الموسوعة الفقهية

المبحث الثَّاني: غَسْل اليدين إلى المِرْفَقينِ


المطلب الأوَّل: حُكم غَسْل اليدين إلى المِرفقَينِ
غَسْل اليدين إلى المِرفقَينِ، فرضٌ من فروضِ الوضوء.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة: 6]
ثانيًا: من الإجماع
نقل الإجماعَ على ذلك: الإمامُ الشافعي قال الإمامُ الشافعيُّ: (لم أعلم مخالفًا في أنَّ المرافِق ممَّا يُغسَل، كأنَّهم ذهبوا إلى أنَّ معناها: فاغسلوا وجوهُكم وأيديَكم إلى أن تُغسلَ المرافِق، ولا يَجزي في غَسل اليدينِ أبدًا إلَّا أن يُؤتَى على ما بيْن أطرافِ الأصابعِ إلى أنْ تُغسلَ المرافقُ). ((الأم)) (1/40-41). ، والطبري قال الطبريُّ: (اختلف أهلُ التأويل في (المرافق): هل هي من اليدِ الواجبِ غسلُها، أم لا؟ بعدَ إجماع جميعهم على أنَّ غَسلَ اليد إليها واجبٌ). ((تفسير الطبري)) (1/5). ، وابن المُنذِر وقال ابنُ المُنذِر: (ثم يَغسِل يديه إلى المرفقين، وهو فرضٌ بالإجماعِ) نقلًا عن ((الكافي في فقه الإمام أحمد)) لابن قُدَامة (1/63). ، والطحاوي قال الطحاويُّ: (فرأينا الأعضاءَ التي قد اتَّفقوا على فرضيَّتِها في الوضوء: الوجه، واليدان، والرِّجلان، والرأس). ((شرح معاني الآثار)) (1/33). ، وابن حزم قال ابن حزم: (اتَّفقوا أنَّ غسل الذِّراعين إلى مشدِّ المرفقينِ فرضٌ في الوضوء). ((مراتب الإجماع)) (ص: 18). ، وابن عبدِ البَرِّ قال ابن عبدِ البَرِّ: (العُلماءُ أجمعوا على أنَّ غَسْلَ الوَجهِ واليدين إلى المِرفقينِ، والرِجلين إلى الكعبين، ومسْح الرَّأس؛ فرضٌ ذلك كلُّه). ((التمهيد)) (4/31). ، وابن رشد قال ابنُ رشد: (اتَّفق العلماء على أنَّ غَسل اليدينِ والذِّراعين من فروض الوضوء). ((بداية المجتهد)) (1/11). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (غَسل اليدين فرضٌ بالكتاب، والسُّنة، والإجماع) ((المجموع)) (1/383).
المطلب الثَّاني: دخول المِرفقَينِ في غسْل اليدين  
يجِبُ غَسْل المِرفقين مع اليدين، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((البناية شرح الهداية)) (1/ 162)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/4)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/15). ، والمالكيَّة ((الكافي)) لابن عبدِ البَرِّ (1/168)، وينظر:  ((الذخيرة)) للقرافي (1/255). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/385)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/112). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/157)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/90). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال الشافعيُّ: (فلم أعلم مخالفًا في أنَّ المرافق ممَّا يُغسَل... ولا يَجزي في غَسْل اليدين أبدًا إلَّا أن يُؤتى على ما بين أطراف الأصابع إلى أن تُغسل المرافق). ((الأم)) (1/40). وقال ابن حزم: (واتَّفقوا أن غسلَ الذراعين إلى مشدِّ المِرفَقين؛ فرضٌ في الوضوء). ((مراتب الإجماع)) (ص 18). وقال النووي: (وهذا الذي ذكره المصنِّف من وجوب غسل المرفقين هو مذهبنا ومذهب العلماءِ كافَّةً، إلا ما حكاه أصحابُنا عن زُفَر وأبي بكر بن داود أنهما قالا لا يجِبُ غَسل المرفقين). ((المجموع)) (1/385).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قوله تعالى: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة: 6]
وجه الدَّلالة:
إنْ كان معنى (إلى) الوارد في الآية بمعنى (مع)، فدخول المرفَق ظاهِر، وإنْ كانت (إلى) للغايةِ، فالحدُّ إذا كان من جِنس المحدودِ دخَل فيه، وأصبح شاملًا للحدِّ والمحدودِ ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (43/341).
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عن نُعيم بن عبد الله المُجمِر قال: ((رأيتُ أبا هُرَيرةَ يتوضَّأ، فغَسَل وجهَه، فأسْبَغ الوضوء، ثمَّ غَسَل يدَه اليُمنى حتَّى أشرع في العَضُد، ثمَّ يدَه اليسرى حتَّى أشرعَ في العَضُد، ثمَّ مسَح رأسَه، ثمَّ غسَل رِجلَه اليُمنى حتَّى أشرع في السَّاق، ثمَّ غَسَل رِجلَه اليسرى حتَّى أشرع في السَّاق، ثم قال: هكذا رأيتُ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يتوضَّأ )) رواه مسلم (246).
وجه الدَّلالة:
أنَّ قوله: ((حتَّى أشرع في العضُد)) يُثبِت غَسْلَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للمِرفقَينِ، وفِعلُهُ بيانٌ للوضوء المأمورِ به في الآية.
المطلب الثَّالث: غَسلُ اليدِ الزَّائدة ونحوِها
يجب غَسل يدٍ زائدةٍ أو أُصبعٍ زائدةٍ نبتَتْ بمحلِّ الفرْض، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/14)، ((الفتاوى الهندية)) (1/4). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/279)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/392). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (1/388)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/52). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/157)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/91). ؛ وذلك لأنَّها نابتةٌ في محلِّ الفرض، فأشبهتِ الثُّؤْلُول ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/97). والثُّؤْلُول: واحد الثَّآليل، وهو حَبَّة تظهَرُ في الجِلد كالحِمَّصة فمَا دونها. ((لسان العرب)) لابن منظور (11/81).
المطلب الرَّابع: حُكم وضوء مَن يكون تحت ظُفره وسخٌ يمنع وصول الماء
لا يمنع من صحَّة الوضوءِ، وجودُ وَسَخٍ يسيرٍ قال ابن تيميَّة: (ومثله كلُّ يسير منَع وصول الماء حيث كان: كدمٍ، وعجين). ((الفتاوى الكبرى)) (5/303). من دَرَنٍ ونحوه تحت الظُّفر، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/49)، ((الفتاوى الهندية)) (1/4)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 41). ولم ينص الحنفيَّة فيما نعلم، على التفريق بين اليسير والكثير. ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/291) ((الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي)) (1/88)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/363). ، والحنابلة ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (1/90، 91)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/97). ، واختاره من الشَّافعيَّة الغزاليُّ قال الغزاليُّ: (لو كان تحت الظُّفُر وسخٌ فلا يمنع ذلك صحَّةَ الوضوء؛ لأنَّه لا يمنع وصول الماء، ولأنَّه يُتساهَل فيه للحاجة، لا سيَّما في أظفار الرِّجل، وفي الأوساخ التي تجتمع على البراجم وظهور الأرجُل والأيدي من العرَبِ وأهل السَّواد، وكان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يأمرهم بالقَلْمِ، ويُنكر عليهم ما يرى تحت أظفارِهم من الأوساخِ، ولم يأمرْهم بإعادةِ الصَّلاة). ((إحياء علوم الدين)) (1/141)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (1/287). قال ابن حجر: (وهو ظاهرٌ، لكن قد يَعلَق بالظُّفُر إذا طال، النَّجوُ [ما يخرُج من البَطن] لمن استنجى بالماء ولم يمعِن غَسله، فيكون إذا صلَّى حاملًا للنَّجاسة). ((فتح الباري)) (10/345).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه إذا كان يسيرًا، فإنَّه لا يَمنَع وصولَ الماء في العادة ((المجموع)) للنووي (1/287).
ثانيًا: أنَّه يُتساهل فيه؛ درءًا للمشقَّة ((المجموع)) للنووي (1/287).

انظر أيضا: