مقالات وبحوث مميزة

 

 

مقـــاصِــدُ المُحتَسِبين

الشيخ فهد العجلان

6 محرم 1432هـ

 

بين يديَّ عشَرات الإيرادات والشُّبُهات التي توضَعُ باستمرار أمامَ ناظِرِي المحتَسِبين (الآمرين بالمعروف والنَّاهين عن المنكر)، تأتي بمقصِّها على شعيرةِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكَر، فتأخذ من أطرافِها وجوانِبِها وأعاليها حتى تنزِلَ بها إلى الموضِعِ المناسِبِ الذي لا ينالها فيه تهكُّمات وتذمُّرات المنحرِفين والعَلْمانيين، كما تقومُ هذه الإيرادات بدورٍ قاتمِ السَّلبية في الضَّغطِ على صدور ِالمُحتَسِبين ليصبحوا أقَلَّ غَيرةً وأخفَّ حماسةً وأضعف يقينًا.

سأستعرض هذه الإيراداتِ سريعًا، وسأنثرها جميعًا على الطاولة، وسأحاكمها إلى المقاصِدِ التي أرادَتْها الشَّريعة من شعيرةِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكَرِ، فلنتدبَّرْ نصوص القُرآنِ والسُّنَّة لنعرِفَ مرادَ اللهِ ومُرادَ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثمَّ نُسَلِّط هذه الإضاءةَ على تلك الإيراداتِ لنكشِفَ عَوارَها وخَلَلَها:

أولُ سؤال هنا: في كيفيَّةِ مَعرِفةِ مقاصد الشَّريعةِ في باب الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ، أو في أيِّ بابٍ آخرَ؟

قد ذكر المختَصُّون عددًا من الوسائِلِ والطُّرُقِ الكاشفة عن مقاصِدِ التشريع، أهمُّها وأوضَحُها هي ذاتُ الأوامِرِ والنَّواهي الصَّريحة في النَّصوصِ الشَّرعيَّة، فكلُّ نصٍّ شرعيٍّ جاء بأمرٍ أو نهيٍ، فهو مما يريدُه الله ويقصِدُه.

إذَن؛ فالمقصَدُ الأوَّلُ للاحتساب هو الامتثالُ لمراد الشَّريعة في وجودِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ، والانتهاءُ عن نهيها في تَرْكِ هذه الشَّعيرةِ.

نقرأ في كتاب الله: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} *آل عمران: 104*

وهو من صفاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، التي ذكرها القُرآنُ: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ} [الأعراف:157]

ويقول النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((من رأى منكم منكَرًا فلْيُغيِّرْه بيده، فإن لم يستطِعْ فبلِسانِه، فإن لم يستطِعْ فبقَلْبِه)).

فالمسلِمُ حين يأمُرُ بالمعروفِ وينهى عن المنكَرِ قد حقَّق المقصَدَ والغاية والمعنى الذي يريدُه الله منه، ويريدُه منه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.

فإذا قُمتَ بأداء الصَّلاة الفريضة جماعةً، أو أدَّيت فريضةَ الحجِّ، أو صُمتَ مع المسلمين شَهْرَ رمضان، فإنَّك تقوم بذلك امتثالًا وطاعةً وعبوديَّة لله، ولا تطُلب من وراء ذلك مصلحةً ولا سمعةً ولا غايةً دنيويَّة، ولو اعترض عليك أحدٌ: (بأنَّ هذه العباداتِ لا تقدِّمُ لك شيئًا ماديًّا ملموسًا) لرفَعْتَ يدك حمدًا لله أنْ لم يحرِمْك الهدايةَ، كما حَرَم هذا المسكينَ!

كما أنَّ من يقومُ بهذه العبادات لن يلتَفِتَ إلى ضاحِكٍ أو عابثٍ أو مثبِّطٍ أو حتَّى مؤذٍ ومُعتدٍ؛ لأنَّه يرى أنَّ طاعةَ الله لا تقبَلُ المفاضَلةَ مع حظوظِ النَّفسِ وأهوائِها.

كذلك المُحتَسِبُ؛ فهو حين ينصح ويذكِّر بالله يقومُ بعبادةٍ؛ كالصلاة والزكاة، لا يبحَثُ من ورائها عن غايةٍ دُنيويَّة ولا مصلحةٍ عاجلة، ولا يفتُّ في عَضُدِه ساخِرٌ أو عابِثٌ أو مثبِّطٌ؛ لأنَّ شأنَ العباداتِ ومَرضاةَ اللهِ أعظَمُ.

حين يتجلَّى هذا المعنى العظيمُ في قلب المسلم، فيرى أن (الأمرَ بالمعروفِ) و(النَّهيَ عن المنكَرِ) عبادةٌ يحبُّها اللهُ ويقصِدُها ويريدُ من عباده القيامَ بها، حين يتصَلَّبُ هذا الأصلُ تتفتَّتُ معه أشكالُ الاعتراضاتِ والإيراداتِ:

فحين يعتَرِضُ مُعتَرِضٌ بأنَّ (كلَّ شخص مسؤولٌ عن نفسه ولن يضرَّ إلَّا نَفْسَه) أو يطلب (بأن لا تتدخَّل في خصوصيَّات الآخَرِين) أو إذا حَسُنَ حاله قال (أصلِحْ حالَك، ولا عليك منهمَ!).

فهو إنسانٌ قد غاب عنه مقصَدُ الشَّريعة تمامًا؛ لأنَّ من أمرني بالصَّلاةِ هو من أمرني بهذه الشَّعيرةِ.

وإذا قال قائل: (لا فائدةَ من هذا الإنكارِ؛ فسواءٌ نصَحْتَ أم لم تنصَحْ، فالمنكَرُ لم ولن يتغيَّر!)

فهو إنسانٌ لم يستوعِبْ بعدُ أنَّ المسلِمَ لن يبحَثَ عن فائدةٍ أعظَمَ من امتثالِ أمرِ اللهِ، والقيامِ بما يريدُ اللهُ.

ولو قال قائِلٌ: (هم يعرفون أنَّه حرامٌ، وربَّما يكونون أعلم منك به، فلا معنى لإنكارِه)، فقد غاب عنه أنَّ هذه الشَّعيرةَ ليست موجَّهةً إلى تعليم النَّاس ما جَهِلوه فقط، بل التعليمُ جزءٌ من هذه الشَّعيرةِ، وليس هو كلَّ الشَّعيرةِ.

وسنَجِدُ في القرآنِ من مقاصِدِ هذه الشَّعيرة: تحصيلَ المعاني الشَّريفة التي ألبسها اللهُ للآمرين بالمعروف والنَّاهين عن المنكرين.

فقد وصف اللهُ هذه الأمَّةَ بالخيريَّة؛ لقيامها بهذه الشَّعيرةِ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:110]

ووصَفَها بالفلاحِ بسَببِ ذلك: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].

وجعَلَه من صفاتِ المؤمنين، ورتَّب لهم الرَّحمةَ بسَبَبِه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} *التوبة:71*.

كما ذمَّ اللهُ التاركين لهذه الشَّعيرة، المفرِّطين فيها، فقال سبحانه: {لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة:63]، وعابهم فقال تعالى: {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:79].

فالفلاحُ والخيريَّة والرَّحمة وغيرُها من المعاني العظيمة هي ثمرةٌ مِن ثمارِ القيامِ بهذه الشَّعيرةِ، وإهمالُها سَبَبٌ للعَيبِ والذَّم ِّوالهَلاكِ.

إذَنْ؛ فمن غير المتوقَّعِ ممَّن فَهِم هذه المقاصِدَ وكان مستحضِرًا لها أن يكونَ اعتراضُ بعضِهم (بأنَّ طبيعة الاحتساب تجعلُك إنسانًا غيرَ مقبولٍ لدى قطاعٍ كبيرٍ من النَّاسِ، وربَّما يَنفِرون منك، ويَسْتَثقِلون مجالِسَك؛ فالسُّكوتُ والمداراةُ والدُّخولُ في الموضوعات المشتَرَكة يجعلُك أكثَرَ جاذبيَّة وأقدَرَ على التواصُلِ والتعايشِ).

لن تكون هذه إلَّا ممازحةً ثقيلةَ الاعتبارِ؛ لأنَّ مقامَه عند الله لا يدانيه شيءٌ، وهو يستحضِرُ أنَّ استجلابَ رضا النَّاسِ هِبةٌ ربانيَّة لطالما حُرِمَ منها من داهنهم، ووَهَبها اللهُ لمن كان صادقًا معهم ولو خالفوه. (من التمس رضا النَّاس بسَخَطِ اللهِ، سَخِطَ اللهُ عليه وأسخط عليه النَّاسَ).

لا يشكُّ أحدٌ أن المُحتَسِبَ يضَحِّي بقَدْرٍ واضحٍ من سُمعتِه ومكانتِه وتقديرِ النَّاس له من جرَّاءِ هذا الأمرِ، فمن يدخُل في مكانٍ تصدَعُ فيه أصواتُ الموسيقى فيقومُ ناصحًا لهم، أو من يحضُر في مجالس تُلاك فيها أعراضُ النَّاسِ، فينصحُهم وينكِرُ حديثَهم... فربما يكونُ في محلِّ امتعاضهم وتذمُّرِهم من وجودِه، لكنَّ هذا ثمنٌ لا بدَّ أن يقدَّم لتحصيل المقامات العالية.

وأمَّا حين يكونُ المُحتَسِبُ لديه سلطةٌ تجعلُه حائلًا بين بعضِ النَّاسِ وشَهَواتِهم - كالقائمين على جِهازِ الحِسبةِ- أو حين يلتَهِبُ غَيرةً على انتهاكات من لديهم سطوةُ الإعلامِ؛ فإنه سيناله من التشويهِ والإسقاطِ والتبشيعِ ما لا يقدُرُه له إلَّا اللهُ.

ومن مقاصِدِ الاحتساب في الشَّريعة: تغييرُ المنكَرِ وإزالتُه وتطهيرُ المجتمعاتِ المسلِمةِ منه، كما قال النَّبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (من رأى منكم منكرًا فليغيِّرْه بيده، فإنْ لم يستطِعْ فبلسانِه، فإن لم يستطِعْ فبقَلْبِه، وذلك أضعفُ الإيمانِ).

فالأمرُ بالمعروفِ في مقصود الشَّريعة يرادُ به (الدعوةُ إليه وتثبيتُه والإلزامُ به)، والنَّهيُ عن المنكرِ في مقصود الشَّريعة يرادُ به (إنكارُه ومنعُه وإزالتُه).

فحين يحاوِلُ بعضُهم تقديمَ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ مع (سحب وصف الإلزامِ والمنعِ) فيكونُ من باب النَّصيحة والتعبير عن الرَّأيِ من دونِ أيِّ فَرضٍ أو إلزامٍ، فيقول: (ينصحُ الإنسان ويُبَيِّن له المنكَر، لكن من دون فَرضِ وصايةٍ عليه)، فهو رأيٌ بعيدٌ عن المعنى الشَّرعي لهذه الشَّريعةِ.

هي محاولة تلفيقيَّة لتقريبِ مفهومِ (الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ) من المفهومِ العلمانيِّ؛ لأنَّ العَلْمانيَّة لا تعارِضُ من تعبير الإنسانِ عن رأيِه، فيُظهِرُ ما يراه معروفًا وينكِر ما يراه منكرًا، لكِنْ من المرفوض والمستهجَنِ تمامًا أن يكون ثمَّ فَرضٌ أو إكراهٌ لأحَدٍ على أن يفعَلَ أمرًا أو يترُكَ شيئًا بناءً على أنَّ ذلك حُكمُ الشَّريعة؛ لأنَّ ذلك من قَبيلِ انتهاكِ الحُرِّيات وفَرْضِ الوصايةِ على الآخَرين.

ليس هذا التلفيقُ جديدًا؛ فقد اعتادت ذاكرتُنا الفكريَّة المعاصِرة أنَّ كلَّ حُكمٍ شرعيٍّ يواجَهُ بمعارضةٍ ورَفضٍ علمانيَّة لا بدَّ أن يقومَ من الإسلاميين من يتطوَّعُ لمحاولة تقديمِها بصورةٍ تكونُ مقبولةً لديهم من خلالِ التقليم والتقزيم للمفهومِ الشَّرعي حتى يبدوَ مقبولًا!

إذَنْ، فحين تنهى الشَّريعةُ عن أمرٍ فلا يكفي أن يكونَ التعامُلُ معه فقط بالنَّصيحةِ وإبداءِ الرَّأيِ من دونِ أن يكون ثمَّ تدخُّلٌ قانونيٌّ ونظاميٌّ من الدَّولةِ للإلزامِ به، فكلُّ المحَرَّمات في الشَّريعة تدخُلُ في ضِمنِ نِطاقِ الممنوعِ نظامًا، لا يجوزُ انتهاكُه، ومن فعل فهو معرَّضٌ للعقاب.

يعترض البعضُ على هذا الكلام (أنَّ كثيرًا من المحَرَّمات في الشَّريعة لم تحَدِّدِ الشَّريعة لها عقابًا معيَّنًا؛ ممَّا يعني أنّه لا يلزمُ مُعاقبتُه ولا مَنْعُه!).

وهنا خطَأٌ فاحِشٌ، فعَدَمُ وجودِ عِقابٍ محَدَّد لا يعني أنَّ الفِعلَ يكون مشتهِرًا لا يُمنَعُ منه الإنسانُ، فيكفي أنَّ الشَّريعةَ حرَّمته حتى يكون ممنوعًا نظامًا، وحين يكونُ ممنوعًا نظامًا فلا بدَّ من عقابٍ لمن ينتَهِكُ النِّظام والقانون.

 هذه مقَدِّمات بَدَهيَّة، [فالمحرَّمُ لا بدَّ أن يكون ممنوعًا] و [الممنوع لا بدَّ أن يجازى من ينتهكه] وقد يسقط عنه العقابُ، لكِنْ لا يمكِنُ إسقاطُ العقوبة مطلقًا عنه، لأنَّ إسقاطها مطلقًا يعني أنَّك تمنع النَّاسَ من شيء وتبيحُ لهم في نفس الوقتِ أن يفعلوه مرارًا وتكرارًا من دون أن تفعل شيئًا، وهذا يؤدِّي تلقائيًّا إلى ألَّا يكوَن ممنوعًا، وحينها يكونُ مِثلَ المباح مِثلًا بمِثلٍ، وهذا منافٍ تمامًا ومناقِضٌ لمقصود الشَّريعة مِن جَعْلِه مُنكَرًا.

مثال يوضِّح المقصود: فحين تحرِّم الدولةُ نظامًا أن تُقطَعَ الإشارةُ وهي حمراء، فلا بدَّ أن يكون ثمَّ نظامٌ وقانونٌ يمنع مِثْلَ هذا الأمر، وحين يقَعُ الشَّخصُ في المخالفة فلا بدَّ من مجازاته، وقد تسقط عنه العقوبةُ لأيِّ سَبَبٍ كان، لكن لا يمكِنُ أن تمنع الدولة شيئًا من دونِ أيِّ جزاء؛ لأنَّ معنى هذا أن يقطعَ الإنسانُ الإشارةَ مَرَّةً وعشرين وألفًا من دون أي جزاءٍ، وهذا يجعل قَطْعَ الإشارة كمِثلِ أيِّ شيءٍ غير ممنوعٍ، فلا قيمة لكونه ممنوعًا، وحين لا يكون ممنوعًا فيكونُ إذَنْ من قبيلِ المباحات تمامًا.

كذلك الأمرُ في بقيَّة الأحكام الشَّرعيَّة؛ (فالخمر حرام، والرِّبا حرام، والطَّعنُ في الشَّريعة حرام، ونَشْر البِدَع حرام...) فلا بدَّ أن تكون ممنوعةً نظامًا، وأن يكون ثمَّ جزاءٌ لمن يخالف، وحين يشرحُها الإنسان على أنَّها محَرَّمات فقط في الشَّريعة، لكِنَّها في الواقع والنِّظام ليست محرَّمة، فهو تصوُّرٌ عَلْمانيٌّ للشَّريعة الإسلاميَّة يتصوَّرُ أنَّ في الإمكان أن يكون (ثمَّ محرَّمٌ في الشَّريعة) وليس هو (محرَّمًا في النِّظام والقانون)، وهذه هي فلسفةُ العلمانيَّة في عَزْلِ الدِّينِ عن الدَّولةِ.

وإذا عُرِفَ هذا الأصلُ زالت كافَّة الإشكاليَّات التي تثار على طبيعةِ عَمَلِ هيئة الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ؛ لأنَّه يقومُ ببَعضِ الواجِبِ في منع المنكَرِ وإقامةِ المعروفِ.

فقائلٌ: (إنَّ الأمر والنَّهي في الشَّريعة لا يحتاج لسلطةٍ، وإنما هو واجِبٌ اجتماعيٌّ يقوم به النَّاس) فهو بهذا يُسقِطُ صفةَ القوَّة والإلزام التي تتَّصِف بها هذه الشَّعيرة لتكونَ قريبةً من المفهومِ العَلْمانيِّ.

وينفي آخَرُ (صلاحيَّة الدَّولةِ للتدخُّلِ في مِثلِ هذه القضايا؛ لأنَّ هذا ليس من اختصاصِها)، وهذا مبنيٌّ على اعتقادِ أنَّ الدَّولةَ تكونُ محايِدةً في قضايا الدِّينِ، كما هي الرؤيَّة العلمانيَّة.

والمقصد الرابع لهذه الشَّعيرة: الإعذارُ إلى اللهِ، كما ذكر اللهُ ذلك في المناظرةِ التي جرت بين الفئةِ التي سكَتَت عن جريمةِ أصحابِ السَّبت مع الفئةِ التي أمَرَت ونَهَت {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف:164].

فمن مقاصِدِ هذه الشَّعيرةِ ومعانيها أن يقومَ المسلِمُ بالواجبِ حتى يبرأَ ويُعذَرَ أمام اللهِ.

ليس المطلوب أن يتغيَّرَ المنكَرُ ويزولَ، أبدًا ليس هذا هو المقصودَ الوحيدَ، إن حصل فبها ونِعْمَتْ، وإلا فقد حصل الإعذارُ، فحين يعترض شخصٌ متنَدِّرًا (بأنَّ هذا المنكَرَ لن يزول وأنَّ خَلْفَه مؤَسَّسات ونُظُمًا وقُوًى...) فهو لا يدري ما مقصود الشَّريعة من هذا الاحتسابِ؟!

فالحديث المتكَرِّر من بعض النَّاس من أنَّ (هذا المنكَرَ منتَشِرٌ وظاهِرٌ، وكلُّ النَّاس تفعلُه؛ فلا حاجة لإنكاره) كلامُ من لا يَعِي ماذا يريد المُحتَسِبُ من هذه الشَّعيرة.

نعم، لو كان المُحتَسِب يعلَمُ يقينًا أو غَلَب على ظنِّه أنَّ الشَّخصَ الذي وقع في الخطأ لن يُقلِعَ أبدًا عن فِعْلِه ولن يستفيد بتاتًا من نصيحتِه، فقد ذهب بعض العلماء إلى أنَّ هذا يكون سببًا لسقوطِ وجوبِ الأمرِ والنَّهيِ خِلافًا للرأيِ الآخَرِ -وقد حكاه بعضهم قولًا للعلماء- ممن يرون أنَّ الوجوبَ لا يسقُطُ بسبَبِ هذا. [انظر الآداب الشَّرعيَّة: 1/155]

لكِنْ لاحِظْ أنَّ الخلاف هنا في سقوط (الوجوب)، وليس في سقوط (الأمر والنَّهي) فهو مشروعٌ على كلِّ حال، وربَّما يقول بعضُهم: هو جائز، لكنهم في النِّهاية لا يمكن أن يكونَ حالُهم حالَ من يتعامَلُ مع المُحتَسِب في هذه القضايا على أنَّه (قليلُ بَصَرٍ، وضَعيفُ فِقهٍ، وغيرُ مُدرِكٍ للمقاصد الشَّرعيَّة)، بل وربَّما تحمَّس قليلًا فقال (هم سببُ زيادةِ المنكَراتِ)!!

على أنَّ الحديثَ عن عدَمِ تأثير الأمر والنَّهي حديثٌ تثبيطيٌّ بعيد عن الواقع، فللقيامِ بهذه الشَّعيرة دورٌ عظيمُ التأثير في إصلاحِ الأوضاعِ وتعديلِ السُّلوكِ وتقويم الانحرافات بما لا يخفى، لكِنْ هذه الرُّوحُ الكَسولة تبثُّ فيروسًا قاتِلًا لإحساس أيِّ شخصٍ يريدُ أن يقومَ بأداء هذا الواجِبِ، بحيث أنَّه سيتقاعَسُ حتى عن المنكَرات التي يجزمُ هو بإمكانيَّة تغييرِها، أو يغلِبُ على ظَنِّه، ومع ذلك فلن يفعَلَ شيئًا؛ لأنَّ الضَّعفَ قد سرى في رُوحِه وسَكن قَلْبَه، فما عاد يفكِّرُ في أيِّ إصلاحٍ، بخلاف أصحابِ العزائِمِ والهِمَمِ؛ فإنَّهم كثيرًا ما يصلِحُ اللهُ على أيديهم من الأمورِ المستعصية ما لم يكونوا يحتَسِبون، ولو التفتوا لهذه الدَّعَواتِ لَما قام آمِرٌ ولا ناهٍ.

على أنَّ الإصلاحَ ليس بالضَّرورةِ أن يكون لجميعِ النَّاسِ، ولكافَّةِ المجتَمَع، يكفي أن يتحقَّق الإصلاحُ ولو على بعض الأفرادِ؛ فإصلاحُ بعض النَّاس أو بعض السُّلوك هو مقصَدٌ ومَطلَبٌ شَرعيٌّ.

يا أخي: افتَرِضْ عدَمَ وجودِ أيِّ إصلاح ولا تأثير، يكفي أن تبقى المفاهيمُ والمعاني الشَّرعيَّة ثابتةً في النَّفوس، يكفي أن يعرفوا أنَّ الخَمرَ حرامٌ، والرِّبا حرامٌ، والموسيقى حرامٌ، والتبرُّجَ حرامٌ، ولو كانت هذه المحَرَّماتُ ضاربةً بأطنابها في المجتَمَعِ، يكفي أن تكون الأحكامُ ثابتةً لم تُنْسَ ولم تَمُتْ، وبقاءُ الأحكامِ كفيلٌ بإصلاحِ الأمور ولو بعد حينٍ.

فالكلماتُ التي تملأ فضاءَ النَّاس من قَبيل (الحملة ضدَّ هذا المشروع فاشِلة) و(إنكارُ هذا المنكَرِ خاسِرٌ) و(ستخسَرون) و(ستفشَلون) .. كلامُ من لا يعرف ما هو الفَشَلُ والنَّجاح في معادلةِ هذه الشَّعيرة. الفَشَلُ والخَسارةُ في عَدَمِ تحقيقِ مَقصَدِ الشَّريعة، القيامُ بها نجاحٌ بحَدِّ ذاتِه، يكفي في نجاحِه أن تبقى المفاهيمُ صحيحةً، فلو أنَّ شَخصًا صَلَّى في مسجدٍ ما عَشْرَ سنوات، وقام فيه اللياليَ الطويلة، ثم هُدِم هذا المسجِدُ وسُوِّي بالأرضِ، هل يكون هذا الرجل فاشلًا خاسرًا؟! أبدًا، ولا من قام ونصح وبيَّن ثمَّ ثبت المنكَرُ واستقرَّ، لا يكون فاشلًا ولا خاسرًا.

هذا الرِّبا مُنتَشِرٌ في كلِّ المجتَمَعاتِ الإسلاميَّة، لكِنَّ الجميعَ يقولُ: هو حرامٌ، وقُلْ مِثْلَها في الخمور والتبَرُّجِ وغيرها.

وهل وقف هذا التثبيطُ عند هذا الحدِّ؟

لا، فالضَّعفُ عن الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ مَرَضٌ يصيب النَّفوسَ، فتظهَرُ كثيرٌ من الأعراض على فِكْرِه وسُلوكِه من حيث لا يشعُرُ، وتتشكَّلُ في صُوَرٍ عديدة ليست إلَّا عَرَضًا لهذا المرَضِ؛ فمرَّةً يقول: (هذا المنكَرُ قادِمٌ قادِمٌ) ويتحدَّثُ بلغة الفاهم العارف بالمحيط السياسيِّ والمتغيِّرات الدوليَّة، وما أدري ما قيمةُ كونِه قادمًا أو غير قادم في الأمر والنَّهي؟! يا أخي لو كان قائمًا بجذورِه لوجب إنكارُه ولَمَا ساغ السكوتُ عنه، فكيف تزولُ هذه الشَّعيرة مع شيء لمجرَّدِ أنه سيَقْدَمُ؟!

والمشكِلةُ الأكبَرُ: أنَّ هذه المنكَراتِ القادمةَ كثيرة جِدًّا، وإذا أُبيدَ الحِسُّ الشَّعبي الرافِضُ والممانِعُ لأيِّ سُلوكٍ أو فكرٍ يخالف أصولَه وقِيَمَه، فمعناه أنَّنا سنكون مستعدِّين نفسيًّا للقَبول بكافَّة المُنكَرات والانحرافات التي يخطِّط لها، ليس فقط مجرَّد تخطيط، بل الأمر وصل إلى حدِّ التنفيذ ومتابَعةِ الدُّوَل ومعاقبة المتخَلِّف، كما هي قراراتُ الهيئات والمؤتمرات الدوليَّة التي تريد فَرْضَ أجندتها الفكريَّة في إشاعةِ الفاحِشةِ وتطبيعِ العَلاقاتِ المحرَّمة على كافَّةِ الدُّوَل، فمع هذه النَّفسيَّة الهزيلة لا يمكن للمجتَمَعات المسلمة أن ترفُضَ أيَّ شيء من هذه المؤتمرات والقرارات، وما عليهم سوى أن يقَرِّروا حتى تكونَ قراراتُهم موضِعَ التنفيذ لدينا؛ لأنَّنا أصحابُ حكمةٍ ونظَرٍ في عواقِبِ الأمورِ!

ومرَّةً يقول (النَّاس لديهم تحدِّياتٌ كبيرةٌ تمَسُّ هويَّة المسلم وتعرِّض أصولَه للذَّوبان...) ويواصِلُ في الحديثِ حتى يهوِّنَ من أيِّ مُنكَرٍ غيرِه، وكأنَّ وجودَ مُنكَرٍ كبيرٍ يكون سببًا لترك ما دونه من المُنكَراتِ!

وآخَرُ يستغرِبُ: (لا يصحُّ المطالَبةُ بجميع الأحكام الشَّرعيَّة، وإنما تكون المطالبةُ بالحدِّ الذي يمكِنُ أن يكون مقبولًا وممكِنَ التحقيقِ)، ولا مشكلةَ أن يكونَ هذا جزءًا من التنوُّعِ في الإنكارِ، فيُنكِرُ بَعضُنا المُنكَر بكلِّيَّتِه، ويطالِبُ بعضُنا بالتخفيف منه، لكنَّ الإشكاليَّةَ الحقيقيَّة أن تكونَ هذه المطالَبةُ الجزئيَّةُ هي الأصلَ، والحُكمُ الشَّرعيُّ وما عداه فهو غيرُ واعٍ ومحطُّ استخفافٍ وعَيب!

إلى غير ذلك من التبريراتِ التي ليتَه جعلها خطًّا له ومنهجًا خاصًّا به، لكنَّه يريد فَرْضَها على بقيَّة الإخوان المُحتَسِبين الغَيُورين الذين فيهم عزيمةٌ وقوَّةٌ واستعداد للتضحية والبذل، فيفتُّ في عَضُدِهم بمثل هذه الأشكالِ التبريريَّة التي ليست إلَّا أعراضًا للضَّعفِ الذي يصيبُ الإنسانَ.

إنَّ مفهومَ (الإعذار) يعني: أنَّ الله تعالى يريدُ من عباده أن يُشِيعوا الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المُنكَرِ، أن يكونَ ظاهرًا بينهم حتى ولو لم يكن ثمَّ نتيجةٌ أو ثمرةٌ لذلك، فالمقصودُ أن تُعذرَ وتُبَرِّئ ذمَّتَك وتُظهِرَ براءتَك وإنكارَك، حينها فأيُّ دعوى أو قول ينافي هذا الأصلَ، فهو معارِضٌ لمقصَدِ الشَّريعةِ.

فمن يكَرِّرُ القَولَ دائمًا وأبدًا بأنَّه (لا يجوزُ أن يترتَّبَ على المُنكَر مُنكَرٌ أعظَمُ منه) كلامٌ صحيحٌ، لكِنْ تكرارُه وإعادتُه بمناسبةٍ وغيرِ مناسبة لا يعدو أن يكونَ تثبيطًا وتخذيلًا، فهذا شرطٌ استثنائيٌّ لا يصحُّ أن يكون هو الأصلَ في تقرير هذه الشَّعيرة، فالأصلُ أن تأمُرَ وتنهى وتنصح وتذكِّرَ، وفي حالةِ وجودِ مِثلِ هذا الأمرِ يتوقَّفُ الإنسانُ، لا أن يكونَ هذا هو الأصلَ والقاعِدةَ المستَمِرَّةَ.

على أنَّ هذا الأصلَ يجِبُ أن يبقى استثنائيًّا، ويجِبُ أن يكونَ صادقًا ودقيقًا، فلا بدَّ أن يكون ثَمَّ مُنكَرٌ فِعلًا يترتَّبُ على هذا الإنكارِ، وقد تأكَّد الإنسانُ من وجودِه، ولا يصِحُّ أن يكونَ مِثلُ هذا الكلام إيرادًا ثابتًا يتحرَّكُ في كلِّ قضيَّة.

والمؤلمُ حقًّا أنَّ هذا الكلامَ يُشاعُ في وقتِ ضَعفِ القيام بهذه الشَّعيرة، وانتشارِ التفريطِ الكبيرِ فيها بين أوساطِ النَّاسِ، فبدلًا من أن يَشُدَّ عَزمَ النَّاس للقيامِ بها وإحياءِ معالِمِها، يزيدُ المشكلةَ ويعمِّقُ الخطأَ بمثل هذه التبريراتِ الباهتة.

قولوا لي بربِّكم: لو جاء شخص فتحدَّث عن الصَّدَقة بهذه الطريقة:

(الشَّخصُ قبل أن يتصَدَّقَ عليه أن يتأكَّدَ أين يَضَعُ صَدَقتَه؛ فقد يترتَّبُ على صدقَتِك مُنكَراتٌ ومفاسِدُ وجرائمٌ، فحَرامٌ عليك أن تتصدَّقَ في هذه الحالةِ، وأنت آثمٌ ومفَرِّطٌ حينَها!) وإذا سمع أحدًا يتحَدَّث عن الصَّدَقة جاءه تحفُّظٌ على دعوته للصَّدَقةِ بأنَّ الصَّدقة ليست مقبولة دومًا، بل قد تكونُ وَبالًا على صاحِبِها، ولا يكفي أن يتصدَّقَ الإنسان حتى ينال رضا اللهِ والجزاءَ الحَسَنَ .. إلخ.

لا شَكَّ أنَّه تصَرُّفٌ مَقِيتٌ ومُستهجَنٌ، لكِنَّه هو ذاتُ الأسلوبِ الذي يمارَسُ مع الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ.

ويطالب بعضُهم فيقولُ: (الحِكمةُ والعَقلُ أن نقبَلَ ببعض المخالفاتِ الشَّرعيَّة؛ لأنَّ مجيئَها حتميُّ الوجودِ، فلنقبَلْ بها أوَّلَ الأمرِ مع وَضعِ الضَّوابِطِ خيرٌ من رَفْضِها مطلقًا، فتأتيك بصورةٍ أعظَمَ من دونِ ضَوابِطَ).

يبدو شكلُها جميلًا حقًّا؛ أن تأتي بالمُنكَر بنسبة 40% مثلًا هذا اليوم، خيرٌ من أن يأتيَك بعد أسبوع أو شهر أو سنة بنسبة 90%! فهذه الحسبة الرياضيَّة رائعةٌ جدًّا، لكن هذا التفكيرُ الرياضي غيرُ قادرٍ على إيجادِ مِثالٍ واحدٍ فقط على هذه النَّظريَّة، سيتحدث طويلًا لكِنَّه لن يتمكَّنَ من أن يذكُرَ واقعةً ارتكب فيها المُنكَر استعجالًا، فحُفِظَ بسَبَبِ ذلك من قُدومِ المُنكَرِ الأشنَعِ ببركة الاستعجالِ في تقديمِه! فالذي يحصُلُ أنَّ مِثلَ هذا التفكير يُضعِفُ جانِبَ مواجهة المُنكَر ونُصْحِ أصحابِه، ويخَفِّف من حرارةِ المجتَمَع من وجودِه، حتى يمرَّ مرورَ الكرامِ، وأمَّا نسبة التخفيف فهي خياليَّة تجريديَّة تعيشُ في ذِهنِ صاحِبِها، ولا قيمةَ لها في الواقِعِ، بل الواقِعُ يقولُ: إنَّ المعارضةَ والممانعةَ والرَّفضَ هو الذي يخَفِّفُ المُنكَرَ القادِمَ، وهو الذي يجعَلُ ثَمَّ ضوابِطَ واحتياطاتٍ له؛ لأنَّ أكبَرَ عامل يُحسَبُ أمرُه هو عامِلُ الرَّفضِ الشَّعبي وموقِفُ النَّاس ونفرتُهم، فحين لا يكونُ ثَمَّ أيُّ رَفضٍ، فلا معنى لأن يخفَّ حضور هذا المُنكَرِ!

البنوك الإسلاميَّة لم تنشَأْ إلَّا من جَرَّاءِ الرَّفضِ العلميِّ الكبيرِ للبُنوك الرِّبَويَّة، فعاشت البنوكُ الرِّبويَّة فترةً، ثم نهَضَت البنوكُ الإسلاميَّةُ، ولو أنَّ المشايخ في ذلك الوقت قالوا: (نأخذُ بجوازِ الرِّبا ونبحَثُ عن تأويلٍ أو قولٍ مرجوحٍ هنا أو هناك، ونضع بعض القيود خيرٌ من ارتكاب النَّاس للحرام) لَمَا قامت البنوكُ الإسلاميَّة أبدًا، وقُلْ مثلَ هذا في الإعلامِ الإسلاميِّ وغيرِه.

ويبالغ بعضُهم فيضَعُ الشُّروطَ والقيودَ التي يجِبُ أن يلتَزِمَ بها المسلِمُ قبل أن يأمُرَ أو ينهى أو ينصَح، فيضعون من الشَّرائِطِ ما تؤدِّي إلى (إجهاض) هذه الشَّعيرة وإماتتها في النُّفوسِ.

فيَشتَرِطُ بعضُهم أن (لا تكون المسألةُ خلافيَّة) لأنَّه لا (إنكار في مسائلِ الخِلافِ)، مع أنَّ مسائِلَ الخلاف إن كان ثَمَّ نصٌّ شرعيٌّ فيها فإنها تعامَلُ كغيرها من المسائِلِ، وقد اتَّفَق الفقهاء على أنَّ القاضي إذا حَكَم بحُكمٍ فخالف الكِتابَ أو السُّنَّةَ أو الإجماعَ؛ أنَّه يجب نَقْضُ قوله إجماعًا، كما حكاه جمعٌ من العلماء، فإذا كان في حُكمِ القاضي فكيف بغَيْرِه؟

وهذا القَولُ يؤدِّي في نهايته إلى تصفيةِ هذه الشَّعيرة من الوجودِ؛ لأنَّ معنى هذا الكلامِ ألَّا يَنصَح ولا ينهى إلَّا من كان عالِمًا بجميعِ مذاهِبِ الفُقَهاءِ وأقوالِهم حتى لا يَنهى عن شيءٍ فيه خلافٌ، وكم عددُ هؤلاء النَّاس في المجتَمَع؟

ثُمَّ معنى هذا أنَّ الإنسانَ لا يراعي وجودَ آيَةٍ في كتابِ اللهِ أو حديثٍ في سُنَّةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإنَّما يراعي وجودَ خِلافٍ أو عَدَمَ خِلافٍ، فالمتَّبَعُ حِينَها لكلامِ العُلَماءِ لا لنُصوصِ الشَّريعةِ.

ومعنى هذا أيضًا أن (المُنكَر) ليس هو ما أنكَرَته الشَّريعةُ، و(المعروف) ليس هو ما أمرت به الشَّريعةُ، بل المُنكَر هو ما أجمع العُلَماءُ على إنكاره، والمعروفُ هو ما أجمع العلماءُ على اعتباره، فأصبح وَصْفُ الشَّريعة غيرَ حاسم في الموضوع.

ولشناعةِ هذا اللازمِ قال الفقيهُ الظَّاهِريُّ ابن حزم: (ولو أنَّ امرأً لا يأخُذُ إلَّا بما أجمعـت عليـه الأمَّةُ فقـط، ويترك كلَّ ما اختلفوا فيه ممَّا قد جاءت فيه النُّصوصُ، لكان فاسقًا بإجماعِ الأُمَّةِ) [الإحكام في أصول الأحكام:1/291]

وإذا عَلِمْنا إضافةً إلى ذلك: أنَّ المسائِلَ الخلافيَّةَ واسِعةٌ جِدًّا، خاصَّةً إذا أدخلنا فيها خلافاتِ المعاصرين، فلا يُوجَدْ إذَن ما يجوز إنكارُه إلَّا المحرَّماتِ الضروريَّة التي من أنكرها فقد كفر، كالزِّنا والخَمرِ ونحوهما، وأما عامَّة نصوص السُّنَّة فلا اعتبارَ لها ولا قيمةَ!

لأجْلِ ذلك كان الاحتجاجُ بالخِلافِ شُبهةً مَيتةً وقَولًا ساقطًا، كما قال ابن عبد البرِّ: (الاختلافُ ليس بحجَّة عند أحد عَلِمْتُـه من فقهاء الأمَّةِ، إلَّا مَن لا بَصَرَ له ولا مَعرِفةَ عنده ولا حجَّةَ في قَولِه) [جامع بيان العلم وفضله:1/115]

فالصَّحيحُ أنَّ هذه القاعدة (لا إنكار في مسائل الخلاف) بعيدةٌ جِدًّا عن هذا التداوُلِ لها في السَّاحة الفكريَّة، فهي قاعدةٌ في القضايا التي لا نصوصَ فيها، ومن جهة أخرى إنما تكونُ مع الشَّخصِ الذي يتَّبِعُ قولًا فقهيًّا باجتهادٍ منه أو باتِّباعٍ لعالمٍ يراه، وليس المقصودُ أنَّ هذه المسائِلَ لا ينكَرُ فيها مطلقًا، وإنما إذا كان شخصٌ ما قد اتَّبَع عالِمًا واستفتاه، فلا يُنكَرُ عليه؛ لأنَّه معذور.

فتطبيقُ هذه المسألةِ بهذه الطريقةِ يؤدِّي إلى إبادةِ الحِسِّ الاحتسابيِّ في النُّفوسِ، فلا يأمُرُ أحَدٌ ولا ينهى، وتُفعَلُ المحرَّماتُ وتُشاعُ ويُبحَثُ عن أيِّ قولٍ فِقهيٍّ فيها، وكلُّ هذا منافٍ لمقصد الشَّريعة من (الإبراء) و (الإعذار).

لا مُشكلةَ كبيرةٌ لدَيَّ مع الشخص الذي يتَّخِذُ لنَفْسِه منهجًا في عدمِ الإنكار في مسائِلِ الخلاف بناءً على فَهمِه لهذه القاعدة أو توسيعِه لمفهومِ الخِلافِ المعتَبَر، فهذا في النِّهاية اختيارُه واجتهادُه، وإن كنتُ أراه مخطئًا، لكِنَّ الخَلَلَ الأكبَرَ أن يعتَقِدَها قاعدة كلِّيَّة يحاكِمُ النَّاسَ إليها، ويلاحِقُ إخوانه بها ويُضعِفُ من نشاطهم وحماسهم، وقد كان كافِيَه أن يعرِفَ أن هذه القاعدةَ هي محلَّ خِلافٍ أيضًا، وبالتالي فلا يجوزُ له أن يُنكِرَ بها على الآخرين لأنَّه يعتَقِدُ بالصَّوابيَّة المطْلَقة لقاعدةِ (لا إنكارَ في مسائلِ الخِلافِ)!

خامِسُ هذه المقاصد القرآنيَّة للأمرِ بالمعروف والنَّهي عن المُنكَرِ: النَّجاةُ من العِقابِ الدُّنيوي؛ فوجودُ النَّاصحين الغَيُورين ضمانٌ في الدُّنيا من عقابِ اللهِ، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} *هود:117* فكَونُ الإنسانِ صالحًا في نَفْسِه لا يكفي للنَّجاةِ من الهلاك؛ فالعقوبةُ إذا نزلت لم تقتَصِرْ على الظَّالمين فقط {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25]

وفي الصَّحيحينِ لَمَّا قام النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَزِعًا يقولُ: (وَيلٌ للعَرَبِ مِن شَرٍّ قد اقتَرَب)، فقالت له أمُّ المؤمنين زينبُ بنتُ جَحشٍ رضي الله عنها: (أنهلِكُ وفينا الصَّالحون؟) قال: (نعَمْ، إذا كَثُر الخَبَثُ).

 إذا عرَفْتَ هذا، أدركْتَ سِرَّ هذا التلازم بين (الإيمان بوجود العُقوبات الإلهيَّة) وبين (احترامِ شعيرةِ الاحتسابِ)؛ فكلُّ من لا يبالي بهذه الشَّعيرة تجِدُ لديه إشكالًا عميقًا مع العقوبات، فالتفسيرُ المادِّي للحوادِثِ يؤدِّي به إلى إنكارِ وُجودِ عُقوباتٍ إلهيَّةٍ على المعاصي والذنوب، سواءٌ أنكرها بلِسانِه أو بحاله، وأمَّا من يؤمِنُ بوجودِ عقوباتٍ إلهيَّةٍ على المعاصي والذُّنوبِ، فهو يسلِّمُ بخَطَرِ هذه المعاصي وضرورةِ الاحتسابِ عليها.

ومن المقاصِدِ الشَّرعيَّة لها أيضًا: بيانُ الأحكامِ الشَّرعيَّة، فإظهارُ الأحكامِ الشَّرعيَّة، وإخبارُ النَّاس بما يريدُ اللهُ ويريدُه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منهم، هذا مقصَدٌ بحدِّ ذاته، وغايةٌ شريفةٌ، وعَمَلٌ عَظيمٌ، ولو لم يحصُلْ عَمَلٌ، وقد أخذ اللهُ الميثاقَ الغليظَ على أهلِ العِلمِ بالبيانِ {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187]

فالعِلمُ بالشَّريعةِ بحَدِّ ذاتِه بَركةٌ ونورُ وخَيرٌ، وهو سَبَبٌ للعَمَلِ بها وإشاعةِ تطبيقِها، لأجْلِ ذلك جاءت النَّصوصُ الشَّرعيَّة في الحَثِّ على العِلمِ والتعَلُّمِ والثَّناءِ على العُلَماءِ، وحين ينتَشِرُ الخَطَأُ ويعمُّ الانحرافُ ويَسكُتُ العُلَماءُ عن البيانِ بدعوى (فساد الزمان) و (عدم إمكانيَّة التغيير) و (أنَّ الفَسادَ قادِمٌ لا محالةَ) أو (مجاملة لأحدٍ من النَّاس)، فإنَّ معنى هذا أن تسودَ الغُربةُ لكثيرٍ من أحكامِ الشَّريعةِ.

كثيرًا ما يقول بعضُ النَّاسِ (تخوضون معارِكَ خاسرةً مع الموسيقى- الربا –الاختلاط - البِدَع- ..) وهي شائعةٌ ظاهرةٌ، وهَبْ أنَّ أكثَرَ النَّاسِ لم يعمَلوا بهذه الأحكامِ، بل هَبْهم كُلَّهم تركوها، يكفي أن تبقى مفاهيمُ الشَّريعة ظاهِرةً بيِّنةً واضِحةً يعرِفُها الصَّغير والكبير، فهذا مقصَدٌ شرعيٌّ عظيم، وهو ضمانةٌ لعودة النَّاسِ إلى الالتزام بها يومًا ما عاجلًا أو آجلًا، ولَئِنْ شاع مثلًا سماعُ الموسيقى في زمانِنا في أمكنةٍ كثيرةٍ فصار الشَّخصُ يسمَعُها دائمًا وأبدًا، إلَّا أنَّه مع هذا الظُّهورِ الكبيرِ لها، ومع وجودِ أقوالٍ وفتاوى كثيرةٍ تبحَثُ لها عن مخرَجٍ شرعيٍّ، إلَّا أنَّك لو سألتَ أيَّ أحَدٍ من النَّاسِ عن حُكمِها لقال لك مباشرةً: هي حرامٌ، وربما ساق لك بعضَ أحاديثِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهذا من بركةِ البَيانِ والتعليمِ الذي ينظُرُ في أهميَّة بيان الحُكمِ الشَّرعيِّ أولًا وأخيرًا، بغضِّ النَّظَرِ عن تطبيقِ النَّاسِ أو التزامِهم، قارِنْ هذا بمن ينظُرُ في هذا الموضوعِ فيرى انتشارَ المخالفةِ وابتلاءَ النَّاسِ، فيرى أنَّه (لا بدَّ من البَحثِ عن رأيٍ يوسِّعُ على النَّاسِ ما ضاق عليهم حتى لا يَقَعوا في الحَرَجِ ولا يكونَ هذا سببًا لمزيد من انحرافِهم)، فيسكُتُ عن القَولِ بالتحريمِ، وربما أفتاهم بالجوازِ، أو حكى لهم القولين جميعًا، تأمَّلْ كيف سيعودُ الأمرُ في النِّهايةِ على الحُكمِ الشَّرعي، فيُنسى أو يغيبُ لا بسَبَبِ أن َّالشَّخصَ لا يرى الحُكمَ أو يُضَعِّفُ أدِلَّتَه، بل بسَبَبِ مراعاتِه لحالِ النَّاسِ التي بسَبَبِها أضعَفَ أصلَ الحُكمِ الشَّرعيِّ، وما ذاك إلَّا لغفلةِ المسلِمِ عن مقصَدِ البيانِ وضَرورتِه.

ولو نظر المسلِمُ في موضوعِ البِدعةِ ومدى شناعتِها، وتحذيرِ الشَّريعةِ منها؛ لوجد أن من خطورةِ البدعة أنَّها تأتي بمفاهيمَ وأصولٍ جديدةٍ محَلَّ أصولِ الشَّريعة، فتأتي البِدعةُ لتدفِنَ السُّنَّة، حتى تشيعَ وتنتَشِرَ في النَّاسِ، فتكون هي الأصلَ والسَّائِدَ والواقِعَ بسَبَبِ غيابِ الآمرين والنَّاهين الذين يُظهِرون الأحكامَ، وهنا ظهَرت عَظَمةُ الذين قاموا بمقاومتِها وإظهارِ السُّنَنِ فيها، كيف استطاعوا أن يُبَيِّنوا أحكامَ الشَّريعة ويُظهِروها بعد أن عاشت مدفونةً بسَبَبِ ضَعفِ البيانِ والتعليمِ.

فحين يتحذلَقُ بعضُ النَّاس فيقولُ: (إذا جاء الأمرُ وتعَوَّد المجتمع عليه فستَخِفُّ المعارضةُ والممانعةُ، كما خَفَّت وضَعُفَت في أمورٍ أخرى، وبالتالي فالنفرةُ التي تجدونَها هي بسبَبِ عَدَمِ الاعتيادِ لا غير).

نعم، صَدَق ولا شَكَّ؛ فالشَّيءُ إذا تعوَّدت النُّفوسُ عليه فستألفُه وتعتادُه ولا تجِدُ نحوَه النفرةَ والاستنكارَ الكبيرَ، فمن يتعوَّد على رؤية الخُمورِ، ومُشاهَدةِ المناظِرِ الإباحيَّة، والمعامَلات الربويَّة؛ لن يجِدَ في نفسه تلك النفرةَ التي يجِدُها من كان بعيدًا عن هذه المحَرَّماتِ.

فهذا الوَصفُ صَحيحٌ، لكِنَّه وَصفٌ لا علاقةَ له بالموضوع، فسواءٌ اعتادت النُّفوسُ أم لم تعْتَدْ، العِبرةُ بكونِه مُنكَرًا أو معروفًا بما هو متقَرِّرٌ في الشَّريعة، بل ومِثلُ هذا الكلامِ يستدعي منه المزيدَ مِنَ الحِرصِ على هذه الشَّعيرةِ -لو كان صادقًا- حتى لا تعتادَ النُّفوسُ على المُنكَرات وتألَفَها، لا أن يطالِبَ ويحرِصَ على تطبيعِها في المجتمع حتى تخِفَّ حرارةُ الغَيرةِ والاستنكار، فلئلَّا يكونَ الاعتيادُ أو عدَمُ الاعتيادِ هو الحاكِمَ والمؤَثِّرَ على تحديدِ المعروف والمُنكَرِ، يجِبُ البيانُ والتعليمُ والإشهارُ للأحكامِ الشَّرعيَّة حتى يكونَ المعيارُ هو النَّصَّ لا الواقِعَ والدَّليلَ، ولا العادةَ والإِلْفَ.

فهذه أبرَزُ مقاصِدِ الشَّريعة من الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ: "الامتثال لأمرِ اللهِ"، و"الظَّفَر بالصِّفات الحسنة"، و"البراءة من الصِّفات الذَّميمة"، و"صيانة المجتمَعات من المُنكَرات"، و "بيان ما يريدُ اللهُ وما لا يريدُ"، و "الإعذار إلى اللهِ"، و"النَّجاة في الدنيا والآخرة" يجزمُ المسلِمُ من مجموعِها أنَّ الله تعالى يريدُ "إشاعة" هذه الصِّفة وترسيخَها وتعظيمَها في النَّفوسِ، وأن تكونَ أصلًا وقاعدةً ومنهجًا شاملًا للمجتمع المسلم، وأيُّ رأيٍ أو اجتهادٍ في هذه الشَّعيرةِ يجب أن يستحضِرَ هذه المقاصِدَ، ولا إشكالَ في وُجودِ قَدْرٍ من التبايُنِ والاختلافِ والاجتهادِ في تحقيقِ مَناطِ هذه الشَّعيرة، شريطةَ أن يكونَ هذا تنوعًا في القيامِ بهذه الشَّعيرةِ لا تهوينًا من جهودِ الآخرين، ولا تثبيطًا لعزائِمِهم أو استخفافًا بدَورِهم، وليس المقصودُ بأيِّ حالٍ من الأحوالِ ألَّا يكونَ ثَمَّ خطأٌ أو انحرافٌ في أفعالِ بعض المُحتَسِبين أو طرائِقِهم، أو الدَّعوة لعَدَمِ التعرُّضِ لها، كلَّا؛ فالإنكارُ عليهم جزءٌ من الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ.