الموسوعة الفقهية

المطلب الرابع: بلوغُ النِّصابِ


الفرع الأوَّل: تعريفُ النِّصابِ
النِّصابُ هو قَدْرٌ مِنَ المالِ رتَّب الشارعُ وجوبَ الزَّكاةِ على بلوغِه، فلا تجِبُ الزَّكاةُ في أقلَّ منه، وهو يختلِفُ باختلافِ المالِ الزَّكَويِّ ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/254)، ((أحكام وفتاوى الزَّكاة والنذور والكفارات)) - بيت الزَّكاة الكويتي (ص: 19)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/16).
الفرع الثاني: اشتراطُ بلوغِ النِّصابِ
يُشتَرَطُ بلوغِ النِّصابِ في الزَّكاة.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ليس فيما دونَ خَمْسِ أواقٍ صَدَقةٌ، وليس فيما دونَ خمْسِ ذَودٍ صدقةٌ، وليس فيما دون خمْسِ أوسُقٍ صدقةٌ )) رواه البخاري (1405)، ومسلم (979).
ثانيًا: أجمَعَ العلماءُ على ذلك في غير الزُّروعِ والثِّمارِ والمعادِن.
نقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ قال ابنُ حزم: (واتَّفقوا على أنَّ من كان عنده أقلُّ من النِّصاب من كلِّ شيء يزكَّى؛ فإنَّه لا زكاةَ عليه ما لم يكن خليطًا، على اختلافِهم في النِّصاب) ((مراتب الإجماع)) (37). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (زكاةُ الماشية والنَّقْد والتِّجارة، فلا يجوز تعجيلُ الزَّكاة فيه قبل مِلْك النِّصاب، بلا خلافٍ) ((المجموع)) (6/146). وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قدامة: (ولا يجوز تعجيلُ الزَّكاةِ قبل مِلْك النِّصَاب، بغير خلافٍ عَلِمْناه) ((المغني)) (2/471).
ثالثًا: ما دُونَ النِّصابِ لا يحتمِلُ المواساةَ، فلم تجِبْ فيه زكاةٌ ((المجموع)) للنووي (5/359)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/16).
الفرع الثالث: قدْرُ النِّصابِ
النِّصابُ: مقدارٌ من المالِ معيَّنٌ شرعًا لا تجِبُ الزَّكاةُ في أقلَّ منه، والنِّصابُ للذَّهبِ عِشرونَ مثقالًا، وتساوي (85) جرامًا من الذَّهَب الخالِصِ، ونِصابُ الفِضَّة مِئَتا درهمٍ، وتساوي (595) جرامًا من الفضَّة الخالصةِ، ونِصابُ الزُّروعِ والثِّمارِ خَمسةُ أوسُقٍ، وتُعادِل (612) كيلوجرامًا من القَمْحِ ونحوه، ونِصابُ الإبِلِ خَمْسٌ، ونِصابُ البَقَرِ ثلاثونَ، ونِصابُ الغَنَمِ أربعونَ ((أحكام وفتاوى الزَّكاة والنذور والكفارات)) - بيت الزَّكاة الكويتي (ص 19).
الفرع الرابع: الوقتُ الذي يُعتَبَرُ فيه النِّصَابُ
يجِبُ أن يُوجَدَ النِّصابُ كاملًا في جميعِ الحَوْلِ؛ فإنْ نقَصَ النِّصَابُ لحظةً مِنَ الحَوْلِ؛ انقطع الحَوْل، فإنْ كَمَلَ بعد ذلك استُؤنِفَ الحَوْلُ مِن حينِ يَكمُلُ النِّصَابُ، وهذا مذهَبُ الجمهورِ: المالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/82)، ((منح الجليل شرح مختصر خليل)) لمحمد عليش (2/4). ، والشافعيَّة استثنى الشافعيَّة زكاةَ التِّجارة؛ فالمعتَبَرُ فيها آخِرُ الحَوْلِ، وذلك لكثرةِ اضطرابِ القِيَم. ينظر: ((المجموع)) للنووي (6/19)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (3/234). ، والحَنابِلَة ((الإقناع)) للحجاوي (1/246)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/395). ، وهو قَولُ زُفَرَ من الحنفيَّة قال ابنُ الهمام: (وشرَطَ زُفَرُ كمالَه مِن أوَّلِ الحَوْل إلى آخِرِه، وبه قال الشافعيُّ في السَّوائِم والنَّقْدين، وفي غيرهما اعتُبِرَ آخِرٌ فقط). ((فتح القدير)) (2/221).
وذلك لأنَّ وُجودَ النِّصَابِ في جميعِ الحَوْلِ شَرْطٌ للوُجوبِ، ولم يوجَدْ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/178).
الفرع الخامس: هل يَمنَعُ الدَّينُ مِن وُجوبِ الزَّكاةِ؟
لا يمنَعُ من عليه دَّينُ مِن وُجوبِ الزَّكاةِ، وهذا مذهبُ الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (5/ 344)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/309)، ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) العمراني (3/147). ، والظَّاهِريَّة قال ابنُ حزم: (وهو قول الشافعي وأبي سليمان وغيرهما). ((المحلى)) (4/219) رقم (695). ، وبه قالت طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/309). ، واختاره أبو عُبَيدٍ القاسِمُ بنُ سلَّامٍ قال أبو عبيد: (يَذهَبُ الآخَرُ إلى أنَّها وإن كانت كذلك، فإنَّها مالٌ من مالِه يملِكُه، فجعلها مكان دَينِه، ورأى أنَّ عليه زكاةَ الألفِ العَينِ. وهذا عندي هو القول؛ لأنه السَّاعةَ مالكٌ لزيادة ألفٍ عينٍ على مبلغِ دَينه، ألا ترى أنه لو لم يكُنْ له الألفُ كان لغريمه أن يأخُذَه بالدَّينِ حتى تباعَ العروضُ له؟). ((الأموال)) للقاسم بن سلام (ص: 536، 537). ، وابنُ باز قال ابنُ باز: (القول الثالث: تجب الزَّكاةُ في الجميع؛ لِمَا ذكرناه من الأدلَّة على وجوبِ الزَّكاة في الأموالِ الظاهرة، ولو كان على أربابِها دَين، ولأنَّ الأدلَّة الدالَّة على وجوب الزَّكاة في الأموالِ الظاهرة والباطنة ليس فيها ما يدلُّ على مراعاة الدَّينِ، فوجب التعميمُ، وهذا قول ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وحمَّاد بن أبي سليمان، والشافعي في الجديد، وهو الصواب). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (14/49، 50). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (الأرجح عندي: أنَّ الزَّكاةَ تجِبُ في المال ظاهرًا أو باطنًا، ولو كان على صاحبه دَينٌ يستوعِبُه؛ وذلك لعموم الأدلَّة الدالَّة على وجوب الزَّكاة في الأموال، وكونِنا نعلِّلُ بأن الزَّكاة مواساة، لا يوجِبُ تخصيص هذه العمومات، والزَّكاة تُلاحَظُ فيها العبادةُ أكثَرَ ممَّا تلاحَظ المواساةُ؛ لأنها ركن من أركان الإسلام، والمواساة علَّةٌ). ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (18/37). وقال: (والذي أرجِّحه: أنَّ الزَّكاةَ واجبة مطلقًا، ولو كان عليه دَينٌ يَنقُصُ النِّصَابَ، إلَّا دَينًا وجب قبل حلولِ الزَّكاة فيجب أداؤُه ثم يزكِّي ما بَقِيَ بعده، وبذلك تبرأُ الذمَّة، ونحن إذا قلنا بهذا القولِ نحثُّ المدينينَ على الوفاءِ. فإذا قلنا لِمَن عليه مئة ألفٍ دَينًا، ولديه مئة وخمسون ألفًا، والدَّينُ حالٌّ: أدِّ الدَّينَ، وإلَّا أوجَبْنا عليك الزَّكاةَ بمِئَةِ الألف، فهنا يقول: أؤدِّي الدَّينَ؛ لأنَّ الدَّينَ لن أؤدِّيه مرَّتينِ. وهذا الذي اخترناه هو اختيار شيخنا عبد العزيز بن باز). ((الشرح الممتع)) (6/35).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قولُ الله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة: 103]
وجه الدَّلالة:
أنَّ عُمومَ النصِّ يدلُّ على وجوبِ الزَّكاةِ في المالِ، سواءٌ كان عليه دَينٌ أو لم يكُنْ ((المحلى)) لابن حزم (4/220) رقم (695).
ثانيًا: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يبعَثُ العمَّالَ الذين يقبِضونَ الزَّكاةَ مِن أصحابِ المواشي، ومِن أصحابِ الثِّمارِ، ولا يأمُرُهم بالاستفصالِ هل عليهم دَينٌ أم لا؟ مع أنَّ الغالِبَ أنَّ أهلَ الثِّمارِ عليهم ديونٌ في عهدِ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّ مِنْ عادَتِهم أنهم يُسْلِفونَ في الثِّمارِ السَّنةَ والسَّنتينِ، فيكون على صاحِبِ البُستانِ دَينُ سَلَفٍ، ومع ذلك كانَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يخرِصُ عليهم ثمارَهم، ويُزَكُّونَها ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/30).
ثالثًا: إطلاقُ النُّصوصِ التي جاءت بالأمرِ بالزَّكاةِ، أمَّا إسقاطُ الدَّينِ مِنَ الزَّكاة؛ فلم يأتِ به قرآنٌ، ولا سُنَّة صحيحةٌ ولا سقيمةٌ، ولا إجماعٌ ((المحلى)) لابن حزم (4/220) رقم (695)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/132)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/30).
رابعًا: أنَّ الزَّكاةَ تتعلَّق بعَينِ المالِ المملوكِ والمتصرَّفِ فيه، لا بما في ذمَّةِ المزكِّي ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/310)، ((المجموع)) للنووي (5/343)، ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (18/36)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/32).
خامسًا: أنَّه مالكٌ لِمَا بِيَدِه، ويجوز تصرُّفه فيه؛ فوجَبَ أن يلزَمَه إخراجُ زكاتِه ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/310)، ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (18/36).

انظر أيضا: