الموسوعة الفقهية

المطلب الأوَّل: حُكمُ دَفْنِ المَيِّت وموضِعُه


الفرع الأول: حُكمُ دفْنِ المَيِّت
دفن المَيِّت فرضُ كفايةٍ.
الأدلَّة:
أولًا: من الكتاب
قال الله تعالى: فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ [المائدة: 31]
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ تعالى أرشَدَ أحَدَ ابنَيْ آدَمَ إلى دَفْنِ أخيه، وأبان ذلك بِبَعْثِ غرابٍ يبحَثُ في الأرض، فالآيةُ أصلٌ في الدَّفْنِ [8553] ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/370)، ((محاسن التأويل)) للقاسمي (4/112).
قال الله تعالى: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا [المرسلات: 25-26]
وَجهُ الدَّلالةِ:
قولُه: كِفَاتًا أي: ضامَّةً؛ تَضُمُّ الأحياءَ على ظُهورِها، والأمواتَ في بَطْنِها، وهذا يدلُّ على وجوبِ مُواراةِ المَيِّتِ ودَفْنِه [8554] ((تفسير القرطبي)) (19/161).
قال اللهُ تعالى: ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ [عبس: 21]
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ أكرَمَ الإنسانَ بالدَّفنِ، ولم يَجْعَلْه يُلقَى للكِلابِ، ولم يُتْرَك حتى يتأذَّى النَّاسُ برائِحَتِه [8555] ((البناية)) للعيني (2/57)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/370).
ثانيًا: من السُّنَّة
1- عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((اذهبوا، فادْفِنوا صاحِبَكم)) [8556] أخرجه مسلم (2236).
2- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ادفِنوا القَتْلى في مصارِعِهم )) [8557] أخرجه أبو داود (3165)، والترمذي (1717)، والنسائي (2005) واللفظ له، وابن ماجه (1516)، وأحمد (14344) قال الترمذي: حسن صحيح، وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (5/303)، وصححه ابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (122)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (2005). 
ثالثًا: من الإجماع
نَقَلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المنذرِ [8558] قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أنَّ دَفْنَ المَيِّت لازِمٌ واجِبٌ على النَّاسِ لا يَسَعُهم تَرْكُه عند الإمكانِ، ومن قام به منهم سقط فَرْضُ ذلك على سائِرِ المُسلمين). ((الإجماع)) (ص: 44). ، وابنُ حزمٍ [8559] قال ابن حزم: (اتَّفقوا على أنَّ مُواراةَ المُسلِمِ فَرْضٌ). ((مراتب الإجماع)) (ص:34). ، وابنُ رشدٍ [8560] قال ابنُ رشد: (وأجمَعوا على وجوبِ الدَّفنِ). ((بداية المجتهد)) (1/244). ، والنوويُّ [8561] قال النووي: (دَفْنُ المَيِّت فرضُ كفايةٍ بالإجماعِ). ((المجموع)) (5/282). وقال: (واعلَمْ أنَّ غُسلَ الميِّت، وتكفينَه، والصَّلاةَ عليه، ودفنَه- فروضُ كفايةٍ بلا خلافٍ). ((المجموع)) (5/128). ، وابن المُلَقِّن [8562] قال ابن الملقِّن: (الكَفَن للميِّت واجبٌ، وهو إجماعٌ، وكذا غُسلُه، والصَّلاةُ عليه، ودَفْنه). ((الإعلام)) (4/455). ، والمرداويُّ [8563] قال المَرداويُّ: (قوله: (غُسل الميِّت، وتكفينُه، والصَّلاة عليه، ودفنُه- فرضُ كفايةٍ) بلا نزاعٍ). ((الإنصاف)) (2/330). وقال أيضًا: (حَمْله ودفْنه، فرضُ كفايةٍ إجماعًا). ((الإنصاف)) (2/378). ، وابنُ عابدينَ [8564] قال ابن عابدين: (قوله (وحفْرُ قَبرِه... إلخ) شروعٌ في مسائِلِ الدَّفْن، وهو فرضُ كفايةٍ إن أمكَنَ، إجماعًا.حِلْيَة. واحترز بالإمكان عمَّا إذا لم يُمكِن؛ كما لو مات في سفينةٍ كما يأتي، ومُفادُه: أنَّه لا يُجزئ دفنُه على وَجْه الأرضِ ببناءٍ عليه، كما ذكره الشافعيَّة، ولم أرَه لأئمَّتنا صريحًا). ((الدر المختار وحاشية ابن عابدين)) (2/233).
مسألة: الكافِرُ إذا مات بين المُسلمينَ
الكافِرُ إذا هَلَك بين ظهرانَيِ المسلمينَ، وليس له مِن أَهْلِ دِينِه مَن يَدْفِنه؛ واراه المسلمونَ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [8565] ((الهداية)) للمرغيناني (1/93)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/205). ، والمالِكيَّة [8566] ((منح الجليل)) لعليش (1/533). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/146)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/681). ، والشَّافعيَّة [8567] ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/348)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/493). قال الشافعية: إذا كان الكافِرُ حربيًّا أو مرتدًّا فلا يجِبُ دَفْنه، بل يجوزُ إغراءُ الكلابِ عليه، لكن يجوزُ دَفْنُه؛ لئلَّا يتأذَّى النَّاسُ برائِحَتِه. ((المجموع)) للنووي (5/143). ، والحَنابِلَة [8568] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/205)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/122).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
عن أبي طلحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه: ((أنَّ نبيَّ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم أمَرَ يومَ بَدْرٍ بأربعةٍ وعشرينَ رَجُلًا من صناديدِ قُرَيشٍ، فقُذِفُوا في طَوِيٍّ [8569] أي: بِئْرٍ مَطْوِيَّةٍ بِالحجارَةِ مُحْكَمةٍ بها. ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (6/2553). مِن أطواءِ بَدْرٍ خبيثٍ مُخْبِثٍ [8570] قال النووي: (قال أصحابنا: وهذا السَّحْبُ إلى القليبِ ليس دَفْنًا لهم، ولا صيانةً وحُرمةً، بل لِدَفْعِ رائحَتِهم المُؤْذِيَة. واللهُ أعلمُ ). ((شرح صحيح مسلم)) (17/207). ) [8571] أخرجه البخاري (3976) واللفظ له، ومسلم (2875).
ثانيًا: لأنَّه يُتَضَرَّرُ بِتَرْكه، ويتَغَيَّرُ ببقائِه [8572] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/123)،
الفرع الثاني: موضِعُ دَفْنِ المَيِّت
المسألة الأولى: الدَّفْنُ في المقبَرةِ
الأفضلُ أن يُدفَنَ المَيِّت في المَقبرةِ [8573] لا يجوز دَفْنُ المسلمِ في مقابِرِ الكُفَّار، بل يُدْفَنُ في مقابِرِ المُسلمين، وإذا حصَلَ أنْ دُفِنَ في مقابِرِهم فإنَّه يَجِبُ نَبْشُه، ونَقْلُه إلى مقابرِ المُسلمين إن وُجِدَتْ، أو نَقْلُه إلى أيِّ مكانٍ خالٍ من قبورِ الكُفَّارِ مهما أمكن ذلك. ينظر: ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الثانية)) (7/392)، ((فتاوى نور على الدرب)) لابن باز (14/121). ((أحكام الجنائز)) للألباني (1/136). وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [8574] ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/141)، ((الدر المختار)) للحصكفي مع ((حاشية ابن عابدين)) (2/235). ، والمالِكيَّة [8575] ((الشرح الكبير)) للدردير (1/424)، ((حاشية الدسوقي)) (1/424). ، والشَّافعيَّة [8576] ((المجموع)) للنووي (5/282-283). ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/25)، ((البيان)) للعمراني (3/94). ، والحَنابِلَة [8577] ((الفروع)) لابن مفلح (3/387)، ((شرح منتهى الإرادات)) (1/376). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/379).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
((كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يَدْفِنُ الموتى بالبقيعِ )) [8578] قال النووي: (حديثُ الدَّفنِ بالبقيعِ صحيحٌ متواتِر). ((المجموع)) (5/282).
ثانيًا: لأنَّه يَكْثُر الدُّعاءُ له ممَّن يزورُه، والترحُّم عليه [8579] ((المهذب)) للشيرازي (1/253). ((المغني)) لابن قدامة (2/379).
ثالثًا: لأنَّه أشبَهُ بمساكِنِ الآخرَةِ [8580] ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/376).
رابعًا: لأنَّه أقلُّ ضررًا على الأحياءِ مِن وَرَثَةِ المَيِّتِ [8581] ((المغني)) لابن قدامة (2/379).
المسألة الثانية: الدَّفْنُ في البيتِ
اختلف أهلُ العِلْمِ في الدَّفْنِ في البيتِ؛ على قولين:
القول الأول: يجوز الدَّفْنُ في البَيتِ، وهو مذهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّة [8582] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/240). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/138)، ((الدر الثمين)) لميارة (ص: 320). وعند المالكية يُكْرَه دَفْنُ السِّقْط الذي لم يَسْتَهِلَّ صارخًا في الدَّارِ. ، والشَّافعيَّة [8583] ((المجموع)) للنووي (5/282)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (2/52)، إلَّا أنَّ الشَّافعية قالوا إنَّ ذلك خلافُ الأَوْلى. ، والحَنابِلَة [8584]((الكافي)) لابن قدامة (1/370)، ((المغني)) لابن قدامة (2/379). ، وهو قولُ أكثَرِ العُلَماءِ [8585] ((فتح الباري)) لابن رجب (2/431).
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم دُفِنَ في حُجْرَةِ عائِشَةَ [8586] روى البخاري في صحيحه (1389) أن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عنها قالت عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ودُفِنَ في بيتي.
القول الثاني: يُكْرَه الدَّفْنُ في البيتِ [8587] يُستثنى من ذلك الأنبياءُ؛ فهم يُدفنونَ في مَوْضِع مَوتِهم. ينظر: ((حاشية ابن عابدين)) (2/235)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/376). ، وهو مَذْهَبُ الحَنفيَّة [8588] ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 226). ويُنظر: ((فتح القدير)) لابن الهمام (2/141). ، وبَعضِ الشَّافعيَّة [8589] ((حاشية الجمل)) (2/200)، وينظر: ((حاشيتا قليوبي وعميرة)) (1/409). ، وبعضِ الحَنابِلَة [8590] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/384)، وينظر: ((الفروع)) لابن مفلح (3/387). ، واختاره ابنُ حَجَرٍ [8591] ((فتح الباري)) لابن حجر (1/529).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه، أن رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لا تَجْعلوا بُيُوتَكم مقابِرَ )) [8592] أخرجه مسلم (780).
وَجهُ الدَّلالةِ:
ظاهِرُ الحديثِ يقتضي النهْيَ عن الدَّفْنِ في البُيوتِ مُطْلقًا [8593] ((فتح الباري)) لابن حجر (1/529).
ثانيًا: أنَّ العادة المُتَّبَعةَ مِن عَهْدِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى يَومِنا أنَّ الدَّفْنَ مع المُسلمين [8594] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (2/235).
ثالثًا: لأنَّه يُضَيِّق على الوَرَثة، وربَّما يَسْتَوْحِشونَ منه [8595] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (2/235).
رابعًا: لأنَّه قد يَحْدُثُ عنده من الأفعالِ المُحَرَّمةِ ما يتنافى مع مقصودِ الشَّارعِ، وهو تذكيرُ الآخرةِ [8596] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (2/235).
خامسًا: لأنَّ دَفْنَه في المقابِرِ أقَلُّ ضررًا على الأحياءِ مِنْ وَرَثَتِه [8597] ((المغني)) لابن قدامة (2/379). ، فالقبرُ في البيت يُعَدُّ عَيبًا في البَيعِ [8598] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/240).
سادسًا: لأنَّ الدَّفْنَ في القُبورِ أكثَرُ للدُّعاءِ له، والترحُّمِ عليه [8599] ((المغني)) لابن قدامة (2/379).
سابعًا: أنَّ القبرَ في البيتِ لا يُؤْمَن عليه مِنَ النَّبْشِ أو وصولِ النَّجاساتِ إليه [8600] ((المدخل)) لابن الحاج (3/257).
المسألة الثالثة: مكانُ دَفْنِ الكتابيَّة زَوجَةِ المُسلِمِ إذا ماتَتْ وهي حاملٌ منه
اختلف أهلُ العلم في الكتابيَّة زوجةِ المُسلمِ تموتُ وهي حاملٌ: أين تُدْفَنُ [8601] قال ابن تيمية: (ويُجْعَل ظَهْرُها إلى القبلة؛ لأنَّ وَجْهَ الطِّفْل إلى ظَهْرِها؛ فإذا دُفِنَتْ كذلك كان وَجْهُ الصبيِّ المُسْلِم مُستقبِلَ القِبلةِ، والطِّفْلُ يكون مُسلمًا بإسلامِ أبيه وإن كانت أمُّه كافرةً؛ باتِّفاقِ العُلَماء). ((مجموع الفتاوى)) (24/295). ؛ على أقوالٍ؛ أقواها قولان:
القول الأول: تُدفَنُ وَحْدَها؛ لا في مقابِرِ المسلمينَ ولا في مقابِرِ الكُفَّارِ، وهذا مذهَبُ الجُمهورِ: الحَنفيَّة [8602] ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 232)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/201). ، والصَّحيحُ مِن مذهَبِ الشَّافعيَّة [8603] ((المجموع)) للنووي (5/285)، ((روضة الطالبين)) للنووي (2/135). ، والحَنابِلَة [8604] ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/380)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/146). ؛ وذلك لأنَّها كافرةٌ، فلا تُدفَنُ في مقبرةِ المُسلمين، ولأنَّ وَلَدَها مُسْلِمٌ، فلا تُدْفَنُ في مقبرةِ الكُفَّار [8605] ((المغني)) لابن قدامة (2/420).
القول الثاني: تُدفَنُ في مقابِرِ المسلمينَ، وهو وجهٌ للشَّافعية [8606] قال النووي: (وذَكَرَ القاضي حسين في تعليقه أنَّ الصَّحيح أنَّها تُدفَنُ في مقابِرِ المسلمين، وكأنها صندوقٌ للجَنينِ، وحكى الرافعيُّ وجهًا أنَّها تُدفَن في مقابِرِ المسلمين). ((المجموع)) (5/285)، ((روضة الطالبين)) للنووي (2/135). ، وروايةٌ عن أحمَدَ [8607] قال برهان الدين ابن مفلح: (وإن ماتت ذمِّيَّةٌ حامِلٌ من مسلمٍ دُفِنَتْ وحدها، نصَّ عليه لأنَّه جائزٌ، ودفن المَيِّت عند من يُبايِنه في دِينه منهيٌّ عنه، واختار الآجُرِّي يُدفَن بجنبِ قبُورِ المسلمين، وقال أحمد: لا بأسَ أن تُدفَنَ معنا). ((المبدع)) (2/252)، وينظر: ((أحكام أهل الذمة)) لابن القيم (1/444-446). وهو قولُ بعضِ الصَّحابة [8608] ((البناية شرح الهداية)) للعيني (3/239). ، واختاره ابنُ عُثيمين [8609] ((لقاء الباب المفتوح)) لابن عثيمين رقم (100). ؛ وذلك لئلَّا يُدفَنَ الجنينُ المُسلمِ مع الكُفَّار [8610] ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/922). ؛ فتُدْفَنُ في مقابِرِ المسلمينَ ترجيحًا للوَلَدِ المُسلِمِ [8611] ((البناية شرح الهداية)) للعيني (3/239).
المسألة الرابعة: دفنُ المُسلمِ في مقابِرِ الكُفَّار
لا يجوز دَفْنُ المُسلمِ في مقابِرِ الكُفَّارِ، وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [8612] ذكر الأحنافُ مسألةً يتَّضِحُ منها مذهَبُهم في عدمِ جَوازِ دَفنِ المسلمِ في مقابر الكُفَّار؛ قال الشرنبلالي: (وإذا اختلط قتلى المُسلمين بقتلى الكُفَّار أو موتاهم بموتاهم، فإن كان المسلمون أكثَرَ يصلي عليهم وينوي المسلمينَ وإلَّا فلا، إلَّا مَن عُرِفَ أنَّه من المسلمينَ ويُتَّخَذ لهم مقبرة على حِدةٍ كذميَّةٍ ماتت حبلى بمسلمٍ) ((مراقي الفلاح)) (232)، ((المسوط)) للسرخسي (10/345). ، والمالكيَّة [8613] يُنظر: ((منح الجليل)) لعليش (1/534). قال ابن رشد: (وسُئلَ ابنُ القاسِمِ: عن امرأةٍ نصرانيَّةٍ قال لها خَتْنُها: أسلمِي يا فلانةُ حتى نُغَسِّلَك، ونصلِّي عليك. فقالت: نعم، وأمَرَت بغسلِ ثيابِها، وقالت: كيف أقول؟ قال: قلتُ لها قولي: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ مُحمَّدًا عبدُه ورسولُه، وأنَّ عيسى ابنَ مريمَ رُوحُ اللهِ وكَلِمَتُه؛ فقالت كلَّ هذا ثم ماتت، فدُفِنَتْ في قبورِ النَّصارى؛ فقال ابن القاسم: اذهَبْ فانبِشْها، ثم اغسِلُوها وصَلُّوا عليها، إلَّا أن تكون قد تغيَّرَت. قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنَّ الكفَّارَ يُعذَّبونَ في قبورِهم، وهي تتأذَّى من أجل ذلك لمجاوَرَتِهم؛ فواجِبٌ أن تُنبَشَ وتُحَوَّلَ إلى مقابرِ المُسلمين) ((البيان والتحصيل)) (2/256). (ونصَّ ابنُ القاسِمِ في العتبيَّةِ في امرأة نصرانيَّةٍ أسلمت وماتـت، فدُفِنَت في قبور النصارى، على أنها تُنبَش وتُخرَج إلَّا أن تكون تغيَّرت. قال في البيان: وهذا لأنَّ الكفَّارَ يعذَّبون في قبورهم، وهي تتأذَّى بمجاورتهم؛ فوجب أن تُنبَشَ وتُنقَل لمقابرِ المُسلمين) ((التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب)) (2/155). ، والشَّافعيَّة [8614] قال النووي: (اتَّفَق أصحابُنا رحمهم الله على أنَّه لا يُدفَنُ مُسلمٌ في مقبرةِ كُفَّارٍ ولا كافرٌ في مقبرةِ مسلمينَ) ((المجموع)) (5/285)، ((روضة الطالبين)) (2/142). ، والحنابلة [8615] (ولا يجوز أن يُدفَنَ المُسلمُ في مقبرةِ الكُفَّارِ، ولا بالعكس) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/124). ويُنظر: ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/922). وهو قَولُ ابنِ حَزمٍ [8616] قال ابنُ حَزمٍ: (لأنَّ عَمَلَ أهلِ الإسلامِ مِن عَهدِ رَسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم ألَّا يُدفَنَ مُسلمٌ مع مشرك؛ حدَّثنا عبدُ الله بن ربيع ثنا محمَّد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمَّد بن عبد الله بن المبارك ثنا وكيع عن الأسود بن شيبان- وكان ثقة- عن خالدِ بنِ سمير، عن بَشيرِ ابن الخصاصِيَّةِ، قال: «كنت أمشي مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فمَرَّ على قبورِ المسلمين، فقال: لقد سبَقَ هؤلاءِ شَرًّا كثيرًا، ثم مرَّ على قبورِ المشركين فقال: لقد سبَقَ هؤلاء خيرًا كثيرًا». فصح بهذا تفريقُ قُبورِ المسلمين عن قبورِ المُشركين) ((المحلى)) (3/367).
الأدلة:
أولًا: مِنَ السنَّةِ
عن بشير، مولى رسول الله  صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رضي الله عنه قال: ((بينما أنا أماشي رسول الله  صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مر بقبور المشركين، فقال: لقد سبق هؤلاء خيرا كثيرا، ثلاثا ثم مر بقبور المسلمين، فقال: لقد أدرك هؤلاء خيرا كثيرا، وحانت من رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نظرة، فإذا رجل يمشي في القبور عليه نعلان، فقال: يا صاحب السبتيتين، ويحك ألق سبتيتيك، فنظر الرجل فلما عرف رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خلعهما فرمى بهما )) [8617]  أخرجه أبو داود (3230)، والنسائي (2048)، وابن ماجه (1568)، وأحمد (20787)، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (775). جوَّد إسناده الإمام أحمد كما في ((تنقيح التحقيق)) (2/158)، وابن القيم في ((تهذيب السنن)) (9/49) ، وصححه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (596)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (188).
وجهُ الدَّلالةِ:
الحديثُ فيه دلالةٌ على تَفريقِ قُبورِ المسلمينَ عَنِ المشركينَ [8618] ((المحلى)) لابن حزم (3/367)
ثانيًا: لأنَّ عَمَلَ أهلِ الإسلامِ مِن عَهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والخُلَفاءِ الرَّاشدينَ ومَن بَعدَهم؛ مُستمِرٌّ على إفرادِ مَقابِرِ المُسلمينَ عن مَقابِرِ الكافرينَ، وعدَمِ دَفنِ مُسلمٍ مع مُشركٍ، فكان هذا إجماعًا عمليًّا على إفرادِ مَقابِرِ المُسلمينَ عن مقابِرِ الكافِرينَ [8619] ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (8/452)
المسألة الخامسة: دَفْنُ الكافِرِ في مقابِرِ المسلمينَ
لا يجوزُ دَفْنُ الكافِرِ في مقابِرِ المسلمينَ، باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [8620] ((البناية شرح الهداية)) للعيني (3/240). ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/304). ، والمالِكيَّة [8621] ((منح الجليل)) لعليش (1/124). ويُنظر: ((كفاية الطالب الرباني)) لأبي الحسن المالكي (2/412). ، والشَّافعيَّة [8622] ((المجموع)) للنووي (5/285). ويُنظر: ((البيان في مَذهَب الإمام الشافعي)) للعمراني (3/98). ، والحَنابِلَة [8623] ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/129). ويُنظر: ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/922). ، وهو قولُ ابنِ حزمٍ الظَّاهريِّ [8624] ((المحلى)) لابن حزم (3/367).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
عن بشيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: ((كنتُ أمشي مع رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فمَرَّ على قبورِ المسلمينَ، فقال: لقَدْ سَبَقَ هؤلاء شرًّا كثيرًا، ثم مَرَّ على قبورِ المشركينَ، فقال: لقد سَبَقَ هؤلاءِ خيرًا كثيرًا )) [8625] أخرجه أبو داود (3230)، والنسائي (2048)، وابن ماجه (1568)، وأحمد (20806). جوَّد إسناده الإمام أحمد كما في ((تنقيح تحقيق التعليق)) (2/158)، و((المحرر)) (203)، واحتج به ابن حزم في ((المحلى)) (5/143)، وجوَّده ابن القيم في ((تهذيب السنن)) (9/49)، وحسَّن الحديث الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3230)، وصحَّحه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (188).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ في الحديثِ تفريقَ قُبورِ المُسلمينَ عن قبورِ المُشْركينَ [8626] ((المحلى)) لابن حزم (3/367).
ثانيًا: مِنَ الآثار
عن عبدِ الرَّحمنِ بن غَنْمٍ، قال: (كتبتُ لعُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنه حين صالَحَ نصارى الشَّامِ، وشَرَطَ عليهم فيه... ولا يجاوِرُوا المُسلمينَ بِمَوتاهم) [8627] أخرجه ابن حزم في ((المحلى)) (7/346). واحتج به.
المسألة السادسة: دَفْنُ مَن مات في سفينةٍ
من مات في سفينةٍ، ولم يُمكِنِ الخروجُ به إلى السَّاحِلِ، يُلقى في البَحْرِ بعد الغُسْلِ والتَّكفينِ والصَّلاةِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [8628] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/208). ويُنظر: ((الدر المختار)) للحصكفي (2/235). ، والمالِكيَّة [8629] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/254). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/146)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/679). ، والشَّافعيَّة [8630] ((المجموع)) للنووي (5/285)، ((روضة الطالبين)) للنووي (2/141) والحَنابِلَة [8631] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/132). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/373). ؛ وذلك لتعذُّرِ دَفْنِه في البَرِّ، ولأنَّه لا يُؤْمَنُ تغيُّرُه، ولِخَوْفِ الضَّرَرِ [8632] ((المغني)) لابن قدامة (2/373)، ((الذخيرة)) للقرافي (2/480)، ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 227).
مسألة: هل يُثَقَّلُ المَيِّتُ بشيءٍ حتى ينزِلَ إلى القرارِ؟
اختلف أهلُ العِلْمِ فيمن مات في سفينةٍ: هل يُثَقَّلُ بشيءٍ حتى يَنْزِلَ إلى القَرارِ أو لا؛ على قولين:
القول الأول: يُلقَى في البَحرِ، ويُثَقَّلُ بشيءٍ؛ حتى يَنزِلَ إلى القَرارِ، وهو مَذهَبُ الحَنابِلَة [8633] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/132). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/373). ، وقولٌ للمالكيَّة [8634] ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/146)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/679). ، وهو قَولُ عطاءٍ [8635] ((الأوسط)) لابن المنذر (5/517). ؛ وذلك ليستقِرَّ في قرارِ البَحرِ [8636] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/132). فيحصُلَ بذلك السَّتْر المقصودُ مِن دَفْنِ الميِّت [8637] ((المغني)) لابن قدامة (2/373).
القول الثاني: يُلْقى في البَحْرِ، ولا يُثَقَّلُ، وهو مذهَبُ الشَّافعيَّة [8638] ((المجموع)) للنووي (5/285)، ((روضة الطالبين)) (2/141)، ونصُّوا على أنَّه يُجعَلُ بين لوحينِ لئلَّا ينتفِخَ. ، وقولٌ للمالكيَّة [8639] ((شرح مختصر خليل للخرشي)) (2/146)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/679)، وقالوا: يُرمى في البحرِ على شقِّه الأيمنِ، ووجهُه إلى القبلةِ. ؛ لأنَّه ربَّما وقع في ساحلٍ، فيجِدُه مسلمٌ فيَدفِنُه [8640] ((روضة الطالبين)) للنووي (2/141).
المسألة السابعة: موضِعُ دفْنِ الشُّهداءِ
يُسَنُّ دفْنُ الشُّهداءِ في مضاجِعِهم، وهذا مَذهبُ الجُمهورِ: الحَنفيَّة [8641] ((حاشية ابن عابدين)) (2/239). ، والشَّافعيَّة [8642] ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (3/193). ويُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/324). ، والحَنابِلَة [8643] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/142). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/380).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: ((كنَّا حَمَلْنا القَتلى يومَ أحُدٍ لِنَدْفِنَهم، فجاء منادِي النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقالَ: إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يأمُرُكم أنْ تدفِنوا القَتْلى في مضاجِعِهم فرَدَدْناهُم )) [8644] أخرجه أبو داود (3165)، وعبد الرزاق في ((المصنف)) (6658)، والحميدي في ((المسند)) (1335)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (7070) صحح إسناده النووي في ((الخلاصة)) (2/1032)، وصحح الحديث ابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (122)، والألباني في ((صحيح أبي داود)) (3165).
ثانيًا: لأنَّ مَضْجَعَه يشهَدُ له [8645] ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/324).
ثالثًا: لأنَّ بعضَه، وهو ما سالَ مِن دَمَه، قد صار فيه [8646] ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/324).
المسألة الثامنة: نَقْلُ المَيِّتِ ليُدْفَنَ في غيرِ البَلَدِ الذي مات فيه
يجوز نَقْلُ المَيِّت [8647] الأفضلُ أن يُدْفَنَ المَيِّت في مقبرةِ البلد الذي مات فيه، قال ابنُ المنذر: (يُستَحَبُّ أن يُدْفَنَ المَيِّتُ في البلدِ الذي تُوُفِّيَ فيه، على هذا كان الأمْرُ على عهدِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وعليه عوامُّ أهلِ العِلْمِ، وكذلك تفعلُ العامَّة في عامَّة البلدان). ((الأوسط)) (5/516). من بلدٍ إلى آخَرَ، إذا كان لغرضٍ صحيحٍ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنفيَّة [8648] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/210)، ((حاشية ابن عابدين)) (6/428). ، والمالِكيَّة [8649] ((منح الجليل)) لعليش (1/504). ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/480)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/133). واشترط المالكيَّةُ لذلك شروطًا، قال الدردير: («و» جاز «نقل» المَيِّت قبل الدَّفْنِ وكذا بعده؛ من مكانٍ إلى آخَرَ بشرطِ ألَّا ينفجِرَ حالَ نَقْلِه، وألَّا تُنتَهَك حُرمَتُه، وأن يكون لمصلحةٍ؛ كأنْ يُخافَ عليه أن يأكلَه البحرُ...، أو ليُدْفَنَ بين أهلِه، أو لأجْلِ قُرْبِ زيارَةِ أهْلِه). ((الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي)) (1/421) ، والحَنابِلَة [8650] ((الفروع)) لابن مفلح (3/391)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/141).
الأدلَّة:
أولًا: مِنَ الآثار
عن مالكٍ أنَّه سَمِعَ غيرَ واحدٍ يقول: إنَّ سعدَ بنَ أبي وقَّاصٍ وسعيدَ بنَ زيدٍ ماتا بالعقيقِ، فحُمِلَا إلى المدينةِ، ودُفِنَا بها [8651] أخرجه مالك في ((الموطأ)) برواية أبي مصعب الزهري (977)، وابن أبي الدنيا في ((العزلة والانفراد)) (61). صححه ابن عبد البر في ((الاستذكار)) (3/57).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ سَعدَ بنَ أبي وقَّاصٍ وسَعيدَ بنَ زيدٍ نُقِلَا من العقيقِ ونحوِه إلى المدينةِ، وذلك بمَحْضَر جماعةٍ من الصحابةِ وكبارِ التَّابعينَ من غيرِ نكيرٍ، ولعلَّهما قد أوصَيَا بذلك [8652] ((الاستذكار)) لابن عبد البر (3/58).
ثانيًا: أنَّ الأصلَ هو جوازُ نقْلِ المَيِّت مِنَ المَوْطِن الذي مات فيه إلى مَوْطِنٍ آخَرَ يُدْفَنُ فيه، ولا يُمْنَع من ذلك إلَّا بدليلٍ، ولا دليلَ يمنعُ [8653] ((عون المعبود)) للعظيم آبادي (9/39).
المسألة التاسعة: المُفاضلة بين اللَّحدِ والشَّقِّ
اللَّحْدُ أفضَلُ مِنَ الشَّقِّ [8654] اللَّحْدُ: الشَّقُّ فِي جَانِبِ الْقَبْرِ؛ فيَحْفِر في أرضِ القَبْرِ مِمَّا يلي القبلةَ مكانًا يُوضَع المَيِّت فيه. والشَّقُّ هو أن يَحْفِرَ في أرض القَبرِ شقًّا يَضَعُ المَيِّتَ فيه، ويَسْقِفُه عليه بشيءٍ. ((المغني)) لابن قدامة (2/371، 372). ((المصباح المنير)) للفيومي (2/550). ونقل النوويُّ الإجماعَ على جوازِ اللَّحْدِ والشَّقِّ، فقال: (وأجمَعوا على جوازِ اللَّحدِ والشَّق). ((شرح النووي على مسلم)) (7/34). وقال أيضًا: (أجمع العُلَماءُ أنَّ الدَّفنَ في اللَّحدِ وفي الشَّقِّ جائزانِ). ((المجموع)) (5/287) ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ [8655] فإن كانتِ الأرضُ رِخوةً لا يَثْبُتُ فيها اللَّحْدُ، شُقَّ فيها. ينظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/245)، ((منح الجليل)) لعليش (1/500)، ((كفاية الأخيار)) للحصني (1/164)، ((الكافي)) لابن قدامة (1/371). : الحَنفيَّة [8656] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/245)، ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 225). ، والمالِكيَّة [8657] ((منح الجليل)) لعليش (1/500). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/130). ، والشَّافعيَّة [8658] ((المجموع)) للنووي (5/287)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/352). ، والحَنابِلَة [8659] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/133). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/371)، ((الكافي)) لابن قدامة (1/371).
الأدلَّة من السُّنَّة:
1- عن عامِرِ بنِ سعدِ بنِ أبي وقَّاص: ((أنَّ سعدَ بنَ أبي وقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال في مَرَضِه الذي هلَكَ فيه: الْحَدُوا لي لَحْدًا، وانصِبوا عليَّ اللَّبِنَ نَصْبًا، كما صُنِعَ برسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم )) [8660] أخرجه مسلم (966).
2- عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((لَمَّا تُوُفِّيَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان بالمدينة رَجُلٌ يَلْحَدُ، وآخَرُ يَضْرَحُ، فقالوا: نستخيرُ رَبَّنا، ونبعَثُ إليهما فأيُّهُما سبَقَ تَرَكْناه، فأُرْسِلَ إليهما فسَبَقَ صاحِبُ اللَّحْدِ، فلَحَدَ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم )) [8661] أخرجه ابن ماجه (1557)، وأحمد (12438)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2832)  جوَّدَ إسنادَه النوويُّ في ((الخلاصة)) (2/1011)، وصحَّح إسناده ابن الملقن في ((خلاصة البدر المنير)) (1/268)، وصحح إسناده ووثق رجاله البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (1/275)، وحسن إسناده الشوكاني في ((الدراري المضية)) (144)، وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (1274): حسن صحيح.
وَجهُ الدَّلالةِ من الحديثينِ:
 أنَّ هذا الذى اختارهُ اللهُ لنَبِيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم حين تشاوَرَ الصَّحابةُ فى ذلك، وقالوا: نستخيرُ رَبَّنا، فجاء الذى يَلْحَد أوَّلًا فلَحَدَ لَه [8662] ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) (3/435)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/189).
المسألة العاشرة: الدَّفنُ في تابوتٍ
يُكْرَه [8663] وقد يحرُم الدفنُ في صندوقٍ إذا قُصِدَ به التشبُّهُ بغيرِ المسلمينَ. يُنظر: ((قرارات المجمع)) (ص: 176). الدَّفْنُ في التَّابوتِ [8664] التابوت: هو الصُّندوقُ. ((تاج العروس)) للزبيدي (2/78). مِن غيرِ حاجةٍ، وهذا مذهبُ الجمهورِ: الحَنفيَّة [8665] ((حاشية ابن عابدين)) (2/234)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 402). ، والشَّافعيَّة [8666] ((المجموع)) للنووي (5/287)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/363). ، والحَنابِلَة [8667] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/383)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/134). ، وهو قَولُ ابنِ القاسمِ مِنَ المالِكيَّة [8668] ((البيان والتحصيل)) لابن رشد (2/275، 276). وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [8669] قال النووي: (وهذا الذي ذكَرناه مِن كراهةِ التابوتِ: مذهَبُنا ومَذهَبُ العلماءِ كافَّةً، وأظنُّه إجماعًا، قال العبدري رحمه الله: لا أعلَمُ فيه خلافًا؛ يعني: لا خلافَ فيه بين المسلمينَ كافَّةً). ((المجموع)) (5/287). وقال الشربيني: («ويُكْرَه دَفْنُه في تابوت» بالإجماعِ؛ لأنَّه بدعةٌ). ((مغني المحتاج)) (1/363). وينظر: ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/30). وقال الطحطاوي: (ولا باتِّخاذِ التابوت، ولو من حديدٍ» ويكونُ من رأسِ المالِ إذا كانت الأرضُ رِخوةً أو نَدِيَّةً، ويكرهُ التابوتُ في غيرِها، بإجماعِ العُلَماءِ). ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 402). ونقله ابن عابدين عن غيره، فقال: (قال في الحِلْيَةِ عن الغاية: ويكونُ التابوتُ من رَأْسِ المالِ إذا كانَتِ الأرضُ رِخوةً أو نَدِيَّةً، مع كَوْنِ التَّابوتِ في غيرها مكروهًا في قولِ العُلَماءِ قاطبةً). ((حاشية ابن عابدين)) (2/234)
وذلك للآتي:
أولًا: لأنَّه لم يُنْقَل عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولا عن أصحابِه [8670] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/134).
ثانيًا: لأنَّه خَشَبٌ، وفيه تشبُّهٌ بأهل الدُّنيا [8671] ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/901).
ثالثًا: لأنَّ الأرْضَ أنشَفُ لفَضَلاتِه [8672] ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/901).

انظر أيضا: