قراءة وتعريف

المُبَيَّن في قواعدِ تكفيرِ المُعَيَّن
book
محمد بن صالح الراشد
عنوان الكتاب: المُبَيَّن في قواعدِ تكفيرِ المُعَيَّن
اسم المؤلف: د. محمد بن صالح الراشد
تقديم: د. عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف
الناشر: مؤسَّسة الدُّرَر السَّنِيَّة - الظهران
سنة الطبع: 1438- 2017
عدد الصفحات: 190

التعريفُ بموضوع ِالكتاب

اختلف النَّاسُ في مَسألةِ تَكفيرِ المُعَيَّنِ بينَ غُلُوٍّ وجَفاءٍ؛ فهناك مَن يُكفِّرُ الأعيانَ بلا عِلمٍ ولا عَدلٍ، ومنهم من أغلَقَ بابَ الرِّدَّةِ، فمنَعَ تَكفيرَ الأعيانِ بإطلاقٍ وفي جميعِ الأحوالِ .
 

وكتابُ هذا الأسبوعِ (المُبَيَّن في قواعِدِ تكفيرِ المُعَيَّن) جمَعَ فيه المؤلِّفُ ضوابِطَ عِلميَّةً وقواعِدَ تأصيليَّةً في المسألةِ المذكورةِ، جَمَعَها من أقوالِ ثُلَّةٍ مِن العلماء، وتأصيلاتِهم، وأشار إلى أنَّه أكثَرَ النَّقلَ عن ابنِ تيميَّةَ- رَحِمَه الله؛ لأنَّه مِن أشهَرِ مَن نشَرَ مُعتَقَدَ أئِمَّةِ السَّلَف مُحَرَّرًا مُؤَصَّلًا، ولأنَّ أهلَ الباطِلِ وَصَفوه- زُورًا وبُهتانًا- أنَّه هو مَن أسَّسَ للغُلُوِّ في التَّكفيرِ، مع أنَّ أقوالَه وتَحريراتِه تَشهَدُ ببُطلانِ ذلك!
 

قَسَّم المؤلِّفُ الكتابَ إلى مُقَدِّمةٍ وتِسعِ قواعِدَ.

فمِمَّا أشار إليه المؤلِّفُ في المقدِّمةِ أنَّه لم يتطَرَّقْ إلى ما هو خارِجٌ عن حُدودِ مَوضوعِ البَحثِ، فلم يذكُر المَسائِلَ التي تتعَلَّقُ بالكافِرِ الأصليِّ، ولا المسائِلَ التي تتعَلَّقُ بقِتالِ أهلِ القِبلةِ، وكذلك لم يذكُرْ نواقِضَ الإسلامِ ومُوجِباتِ الرِّدَّةِ إلَّا ما اقتضاه البَحثُ.
 

ثمَّ شرع في ذِكرِ القواعِدِ التِّسعِ:

فكانت القاعدةُ الأولى : يحرُمُ تَكفيرُ المُسلِمِ بغيرِ حَقٍّ، وهو ذريعةٌ إلى القَتلِ بغيرِ حَقٍّ، وبدأها بنَقلِ نَصِّ ابنِ القَيِّم: (مِن الكبائِرِ تكفيرُ مَن لم يُكَفِّرْه اللهُ ورَسولُه).

ثمَّ ذكَرَ أدِلَّةَ القاعدةِ، ومنها حديثُ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أيُّما رَجُلٍ قال لأخيه: يا كافِرُ، فقد باء بها أحدُهما؛ إن كان كما قال، وإلَّا رجَعَت عليه).

وحديثُ ثابتِ بنِ الضَّحَّاكِ رَضِيَ الله عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((ومَن رمى مُؤمِنًا بكُفرٍ، فهو كقَتْلِه)).
 

ثمَّ ذكَرَ بَعضًا مِن الأمورِ التي تترتَّبُ على تكفيرِ المُعَيَّن، منها:

أنَّه لا تَصِحُّ وِلايةُ الكافِرِ على المُسلِمِ، ولا يجوزُ نِكاحُ الكافِرِ مِن المُسلِمةِ، وأنَّه إذا نكَحَ مُسلِمٌ مُسلِمةً ثُمَّ ارتَدَّ، بطَلَ نِكاحُه وفُرِّقَ بينهما، وأنَّه يجِبُ أن يُحاكَمَ أمام القَضاءِ لِيُستتابَ، فإن تاب وإلَّا أقام عليه الحاكِمُ حَدَّ الرِّدَّةِ.

ونَبَّه المؤلِّفُ إلى أنَّ هذه الأحكامَ تُوجبُ على مَن يتصَدَّى للحُكمِ بتَكفيرِ أحَدٍ مِن أهلِ القِبلةِ، أن يتثَبَّتَ ولا يتكَلَّم إلَّا بعِلمٍ وبَصيرةٍ.

وذكَرَ أنَّ مِن أضرارِ ظاهرةِ التَّكفيرِ بغيرِ حَقٍّ اختِلالَ الأمنِ العامِّ للمُسلِمينَ، وتَشويهَ الإسلامِ عندَ مَن لا يعرِفُ حَقيقتَه.
 

القاعدة الثانية: يجِبُ التثَبُّتُ مِن خَبرِ وُقوعِ المُعَيَّن في الكُفرِ، وذكَرَ قَولَ الشَّيخِ محمَّدِ بنِ عبدِ الوهَّاب:  (لا نُكَفِّرُ مَن لا نعرِفُ منه الكُفرَ؛ بسَبَبِ ناقِضٍ ذُكِرَ عنه ونحن لم نتحَقَّقْه).

فنبَّه إلى أنَّه لا يجوزُ الاعتمادُ على الأخبارِ غيرِ المُحَقَّقةِ في التَّكفيرِ، وذكَرَ مِن أدِلَّةِ القاعدةِ قَولَه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6]

وأشار إلى أنَّ خبَرَ وقوعِ المُعَيَّنِ في الكُفرِ لا يثبُتُ شَرعًا إلَّا بالإقرارِ، أي: الاعترافِ، أو بالبيِّنةِ: وهي شهادةُ عَدْلَينِ. ونقل قولَ ابنِ قُدامةَ: "وتُقبَلُ الشَّهادةُ على الرِّدَّةِ مِن عَدلَينِ، في قَولِ أكثَرِ أهلِ العِلمِ. وبه يقولُ مالِكٌ، والأوزاعيُّ، والشَّافعيُّ، وأصحابُ الرَّأيِ. قال ابنُ المُنذِرِ: ولا نعلَمُ أحدًا خالَفَهم إلَّا الحَسَنَ، قال: لا يُقبَلُ في القَتلِ إلَّا أربعةٌ؛ لأنَّها شهادةٌ بما يُوجِبُ القَتلَ، فلم يُقبَلْ فيها إلَّا أربعةٌ، قياسًا على الزِّنى".
 

ثمَّ أوضح أنَّه لا يصحُّ في الشَّهادةِ على أحدٍ بالكُفرِ أن يكونَ أحَدُ الشَّاهِدَينِ غَيرَ مَقبولِ الشَّهادةِ في هذا البابِ؛ لِكَونِه كافرًا، أو مجنونًا، أو صَبِيًّا، أو أنَّه خَصمٌ للمَشهودِ عليه، أو أنَّه مَطعونٌ في عَدالتِه بأن يكونَ فاسِقًا.
 

ونقل عن ابنِ تيميَّةَ قَولَه: "مذهَبُ الشَّافعيِّ وأبي حنيفةَ وأحمدَ أيضًا في المشهورِ عنه: أنَّ مَن شَهِدَت عليه بَيِّنةٌ بالرِّدَّةِ، فأنكَرَ وتشَهَّدَ الشَّهادَتينِ المُعتَبَرتَينِ؛ حُكِمَ بإسلامِه، ولا يحتاجُ أن يُقِرَّ بما شُهِدَ به عليه، فكيف إذا لم يَشهَدْ عليه عَدْلٌ؟!".
 

القاعِدةُ الثَّالثةُ: يجِبُ التَّثبُّتُ مِن أنَّ ما صدَرَ مِن هذا المُعَيَّنِ، أنَّه مِن الكُفرِ البَيِّنِ عند العُلَماءِ، فلا يجوزُ تَكفيرُ مُسلمٍ بذَنبٍ دُونَ الكُفرِ، أو بأمرٍ يكونُ في حالةٍ مِن الكُفرِ، ويكونُ في حالةٍ أُخرى مِمَّا دونَ الكُفرِ؛ حتى يُستَفصَلَ لِيُنظَرَ هل هذا مِن قِسمِ الكُفرِ، أو مِن القِسمِ الذي ليس بكُفرٍ.

ونقل فيه قولَ الإمامِ ابنِ عبدِ البَرِّ: "فالواجِبُ في النَّظَرِ ألَّا يُكَفَّرَ إلَّا إن اتَّفَق الجَميعُ على تَكفيرِه، أو قام على تَكفيرِه دَليلٌ لا مَدفَعَ له مِن كِتابٍ أو سُنَّةٍ".
 

ثمَّ ذكَرَ تِسعَ مسائِلَ تطبيقًا على هذه القاعدةِ، منها:

مِن الخطأِ في التَّكفيرِ: إطلاقُ قاعِدة (مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ فهو كافِرٌ) دونَ تفصيلٍ. وأوضحَ أنَّ هذه القاعِدةَ تُستعمَلُ في تأكيدِ الكُفرِ الواضِحِ الجليِّ الذي هو مِثلُ كُفرِ اليَهودِ والنَّصارى، أو أشَدُّ وأوضَحُ، بحيث إنَّ المُمتَنِعَ عن تَكفيرِهم يكونُ كالمُكَذِّبِ بنَصٍّ شَرعيٍّ قطعيِّ الدَّلالةِ، ومِثلُ هذا كافِرٌ بالإجماعِ. ثمَّ أخذَ في التَّفصيلِ والتَّبيينِ لها.
 

مِن الخَطأِ في التَّكفيرِ: التَّكفيرُ لِمُجَرَّدِ مَدحِ الكُفَّارِ دونَ تَفصيلٍ. وإنَّما يَكفُرُ مَن مَدَحَ الكُفَّارَ لِكُفرِهم، أو مدَحَ وأثنى على كُفرِهم نَفسِه. أمَّا وَصفُ بَعضِ الكُفَّارِ بما يتَّصِفونَ به مِن محاسِنِ الأخلاقِ، فهذا لا بأسَ به؛ لِقَولِه تعالى: { وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75].
 

مِن الخَطَأِ في التَّكفيرِ: التَّكفيرُ بمُطلَقِ مُوالاةِ الكُفَّارِ، وأعظَمُ من ذلك التَّكفيرُ بمُداراةِ الكُفَّارِ أو باستِعمالِ التَّقِيَّةِ معهم.

فمُوالاةُ وتَوَلِّي الكُفَّارِ، منه ما هو كُفرٌ، ومنه ما هو مُحَرَّم.

وغيرها.
 

القاعِدةُ الرَّابِعةُ: إذا ثَبَت عن المُعَيَّنِ كُفرٌ قَوليٌّ أو فِعليٌّ، فلا يجوزُ تَكفيرُ هذا المُعَيَّنِ حتى تجتَمِعَ فيه شُروطُ التَّكفيرِ، وتَنتَفيَ عنه موانِعُ التَّكفيرِ.

وتحت هذه القاعدةِ نقل المؤلِّفُ نُصوصًا كثيرةً لابنِ تَيميَّةَ في تقريرِ القاعِدةِ، ثمَّ أتبَعَ ذلك بترتيبِ مَوانِعِ التَّكفيرِ، بذِكرِ مَعنى كُلِّ مانعٍ، ودليلِه، وما قاله بعضُ أهلِ العِلمِ في هذا المانِعِ.
 

القاعِدةُ الخامِسةُ: ليس مِن موانِعِ التَّكفيرِ قَولُ الكُفرِ أو فِعلُه على سبيلِ الهَزْلِ واللَّعِبِ، وليس مِن موانِعِ التَّكفيرِ الخَوفُ مِن فَوتِ مالٍ أو مَنصِبٍ.

ومن الأدِلَّةِ التي ذكَرَها المؤلِّفُ على هذه القاعدةِ ما قاله ابنُ العربيِّ عندَ قَولِه تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة: 65، 66]: "لا يخلو أن يكونَ ما قالوه مِن ذلك جِدًّا أو هَزْلًا، وهو- كيفما كان- كُفرٌ؛ فإنَّ الهَزلَ بالكُفرِ كُفرٌ، لا خُلفَ فيه بينَ الأُمَّةِ".

وقال ابنُ تيميَّةَ: "وقد دَلَّت هذه الآيةُ على أنَّ كُلَّ مَن تنقَّصَ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جادًّا أو هازِلًا؛ فقد كَفَر".
 

القاعِدةُ السَّادِسةُ: ليس مِن موانِعِ التَّكفيرِ أداءُ المُرتَدِّ بَعضَ أركانِ الإسلامِ، كنُطقِه بالشَّهادَتينِ، وأداءِ الصَّلاةِ.

فأشار إلى أنَّ مَن كان يَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ مُحمَّدًا رسولُ اللهِ، ويُصَلِّي ويَصومُ، لكِنَّه واقِعٌ في ناقِضٍ مِن نواقِضِ الإسلامِ، كالشِّركِ في العبادةِ، أو الاستِهزاءِ باللهِ أو بِرَسولِه- فإنَّه كافِرٌ بالإجماعِ، ولا يُنفَى عنه الكُفرُ بسَبَبِ نُطقِه بالشَّهادَتينِ وأداءِ الصَّلاةِ وصيامِ رَمَضانَ؛ قال تعالى: { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [الزمر: 65].
 

القاعِدةُ السَّابعةُ: أنَّ العُلَماءَ قد يختَلِفونَ في تكفيرِ المُعَيَّنِ؛ إمَّا لاختِلافِهم في ثُبوتِ الخَبَر عن المُعَيَّن، أو لاختِلافِهم في حُكمِ القَولِ أو الفِعلِ الذي ثَبَت عن المعَيَّنِ، أو لاختِلافِهم في تحقُّقِ الشُّروطِ وانتِفاءِ الموانِعِ، فيكونُ تَكفيرُ هذا المُعَيَّنِ حينئذٍ أو عَدَمُ تَكفيرِه، مِن مسائِلِ الاجتهادِ التي لا يُضَلَّلُ فيها المُخالِفُ.
 

القاعِدةُ الثَّامِنةُ: أنَّ تَكفيرَ المُعَيَّنِ إنَّما يقومُ به أهلُ العِلمِ، ولا يجوزُ أن يتصَدَّى له العَوامُّ أو أنصافُ المتعَلِّمينَ.
 

القاعِدةُ التَّاسِعةُ: مَن ثَبَت إسلامُه بيَقينٍ، فلا يجوزُ تَكفيرُه إلَّا بيَقينٍ.

وممَّا نقَله فيها من أقوالِ العُلَماءِ الدَّالَّةِ على هذه القاعدةِ:

قولُ أبي حامدٍ الغَزاليِّ: "ينبغي الاحتِرازُ مِن التَّكفيرِ ما وُجِدَ إليه سَبيلٌ؛ فإنَّ استِباحةَ الدِّماءِ والأموالِ مِن المُصَلِّينَ إلى القِبلةِ، المُصَرِّحينَ بقَولِ لا إلهَ إلَّا اللهُ مُحمَّدٌ رَسولُ اللهِ؛ خَطَأٌ، والخَطَأُ في تَرْكِ ألفِ كافِرٍ في الحياةِ أهوَنُ مِن الخَطَأِ في سَفْكِ مِحجَمةٍ مِن دَم مُسلِمٍ".

وقولُ ابنِ تيميَّةَ: "وليس لأحَدٍ أن يُكَفِّرَ أحدًا مِنَ المُسلِمينَ وإن أخطَأَ وغَلِطَ، حتى تُقامَ عليه الحُجَّةُ، وتُبَيَّنَ له المَحَجَّةُ، ومَن ثَبَت إسلامُه بيَقينٍ لم يَزُلْ ذلك عنه بالشَّكِّ، بل لا يزولُ إلَّا بعد إقامةِ الحُجَّةِ وإزالةِ الشُّبهةِ".
 

والكتاب نافع ومفيد على اختصاره.