الموسوعة الفقهية

المَطلَب الثَّالِث: ارتفاعُ موقفِ الإمامِ عن المأمومِ أو العَكس


الفرعُ الأوَّل: ارتفاعُ موقفِ الإمامِ عن المأمومِ
يُكرهُ أنْ يكونَ الإمامُ أعْلى من المأمومِ [4511] قال ابنُ باز: (لا حرجَ في ارتفاع الإمام على بعض المأمومين إذا كان معه في المحلِّ المرتفع بعضُ الصفوف، وهكذا لو كان وحده، وكان الارتفاع يسيرًا، فإنه يُعفَى عنه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (12/94). قال ابنُ عُثيمين: (وقَيَّد بعضُ العلماء هذه المسألةَ بما إذا كان الإمامُ غيرَ منفردٍ بمكانه، فإنْ كان معه أحدٌ، فإنه لا يُكرَه؛ ولو زاد على الذِّراع؛ لأنَّ الإمام لم ينفرد بمكان، وهذا لا شكَّ أنه قولٌ وجيه) ((الشرح الممتع)) (4/301). ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/165)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/216). ، والمالِكيَّة [4513] ((الشرح الصغير لأقرب المسالك)) للدردير (1/448)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (1/336)، المالكيَّة قالوا: إذا كان بقصد التعليم، أو للضرورة، أو بدأ الإمام في الصَّلاة قبل أن يؤتمَّ به، فلا بأس. وأمَّا إذا قصد بارتفاعه الكبر، فيحرم وتبطُل صلاته. يُنظر: ((حاشية العدوي على مختصر خليل للخرشي)) (2/36). وتزول الكراهةُ عند المالكيَّة والشافعيَّة إذا كان بقصْد التعليم، واختاره الشِّنقيطي، فقال: (والذي يظهر- والله تعالى أعلم- وجوبُ الجمع بين الأدلَّة المذكورة، وأنَّ علوَّ الإمام مكروهٌ لِمَا تقدَّم. ويجمع بينه وبين قصَّة الصلاة على المنبر بجوازه للتعليم دون غيره؛ لِما ثبت في "الصحيحَيْن" عن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: لقد رأيتُ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قام عليه- يعني: المنبر- فكبَّر وكبَّرَ الناس وراءَه، ثم ركعَ وهو على المنبر، ثم رفع، فنَزَل القَهقَرى، حتَّى سجدَ في أصل المنبر، ثم عاد حتَّى فرَغَ من آخرِ صلاته، ثم أقبل على النَّاس فقال: «أيُّها الناس، إنَّما فعلتُ هذا؛ لِتَأتَمُّوا بي، وَلِتَعَلَّمُوا صلاتي») ((أضواء البيان)) (3/374). ، والشافعيَّة [4514] ((المجموع)) للنووي (4/295)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/251،252). الارتفاع المكروه حَدَّه بعضُ الشافعيَّة بما إذا كانت ربوة كثيرة العلوِّ، فأمَّا إذا كنت دَكَّة، أو ربوة قليلة العلوِّ لم يُكره، وقالوا: إذا كان بقصْد التعليم لأفعال الصلاة فيستحبُّ له أن يقِفَ على موضعٍ عالٍ. ينظر: ((البيان)) للعمراني (2/427). ، والحَنابِلَة [4515] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/492-493)، وينظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/300). الحنابلة قالوا: حدُّ الارتفاع المنهيِّ عنه إذا كان ذراعًا فأكثر.
الأدلَّة:
أولًا: من الآثار
عن همَّامٍ، أنَّ حذيفةَ، أمَّ بالمدائنِ على دُكَّان الدُّكَّانُ: الدَّكَّة المَبنِيَّةُ للجُلوس عليها. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/128)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/198). ، فأخَذ أبو مسعودٍ، بقميصِه فجَبَذه، فلمَّا فرَغَ مِن صلاتِه قال: (ألمْ تعلمْ أنَّهم كانوا يَنهَونَ عن ذلك؟ قال: بلَى، قد ذكرتُ حينَ مَددتَني) رواه أبو داود (597)، والحاكم (1/329)، والبيهقي (3/108) (5438). صحَّح إسنادَه النوويُّ في ((الخلاصة)) (2/722)، وجوَّد إسنادَه ابنُ كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/177)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (597).
ثانيًا: لأنَّ هذا صنيعُ أهلِ الكتابِ، وقد نُهينا عن التشبُّهِ بِهم ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/217).
الفرع الثَّاني: ارتفاعُ موقفِ المأمومِ عن الإمامِ
يجوزُ أن يكونَ موقفُ المأمومِ أعْلى من الإمامِ، وهو مذهبُ المالِكيَّة [4519] ((الشرح الصغير لأقرب المسالك)) للدردير (1/447)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (1/336). ، والحَنابِلَة [4520]((كشاف القناع)) للبهوتي (1/492-493)، ((الكافي)) لابن قدامة (1/302). ، والطَّحاوي من الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/165)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/217). ،واختاره الشوكانيُّ ما لم يكُن مُفرِطًا، قال الشوكانيُّ: (وأمَّا ارتفاع المؤتم، فإن كان مفرِطًا بحيث يكون فوقَ ثلاثمئة ذراع على وجه لا يُمكن المؤتمَّ العلمُ بأفعال الإمام، فهو ممنوع؛ للإجماع من غير فَرْق بين المسجد وغيره، وإنْ كان دون ذلك المقدار فالأصلُ الجوازُ حتى يقومَ دليلٌ على المنع. ويُعضِّد هذا الأصلَ فعلُ أبي هريرة المذكور ولم يُنكر عليه) ((نيل الأوطار)) (3/231- 232). ، وابنُ عُثَيمين قال ابنُ عُثيمين: (لو كان المأمومُ في مكانٍ أعلى فلا يُكره، فإذا كان الإمامُ هو الذي في الأسفل، كأنْ يكون في الخَلوة مثلًا، وفيه أناسٌ يصلُّون فوقَه فلا حَرَجَ ولا كراهة) ((الشرح الممتع)) (4/302).
الأدلَّة:
أولًا: من الآثار
أنَّ أبا هُرَيرَةَ صلَّى على سقفِ المسجدِ بصلاةِ الإمامِ [4524] أخرجه البخاريُّ معلَّقًا بصيغة الجزم قبل حديث (377) واللفظ له، وأخرجه موصولًا الشافعيُّ في ((الأم)) (2/344)، وعبد الرزاق في ((المصنف)) (4888)، وابن أبي شَيبة في ((المصنف)) (6215)، والبيهقي (5451) باختلاف يسير. قال ابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (1/199): فيه صالح مولى التوأمة، وقال ابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (2/548): ذكره البخاري تعليقًا، ويُقوِّيه حديثٌ في الصحيحين في صلاته صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالناس وهو على المنبرِ.
ثانيًا: لأنَّه يُمكنه الاقتداءُ، أشبهَ المتساويين [4525] ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/493).
ثالثًا: لأنَّ الموجِبَ للكراهةِ التشبُّهُ بأهلِ الكتابِ في صَنيعهم، ولا تشبُّهَ هاهنا؛ لأنَّ مكانَ إمام أهلِ الكتابِ لا يكونُ أسفلَ مِن مكانِ القومِ [4526] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/217).

انظر أيضا: