الموسوعة الفقهية

المبحث الرابع: صِفَةُ المعدِن الذي تجِبُ فيه الزَّكاةُ


اختلف أهلُ العِلمِ في صِفَةِ المَعدِنِ الذي تجِبُ فيه الزَّكاةُ على أقوالٍ، أقواها:
القول الأوّل: يُشترَطُ في المعدِنِ الذي تجِبُ فيه الزَّكاةُ أن يكونَ مِنَ الذَّهَبِ أو الفِضَّةِ، وهذا مذهبُ المالكيَّة ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدِ البَرِّ (1/296، 298)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و((حاشية الدسوقي)) (1/486). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/75، 98)، ((روضة الطالبين)) للنووي (2/282). ، وقولٌ للحَنابِلَة ((المغني)) لابن قدامة (3/50). ، واختاره ابنُ حَزمٍ قال ابنُ حَزْم: (لا شيءَ في المعادِن, وهي فائدةٌ, لا خُمُسَ فيها، ولا زكاةَ معجَّلة, فإنْ بَقِيَ الذَّهَبُ والفضَّةُ عند مستخرِجِها حولًا قمريًّا, وكان ذلك مقدارَ ما تجب فيه الزَّكاة- زكَّاه, وإلَّا فلا) ((المحلى)) ( رقم 700). ، والألبانيُّ قال الألبانيُّ: (إنَّ إيجابَ الزَّكاةِ في جميعِ المعادن، ومجاوزةَ ذلك إلى صيدِ البَرِّ والبَحرِ، والمسك والحَطَب والحشيش - كما فعله كثيرٌ مِنَ المصنِّفين-: ليس بصوابٍ؛ لعدم وجودِ دليلٍ يدلُّ على ذلك، والأصلُ في أموالِ العِبادِ التي قد دخلتْ في أملاكِهم بوجهٍ مِنَ الوجوهِ المقتضِيَةِ للمِلكِ؛ هو الحُرمةُ، ولا يجوز أخْذُ شيءٍ منها إلَّا بِطِيبَةٍ مِن نفْسِ مالِكِها: ((لا يَحِلُّ مالُ امرئٍ مسلِمٍ إلَّا بطِيبةٍ مِن نفْسِه))، وإلا كان أكْلًا بالباطِلِ؛ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ والمتيقَّن وجوبُ الخُمُسِ في الغنيمةِ مِنَ القتال، وفي مَعدِنِ الذَّهَب والفضة؛ لِمَا أخرَجَه البيهقيُّ في حديثِ الرِّكازِ بزيادةِ: قيل: وما الرِّكازُ يا رسولَ الله؟! قال: ((الذَّهَبُ والفِضَّة التي خُلِقَتْ في الأرضِ يومَ خُلِقَتْ))، وهو - وإن كان في إسنادِه سعيدُ بن أبي سعيد المَقْبُري- فهو لا يقصُرُ عن صلاحيَّةِ حديثه للتفسيرِ؛ فليُعْلَمْ). ((التعليقات الرضية على الروضة الندية)) (1/562، 563). ، واستظهره الصنعانيُّ قال الصنعانيُّ: (المتيقَّنُ بالنصِّ الذَّهَبُ والفضة، وما عداهما الأصلُ فيه عدمُ الوُجوبِ حتى يقومَ الدَّليلُ، وقد كانت هذه الأشياءُ موجودةً في عصرِ النبوَّةِ، ولا يُعلَمُ أنَّه أخَذ فيها خُمُسًا، ولم يرِدْ إلَّا حديثُ الرِّكاز، وهو في الأظهَرِ في الذَّهَبِ والفِضَّة) ((سبل السلام)) (2/136).
وذلك للآتي: 
أوَّلًا: أنه حقٌّ يتعلَّقُ بالمُستفادِ مِنَ الأرضِ، فاختصَّ بالأثمانِ، كحقِّ المَعدِن ((المجموع)) للنووي (6/98).
ثانيًا: أنَّ الأصلَ عدمُ الوُجوبِ، أمَّا الذَّهَبُ والفِضَّةُ فقد ثبتَتِ الزَّكاةُ فيهما بالإجماعِ ((المجموع)) للنووي (6/77).
ثالثًا: أنَّ الأصلَ في أموالِ العِبادِ التي قد دخَلَتْ في أملاكِهم بوجهٍ مِنَ الوُجوهِ المقتضِيَةِ للمِلك؛ هو الحُرمةُ، ولا يجوز أخْذُ شيءٍ منها إلَّا بطيِبَةٍ مِن نفسِ مَالِكِها ((التعليقات الرضية على الروضة الندية)) للألباني (1/562، 563).
القول الثاني: لا يُشتَرَطُ أن يكون المَعدِنُ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، بلْ هو يعمُّ كلَّ ما وُجِدَ مِمَّا له قِيمةٌ مِن جَوهرٍ، وذهَبٍ وفِضَّةٍ، ورصاصٍ ونُحاس، وحديدٍ، وكذلك المعادِنُ الجارِيَةُ، كالقار، والنِّفط، والكبريت، ونحو ذلك قال العراقي: (ذكر ابنُ حَزمٍ أنَّ الأمَّة مُجمِعةٌ على أنَّه لا زكاةَ في الصُّفْر والحديدِ، والرَّصاص والقصدير، وأنَّ طائفةً قالوا بوجوب الزَّكاةِ فيها عند امتزاجِها في المعدِنِ بالذَّهَبِ أو الفضة، وأسقطوا الزَّكاةَ عنها إذا كانت صِرفًا اهـ. وقد عرَفْتَ أن الحَنَفيَّةَ والحَنابِلَة أوجبوا الإخراجَ مِن سائِرِ المعادن، ولو كانت غيرَ ذَهَبٍ وفضة، إلَّا أنَّ الحَنَفيَّة أوجبوا الخُمُسَ وجعلوه فيئًا، والحَنابِلَة أوجبوا رُبُعَ العشر وجعلوه زكاةً). ((طرح التثريب)) (4/25). ، وهذا مذهَبُ الحَنابِلَة ((كشَّاف القناع)) للبهوتي (2/222)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/52). ، وقولُ الشَّافعيِّ في القديمِ ((المجموع)) للنووي (6/98)، واختاره احتياطًا ابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمِين: (هل تجِبُ في كلِّ المعادن، أو نقول: إنْ كان المعدِنُ ممَّا تجِبُ الزَّكاةُ في عينِه كالذَّهَبِ والفِضَّة ففيه الصَّدقة، وإنْ كان ممَّا لا تجِبُ في عينه كالنُّحاس والرصاص وما أشبَهَه؛ فإنْ قُصِدَ به التِّجارةُ فهو عُروضُ تِجارةٍ، وإلَّا فلا شيءَ فيه؛ اختلف العلماءُ في ذلك... والاحتياطُ أن يُخرِجَ الإنسانُ زكاةَ المَعدِن مُطلقًا). ((شرح بلوغ المرام)) (3/85).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قولُ الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ [البقرة: 267]
وجْهُ الدَّلالةِ:
عمومُ الآيةِ، فتجِبُ الزَّكاةُ ممَّا أخرَجَ اللهُ مِنَ الأرضِ، ولم يخُصَّ به نوعًا دونَ نَوعٍ ((المغني)) لابن قدامة (3/53).
ثانيًا: أنَّه مَعدِنٌ، فتعلَّقَتِ الزَّكاةُ بالخارِجِ منه، كالأثمانِ ((المغني)) لابن قدامة (3/53).
ثالثًا: أنَّه مالٌ لو غنِمه وجَبَ عليه خُمُسُه، فإذا أخرَجَه مِن مَعدِنٍ، وجبتْ فيه الزَّكاةُ كالذَّهَبِ ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطَّال (3/554)، ((المغني)) لابن قدامة (3/53).
رابعًا: أنَّه مالٌ يُقَوَّمُ بالذَّهَبِ والفِضَّةِ، مُستفادٌ مِنَ الأرضِ، فتجِبُ فيه الزَّكاةُ، لا فَرْق في ذلك بين نوعٍ ونَوعٍ ((المغني)) لابن قدامة (3/53).



انظر أيضا: