مقالات وبحوث مميزة

 

 

توضيحُ المُبهَمَات في مسألةِ كَونِ جُدَّةَ مِيقات

الشيخ عبد الله بن منصور الغفيلي

 

الحمدُ للهِ وصلاةً وسلامًا على رسولِ اللهِ، أمَّا بعدُ:

فهذا بحثٌ مُختَصَر جمعتُه منذ بضْعِ سَنَوات، وفي كُلِّ مَرَّةٍ تحولُ دون مراجعتِه المهِمَّاتُ، وقد تجَدَّد العزمُ لتحريره وحَلِّ ما فيه من إشكالاتٍ، فكان الـرأيُ أن يُطرَحَ هكذا بين أيديكم، لعلَّه يحظى برأيِكم وتعديلِكم، لا سيَّما وقد أقبل موسِمُ الحَجِّ، لا حَرَم اللهُ كُلَّ مجتَهِدٍ أجْرَه، وأكرَمَه وأسبغ عليه فَضْلَه، آمين.

الحمدُ لله كما ينبغي لجلالِ وَجْهِه وعظيمِ سُلطانِه، أشكُرُه شُكرَ عبدٍ مُعترفٍ بالتقصيرِ عن شُكرِ نِعَمِه وأفضالِه، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورَسولُه صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وصَحْبِه وسَلَّم تسليمًا كثيرًا، وبَعْدُ.

فلقد ظهر في الآونةِ الأخيرة خِلافٌ بين بعضِ أهلِ العِلمِ حولَ اعتبارِ مدينةِ جُدَّة ميقاتًا مكانيًّا لأداء مناسِكِ الحجِّ والعُمرةِ، مع اتِّفاقِهم على أنَّها ميقاتٌ لأهلِها، ولَمَّا كانت تلك المسائِلُ من مُهِمَّات المسائِلِ لِمَسيس الحاجةِ إليها، مع كوني لم أقِفْ فيها على بحثٍ يجمَعُ متفَرِّقَها ويُبَيِّن مُشتَبِهَها(1)، وإن كنتُ لا أزعُمُ أنَّني سأصنع ذلك ببحثي هذا، بل هو إشاراتٌ يُستضاء بها وعلاماتٌ يُهتدى بها؛ إذ المقامُ يقتضي الاختصارَ، وإلَّا فهي من المسائِلِ الكبارِ، وإنَّما رَغِبتُ على إيقافِ القارئ الكريمِ على أطرافِ المسألةِ ووسطِها، فأقولُ مستعينًا باللهِ متوكِّلًا عليه:

أولًا: لقد اختلف أهلُ العِلمِ في هذه المسألةِ على أربعةِ أقوالٍ، وسببُ خلافِهم هو اختلافُهم في تفسيرِ المحاذاةِ، وتطبيق معناها على مدينةِ جُدَّة.

فمن قال بأنَّ مدينة جُدَّة محاذيةٌ لميقات الجُحفةِ أو يَلَمْلَم؛ فإنه يعتبر مدينةَ جُدَّة ميقاتًا، ومن لا فلا، ومن قال: إنَّ معنى المحاذاة هي كونُه الموضوعَ المحاذيَ واقعًا بين ميقاتينِ على خَطٍّ واحدٍ، قال: إنَّ مدينةَ جُدَّة ميقاتٌ، ومن لم يفَسِّرْها بذلك فلا يعتبر جُدَّة ميقاتًا(2).

ولذا فإنَّه يجدُرُ التقديمُ بتعريف المحاذاة لغةً واصطلاحًا فأقولُ:

إنَّ المحاذاةَ في اللغة -كما قال في القاموس-: مِن حاذاه، أي: آزاه، والحِذاءُ: الإزاءُ إلخ.."(3).

وقال في اللسان: "جاء الرَّجُلانِ حَذيتَينِ، أي: كُلُّ واحد منهما إلى جنبِ صاحِبِه"(4)، وقال في المصباح: "حَذَوْتُه أحذُوه حَذوًا وحاذيتُه محاذاةً، هي الموازاةُ، وحذوتُ النَّعلَ بالنَّعلِ: قدَّرْتُها بها وقطَعْتُها على مِثالِها وقَدْرِها"(5).

فيتَّضِحُ بذلك أنَّ المحاذاة في اللغة تعني: الإزاءَ والمماثلةَ والمساواةَ.

والمحاذاةُ اصطلاحًا: هي أن تكونَ مسافةُ المحاذي والمحاذي به من الحَرَم سواءً، كما ذكره ابن الأثير(6)، ويُفهَمُ من كلامِ شيخ الإسلام أن المحاذاةَ هي أن يكون بُعْدُ المحاذي والمحاذي في البيت واحدًا(7).

وقال ابنُ حَجَرٍ في قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (انظُروا حَذْوَها) أي: اعتَبِروا ما يقابِلُ الميقاتَ من الأرض التي تسلكونها.(8) ولم أقِفْ على مخالفٍ من أهلِ العِلمِ المتقَدِّمين في تفسيرِ المحاذاة(9).

ثانيا: الخلافُ في اعتبار مدينة جُدَّة ميقاتًا مكانيًّا:

اختلف أهلُ العلم المعاصرون(10) في هذه المسألةِ على أربعةِ أقوالٍ:

القولُ الأوَّلُ: أنَّ مدينة جُدَّة ميقاتٌ مكاني مطلقًا، فيجوز للقادم من جميع الجِهاتِ أن يُحرِمَ من جُدَّة، سواءٌ كان قدومُه بَرًّا أو بحرًا أو جوًّا. وممن قال بهذا القوِل الشيخُ عبد الله بن زيد آل محمود، رئيس محاكم قطر(11) والشيخ عدنان عرعور(12).

القولُ الثَّاني: أنَّ جُدَّة ميقاتُ القادمين بالطَّائرةِ جوًّا وبالسفينة بحرًا.

وممَّن قال به الشَّيخُ محمد الطاهر بن عاشور، والدكتور محمد الحبيب بن الخوجه، والشيخ عبد الله كنون من المغرب، والشيخ عبد الله الأنصاري من قطر، ولجنة الفتوى بالأزهر الشَّريف في تصحيحِها لفتوى جعفر بن أبي اللبني الحنفي، بجوازِ تأخيرِ إحرامِ الأفاقيِّ إلى جُدَّة وغيرهم(13).

القول الثالث: أنَّ جُدَّة ليست ميقاتًا إلا للقادم من غَربِها مباشرةً، وهم أهلُ السَّواكنِ في جنوب مصر وشمال السودان، وممن قال به الشيخ عبدُ الله بن حُميد؛ رئيس المجلس الأعلى للقضاء في السعودية سابقًا، والشيخ عبد العزيز بن باز؛ مفتي عام السعودية سابقًا(14)، والشيخ صالح بن محمد اللحيدان؛ رئيس المجلس الأعلى للقضاء حاليًّا(15)، والشيخ أبو بكر محمود جوفي؛ عضو المجمع الفقهي(16)، والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين؛ عضو الإفتاء سابقًا في السعودية(17) وغيرهم.

القولُ الرَّابعُ: أنَّ جُدَّة ليست ميقاتًا مطلقًا، وممن قال به أعضاءُ مجمَعِ الفِقه الإسلاميِّ في الدَّورةِ الثالثةِ (18).

ثالثًا: أدلَّةُ الأقوالِ:

أدلة القول الأول:

الدليلُ الأوَّلُ: ما رواه ابنُ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: (لَمَّا فُتِحَ هذان المصرانِ -أي الكوفة والبصرة- أتَوا عُمَرَ، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنَّ رسولَ الله حدَّ لأهل نجْدٍ قرنًا، وهو جَورٌ عن طريقِنا، وإنَّا إن أرَدْنا قرنًا شَقَّ علينا، فقال: انظُروا حَذْوَها من طريقِكم، فحَدَّ لهم ذاتَ عِرقٍ)(19).

وَجهُ الدَّلالةِ منه: أنَّ القاعدةَ في تحديدِ المواقيتِ غيرِ المنصوصِ عليها هي المحاذاةُ، وحَدُّها أن تكونَ مسافةُ المحاذي والمحاذي به عن مكَّةَ متساويةً، أو يكون الموضِعُ المحاذي واقعًا بين ميقاتينِ على خَطٍّ واحدٍ.

فتبَيَّن بذلك أنَّ مدينةَ جُدَّة ميقاتٌ مكاني؛ لأنها محاذيةٌ لميقاتَيِ الجُحْفة ويَلَمْلَم حيث تقع بينهما، وهي جميعًا على خطٍّ واحدٍ، كما أنَّ مسافةَ جُدَّة عن مكَّة مقارِبةٌ لمسافة يلَمْلَم عن مكَّةَ، فيتحَقَّقُ بذلك معنى المحاذاة في جُدَّة.

وأجيب: بأنَّ ما ذكَرْتُموه من أنَّ القاعدةَ في تحديد المواقيت غير المنصوص عليها هي المحاذاةُ: صحيحٌ، لكِنَّ حَدَّ المحاذاة الذي ذكرتُموه لا يُسلَّمُ بإطلاقٍ، فتفسيرُكم المحاذاةَ بالمعنى الثاني، وهو كونُ الموضِعِ المحاذي واقعًا بين ميقاتينِ على خطٍّ واحدٍ، فهذا غيرُ مُسَلَّم لغةً وشرعًا، وذلك أنَّ كلمة "حذا" في اللغةِ لا تدُلُّ على تسمية المكان الواقع بين مكانين محاذيًا(20)، ولو صَحَّ هذا المعنى لغةً؛ فإنَّه لا يصِحُّ شرعًا لأنَّه سيؤدِّي إلى أنَّ أيَّ مكان واقع بين مكَّةَ والمدينة يُسَمَّى محاذيًا للمواقيتِ، فيجوزُ الإحرامُ منه؛ لأنَّه يَصدُقُ على مكَّةَ اسمُ مكانٍ، كما يَصدُقُ هذا الاسمُ على المواقيتِ أيضًا(21).
ثمَّ إنَّ هذا التفسيرَ للمُحاذاةِ -وهو كون المكان واقعًا بين ميقاتين على خطٍّ واحدٍ- مخالِفٌ لتفسيرِ أهلِ العِلمِ، كما تقَدَّم بيانُه(22).
وأما المعنى الأول للمُحاذاة -وهو كونُ مسافة المحاذي والمحاذى به عن مكَّةَ متساويةً- فصحيحٌ، إلَّا أنَّ تنزيلَه على مدينةِ جُدَّة، وكونها محاذيةً للجُحفةِ(23) أو يَلَمْلَم(24) غيرُ صحيحٍ؛ وذلك لأنَّ مسافتها عن الحَرَمِ متفاوتةٌ وليست سواءً، فمسافة جُدَّة عن الحَرَم تقارِبُ سبعين كيلًا، بينما مسافةُ الجُحفة عن مكَّةَ تقارِبُ مائة وسبعة وثمانين كيلًا، ومسافةُ يَلَمْلَم عن مكَّةَ أربعة وتسعون كيلًا(25)، فكيف نقولُ بالمحاذاة، وهي تساوي بُعْدَ المكانينِ عن الحَرَمِ مع هذا التفاوتِ الظَّاهِرِ؟!كما أنَّ جُدَّة تقع في جهةٍ أخرى غيرِ جِهةِ يَلَمْلَم.

الدليلُ الثَّاني: أنَّ أهلَ العِلمِ قد اتَّفَقوا على أنَّ من قَدِمَ من مكانٍ لا ميقاتَ له يُحرِمُ من مسافةِ أقرَبِ المواقيت إليه إذا كان حَذْوَه، ولَمَّا كان القادمون إلى جُدَّة من المغربِ ليس لهم ميقاتٌ مُعَيَّن يُحرِمون منه، وكان أقرَبُ ميقات إلى جُدَّة هو يَلَمْلَم، وكانت مسافتُه عن مكَّةَ تساوي مرحلتين، وكذا مسافة جُدَّة عن مكَّة، فهما متساويتا المسافة عن مكة، فجُدَّة إذَنْ ميقاتٌ مكاني إضافي على المواقيتِ المنصوصة(26).

وأجيبَ عنه: بأنَّه لا يُسَلَّم حكايةُ الاتفاقِ على أنَّ من قَدِمَ من مكانٍ لا ميقاتَ له أنَّه يُحرِمُ من مسافةِ أقرَبِ المواقيت إليه إذا كان حَذْوَه، بل لقد نقل ابنُ حزم الخلافَ في ذلك على رأيَينِ، فقالت طائفةٌ: يُحرِمُ، وقال آخَرون: لا يُحرِمُ(27). وقال: "وأمَّا سائرُ الرِّواياتِ التي ذكَرْنا عن الصَّحابة والتابعين، فليس في شيء منها أنَّهم مَرُّوا على الميقات، وإذ ليس فيها فكذلك نقول: إنَّ من لم يَمُرَّ على الميقات فلْيُحرِمْ من حيث شاء"(28). وعليه فإنَّه لا يُحتجُّ على المخالِفِ بمحَلِّ النزاعِ.

الدليل الثالث: أنَّه لا محاذاةَ في البحر البتَّة، وذلك:

1- لأنَّه يتعَذَّر تعيينُ المواقيتِ فيها.

2- ولأنَّه لم يقُمْ على هذا دليلٌ في الكتابِ والسُّنَّة أو الإجماعِ.

3- ولأنَّه لا تتحَقَّقُ في البحر المحاذاةُ على المعنى الصحيحِ، فيتبَيَّن بذلك أنَّ للقادِمِ من البحر تأخيرَ الإحرامِ إلى جُدَّة(29).

وأُجيبَ عنه: بعدمِ التسليمِ بأنَّه لا محاذاةَ في البحرِ، فهذا مخالِفٌ لِما ذهب إليه أهلُ العلم من وجوبِ الإحرامِ على من كان البحرُ طريقَه إلى مكَّةَ إذا حاذى الجُحْفةَ أو يَلَمْلَم(30)، بل المحاذاةُ حاصلةٌ لِمن كان البحرُ طريقَه ولا تتعَذَّرُ المحاذاة في البحرِ، كما أننا نقولُ بأنَّه لا ميقاتَ في البحر، ولكِنْ يمكِنُ محاذاةُ ميقاتِ الجُحفةِ ويَلَمْلَم، وهما قريبانِ من البحرِ، وليست محاذاتُهما متعَذِّرةً للقادِمِ من الشِّمالِ أو الجنوبِ.

الدليلُ الرابع: أنَّ مدينة جُدَّة لا تخلو:

1- إمَّا أن تكونَ داخِلَ المواقيتِ والمواقيتُ خَلْفَها.

2- أو خارجَ حدودِ المواقيتِ.

3- أو على المحيطِ نَفْسِه.

أمَّا الحالةُ الأولى: فيعني هذا الزِّيادةَ على مسافةِ المحاذاةِ، وهذا مردودٌ شرعًا وواقعًا.

وأمَّا الحالةُ الثانية: فلا يقولُ بها أحدٌ، وأما الحالة الثالثة: فهي المتعَيِّنةُ، فتكونُ جُدَّة ميقاتًا.

وأجيبَ عنه: بأنَّ هذا التقسيمَ قائمٌ على تفسير أصحاب هذا القولِ للمحاذاة، وإثباتُهم أنَّ جُدَّةَ محاذيةٌ لميقاتَيِ الجُحْفة ويَلَمْلَم، وهذا قد تقدَّم الجوابُ عنه، وإنما نقولُ: إنَّ مدينة جُدَّة داخِلَ المواقيتِ، وليست محاذيةً لأحَدِها؛ لكونِها أقرَبَ إلى مكَّةَ من ميقاتَيِ الجُحْفة ويَلَمْلَم؛ ولذا فالواجِبُ على القادم من الشَّام ومصر برًّا وبحرًا وجوًّا الإحرامُ من الجُحْفة أو ما كان حَذْوَها، وكذا القادمُ من اليمن سواءٌ كان ذلك برًّا أو بحرًا أو جوًّا؛ فإنَّه يُحرِمُ من يَلَمْلَم.

أدِلَّةُ القَولِ الثاني:

أولًا: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يُعَيِّنْ مواقيتَ في الجوِّ؛ لأنَّ الطائرات لم تكن موجودةً في عهد النبُوَّة ولا متصَوَّرة، فلا يَصدُقُ على أهل الطائرات أنهم أتوا الميقاتَ المحَدَّد لهم لا لغةً ولا عُرفًا؛ لكونِ الإتيانِ هو الوصلَ للشَّيءِ في محَلِّه(31).

وأجيبَ عنه: بأنَّ الشَّريعةَ صالحةٌ لكُلِّ زمان ومكان، وأنَّ الهواء تابعٌ للقرارِ، كما قَرَّر أهلُ العِلمِ؛ ولذا فلو صلَّى في الطائرةِ أو وَقَف بعَرفةَ في الجَوِّ صَحَّت صلاتُه وحَجُّه، ولم يوقِّتْ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذه المواقيتَ في هذه الأماكِنِ إلا ليتَّخِذَ من النصوصِ قُدوةً وأسوةً لحُرمةِ البيتِ العتيقِ، سواءٌ كان طريق الحاج برًّا أو جوًّا، ثم إنَّ الإتيانَ متحَقِّقٌ في المرورِ به مع عَقدِ نيَّةِ الدُّخولِ في النُّسُكِ، ويَصدُقُ على راكِبِ الطائرة أنه مرَّ بالميقاتِ؛ إذ لا يُشتَرَطُ في المرور المماسَّةُ(32).

ثانيًا: ولأنَّ المحاذاةَ لا يمكِنُ أن تتصَوَّرَ في الجَوِّ ولا تنضَبِطُ، وكذا في البحرِ(33).

وأجيبَ عنه: بعدمِ التسليمِ، بل المحاذاة مُتَصَوَّرة في الجَوِّ والبحر؛ لأنَّ المحاذاةَ تقريبيَّةٌ، كما يمكِنُ الاحتياطُ لذلك حتى لا يتجاوَزَ النَّاسِكُ الميقاتَ دون أن يُحرِمَ.

ثالثًا: ولأنَّ في إلزامهم بالإحرامِ في الجوِّ مَشقَّةً عليهم، والمشقَّةُ تجلِبُ التيسيرَ(34). وأجيب: بعدمِ التسليمِ بوجودِ المشقَّة، بل يمكِنُ الإحرامُ في الجوِّ بيُسرٍ،كما أنَّه يمكِنُ تقديمُ الإحرامِ قبل ركوبِ الطَّائرة، وعَقْدُ النيَّة عند المرور بالميقات، وكذا الحالُ بالنسبة لركَّاب السَّفينة، بل هي أيسَرُ من الطَّائرةِ من جهةِ السَّعةِ وبُطءِ الحركةِ، بحيثُ يتمَكَّنُ المحْرِمُ من لُبسِ إحرامِه بسُهولةٍ.

رابعًا: ولأنَّ الحِكمةَ في وَضعِ المواقيت في أماكِنِها الحاليَّةِ كونُها بطُرُقِ النَّاسِ، وعلى مداخِلِ مَكَّةَ، وكُلُّها تقع بأطرافِ الحجازِ، وقد صارت جُدَّة طريقًا لجميعِ ركَّاب الطَّائرات والسُّفُن، ويحتاجون بداعي الضرورةِ إلى ميقات أرضٍ يُحرِمون منه لحَجِّهم وعُمرتِهم، فوجبت إجابَتُهم، كما وَقَّت عُمَرُ لأهلِ العِراقِ ذاتَ عِرقٍ؛ إذ لا يمكِنُ جَعلُ الميقات في أجواءِ السَّماء أو في لُجَّة البحر الذي لا يتمكَّنُ النَّاسُ فيه من فِعلِ ما ينبغي لهم فِعْلُه من خَلعِ الثيابِ والاغتسالِ للإحرامِ والصَّلاةِ، وسائر ما يُسَنُّ للإحرامِ؛ إذ هو ما تقتضيه الضرورةُ وتوجِبُه المصلحةُ ويوافقُه المعقولُ، ولا يخالِفُ نصوصَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم(35).

وأُجيبَ: بأنَّ وَضعَ المواقيتِ في طريق النَّاسِ لا يلزمُ منه أنَّه كُلَّما استحدث النَّاسُ طريقًا وُضِعَ لهم ميقاتٌ بدون نَظَرٍ إلى المواقيتِ المنصوصةِ، ولا محاذاة لها؛ إذ لو كان كذلك لَمَا صار لتلك المواقيتِ شَرعيَّةٌ، ولم يكُنْ لوضعها كبيرُ أثَرٍ، ثم إنَّ تفاوُتَ مسافاتِها يُدُّل على مقصَدٍ تعَبُّدي تجِبُ مراعاتُه ورَبطُ المواقيتِ الأخرى بها، كما يدُلُّ عليه أيضًا حديثُ عُمَرَ المتقَدِّمُ في توقيتِ ذاتِ عِرقٍ؛ حيث قال "انظُروا حَذْوَها"(36) أي: حَذْوَ قَرنِ المنازِلِ.

وأمَّا كونُ الميقاتِ في جوِّ السماءِ أو لُجَّة البحر، فلا إشكال فيه؛ إذ الشريعةُ جاءت لكل الأزمانِ، واللهُ لا يخفى عليه صُنْعُ تلك الطَّائراتِ والسُّفُنِ، فهو القائِلُ {وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُون} (37).

وأمَّا خَلعُ الثياب والاغتسالُ للإحرامِ والصَّلاةِ، وسائِرُ سُنَنِ الإحرامِ، فإنَّها تُقَدَّمُ قبل ركوب الطائرة؛ لأنَّه إذا تعارض عندنا الإحرامُ قبل الميقاتِ أو بَعْدَه، فيُقَدَّمُ الإحرامُ قبل الميقاتِ، ولا رَيْبَ؛ لأنَّه جائِزٌ بدونِ تعارُضٍ مع الإحرامِ بعد الميقاتِ، فكيف إذا تعارَضَ(38).

أدِلَّةُ القَولِ الثَّالثِ:

الدليلُ الأوَّلُ: ما رواه ابنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قال: (وقَّت رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأهلِ المدينةِ ذا الحُلَيفة، ولأهل الشَّام الجُحْفةَ، ولأهلِ نَجدٍ قَرْنَ المنازِلِ، ولأهلِ اليَمَنِ يَلَمْلَم، هُنَّ لهُنَّ، ولِمن أتى عليهنَّ من غيرِ أهلِهنَّ ممَّن كان يريدُ الحَجَّ والعُمرةَ، ومن كان دونَ ذلك فمُهَلُّه مِن أَهْلِه)(39).

وجهُ الدَّلالةِ: أنَّ الحديثَ دَلَّ على وجوب إحرامِ من مرَّ على هذه المواقيتِ، وليس من أهلِها، ولا يجوزُ له تأخيرُ الإحرامِ إلى جُدَّة أو غيرِها ممَّا يلي الميقاتَ الذي مرَّ عليه، ولَمَّا كانت المواقيتُ محيطةً بالحَرمِ عدا جِهةِ الغربِ لمدينة جُدَّة؛ فلذا لا يجوزُ تجاوُزُ الميقات للإحرامِ من جُدَّة إلَّا للقادم من غَرْبِها، وهي جهةُ جنوبِ مِصرَ وشمال السودان.

الدليلُ الثَّاني: ما رواه ابنُ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: (لَمَّا فُتِحَ هذان المصرانِ -أي الكوفة والبصرة- أتَوا عُمَرَ، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنَّ رسولَ الله حدَّ لأهل نجْدٍ قَرْنًا، وهو جَورٌ عن طريقِنا، وإنَّا إن أرَدْنا قرنًا شَقَّ علينا، فقال: انظُروا حَذْوَها من طريقِكم، فحَدَّ لهم ذاتَ عِرقٍ) (40).

وجهُ الدَّلالة: أنَّ الإحرامَ يكون في الميقاتِ أو حَذْوَه، وجُدَّة ليست محاذيةً لأحدِ المواقيتِ، فمسافتُها إلى مكَّةَ أقرَبُ كما تقَدَّم، فلا تكونُ ميقاتًا إلا للقادِمِ من غَرْبِها مباشرةً لعَدَمِ وُجودِ محاذًى به قبل جُدَّة.

الدليلُ الثَّالِثُ: أنَّ جُدَّة كانت موجودةً في عهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولم يتَّخِذْها ميقاتًا، ولو كانت من المواقيتِ لنَصَّ عليه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، لا سِيَّما مع قُربِ مَوقِعِها ووضوحِه وأهمِّيَّتِه(41).

وأجيبَ: بأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يجعَلْها ميقاتًا؛ لكَونِ جهتِها غيرَ مأهولةٍ بالسُّكانِ، ولم يكُنْ حينذاك مسلمون في جنوب مصر وشمال السودان وجهتهما في أفريقيا.

وأجيبَ عن هذا الجوابِ: بأنَّ ذلك مَنزِلٌ على جهةِ غَربِ جُدَّة، ونحن نقولُ بأنَّها ميقاتٌ للقادِمِ من غَرْبِها، أمَّا القادِمُ من الشمال أو الجنوب أو الشرق، فليست ميقاتًا له، بل ميقاتُ ما يَمُرُّ عليه من المواقيتِ أو يُحاذيه.

أدِلَّةُ القولِ الرَّابع:

استدَلَّ أصحابُ هذا القولِ بأدِلَّةِ القَولِ الثَّالِثِ نَفْسِها، إلَّا أنهم لم يَستَثْنوا جهةَ غربِ جُدَّة.

ويجابُ عليهم: بأنَّه يُشكِلُ على قولِهم: القادِمُ من غرب جُدَّة، فإنَّه لا يمُرُّ بميقاتِ ولا يحاذي ميقاتًا، وأوَّلُ مَنزلٍ له هو مدينةُ جُدَّة، ولا ينضَبِطُ إحرامُه قبلها في البحرِ، ومسافتُها مقارِبةٌ لمسافة أقرب المواقيتِ، وهو قربُ المنازلِ، وقد نصَّ الفُقَهاءُ أنَّ من كانت هذه حالَه فإنَّه يحرِمُ من مسافة مرحلتينِ عن مكَّةَ؛ لأنَّها مسافُة أدنى المواقيتِ إلى مكَّةَ(42).

رابعًا: يتبيَّنُ مما تقَدَّم ما يلي:

1- أنَّ الخلافَ في المسألةِ قَوِيٌّ، وإن كانت كِفَّةُ القول الثالث عندي أرجَحَ؛ لقُوَّةِ دليلِه.

2- أنَّ مدارَ المسألة يقومُ على تفسيرِ المحاذاةِ الواردةِ، ممَّا يستدعي مزيدَ بحثٍ لها، مع كونِ تفسيرِها من أهلِ العِلم ِاجتهادًا ظاهرًا في دَلالةِ النَّصِّ، وليس نَصًّا.

3- أنَّ القَولَ بتوقيتِ جُدَّة لا يلزَمُ منه جوازُ الإحرامِ منها مطلقًا، فالأئمَّةُ الأربعةُ متَّفِقون على أنَّه لا يجوزُ لِمريد النُّسُك مجاوزةُ ميقاتِه لميقاتٍ آخَرَ؛ لظاهِرِ النَّصِّ "هُنَّ لهنَّ، ولِمَن أتى عليهنَّ من غيرِ أهلِهنَّ ممَّن كان يريدُ الحَجَّ والعُمرةَ"(43) فإن كان غيرَ ميقاتِه جاز له مجاوزتُه عند الحَنَفيَّةِ والمالِكيَّةِ.

 

____________

 

(1) لم أتعَرَّضْ في هذا البحثِ لتعريفِ الإحرامِ وحُكمِه، وتعريف المواقيتِ وأقسامِها وأفرادِها؛ وذلك لضيقِ المقامِ واختصارِ البَحثِ، وبحْث كثيرٍ من هذه المسائِلِ ووضوحِها.

وإني لا أعني بذلك أن المسألةَ لم تُبحَث، بل قد أُلِّفَت فيها عِدَّةُ بحوث ورسـائِلَ قد أفَدْتُ منها؛ فمِن ذلك:

- أدِلَّةُ إثبات أنَّ جُدَّة ميقاتٌ لعدنان بن محمد آل عرعور.

 وقد ردَّ عليه الدكتور إبراهيم الصبيحي في القسم الثاني في كتابه: المسائل المشكلة في مناسك الحج والعمرة.

- جواز الإحرام في جُدَّة لركاب الطائرات والسفن البحرية، لعبد الله بن زيد آل محمود.

- المختصر في حكم الإحرام من جُدَّة.

- فتوى لهيئة كبار العلماء في السعودية في أن جُدَّة ليست ميقاتًا.

- وقرار المجمع الفقهي الإسلامي الثاني بتاريخ 10/04/1402هـ في الدورة الثالثة ج3 ص(1611).

- وفتوى لمصطفى الزرقا في فتاويه ص187.

- الإحرام من جُدَّة لركاب الطائرات في الفقه الإسلامي لمحيي الدين قادي.

- دفع الشدة يجوز تأخير الأفاقي الإحرام إلى جُدَّة "لجعفر بن أبي اللبني الحنفي. وغيرها في البحوث المنشورة العدد الثالث، الجزء الثالث من مجلة مجمع الفقه الإسلامي.

(2) وإن كان جماهير أهل العلم -فيما فهمتُ من كلامهم- يعتبرون اتحاد الجهة في المحاذاة خلافًا للحنفية في قول عندهم.

(3) القاموس المحيط للفيروزأبادي ص1643.

(4) لسان العرب لابن منظور14/169.

(5) المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للفيومي 1/126.

(6) النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير 1/358.

(7) شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة، لشيخ الإسلام ابن تيمية2/336.

(8) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 3/389.

(9) وإن كان جماهير أهل العلم -فيما فهمتُ من كلامهم- يعتبرون اتِّحاد الجهة في المحاذاة، أمَّا من المتأخرين فقد خالف صاحب رسالة أدلة إثبات أن جُدَّة ميقات. انظر ص16.

(10) سأكتفي بذكرِ الخلاف لدى المتأخِّرين، أما المتقَدِّمون من الفقهاء فمن ذَكَر جُدَّة منها لم يَعُدَّها ميقاتًا، كما سيتبيَّن من بعض نقولِ البحث.

(11) انظر: رسالة عدنان عرعور (أدلة إثبات أن جُدَّة ميقات ص40؛ فقد نسب القول إليه علمًا بأنَّه في رسالته التي بعنوان (جواز الإحرام من جُدَّة لركاب الطائرات والسفن البحرية) لم يُشِرْ إلى اعتبار جُدَّة ميقاتًا مطلقًا.

(12) انظر: كتابه المتقدم ذكره ص40، وقد ذكر جملة من العلماء قالوا بهذا القول ثم قال: (منهم من قال بذلك مطلقًا، ومنهم من قال: هي ميقات لمن اتخذ من غربها مباشرة) اهـ.

(13) انظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي في العدد الثالث الجزء الثالث الدورة الثالثة، بحث (الإحرام من جُدَّة لركاب الطائرات في الفقه الإسلامي) ص(1453) لمحيي الدين قادي.

(14) كما حدَّثني بذلك الدكتور إبراهيم الصبيحي عن الشيخين ابن باز، وإن كانت فتوى هيئة كبار العلماء برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز لم تتعَرَّض لأهل السواكن، وإنما نفت كون جُدَّة ميقاتًا بدون استثناء. وكذا قرار المجمع الفقهي بعضويته. انظر: مجلة المجمع 3/1613 .

 (15) انظر رسالة: أدلة إثبات أن جُدَّة ميقات لعدنان عرعور ص40.

(16) انظر مجلة المجمع الفقهي 3/1613، القرار الثاني بتاريخ 10/04/1402هـ.

(17)  كما حدثني الشيخ عبد الله الجبرين بنفسه بتاريخ 3/08/1422هـ.

(18) مجلة المجمع الفقهي3/1613، القرار الثاني بتاريخ 10/04/1402هـ.

(19) رواه البخاري في كتاب الحج باب ذات عِرْق لأهل العراق برقم 1531.

(20) قد تقَدَّم بيانه قبل قليل في هذا البحثِ.

(21) انظر المسائل المشكلة من مناسك الحج والعمرة ص164.

(22) راجع ما سبق من هذا البحثِ.

 (23) الجُحْفة: قرية كبيرة ذات مِنبَر على طريق المدينة من مكة على أربع مراحل، وهي ميقات أهل مصر والشام إن لم يمرُّوا على المدينة، فإن مرُّوا بالمدينة فميقاتهم ذو الحليفة، وكان اسمُها مهيعة، وإنما سميت بالجُحْفة؛ لأن السيل احتجفها وحمل أهلها، ويُهِلُّ الحجاج الآن في "رابغ" قبل الجحفة بقليل. (معجم البلدان 2/111).

 (24) يَلَمْلَم: ويقال ألملم؛ موضع على بعد ليلتين من مكة، وهو ميقات أهل اليمن؛ قال المرزوقي: هو جبل من الطائف. وقيل: هو واد هناك. (معجم البلدان 5/441).

(25) بحث الإحرام من جُدَّة لركاب الطائرات في الفقه الإسلامي.

(26) أدلة إثبات أن جُدَّة ميقات ص 149 من مجلة مجمع الفقه الإسلامي ج3.

(27) المحلى لابن حزم ص73/7.

(28) المحلى ص78/7.

(29) أدلة إثبات أن جُدَّة ميقات ص31.

(30) انظر: مفيد الأنام للجاسر ص53، والمسائل المشكلة من مناسك الحج والعمرة ص174.

(31) بحث "جواز الإحرام من جُدَّة لركاب الطائرات والسفن البحرية" لآل محمود ص1607 من مجلة مجمع الفقه ج3.

(32) انظر: جواب أحمد محمد جمال وعبد الله البسام في مناقشة المسألة في مجلة مجمع الفقه 3/1637.

(33) بحث جواز الإحرام من جُدَّة لركاب الطائرات والسفن البحرية 3/1607 من مجلة مجمع الفقه.

(34) بحث "من أين يُحرم القادم بالطائرة جوًّا للحج والعمرة" لمصطفى الزرقا 3/1437.

(35) المرجع السابق.

(36) تقدم في أعلى البحث.

(37) سورة النحل آية (8).

(38) ردَّ على السالوس علي مصطفى الزرقا 3/1640 من مجلة مجمع الفقه.

(39) رواه البخاري في كتاب الحج "باب مُهَلِّ أهل مكة للحج والعمرة" برقم (1524)، ومسلم في الحج باب مواقيت الحج والعمرة رقم (1182).

(40) تقدم في أعلى البحث.

(41) انظر: تفسير ابن كثير 1/77؛ حيث أشار لوجود جُدَّة منذ خلق آدم كما في أثر الحسن البصري، وقال في معجم ما استعجم 1/371 عن جُدَّة: (هي ساحل مكة).

(42) ينظر: الدر المختار 2/154، وقال في تحفة المحتاج 4/42.

 (وإن) لم يحاذِ شيئًا من المواقيت (أحرم على مرحلتينِ من مكة)؛ لأنَّه لا ميقات دونهما، وبه يندفع ما قيل قياس ما يأتي في حاضِرِ الحَرَمِ أنَّ المسافة منه لا من مكة أن يكونَ هنا كذلك، ووجه اندفاعه أنَّ الإحرام من المرحلتين هنا بدلٌ عن أقرب ميقات إلى مكَّة، وأقرب ميقات إليها على مرحلتين منها لا من الحَرَم، فاعتُبِرت المسافةُ من مكة؛ لذلك لا يقال: المواقيت مستغرِقة لجهاتِ مكَّةَ، فكيف يتصوَّرُ عدمُ محاذاته لميقات، فينبغي أنَّ المرادَ عَدَمُ المحاذاةِ في ظَنِّه دون نفس الأمر؛ لأنَّا نقولُ: يتصَوَّر بالجائي من سواكن إلى جُدَّة من غير أن يَمُرَّ برابغ ولا بيَلَمْلَم؛ لأنهما حينئذ أمامه، فيَصِلُ جُدَّة قبل محاذاتِهما، وهي على مرحلتين من مكَّة، فتكونُ هي ميقاتَه).

قال في شرح منتهى الإرادات1/255:

(وإذا لم يحاذِ ميقاتًا) كالذي يجيء من سواكن إلى جُدَّة من غير أن يمُرَّ برابغ ولا يَلَمْلَم؛ لأنَّهما حينئذ أمامه، فيَصِلُ جُدَّة قبل محاذاتِهما (أحرم عن مكَّةَ بقَدْرِ مرحلَتين)، فيُحرِمُ في المثال من جُدَّة؛ لأنَّها على مرحلتين من مكَّةَ؛ لأنَّه أقَلُّ المواقيتِ.

(43) رواه البخاري في كتاب الحج "باب مُهَلِّ أهل مكة للحج والعمرة" برقم (1524)، ومسلم في الحج باب مواقيت الحج والعمرة رقم (1182).