الموسوعة الفقهية

المبحث الرابع: مقدارُ ما يأخذ العاملُ على الزَّكاة


يُعطَى العامِلُ على الزَّكاةِ قَدْرَ أُجرةِ عمَلِه إلَّا إن كان وليُّ الأمرِ قد رتَّبَ للعاملينَ على الزَّكاةِ رواتِبَ من بيتِ المالِ على هذا العمَلِ؛ فلا يجوزُ أن يُعطَوا شيئًا من الزَّكاةِ. ، باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحنفيَّة ((الهداية شرح البداية)) للمرغيناني (1/112)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال بن الهمام (4/179). لكن إِن استغرقَتْ كفايَتُه الزكاةَ لا يزادُ على النصفِ. ينظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3 / 462). ، والمالكيَّة ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبد البر (1/326)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/349). وعندهم إن استغرقت أجرته جميع الزكاة التي جمعت فإنها تدفع إليه جميعها. ينظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/236). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/187)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/116). ويَستحِقُّ العامِلُ قَدرَ أجرةِ عَمَلِه قلَّ أم كثُرَ، وهذا متَّفَقٌ عليه، فإن كان نصيبُه من الزكاةِ قَدْرَ أجرَتِه فقط أخَذه، وإن كان أكثَرَ مِن أجرَتِه أخَذَ أجرَتَه، والباقي للأصنافِ بلا خلافٍ، فإذا لم يبقَ للعامِلِ فيها حقٌّ، تعيَّنَ الباقي للأصناف، وإن كان أقَلَّ من أُجرَتِه وجب إتمامُ أُجرَتِه بلا خلافٍ، والأصَحُّ أنَّه يُتمَّمُ مِن سهامِ بقيَّةِ الأصنافِ، ويجوز التتميمُ من بيتِ المال بلا خلافٍ. ينظر: ((المجموع)) للنووي (6/ 188). وإن شاء الإمامُ بعَثَه بلا شرطٍ ثمَّ أعطاه أُجرةً مِثلَ عَمَلِه، وإن شاء سمَّى له قَدْرَ أجرَتِه إجارةً أو جعالةً، ويؤدِّيه من الزَّكاة. ينظر: ((روضة الطالبين)) للنووي (2/327). ، والحنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/275) ،ويُنظر: ((الروض المربع)) للبهوتي (1/152). ويجوزُ عند الحنابلة: أن يُرسِل الإمامُ العاملَ من غير عقْدٍ ولا تسميةِ شَيءٍ ثم يُعطيه، وإنْ شاء عقَدَ له على أجرةٍ معلومةٍ، وإن شاء جعَل له جُعلًا معلومًا على عمَلِه، فإذا فعله استحقَّ الجُعلَ. ((الشرح الكبير)) لابن قدامة (2/695)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/161). ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك قال ابنُ عبد البَر: (قد أجْمع العلماء أنَّ العامل عليها لا يستحقُّ ثمنها، وإنما له بقدْر عمالته، فدلَّ ذلك على أنها ليستْ مقسومةً على الأصناف بالسوية). ((الاستذكار)) (3/207). قال ابنُ رُشد: (وأما العامل عليها فلا خلافَ عند الفقهاءِ أنَّه إنما يأخُذُ بقدْرِ عَمَلِه). ((بداية المجتهد)) (1/278).
الأدلَّة:
أولًا: من السنَّةِ
عن ابنِ السَّاعدي المالكيِّ، أنه قال: ((استعمَلَني عمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضِيَ الله عنه على الصَّدَقة، فلمَّا فَرَغْتُ منها وأدَّيتُها إليه، أمَرَ لي بعمالةٍ، فقلتُ: إنَّما عَمِلْتُ لله، وأجري على اللهِ، فقال: خُذ ما أُعطِيتَ؛ فإنِّي عَمِلتُ على عهدِ رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فعَمَّلني، فقُلتُ مثلَ قَولِك، فقال لي رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: إذا أُعطِيتَ شَيئًا مِن غَيرِ أن تسألَ، فكُلْ وتَصَدَّقْ )) أخرجه البخاري (7163) ومسلم (1045) واللفظ له.
وجه الدَّلالة:
أنَّ الحديثَ دلَّ على أنَّ عمَلَ السَّاعي سببٌ لاستحقاقِه الأجرةَ، كما أنَّ وَصفَ الفَقرِ والمَسكَنةِ هو السَّببُ في ذلك، وإذا كان العمَلُ هو السببَ، اقتضى قياسُ قواعِدِ الشَّرعِ أنَّ المأخوذَ في مُقابَلتِه أجرةٌ ((نيل الأوطار)) للشوكاني (4/ 195).
 ثانيًا: أن الذي يأخذُه بسبَبِ العَمَلِ، فوجب أن يكونَ بمِقدارِه ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/285). ، فهم كسائرِ العُمَّال من الأمَراءِ والحكَّامِ وجُباةِ الفَيءِ، وغير ذلك؛ فإنَّما لهم من المالِ بقَدْرِ سَعيِهم وعمالَتِهم، ولا يُبخَسونَ منه شيئًا، ولا يُزادونَ عليه ((الأموال)) للقاسم بن سلام (ص: 721).

انظر أيضا: