الموسوعة الفقهية

المبحث الثاني: حُكمُ استيعابِ الأصنافِ الثَّمانية


يجوزُ الاقتصارُ في دفْعِ الزَّكاةِ إلى صِنفٍ واحدٍ مِنَ الأصنافِ الثَّمانية، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((مختصر القدوري)) (ص: 59)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/ 299)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/46)، ((الاختيار لتعليل المختار)) لعبد الله بن محمود البلدحي (1/126). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 219)، ويُنظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/275)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/140). ، والحَنابِلَة ((شرح منتهي الإرادات)) للبهوتي (1/ 462)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/499)، ((قواعد ابن رجب)) (ص: 279). ، وحُكِيَ فيه إجماعُ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم قال الكاسانيُّ: (وأمَّا إجماع الصحابة: فإنه رُوي عن عمر رَضِيَ اللهُ عنه أنه كان إذا جمَع صدقات المواشي من البقر والغنم نظَر منها ما كان منيحة اللبن فيُعطيها لأهل بيت واحد على قدْر ما يَكفيهم، وكان يُعطي العشرة للبيت الواحد، ثم يقول: (عطيةٌ تكفي خيرٌ مِن عطيةٍ لا تَكْفي)، أو كلام نحو هذا، ورُوي عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه: (أنَّه أُتِي بصدقة فبَعثَها إلى أهل بيتٍ واحد)، وعن حُذيفة رَضِيَ اللهُ عنه أنه قال: (هؤلاءِ أهلُها؛ ففي أيِّ صِنف وضعتَها أجزأك)، وكذا رُوي عن ابن عباس رَضِيَ اللهُ عنه أنه قال كذلك. وأمَّا عمَلُ الأئمَّة: فإنه لم يُذكر عن أحدٍ من الأئمة أنه تكلَّف طلب هؤلاء الأصناف فقَسَمها بينهم، مع ما أنه لو تكلَّف الإمام أن يظفَر بهؤلاء الثمانية ما قدَر على ذلك، وكذلك لم يُذكَرْ عن أحد من أرباب الأموال أنه فرَّق صدقةً واحدة على هؤلاء، ولو كان الواجب هو القسمةَ على السوية بينهم لا يحتمل أن يقسموها كذلك ويُضيِّعوا حقوقهم) ((بدائع الصنائع)) (2/46)، وينظر: ((الأموال)) للقاسم بن سلام (ص: 688).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قال اللهُ تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة: 60]
وجه الدَّلالة:
أنَّ اللهَ تعالى أمَرَ بصرْفِ الصَّدَقاتِ إلى هؤلاء بأَسامٍ مُنبئةٍ عنِ الحاجةِ، فعُلِمَ أنَّه إنَّما أمرَ بالصَّرفِ إليهم؛ لِدَفْعِ حاجَتِهم، والحاجةُ في الكلِّ واحدةٌ، وإن اختلَفَتِ الأسامي ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/46).
قال اللهُ تعالى: إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة: 271]
وجه الدَّلالة:
أنَّ فيها الاقتصارَ على دفعِ الصَّدقةِ- وهي تشمَلُ الزَّكاةَ والتطوُّع- إلى صِنفٍ واحدٍ، وهم الفقراءُ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/247).
ثانيًا: من السُّنَّة
1- عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعَث معاذًا إلى اليَمَنِ، وقال له: ((أعْلِمْهم أنَّ عليهم صدقةً تُؤخَذُ مِن أغنيائِهم وتُرَدُّ على فُقرائِهم )) رواه البخاري (1496)، ومسلم (19).
وجه الدَّلالة:
أنَّه أخبَرَه أنَّه مأمورٌ بردِّ جُملَتِها في الفُقَراءِ، وهم صِنفٌ واحِدٌ، ولم يذكُرْ سواهم ((الأموال)) للقاسم بن سلام (ص: 692، 693)، ((المغني)) لابن قدامة (2/499).
2- عن قَبِيصَةَ بن مُخارِقٍ الهلاليِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((يا قَبِيصَةُ، إنَّ المسألةَ لا تحِلُّ إلَّا لأحدِ ثلاثةٍ: رَجُلٍ تحمَّلَ حَمَالةً، فحلَّتْ له المسألةُ حتى يُصيبَها، ثم يُمسِك، ورجُلٍ أصابتْ مالَه جائحةٌ فاجتاحتْ مالَه، فحلَّتْ له المسألةُ حتى يُصيبَ سِدادًا مِن عَيشٍ، أو قِوامًا مِن عَيشٍ، ورجُلٍ أصابتْه فاقَةٌ أو حاجةٌ حتى يَشهَدَ- أو يقولَ- ثلاثةٌ من ذوي الحِجا مِن قومِه: إنَّ به فاقةً وحاجةً، فحلَّتْ له المسألةُ حتى يُصيبَ سِدادًا من عَيشٍ، أو قِوامًا مِن عَيشٍ، ثم يُمسِك )) رواه مسلم (1044).
وجه الدَّلالة:
أنَّ قولَه: ((أقِمْ حتَّى تأتيَنا الصدقةُ فنأمُرَ لك بها)) يدلُّ على جوازِ صَرْفِ الزَّكاة إلى صِنفٍ واحدٍ مِن الأصنافِ الثَّمانية ((الأموال)) للقاسم بن سلام (ص: 692، 693).
3- عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ قال: ((بعَث عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه، وهو باليمن بذَهَبةٍ في تُربَتِها إلى رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فقَسَمها رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بين أربعةِ نفرٍ: الأقرعِ بنِ حابسٍ الحنظليِّ، وعُيَينةَ بنِ بدْرٍ الفَزاريِّ، وعَلْقَمةَ بنِ عُلَاثةَ العامِريِّ، ثم أحَدِ بني كِلابٍ، وزيدِ الخَيرِ الطائيِّ، ثم أحدِ بني نبْهانِ، قال: فغَضِبَتْ قريشٌ، فقالوا: أتُعطي صناديدَ نجدٍ وتدَعُنا؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: إنِّي إنَّما فعلتُ ذلك لأتألَّفَهم )) رواه البخاري (3344)، مسلم (1064) واللفظ له.
وجه الدَّلالة:
أنه لو كان كلُّ صدقةٍ مقسومةً على الثَّمانية بطريقِ الاستحقاقِ؛ لَما دفَع النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم المذهَبةَ إلى المؤلَّفةِ قُلوبُهم دونَ غَيرِهم ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/46).

انظر أيضا: