الموسوعة الفقهية

المطلب الأوَّل: نِصابُ زكاةِ الذَّهَبِ


لا زكاةَ في الذَّهَبِ حتى يبلغَ نِصابًا، ونِصابُ الذَّهَبِ عِشرون مثقالًا المثقال: الدِّينارُ خاصَّةً، والمثقال في الأصل مقدارٌ من الوزن، أيَّ شيءٍ كان من قليلٍ أو كثيرٍ؛ فمعنى مثقال ذرة: وزن ذرَّة. ((النهاية)) لابن الأثير (1/217)، ((لسان العرب)) (11/87)، وينظر: ((حاشية ابن عابدين)) (2/296)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (39/243، 244).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ليس عليكَ شيءٌ- يعني في الذَّهَبِ- حتى تكونَ لكَ عِشرونَ دينارًا، فإذا كانت لكَ عشرونَ دينارًا وحال عليها الحَوْلُ، ففيها نِصفُ دينارٍ، فما زاد فبِحِسابِ ذلك )) رواه أبو داود (1573)، وابن وهب في ((الموطأ)) (186)، والبيهقي (4/137) (7783). حسَّنه ابنُ حَجَرٍ في ((بلوغ المرام)) (171) وقال: وقد اختلفوا في رَفعِه، وقال الشوكانيُّ في ((نيل الأوطار)) (4/199): الضَّعفُ الذي فيه منجَبِرٌ، وحسَّنَ إسنادَه ابنُ باز في ((مجموع فتاوى ابن باز)) (14/89)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1573).
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقَل الإجماعَ على ذلك: الشافعيُّ قال الشافعي: (لا أعلم اختلافًا في أنْ ليس في الذَّهَب صدقة، حتى تبلُغَ عشرينَ، فإذا بلغَتْ عِشرينَ مثقالًا، ففيها الزَّكاةُ) ((الأم)) (2/43). ، وأبو عُبيدٍ القاسِمُ بنُ سلَّام قال أبو عبيد: (فهذا لا اختلافَ فيه بين المسلمين، إذا كان الرَّجُل قد ملك في أوَّلِ السَّنة من المال ما تجب في مثله الصَّدقةُ، وذلك مئتا درهم أو عشرون دينارًا، أو خمسٌ من الإبل، أو ثلاثون من البَقَر، أو أربعون من الغنم، فإذا ملك واحدةً من هذه الأصناف من أوَّل الحَوْلِ إلى آخِرِه، فالصدقة واجبةٌ عليه، في قولِ النَّاسِ جميعًا) ((الأموال)) (ص: 501). ، وابنُ المُنْذِر قال ابنُ المُنْذِر: (أجمعوا على أنَّ الذَّهَب إذا كان عشرين مثقالًا قيمتها مئتا درهم: أنَّ الزَّكاةَ تجِبُ فيه، وانفَرَد الحسن البصري، فقال: ليس فيما دون أربعينَ دينارًا صدقةٌ، وأجمعوا على أنَّ الذَّهَب إذا كان أقل من عشرين مثقالًا، ولا يبلغ قيمتها مئتي درهم أنْ لا زكاةَ فيه). ((الإجماع)) (ص: 46). ، وابن بطَّال قال ابنُ بطَّال: (وإنَّما لم تُرْوَ زكاةُ الذَّهَب من طريق النصِّ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، والله أعلم؛ لكثرة الدَّراهم بأيديهم، وأنَّ بها كان تجارَتُهم، ولقلَّة الذَّهَب عندهم، وكان صَرفُ الدِّينارِ حينئذ عشرةَ دراهِمَ، فعدل المسلمون بخَمسِ أواقٍ مِنَ الفضَّة عشرين مثقالًا، وجعلوه نِصابَ زكاةِ الذَّهَب، وتواتَرَ العملُ به، وعليه جماعةُ العلماء أنَّ الذَّهَب إذا كانت عشرينَ مثقالًا، وقيمتها مئتا درهم: أنَّ فيها الزَّكاةَ: نِصفَ دينار، إلَّا ما اختلف فيه عن الحسنِ أنه قال: (ليس فيما دون أربعينَ دينارًا زكاة)، وهو شذوذٌ لا يُلتفَت إليه، وذهبتْ طائفةٌ إلى أنَّ الذَّهَب إذا بلغت قيمتها مئتي درهم ففيها رُبُعُ العُشر، وإن كان أقلَّ مِن عشرينَ مثقالًا، وهذا قول عطاء وطاووس والزهري). ((شرح صحيح البخاري)) (3/401). ، والماورديُّ قال الماورديُّ: (وقد مضى في باب زكاة الورق ما يدل على وجوب زكاة الذهب، مع أن الإجماع على وجوب زكاة الذهب، منعقد، ونصابه عشرون مثقالا...لأن ذلك مذهب عليٍّ وعائشة وابن مسعود وأبي سعيد الخدري، وليس لهم في الصحابة رَضِيَ اللهُ عنهم مخالفٌ، فكان إجماعًا، وعليه اعتمد الشافعي: لأنَّه قال: ليس في الذهب خبر ثابت، لكن لَمَّا انعقد الإجماعُ عليها، جاز الاحتجاجُ بها). ((الحاوي الكبير)) (3/267). ، والقاضي عِياض قال القاضي عياض: (وأمَّا نِصابُ الذَّهَب فهو عشرونَ دينارًا، والمعوَّلُ في تحديده على الإجماعِ، وقد حُكي فيه خلافٌ شاذٌّ). ((إكمال المعلم شرح صحيح مسلم)) (3/459).
ثالثًا: مِنَ الآثارِ 
1- عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (ليس في أقلَّ من عشرينَ دينارًا شيءٌ, وفي عشرينَ دينارًا نصفُ دينارٍ, وفي أربعينَ دينارًا دينارٌ) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/119)، وابن زنجويه في ((الأموال)) (1663). قال ابن حزم في ((المحلى)) (6/39): ثابت، وجوَّد إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (3/290).
2- عن إبراهيمَ النَّخَعي قال: (كان لامرأةِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ طَوقٌ فيه عشرونَ مِثقالًا، فأمَرَها أن تُخرِجَ عنه خمسةَ دراهِمَ) رواه أبو عبيد في ((الأموال)) (923)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/120)، والدارقطني في ((السنن)) (1963).
وجه الدَّلالة:
أنَّ قولَ الواحِدِ مِنَ الصحابة حُجَّةٌ فيما لا مدخلَ للقياسِ في معرفة الحُكْمِ فيه؛ فإنَّ المقاديرَ لا تُعرَفُ بالرأي، وقولُهم فيها له حُكمُ المرفوعِ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال السرخسي: (لا خلاف بين أصحابنا المتقدِّمين والمتأخِّرين: أنَّ قولَ الواحِدِ مِنَ الصحابة حُجَّةٌ فيما لا مدخل للقياس في معرفة الحُكم فيه، وذلك نحو المقادير، التي لا تُعرَف بالرأي... إذا صحَّ عن عليٍّ أنَّ نِصاب الذهب عشرون دينارًا، كان ذلك في حُكمِ المرفوع إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم). ((أصول السرخسي)) (2/110).

انظر أيضا: