- أن تُمسِك؛ لأن هذه المرأةَ يُباحُ لها الفِطرُ أوَّلَ النَّهارِ إباحةً مُطلقةً، فاليومُ في حَقِّها ليس يومًا مُحتَرمًا، ولا تستفيدُ مِن إلزامِها بالإمساكِ إلَّا التَّعَب) ((الشرح الممتع)) (4/381).
وذلك لأنَّه لا دليلَ على وجوبِ الإمساكِ، ولأنَّه لا فائدةَ مِن هذا الإمساكِ، وذلك لوُجوبِ القضاءِ عليهما، كما أنَّ حُرمةَ الزَّمَنِ قد زالت بفِطرِهما الواجِبِ أوَّلَ النَّهارِ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/335).
القول الثاني: يلزَمُهما الإمساكُ، وهو مذهب الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/340). ، والصَّحيحُ مِن مَذهَبِ الحَنابِلة ((لإنصاف)) للمرداوي (3/200 - 201). ، وهو اختيارُ ابنِ باز ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/193).
وذلك لأنَّ الحائِضَ والنُّفَساءَ صارا من أهلِ الوُجوبِ حين طهارَتِهما؛ فيُمسكانِ تشبُّهًا بالصَّائِمينَ وقضاءً لحَقِّ الوَقتِ ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/313-311).
 المطلب الثالث: حُكمُ تناوُلِ المرأةِ حُبوبَ مَنعِ الحَيضِ مِن أجل أن تصومَ الشَّهرَ كاملًا دون انقطاعٍ
يجوز استعمالُ دواءٍ مُباحٍ لتأخيرِ الحَيضِ سواءٌ كان ذلك في رمضانَ مِن أجلِ أن تصومَ الشَّهرَ كاملًا مع النَّاسِ، أو في غَيرِه من الأوقاتِ، إن أُمِنَ الضَّررُ جاء في ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/538): (قال ابن رشد: سُئل مالك عن المرأة تخاف تعجيلَ الحيضِ، فيُوصَفُ لها شرابٌ تشربه لتأخيرِ الحيض؟ قال: ليس ذلك بصوابٍ، وكرِهَه. قال ابن رشد: إنَّما كرِهَه مخافةَ أن تُدخِلَ على نفسِها ضررًا بذلك في جِسمِها). ؛ نصَّ على هذا مذهب الحنابلة ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح الحفيد (1/244)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/218). ، واختاره ابنُ باز قال ابن باز: (لا حرَج أن تأخذ المرأة حبوبَ منع الحملِ؛ تمنع الدَّورة الشهريَّة أيَّام رمضان؛ حتَّى تصومَ مع الناس، وفي أيَّام الحجِّ حتَّى تطوفَ مع النَّاس، ولا تتعطَّل عن أعمال الحجِّ، وإن وُجِدَ غيرُ الحبوب شيء يمنَعُ من الدورة، فلا بأس إذا لم يكن فيه محذورٌ شرعًا، أو مضرَّةٌ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/61). ، وذلك قياسًا على جوازِ العَزل، ولاستدعاءِ الحاجةِ مع كونِه أمرًا عارضًا؛ ولذا قيَّدوه بأن يكونَ لِسَببٍ صَحيحٍ، وباستشارةِ الطَّبيبِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/218)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/394).

انظر أيضا: