الموسوعة الفقهية

المطلب الثَّالث: الدَّم


الفرع الأوَّل: دمُ الآدميِّ
المسألة الأولى: حُكمُ دَمِ الآدميِّ والحيوان
الدَّمُ المسفوحُ الخارِجُ مِن الإنسان أو الحيوان نَجِسٌ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قول الله تعالى: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [الأنعام: 145]
وجه الدَّلالة:
أنَّ الدَّمَ المَسفوحَ نَجِسٌ؛ لأنَّه سائِلٌ، والدِّماءُ السائلةُ مِن سائِرِ الحيواناتِ نَجِسةٌ، ومن بينها دَمُ الآدميِّ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/61).
ثانيًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبدِ البَرِّ قال ابن عبدِ البَرِّ: (هذا إجماعٌ من المسلمين أنَّ الدَّم المسفوحَ رِجسٌ نَجِسٌ). ((التمهيد)) (22/230). ، وابنُ العربيِّ قال ابنُ العربي: (اتَّفق العلماءُ على أنَّ الدَّمَ حرامٌ نجس، لا يُؤكَلُ، ولا يُنتفَع به). ((أحكام القرآن)). (1/79). ، وابنُ رُشدٍ قال ابن رشد: (أمَّا أنواعُ النجاسات، فإنَّ العلماء اتَّفقوا من أعيانها على أربعة: مَيتةِ الحيوان ذي الدَّمِ الذي ليس بمائيٍّ، وعلى لحم الخِنزيرِ بأيِّ سببٍ اتَّفق أن تذهب حياتُه، وعلى الدَّمِ نَفسِه من الحيوان الذي ليس بمائيٍّ؛ انفصل من الحيِّ أو الميِّت إذا كان مَسفوحًا- أعني: كثيرًا). ((بداية المجتهد)) (1/83). ، والقرطبيُّ قال القرطبي: (اتَّفق العلماء على أنَّ الدَّم حرامٌ نجسٌ؛ لا يُؤكَل، ولا يُنتفَعُ به). ((تفسير القرطبي)) (2/221). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (الدَّلائل على نجاسةِ الدَّم متظاهرة، ولا أعلم فيه خِلافًا عن أحدٍ من المسلمين، إلَّا ما حكاه صاحب الحاوي عن بعضِ المتكلِّمين أنَّه قال: هو طاهِرٌ، ولكنَّ المتكلمين لا يُعتدُّ بهم في الإجماعِ والخِلاف، على المذهب الصَّحيحِ الذي عليه جمهورُ أهل الأصول من أصحابنا وغيرهم، لا سيَّما في المسائل الفقهيَّات). ((المجموع)) (2/557). ، وابنُ حَجرٍ قال ابن حجر: (الدَّمُ نجس اتِّفاقًا). ((فتح الباري)) (1/352). وقدْ خالَف في هذا بعضُ المتأخِّرين والمعاصِرين، والكلُّ محجوجٌ بالإجماع المتقدِّم. ، ونقل الإمامُ أحمد قال ابن تيميَّة: (سُئل [الإمام أحمد]: القيح والدَّم عندك سواء؟ فقال: الدَّمُ لم يختلِفِ النَّاس فيه، والقَيحُ قد اختَلف النَّاس فيه) ((شرح العمدة)) (1/105). ، وابنُ حزمٍ الإجماع إذا كان الدَّمُ كثيرًا قال ابن حزم: (اتَّفقوا على أنَّ الكثيرَ مِنَ الدَّم- أيَّ دمٍ كان، حاشَا دَم السَّمَكِ وما لا يَسيل دمُه- نجسٌ) ((مراتب الإجماع)) (1/19). ،
المسألة الثانية: حُكمُ دَمِ الشَّهيدِ
دَمُ الشَّهيدِ طاهرٌ ما دام عليه؛ وهو مذهَبُ الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/29)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/127). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/328)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/191). ، واختاره ابنُ عثيمين قال ابن عثيمين: (دمُ الشَّهيدِ عليه، طاهِرٌ) ((الشرح الممتع)) (1/440).
الأدلَّة مِن السُّنَّةِ:
1- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ادفنوهم في دِمائهم. يعني: يومَ أُحُد، ولم يُغَسِّلْهم )) رواه البخاري (1346).
وجه الدَّلالة:
أنَّ دَم الشَّهيدِ لو كان نجسًا، لأمَر بإزالَتِه عن بدَنِ الميِّتِ قبل دَفنِه ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/440)
2- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((والذي نفْسي بيَدِه لا يُكْلَمُ أحدٌ في سبيلِ الله- واللهُ أعلمُ بمَن يُكْلَمُ في سبيلِه- إلَّا جاء يومَ القِيامة، واللَّونُ لونُ الدَّمِ، والرِّيحُ رِيحُ المِسكِ )) رواه البخاري (2803) واللفظ له، ومسلم (1876).
وجه الدَّلالة:
أنَّه شبَّه ريحَ دَمِ الشَّهيدِ برِيحِ المِسك، والمسكُ طاهرٌ؛ فالدَّمُ الذي على الشَّهيد طاهرٌ أيضًا.
الفرع الثاني: نجاسةُ دَمِ الحَيضِ
دمُ الحَيضِ نجسٌ.
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن أسماءَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((جاءت امرأةٌ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالت: أرأيتَ إحدانا تحيض في الثَّوبِ؛ كيف تصنَعُ؟ قال: تحُتُّه، ثم تَقرُصُه بالماء وتَنضَحُه، وتُصلِّي فيه )) رواه البخاري (227) واللفظ له، ومسلم (291).
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((جاءت فاطمةُ ابنة أبي حُبيشٍ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالت: يا رسولَ الله، إنِّي امرأةٌ أُستحاضُ فلا أطهُرُ؛ أَفأدَعُ الصَّلاةَ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا، إنَّما ذلك عِرقٌ وليس بحَيضٍ، فإذا أقبلتْ حيضتُك فدَعِي الصَّلاةَ، وإذا أدبَرَتْ فاغسلِي عنك الدَّمَ، ثمَّ صلِّي )) رواه البخاري (228) واللفظ له، ومسلم (333).
وجه الدَّلالة:
أنَّ الأمرَ بغَسلِ الدَّمِ بالماءِ يدلُّ على نجاسَتِه.
3- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((كانتْ إحدانا تحيضُ، ثمَّ تقتَرِصُ القَرصُ والتَّقريص: الدَّلْكُ بأَطرافِ الأَصابِعِ والأَظفار مع صبِّ الماءِ عليه، حتَّى يذهَبَ أَثرُه. ((لسان العرب)) لابن منظور (7/71). الدَّمَ مِن ثوبِها عند طُهرِها، فتغسِلُه، وتنضَحُ على سائِرِه، ثم تُصلِّي فيه )) رواه البخاري (308).
ثانيًا: من الإجماع
نقل الإجماعَ على ذلك: القرافيُّ قال القرافي: (دمُ الحَيضِ، وهو نجِسٌ إجماعًا). ((الذخيرة)) (1/185). , والعينيُّ قال العينيُّ: (الدَّمُ نَجِسٌ بالإجماعِ). ((عمدة القاري)) (3/141). ، والشوكانيُّ قال الشوكانيُّ: (دمُ الحَيضِ نجسٌ بإجماعِ المُسلمين). ((نيل الأوطار)) (1/39-40).

انظر أيضا: