مقالات وبحوث مميزة

 
 
خرافة السر (قراءة تحليلية لكتاب "السر" و"قانون الجذب")
 
الشيخ عبدالله بن صالح العجيري
 
  

وقفت منذ مدة على كتاب (السر) (the Secret)(1) لمؤلفته الاسترالية (روندا بايرن)(2) وذلك في نسخته الإنجليزية، وقد حقَّق الكتاب حينها ولا يزال مبيعات هائلة بلغت ملايين النسخ، وتصدَّر قوائم الكتب الأفضل مبيعاً في المجتمعات الغربية، وتُرجم إلى أكثر من ثلاثين لغة من لغات العالم الحية، وحصد في طريقه أناساً فأخذ من أموالهم وعقولهم ما أخذ.

وزاد من حمى انتشار الكتاب ما حضي به من حفاوةٍ إعلاميةٍ كبيرةٍ، حتى تنقَّلت مؤلفته ومشاركوها ليحلوا ضيوفاً في برامج فضائيةٍ واسعة الانتشار كبرنامج (لاري كنج) و(أوبرا) وغيرهما(3)، ليكون ذلك سبيل دعاية لفكرة الكتاب وتسويقاً علنياً (للسر).

ولقد طالعت هذا (السر) وقرأته فوجدت كتابَ دجلٍ وخرافةٍ، يراد تمريرها عبر بهرجةٍ لفظيةٍ، وزخرفةٍ كلاميةٍ، ودعاوى فارغةٍ، فتركت الكتاب ولم أحفل به كونه من الباطل البين، ولم أُعنَ حينها بالكتابة حوله كونه مكتوباً بلغته الأم مما ساهم في تحجيم انتشاره وتضييق عدد قرائه عندنا(4). لكن حين تُرجم الكتاب إلى العربية، وأخذت إعلاناته تطل علينا في الشوارع، ويُسوَّق له على مستوى عالٍ، تغير الحالُ، وتبدَّلَ الرأي. فها هو الكتاب (يخبط خبطته) التجارية عندنا كما فعل في أماكن أخرى، وهاهو يزلزلُ بتلك (الخبطة) عقول أناسٍ وقلوبهم، ليحصد في طريقه المعجبين والمؤمنين. وما عليك إلا أن تبحث في الإنترنت باستعمال (اسم الكتاب= السر) أو (اسم المؤلفة=روندا بايرن) لترى حجم انتشار هذا العمل، وعظيم الاحتفاء به، وذلك في عشرات المواقع والمنتديات العربية، بل تسرب هذا الاحتفاء للصحافة المحلية، فأخذ بعض الصحفيين يمدح الكتاب ويروج له، فمثلاً:
• يقول أحد الكتاب في مقال له منشور بصحيفة عكاظ (العدد 2096) مثنياً على الكتاب، ومظهراً ابتهاجه بمضامينه: ("السر" لـ"روندا بيوني" واحد من سلسلة نادرة من الكتب فيه تألق ذهني محض يمدك ببهجة طويلة الأجل ويسهل عليك عملية التنفس ويثير فيك الرغبة في الحلم في معركة حياتية نحتاج فيها جميعاً أن نعيد برمجة أحلامنا بعد مراجعة الظروف).

• ويقول كاتب آخر في مقال له في جريدة الرياض (العدد 14509) بعد أن عرض لخلاصة الكتاب: (هذا هو "السر" الذي حقق النجاح للكثيرين أعرضه لكم لأنني أحبكم وأتمنى أن تحققوا كل ما تصبون إليه، ولا أرجو من ذلك إلا أن تذكروا بالخير من كشفه لكم متمنياً للجميع النجاح).


• وتقول إحدى الكاتبات في مقال لها (العمق والأثر) والمنشور بجريدة اليوم (العدد 12805): (لأول مرة في حياتي انتهي من قراءة كتاب وأقلبه لأقرأه من جديد في اللحظة ذاتها التي انتهيت فيها منه. قرأته في المرة الأولى لأفهم سر رواج ذلك الكتاب في أمريكا وكيفية عمل (السر) وهذا هو اسم الكتاب (the Secret) وقرأته في المرة الثانية وأنا (زعلانه) وعدم رضاي لم يكن بسبب الكتاب ومحتواه ولكن بسبب فقداننا نحن العرب المسلمين لمن يكتب لنا بتلك الطريقة السهلة بقربها ووضوحها وبعدها عن أسلوب الوعظ ومفرداته المتكررة في كل الكتب والمحاضرات). وتقول في آخر مقالها مكمّلة نقمتها على المكتبة العربية: (نبحث في المكتبة العربية عن كتاب من ذلك النوع فلا نجد، لأنهم جميعا يخافون من مغبة التفكير، ويميلون إلى المنقول، فنكرر أنفسنا، ونكرر معارفنا، بالأسلوب الذي لا نجرؤ على تجاوزه. وهو أسلوب الأمر وأسلوب النهي الذي جاء به كتاب (لاتحزن) كمثال. فالكتاب رغم اختلافه عن غيره إلا أنه لم يتجاوز تلك الأساليب بدءاً من العنوان ومروراً بصيغ الأمر المتكرِّرة كثيراً في الكتاب. ربما كان اختلاف الكتاب في أنه بسط الأسلوب القديم ومزج في الأثر على القراء بين الآيات والأحاديث والتجارب الإنسانية من خلال أبيات من الشعر. ولكننا نبحث عن المزيد من العمق ومزيدٍ من القرب الذي يترك فينا أثراً قويا كما فعل كتاب السر). فهل كتاب (السر) جديرٌ حقيقة بمثل هذا الثناء، أم أنه نتاج التغيير ليس إلا. فإذا ما اعتدنا الأسلوب الجديد، انقلبنا عليه وصار محل نقمتنا. ومن غريب ما قالته في مقالها هذا وهي تحدثنا عن حقيقة (السر) قولها: (فكل ما وجدته في الكتاب الذي شارك فيه مجموعة من المسيحيين وربما اليهود هو التالي:
 إن الدعاء مخ العبادة فألحوا في الدعاء.
 لئن شكرتم لأزيدنكم.
 تفاءلوا بالخير تجدوه.
 الإيمان العميق بالله وبقدرته.
هذه النقاط الأربع هي الأسس التي بنيت عليها فكرة الكتاب).
فهل هذه هي الأسس التي بني عليها الكتاب فعلاً، أم أنه مبني على ضدها ونقيضها؟! كما ستراه إن شاء الله. إن مثل هذه القراءة السطحية تنم عن إشكاليةٍ عميقةٍ عند كثير من قرائنا الذين يقرؤون ولكن لا يفهمون ما يقرؤون، أو يفهمون حسب مزاجهم، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء فهم حقيقة الكلام كما هو. بل جلُّ همهم البحث عن الجديد لمجرد كونه جديداً، ولمجرد خروجه عن المألوفِ، حتى لو كان المألوف حقاً لا مريةَ فيه، والجديد باطلاً!!
• ويقال في كاتبة أخرى ما قيل هنا حيث ادعت ذات الدعوى في مقال لها معنون بـ (السر) وذلك في جريدة اليوم (العدد 12361)، قالت بعد ما تكلمت عن بعض أفكار الكتاب: (هي الأفكار الرئيسة في كل الأديان. الدعاء، الإيمان العميق بأن الكون مسخر لنا وبأن الخير غير محدود، وبأن الشعور بالرضا والشكر والحمد يولد خيرات أكثر. وهذا ما نجده في القانون القرآني أيضا: (لئن شكرتم لأزيدنكم)، وأن التفاؤل يجلب فعلا المسرات، أي كما قال محمد (صلى الله عليه وسلم) (تفاءلوا بالخير تجدوه)) وتقول أيضاً مبينة منهجيتها في قراءة هذا الكتاب: (كلما كنت أقرأ فقرة أو قسما من الكتاب، بشكل لا شعوري أجد نفسي أفكر فيما يقابله في القرآن الكريم أو في التراث الإسلامي أو الإنجيل أو البوذية).


ولقد ذهبت إلى إحدى مراكز البيع الرئيسة فهالني تهافت الناس على شرائه، ثم هالني أن الكتاب قد نفدت نسخه تماماً بعد أيام قلائل، ليس في الفرع الذي ذهبت إليه فحسب بل في مختلف الفروع وعلى مستوى مدنٍ مختلفة. فما السرُّ في انتشار (السر)، وما حقيقة السِّر المضمَّن في (السر)؟!

--------------------------------
الهوامش:

(1)  وقد صدر أولاً على شكل فيلم تعليمي/وثائقي ظهر على بعض الفضائيات، ثم بيع على شكل DVD، ثم طُوّر العمل ووسعت المضامين بهذا الكتاب. وهذا الفلم والكتاب وملفاته الصوتية قد حقَّقت جميعاً مبيعات هائلة.
(2)  وهي كاتبة ومنتجة أفلام تلفزيونية، ولدت سنة 1955م، وقد عُرفت من خلال عملها الأشهر (the Secret)، والذي أوصلها لتكون من ضمن قائمة (المائة شخص الأكثر تأثيراً في العالم) بحسب تقرير مجلة التايمز لعالم 2007، ويتسق هذا الكتاب مع مبادئ (حركة الفكر الجديد) (New Thought Movement) والتي يؤمن أصحابها -من مؤلفين وفلاسفة ومدربين وروحانيين وغيرهم- بمجموعة من المبادئ (الميتافيزيقية) والمختصة بطرائق العلاج، وتطوير الذات، وتأثير الفكرة في الماديات، وكتاب (السر) يدور حول هذه المفاهيم، ويروج لها وفق منظومة هذه الحركة، والتي انقسمت إلى جملة من المدارس المختلفة -كلها واقعة في انحرافات خطيرة- فيما يتصل بوجود الله وصلته بالإنسان، وبعضها أشد انحرافاً من بعض حيث تدعي أن الله في كل مكان، وأن روحه تسري في كل إنسان -تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً-.
(3)  بل ظهرت (أوبرا وينفري) بنفسها في برنامج (لاري كنج) مبشرة بكتاب (السر)، ومروجة لفكرته.
(4)  وصرت اليوم مقتنعاً بضرورة دراسة تقلبات (الموضة الفكرية) (والصرعات العلمية) (والتقليعات العقدية) في المجتمعات الغربية، فإنها -للأسف- عن قريب سترد علينا، وستجد من يصدق ويؤمن ويروج لها، كون القوم مصدرين ولا زلنا مستوردين، والله المستعان!
 

 

تحميل البحث