الموسوعة الفقهية

المطلب الثَّاني: مكانُ الجِنازة وموقفُ الإمامِ منها


الفرع الأوَّل: مكانُ الجِنازة وحُكمُ الصَّلاةِ قُدَّامَها
يُشترَطُ أنْ يكونَ الميِّتُ بين يدَيِ الإمامِ، وتبطُلُ صلاةُ مَن تَقدَّم عليه، وهو مذهبُ الجمهورِ: الحَنفيَّة [8247] ((المبسوط)) للسرخسي (1/76). ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 383). ويُنظر: ((الدر المختار)) للحصكفي (2/208). ، والشافعيَّة [8248] ((المجموع)) للنووي (5/228)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/360). ، والحَنابِلَة [8249] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/363، 368)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/117)، ((الإقناع)) للحجاوي (1/226)، وفيه: (وجميع ما يُشترط لمكتوبة مع حضور الميِّت بين يديه قبل الدَّفن، إلَّا الوقت، فلا تصحُّ على جِنازَةٍ محمولة؛ لأنَّها كإمام). وينظر: ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/363).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
عن أبي غالبٍ، قال: ((رأيتُ أنسَ بنَ مالكٍ صلَّى على جِنازة رجُلٍ، فقامَ حِيالَ رأسِه، فجيءَ بجِنازة أخرى؛ بامرأةٍ، فقالوا: يا أبا حمزةَ، صلِّ عليها، فقام حيالَ وسَطِ السَّريرِ، فقال له العلاءُ بنُ زياد: يا أبا حمزةَ، هكذا رأيتَ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قامَ مِن الجِنازةِ مَقامَك مِن الرَّجُلِ، وقامَ مِن المرأةِ مقامَك من المرأةِ؟ قال: نعَمْ )) [8250] أخرجه أبو داود (3194)، والترمذي (1034)، وابن ماجه (1494) واللفظ له. حسَّنه الترمذي، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (1223). 
وفي رواية: ((فقال العلاءُ بن زياد: يا أبا حمزةَ، هكذا كانَ يفعَلُ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ يُصلِّي على الجِنازة كصلاتِك، يُكبِّر عليها أربعًا، ويقومُ عند رأس الرَّجُلِ وعجيزةِ المرأة؟ قال: نعم )) [8251] أخرجه أبو داود (3194) واللفظ له، والترمذي (1034)، وابن ماجه (1494) مختصرا، والبيهقي (7173).  احتجَّ به ابن حزم في ((المحلى)) (5/123)، وصحَّحه ابن الملقن في ((البدر المنير)) (5/256)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3194)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (129).   
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم صلَّى خلفَ الجِنازة، ولم يتقدَّمْ عليها، وقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((صلُّوا كما رأيتُموني أُصلِّي )) [8252] أخرجه البخاري (631).
ثانيًا: لأنَّ الميِّتَ كالإمامِ، فلو تَقدَّمَ المصلِّي على الإمامِ من غيرِ عُذرٍ فسَدتْ صلاتُه؛ فكذا لو تَقدَّمَ على الميِّتِ، فسدتْ صلاتُه [8253] ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/360). ويُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازة (1/425).
ثالثًا: اتِّباعًا لِمَا جرَى عليه الأوَّلون [8254] ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/360).
الفرع الثَّاني: موقفُ الإمامِ من الجِنازة
المسألة الأولى: موقِف الإمامِ من جِنازة الرَّجُلِ
يقِفُ الإمامُ عندَ رأسِ الرجُل، وهو الصَّحيحُ عند الشافعيَّة [8255] ((المجموع)) للنووي (5/225)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/348). ، وروايةٌ عن أبي حَنيفة [8256] ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/126). ، وهو قولُ أبي يوسف من أصحابِه [8257] ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/270). ، واختارَه ابنُ المنذرِ [8258] ((الإقناع)) لابن المنذر (1/161). ، وابنُ حزمٍ [8259] ((المحلى)) لابن حزم (3/382). ، والقرطبيُّ [8260] ((تفسير القرطبي)) (8/222). ، والشوكانيُّ [8261] ((الدراري المضية)) للشوكاني (1/136). ، وابنُ باز [8262] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/139). ، وابنُ عُثَيمين [8263] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/127).
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن نافعٍ أبي غالبٍ، قال: ((كنتُ في سِكَّةِ المِرْبَد [8264] قوله: (سِكَّةِ المِرْبَد): السِّكَّة: هي الطريق الْمُصْطفَّة مِن النَّخل. والمِرْبَد: الموضع الذي تُحبس فيه الإبل والغنم، وبه سُمِّي مربد المدينة والبصرة. ينظر: ((معجم البلدان)) لياقوت (5/91)، ((شرح أبي داود)) للعيني (6/134). ، فمرَّت جِنازة معها ناسٌ كثير، قالوا: جِنازة عبدِ الله بن عُمير، فتبِعْتُها فإذا أنا برجلٍ عليه كساءٌ رقيقٌ على بُرَيذينَتِه [8265] بُرَيذِينَتِه: تصغير بِرْذَون، والبِرذون: هو التُّركيُّ من الخيلِ. ((المصباح المنير)) للفيومي (1/41)، ((عون المعبود)) للعظيم آبادي (7/312)، (8/250). ، وعلى رأسِه خِرقةٌ تَقِيه من الشَّمس، فقلتُ: مَن هذا الدِّهقانُ [8266] الدِّهْقان- بكسر الدال وضمِّها-: لفظ مُعرَّب، ويُطلق على رئيسِ القريةِ، وعلى مُقدَّمِ أصحابِ الثَّراءِ والمالِ وأصحابِ الزِّراعةِ، وعلى التاجِر، وعلى مَن له مالٌ وعَقار. ((النهاية)) لابن الأثير (2/145)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/201). ؟ قالوا: هذا أنسُ بنُ مالك، فلمَّا وُضِعَتِ الجِنازة قام أنسٌ فصلَّى عليها، وأنا خلفَه لا يحولُ بيني وبينه شيءٌ، فقام عندَ رأسِه فكبَّر أربعَ تكبيراتٍ، لم يُطِلْ ولم يُسرِعْ، ثم ذهب يقعُد، فقالوا: يا أبا حمزةَ، المرأةُ الأنصاريَّةُ، فقرَّبُوها وعليها نعشٌ أخضرُ، فقام عندَ عجيزتِها فصلَّى عليها نحوَ صلاتِه على الرجُلِ، ثم جَلَسَ، فقال العلاءُ بن زياد: يا أبا حمزة، هكذا كانَ يفعَلُ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ يُصلِّي على الجِنازة كصلاتِك، يُكبِّر عليها أربعًا، ويقومُ عند رأس الرَّجُلِ وعجيزةِ المرأة؟ قال: نعم )) [8267] أخرجه أبو داود (3194) واللفظ له، والترمذي (1034)، وابن ماجه (1494) مختصرًا، والبيهقي (7173).  صحَّحه ابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (5/256)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3194)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (129). 
المسألة الثانية: موقِفُ الإمامِ من جِنازة المرأةِ
يقِفُ الإمامُ عند وسَطِ المرأة، وهو مذهبُ الشافعيَّة [8268] ((المجموع)) للنووي (5/225)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/348). ، والحَنابِلَة [8269] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/112). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/386). ، وروايةٌ عن أبي حَنيفة [8270] ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/126). ، وهو قولُ أبي يُوسَف [8271] ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/270). ، وروايةٌ عن مالك [8272] ((حاشية العدوي على شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/128). ، واختاره الطَّحاويُّ [8273] ((شرح معاني الآثار)) للطحاوي (1/491). ، وابنُ المنذر [8274] ((الإقناع)) لابن المنذر (1/161). ، وابنُ حزمٍ [8275] ((المحلى)) لابن حزم (3/382). ، والقرطبيُّ [8276] ((المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم)) للقرطبي (2/616). ، والصنعانيُّ [8277] ((سبل السلام)) للصنعاني (2/102). ، والشوكانيُّ [8278] ((الدراري المضية)) للشوكاني (1/136). ، وابنُ باز [8279] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/139). ، وابنُ عُثَيمين [8280] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/129).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- عن نافعٍ أبي غالبٍ، قال: ((كنتُ في سِكَّةِ المِرْبَد، فمرَّت جِنازة معها ناسٌ كثير، قالوا: جِنازة عبدِ الله بن عُمير، فتبعتُها فإذا أنا برجلٍ عليه كساءٌ رقيقٌ على بُرَيذينَتِه، وعلى رأسِه خِرقةٌ تَقِيه من الشَّمس، فقلتُ: مَن هذا الدِّهقانُ؟ قالوا: هذا أنسُ بن مالك، فلمَّا وُضِعتِ الجِنازة قام أنسٌ فصلَّى عليها، وأنا خلفَه لا يحولُ بيني وبينه شيءٌ، فقام عندَ رأسه فكبَّر أربعَ تكبيراتٍ، لم يُطِلْ ولم يُسرِعْ، ثم ذهب يقعُد، فقالوا: يا أبا حمزةَ، المرأةُ الأنصاريَّةُ، فقرَّبوها وعليها نعشٌ أخضرُ، فقام عندَ عَجيزتِها فصلَّى عليها نحوَ صلاتِه على الرجُلِ، ثم جلس، فقال العلاءُ بن زيادٍ: يا أبا حمزةَ، هكذا كانَ يفعَلُ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ يُصلِّي على الجِنازة كصلاتِك، يُكبِّرُ عليها أربعًا، ويقومُ عند رأس الرَّجُلِ وعجيزةِ المرأة؟ قال: نعم )) [8281] أخرجه أبو داود (3194) واللفظ له، والترمذي (1034)، وابن ماجه (1494) مختصرًا، والبيهقي (7173).  صحَّحه ابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (5/256)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3194)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (129). 
2- عن سَمُرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((صليتُ وراءَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على امرأةٍ ماتتْ في نفاسِها، فقام عليها وسَطَها )) [8282] أخرجه البخاري (1332) واللفظ له، ومسلم (964).
ثانيًا: لأنَّه أبلغُ في صِيانتِها عن الباقِينَ [8283] ((المجموع)) للنووي (5/225).

انظر أيضا: