الموسوعة الفقهية

المَبحثُ الثَّاني: تأثير صلاةِ الخوفِ في عدد الركعات


لا تأثيرَ لصلاةِ الخوفِ في عددِ الرَّكعاتِ، فالمقيمُ يُتمُّ، والمسافِرُ يَقصُر، ولا تُصلَّى ركعةً قال ابنُ المنذر: (اختلف أهلُ العِلم في الصلاة عند شدَّة الخوف؛ فقالت طائفةٌ: يُصلِّي ركعة يُومئ إيماءً، وقال جابر بن عبد الله: إنَّما القصرُ ركعة عند القِتال. وكان طاؤس، والحسن البصري، ومجاهد، والحَكَم، وقتادة يقولون: ركعة يومِئ إيماءً) ((الإشراف)) (2/223). وقال ابنُ قُدامة: (قال أبو داود في السنن: هو مذهبُ ابن عبَّاس، وجابر. قال: إنَّما القصر ركعة عند القِتال. وقال: طاوس، ومجاهد، والحسن وقتادة، والحَكم كذا يقولون: ركعة في شِدَّة الخوف، يومِئ إيماءً. وقال إسحاق: يُجزئك عند الشِّدَّة ركعة، تومِئ إيماءً، فإن لم يَقدِر فسجدةٌ واحدة، فإنْ لم يقدِر فتكبيرةٌ؛ لأنَّها ذِكر لله تعالى. وعن الضَّحَّاك، أنَّه قال: ركعة، فإن لم يقدِرْ كبَّر تكبيرةً حيث كان وجهه. فهذه الصَّلاة يَقتضي عمومُ كلام أحمد جوازَها؛ لأنه ذكر سِتَّة أوجه، ولا أعلم وجهًا سادسًا سواها، وأصحابنا يُنكرون ذلك. قال القاضي: لا تأثيرَ للخوف في عدد الركعات. وهذا قولُ أكثر أهل العلم؛ منهم ابن عمر، والنخعي، والثوري، ومالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وأصحابه، وسائر أهل العِلم من علماءِ الأمصار، لا يُجيزون ركعةً، والذي قال منهم ركعة، إنَّما جعلها عند شِدَّة القتال) ((المغني)) (2/308). ، وهذا باتِّفاق المذاهب الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة ((البناية)) للعيني (3/166)، ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/100). ، والمالِكيَّة على المشهور ((التاج والإكليل)) للمواق (2/186)، ويُنظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/240). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/ 404)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/460)، ((البيان)) للعمراني (2/501). ، والحَنابِلَة ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 185)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (2/133)، ((حاشية الروض المربع)) لابن قاسم (2/412). ، وهو مذهبُ الظاهريَّة ((المحلى)) لابن حزم (3/232). ، ومذهبُ أكثرِ العلماءِ قال العمرانيُّ: (لا يؤثِّر الخوفُ في عدد الرَّكعات، بل إنْ كان في الحضَر صلَّاها أربعًا، وإنْ كان في السَّفر صلَّاها ركعتين، ويَستوي الإمام والمأموم في ذلك، وهو قولُ كافَّة الفقهاء، وبه قال ابنُ عمر، وجابر، وذهب الحسن البصري، وطاوس إلى: أنَّ الإمام يُصلِّي ركعتين، والمأموم يُصلِّي ركعة، ورُوي ذلك عن ابن عباس) ((البيان)) (2/501). وقال ابنُ قُدامة: (جملة ذلك: أنَّ الخوفَ لا يؤثِّر في عدد الركعات في حقِّ الإمام والمأموم جميعًا، فإذا كان في سفر يُبيح القصر، صلَّى بهم ركعتينِ، بكلِّ طائفة ركعةً، وتتمُّ لأنفسها أُخرى على الصِّفة المذكورة) ((المغني)) (2/298). وقال أيضًا: (قال القاضي: لا تأثيرَ للخوف في عدد الركعات. وهذا قولُ أكثر أهل العلم؛ منهم ابن عمر، والنخعي، والثوري، ومالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وأصحابه، وسائر أهل العِلم من علماءِ الأمصار، لا يُجيزون ركعةً، والذي قال منهم ركعة، إنَّما جعلها عند شِدَّة القِتال، والذين رُوِّينا عنهم صلاة النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أكثرُهم لم يَنقُصوا عن ركعتين، وابن عبَّاس لم يكُن ممَّن يحضُر النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في غزواته، ولا يَعلم ذلك إلَّا بالرواية عن غيره، فالأخْذُ برِواية مَن حضَرَ الصلاة وصلَّاها مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَوْلَى) ((المغني)) (2/308). وقال النوويُّ: (هذا الذى ذَكرْناه من أنَّ صلاة الخوف لا يتغيَّر عددُ ركعاتها هو مذهبُنا ومذهب العلماء كافَّة من الصحابة والتابعين ومَن بعدهم، إلَّا ابن العباس، والحسن البصري، والضحَّاك، وإسحاق بن راهويه؛ فإنَّهم قالوا: الواجب في الخوف ركعة) ((المجموع)) (4/404). وقال أيضًا: (عن ابنِ عبَّاس قال: (فرَض الله عزَّ وجلَّ الصَّلاةَ على لسان نبيِّكم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الحضَر أربعًا، وفي السَّفر ركعتين، وفي الخوف ركعة). هذا الحديث قد عمِل بظاهره طائفةٌ من السلف، منهم: الحسن، والضحاك، وإسحاق بن راهويه، وقال الشافعيُّ ومالكٌ والجمهور: إنَّ صلاة الخوف كصلاة الأمْن في عددِ الركعات، فإنْ كانت في الحضَر وجَب أربع ركعات، وإنْ كانت في السفر وجَب ركعتانِ، ولا يجوز الاقتصارُ على ركعة واحدة في حالٍ من الأحوال، وتأوَّلوا حديث ابن عباس هذا على أنَّ المراد ركعة مع الإمام وركعة أخرى يأتي بها منفردًا، كما جاءت الأحاديثُ الصَّحيحة في صلاة النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابه في الخوف، وهذا التأويل لا بدَّ منه؛ للجَمْع بين الأدلَّة، والله أعلم) ((شرح النووي على مسلم)) (5/196، 197). وقال العِراقيُّ: (ظاهر هذا الحديث أنَّ صلاة الخوف لا تختصُّ بحالة السفر، بل يجوز فِعلها في الحضَر أيضًا، لكن الأحاديث الواردة في صلاة الخوف كلها كانتْ في السَّفَر، واختلف العلماء في ذلك، والأكثرون على جواز فِعلها في الحضَر عند حصول الخوف، واستُدلَّ له بعموم الآية في قوله تعالى: وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ **النساء: 102** الآية، فلم يخصَّ ذلك بسفر، وذكر بعضُهم أنَّ صلاته عليه الصَّلاة والسَّلام للخوف ببطنِ نخلٍ كانت ببعض نخلِ المدينة، لكن قال والدي رحمه الله: المعروف أنَّ الصلاة ببطن نخل هي غزوةُ ذات الرقاع. انتهى. وبهذا قال أبو حنيفة والشافعيُّ وأحمد والأوزاعيُّ، وهو المشهورُ عن مالك، وعنه رواية أخرى أنَّها تختصُّ بالسفر، وقال به من المالكيَّة ابنُ الماجشون، ورَوَى البيهقيُّ عن جابر أنَّ قوله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا **النساء: 101** أنَّ هذا ليس قصرَ السَّفر، وإنما هو قصر الخوف، فيرد إلى ركعةٍ، وعلى هذا تكون الآيةُ دالَّةً على اختصاص صلاة الخوفِ بالسَّفر) ((طرح التثريب)) (3/140).
الأدلَّة:
أولًا: من الكِتاب
قولُ الله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء: 101]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الآية اقتضت قصرًا يتناول قصرَ الأركان بالتخفيف، وقصرَ العدد بنقصان ركعتينِ، وقيِّد ذلك بأمرين: الضَّرْب في الأرْض، والخوف، فإذا وُجد الأمران، أُبيح القصرانِ، فيُصلُّون صلاةَ الخوف مقصورةً عددُها وأركانُها، وإن انتَفَى الأمران، فكانوا آمنين مقيمين، انتَفى القصران، فيُصلُّون صلاةً تامَّةً كاملةً، وإنْ وُجِد أحدُ السَّببين، ترتَّب عليه قصرُه وحْدَه، فإذا وُجِد الخوف والإقامة، قُصِرت الأركانُ، واستُوفي العددُ، وإنْ وُجِد السفرُ والأمن، قُصِرَ العددُ واستُوفي الأركان ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (22/91)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/466، 529).
ثانيًا: الأحاديثُ المشهورة عن جماعاتٍ من الصَّحابة رَضِيَ اللهُ عنهم أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى هو وأصحابُه في الخوفِ ركعتينِ يُنظَر ما أخرجه البخاريُّ (942) ومسلم (839) من حديث ابن عُمرَ، وما أخرجه مسلم من حديث جابر (840)، وحديث سهل بن أبي حَثْمَةَ (841)، وما أخرجه النسائيُّ (3/178) من حديث أبي بَكْرَة. ؛ لأنَّها كانتْ كلُّها في السَّفر ((طرح التثريب)) للعراقي (3/140). وينظر: ((المجموع)) للنووي (4/404).
ثالثًا: أنَّ الصَّحابة الذين رَوَوْا صَلاةَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الخوفِ أكثرُهم لم يَنقصوا عن رَكعتينِ ((المغني)) لابن قدامة (2/308).

انظر أيضا: