الموسوعة الفقهية

المطلب الرابع: اشتِراطُ اللُّغةِ العَربيَّةِ للخُطبَتينِ


اختلف أهلُ العلمِ في اشتراطِ اللغةِ العربيةِ لخطبةِ الجمعةِ على قولين:
القول الأول: يُشترَطُ أنْ تَكونَ الخُطبةُ باللُّغةِ العربيَّةِ يجوزُ ترجمةُ الخُطبةِ باللُّغة التي يفهمها المستمعونَ؛ لأنَّ المقصودَ وَعْظُهم وتذكيرُهم وتعليمهم أحكامَ الشريعة، ولا يحصل ذلك إلا بالترجمةِ. سئل ابن باز: هل يجوز تفسيرُ خطبةِ الجُمعةِ للنَّاس إذا كانوا عَجَمِيِّين؛ ليفهموا معناها؟ فأجاب: (نعم، يجوز ذلك، فيخطب بالعربيَّة ويُفَسِّر الخطبة باللغة التي يفهمها المستمعون؛ لأنَّ المقصودَ وَعْظُهم وتذكيرُهم وتعليمُهم أحكامَ الشريعةِ، ولا يحصل ذلك إلَّا بالترجمةِ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (12/370). وجاء في فتوى اللجنةِ الدائمة (يجوز ترجمةُ خُطبةِ الجمعةِ بلسانِ من لا يفهَمُ كلامَ الخطيبِ من الحضورِ؛ من أجلِ إفادَتِهم) ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الثانية)) (7/141). ، وهو مذهبُ الجمهور: المالِكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير، مع ((حاشية الدسوقي)) (1/378). ، والشافعيَّة على الأصحِّ ((المجموع)) للنووي (4/521، 522)، ويُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/257). لكن الشَّافعيَّة يُرخِّصون في ذلك المدَّةَ الكافية لتعلُّم العربية. ، والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (3/170)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/34). عند الحنابلةِ تصحُّ مع العجزِ. ، وبه قال أبو يُوسُفَ ومحمَّدُ بنُ الحسنِ من الحَنَفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/147). وهي عندهما شرط إلَّا عند العجز عن العربية، فتُجزئ الخطبة بغيرها. يُنظر المرجع السابق.
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
 قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صلُّوا كما رأيتُمونِي أُصلِّي )) رواه البخاري (631). ، وقد كانَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخطُبُ بالعربيَّة ((المجموع)) للنووي (4/521، 522).
ثانيًا: أنَّه ذِكرٌ مفروضٌ فشُرِطَ فيه العربيَّةُ، كالتشهُّدِ وتَكبيرةِ الإحرامِ ((المجموع)) للنووي (4/521، 522).
القول الثاني: لا يُشترطُ أن تكونَ الخطبةُ باللغةِ العربيةِ [5708] لكنَّ الأحسنَ أداءُ مقدِّماتِ الخطبةِ، وما تتضمَّنه مِن آياتٍ قرآنيةٍ باللغةِ العربيةِ؛ لتعويدِ غيرِ العربِ على سماعِ العربيةِ والقرآنِ، مما يسهِّل عليهم تعلمَها، وقراءةَ القرآنِ باللغةِ التي نزل بها، ثم يتابعُ الخطيبُ ما يعظُهم به بلغتهم التي يفهمونها. ينظر: قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم: 21 (5/5) حول خطبة الجمعة والعيدين بغير العربية في غير البلاد العربية. ، وهذا مذهبُ الحَنَفيَّة [5709] ((حاشية ابن عابدين)) (2/147)، ويُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازة (2/74). ، وصدر به قرارُ مجمعِ الفقهِ الإسلاميِّ [5710] قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم: 21 (5/5) حول خطبة الجمعة والعيدين بغير العربية في غير البلاد العربية. ، واختاره ابنُ عُثيمينَ [5711] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (16/113). ، وبه أفتت اللجنةُ الدائمةُ [5712] ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) برئاسة ابن باز (8/254).
الأَدِلَّة:
أولًا: من الكتاب
قال اللهُ تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم: 4]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
 أنَّ اللهَ سبحانه إنَّما أَرسلَ الرُّسلَ عليهم السَّلام بألسنةِ قومِهم؛ ليُفهموهم مرادَ اللهِ سبحانه بلُغاتِهم [5713] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (12/373، 374). ).
ثانيًا: أنَّه لم يثبت ما يدلُّ على أنَّه يشترط في الخطبةِ أن تكونَ باللغة العربية، وإنَّما كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطبُ باللغةِ العربيةِ في الجمعةِ وغيرِها؛ لأنَّها لغتُه ولغةُ قومِه، فوعَظ مَن يخطبُ فيهم، وأرشدهم وذكَّرهم بلغتِهم التي يفهمونها [5714] ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (8/254).
ثالثًا: أنَّ الخُطبتينِ ليستَا ممَّا يُتعبَّدُ بألفاظِهما( [5715] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/59).
رابعًا: أنَّ المقصودَ الوعظُ، وهو حاصلٌ بكلِّ اللُّغاتِ [5716] ((المجموع)) للنووي (4/522)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (16/113).

انظر أيضا: