قراءة وتعريف

كل بدعة ضلالة – قراءة ناقدة وهادئة لكتاب مفهوم البدعة وأثره في اضطراب الفتاوى المعاصرة
book
علوي بن عبد القادر السقاف
عنوان الكتاب: كل بدعة ضلالة – قراءة ناقدة وهادئة لكتاب مفهوم البدعة وأثره في اضطراب الفتاوى المعاصرة
النـاشـر: مؤسسة الدرر السنية للنشر
ســنة الطبــع: 1432هـ - ط الأولى

  التعريف بموضوع الكتاب:

ما أخطر البدع, وما أعظم ضررها على الدين, لذا حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وتتابع العلماء من بعده على التحذير منها, وبيان خطورتها, من لدن الصحابة إلى يومنا هذا، وقد كتبت فيها المؤلفات قديماً وحديثاً, ومن هذه المؤلفات المعاصرة كتاب (كل بدعة ضلالة) لفضيلة الشيخ علوي بن عبد القادر السقاف، والكتاب عبارة عن قراءة ناقدة وهادئة لكتاب (مفهوم البدعة وأثره في اضطراب الفتاوى المعاصرة) للدكتور عبدالإله العرفج. والذي ذهب فيه إلى أن البدع تنقسم إلى واجب, ومستحب, وجائز, ومكروه, ومحرم.
وقد رد عليه المؤلف مقررًا أن البدعة من حيث معناها اللغوي منها الحسن ومنها السيئ وهذا ما عليه عامة العلماء، ومن حيث معناها الشرعي فلم يُنقل عن أحد من المتقدمين القول بهذا التقسيم، وكلهم متفقون على أنَّ كل بدعة ضلالة، وأول من قال بهذا التقسيم هو العز بن عبد السلام.
وذكر طائفة ممن يرون أن كل بدعة ضلالة؛ منهم ابن عمر, وأبو حنيفة, ومالك, والشافعي, وأحمد بن حنبل, وأبو عبيد القاسم بن سلام, وابن تيمية, وابن رجب, وابن حجر, وإبراهيم بن محمد الحلبي الحنفي, وابن حجر الهيتمي, ومحمد عبد الحي اللكنوي, ومحمد رشيد رضا, ومحمد عبد السلام الشقيري, ومحمد خليل هراس, وغيرهم. وهذا خلافاً لصاحب كتاب (مفهوم البدعة) الذي ذكر في الفصل الثالث: وهو (معنى البدعة في اللغة والشرع): أن من العلماء من ذمَّ جميع البدع، وهم على حد تسميته (المضيقون لمعنى البدعة)، ومنهم من ذمَّ بعضها ومدح بعضها، وهم أكثر العلماء على حد تعبيره، وهم من سماهم (الموسعون لمعنى البدعة).
ثم سرد الدكتور العرفج نصوص الموسعين، وبلغوا سبعة عشر عالمًا، وذكر نصوص المضيقين لمعنى البدعة، ولم يذكر إلا نصوص أربعة فقط، وأكثرهم من المتأخرين. وبين المؤلف من خلال رده أن صنيعه هذا قد يوهم أن جُلَّ العلماء من الموسعين لمعنى البدعة، بالإضافة إلى أن بعض من ذكرهم في الموسعين لم ينقل عنهم نصًّا صريحًا بتقسيم البدعة إلى خمسة أقسام؛ كابن رجب, وابن كثير, وابن حجر؛ فعدهم من الموسعين لمعنى البدعة فيه نظر.
وذكر صاحب مفهوم البدعة في الفصل الخامس: وهو (هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيما أحدثه الصحابة رضي الله عنهم)، وهو من أهم فصول الكتاب، ذكر فيه عددًا من الأمثلة يثبت فيها أن بعض الصحابة رضي الله عنهم أحدثوا عبادات أقرَّهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها: إحداث بلال ركعتين بعد الوضوء، وغيرها من الأمثلة، وأورد أمثلة أخرى في إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على بعض الصحابة أفعالًا أحدثوها، وانتهى المؤلف إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل من الصحابة ما أحدثوه، إن كان من أفعال الخير ومن جنس المشروع، ولم تتصادم مع نص شرعي، ولم يترتب عليها مفسدة، ولم تكن منافية أو مخالفة لهديه، ويَرُدُّ ما سوى ذلك.
 وقد أجاب المؤلف عن ذلك بعدة أمور منها:
أولا: أن هذا كان في زمن التشريع، وقبل اكتمال الدين؛ فكان الصحابة يجتهد الواحد منهم؛ فإن أقرَّه النبي صلى الله عليه وسلم أصبح فعله بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم سنة مستحبة، وإن أنكر عليه أصبح فعله غير مشروع، حتى نزل قول الله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}. [المائدة : 3]، ولم يثبت أن أحدًا من الصحابة أحدث أمرًا من عند نفسه بعد نزول هذه الآية.
ثانيا: أن الصحابة بشر قد يصيب الواحد منهم وقد يخطئ، وفعله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ليس بحجة حتى يقرَّه عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثا: أنه على مذهب القائلين بحجية إقرار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في زمن النبوة، فلا إشكال ولا شبهة حينئذ.
رابعا: أن فعل الصحابة في زمن النبوة كانوا يرجعون فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فما أقرَّه فعلوه، وما أنكره تركوه؛ فإلى من يرجع اليوم من أحدث في عبادة؟
خامسا:  أن الصحابة بلغوا منزلة من العلم والإيمان ومعرفة أحكام الشريعة والقدرة على الاجتهاد فيها لم يبلغها غيرهم، فكيف يسوي بينهم وبين غيرهم في ذلك؟
ولما ذكر صاحب (مفهوم البدعة) في الفصل السادس: وهو (هدي الصحابة رضي الله عنهم في المحدثات بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم)، أحد عشر مثالًا على ذلك؛ كجمع أبي بكر للقرآن، وجمع عمر الناس جماعة على إمام واحد في رمضان، وزيادة عثمان الأذان قبل دخول وقت الجمعة، وزيادة ألفاظ يسيرة في صيغة التلبية المشهورة، إلى غير ذلك...
  أجاب المؤلف عما ذكره الدكتور بأنه لا يخرج عن أحد حالات أربع وهي:
الحالة الأولى: إما أنها لا تصح سندًا.
الحالة الثانية:  أنها وسيلة وليست عبادة بذاتها.
  الحالة الثالثة: أنها مما لم يكن مقتضاه وموجبه موجوداً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الحالة الرابعة: أنها من الأذكار والنوافل المطلقة التي لم يقل ببدعيتها أحد.
وذكر صاحب مفهوم البدعة في الفصل التاسع: وهو(نماذج لاختلاف المضيقين لمعنى البدعة في حكم بعض المحدثات)، ما مضمونه أن تقسيم البدعة إلى الأقسام الخمسة يفسر اختلاف العلماء في الحكم على بدعية مسألة ما، أما تضييقهم لمعنى البدعة وأنها كلها ضلالة فليس فيه مسوغ لاختلافهم في الحكم، لذا فقد جمع عددًا من الأمثلة التي اختلف فيها المضيقون لمعنى البدعة؛ ما بين قائل ببدعيتها وقائل بجوازها.
وسرد المسائل التي اختلف فيها العلماء الذين يصفهم بالمضيقين لمعنى البدعة كابن باز والألباني وابن عثيمين والفوزان وابن جبرين، وبلغ عدد المسائل التي أوردها عشرين مسألة، ومنها: إقامة مجلس العزاء لثلاثة أيام ــ عَشاء الوالدين ــ تخصيص يوم الجمعة لزيارة القبور.. إلخ. وأنشأ جدولًا من ثلاثة أعمدة فيه المسألة, وحكمها, والقائل به؛ حتى يظهر الخلاف بين العلماء في الحكم عليها، وكيف خالف ابن باز ابن عثيمين، وابن عثيمين الألباني، والألباني ابن باز، وهكذا ليصل في النهاية إلى أن هذا يؤدي إلى تبديع بعضهم بعضًا، فمن حكم بالبدعية على مسألة ما فإنه يلزم منه تبديع من يُجوِّزها على حد فهمه.
 وقد أجاب المؤلف على ذلك بأن هناك فرقًا بين الحكم على مسألة ما بالبدعة، والحكم على من عملها بأنه مبتدع، وبين أنه لا يعلم أحدًا من هؤلاء العلماء بدَّع مخالفيه في هذه المسائل . مع كون جميع الأمثلة التي ذكرها هي من المسائل الفقهية التي اختلف فيها العلماء قديمًا وحديثًا، المضيقون لمعنى البدعة والموسعون. وأن جُلُّ العلماء الذين ذكرهم تأصيلهم وتقعيدهم واحد، وإن اختلفوا في تنزيل وتطبيق بعض القواعد على بعض المسائل.
وقد أجاب المؤلف عن إحدى عشرة مسألة مما ذكره ، وأعرض عن بقية المسائل لتشابهها مع ما أجاب عنه.
وفي الفصل العاشر: وهو (مقارنة بين ثلاث محدثات مستجدات : المولد النبوي ــ وصلاة القيام ــ وعشاء الوالدين). قارن صاحب كتاب (مفهوم البدعة) بين هذه المسائل الثلاث، ووضعها في جدول ليبرهن على أنه لا فرق بينها، وأن من أجاز واحدة منها يلزمه أن يجيز الباقي، بل زاد على ذلك بأن المنع من الاجتماع لصلاة القيام في رمضان أولى.
 وأجاب المؤلف عن ذلك بأن صلاة القيام لها أصل، فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، وفعلها الصحابة من بعده، أما تقسيمها قسمين أو ثلاثة، وفي أول الليل أو وسطه أو آخره؛ فهذه حسب ظروف الناس وأحوالهم. وأن عَشاء الوالدين الذي أجازه العلماء هو التَّصدُّق عنهما، وهذا له أصل في الشرع، وليس مجرد الذبح كما يوهم كلام صاحب (مفهوم البدعة). وأن الاحتفال بالمولد النبوي ليس له أصل في الشرع، ولم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا الصحابة بعد موته، بخلاف صلاة القيام.
وختم المؤلف كتابه بوقفات ثلاث:
الأولى: دعوة صاحب كتاب (مفهوم البدعة) للرفق مع المخالف ومخالفته لذلك.
 الثانية: كتاب (مفهوم البدعة) والمولد النبوي.
 الثالثة: حجية قول وفعل الصحابة رضي الله عنهم.

وقد أجاد المؤلف في نقده لكتاب (مفهوم البدعة) مبينا أن كل بدعة ضلالة، مع الرد على الشبه المستدل بها في هذا الباب، فجزاه الله خيرا.