قراءة وتعريف

الأحكامُ المُتعَلِّقةُ بالسِّحرِ والسَّحَرةِ في الفِقهِ الإسلاميِّ
book
أحمد بن فتحي البكيري
عنوان الكتاب: الأحكامُ المُتعَلِّقةُ بالسِّحرِ والسَّحَرةِ في الفِقهِ الإسلاميِّ
اسم المُؤَلِّف: أحمد بن فتحي البكيري
تقديم: د. ذياب بن سعد آل حمدان الغامدي
نوع الكتاب: رسالة ماجستير- كلية العلوم الإسلامية- جامعة المدينة العالمية بماليزيا
الناشر : دار الأوراق الثقافية - جدة
سنة الطبع: 1438 هـ - 2017 م
عدد الصفحات: 408

التعريفُ بمَوضوعِ الكِتابِ:

السِّحرُ مِن الحَقائقِ التي لا يجوزُ أن يُنكِرَها أحدٌ مِن المُسلِمينَ؛ لِما في الكِتابِ والسُّنَّةِ مِن نُصوصٍ تُثبِتُ وُجودَه، كما تواتَرت الأخبارُ بذلك عن السَّلَفِ ومَن بعدَهم، وهو من الموضوعاتِ الخطيرةِ التي فَرَضَت نفسَها في واقعِ المُجتَمَعاتِ الإسلاميَّةِ.

وكتابُ هذا الأسبوعِ: (الأحكامُ المُتعَلِّقةُ بالسِّحرِ والسَّحَرةِ في الفِقهِ الإسلاميِّ) يجمَعُ فيه المُؤَلِّف أهَمَّ الأحكامِ الفِقهيَّةِ التي تتعَلَّقُ بالسِّحرِ والسَّاحِرِ والمسحورِ.
 

وقد قَسَّم المُؤَلِّف كتابَه إلى مُقَدِّمةٍ، وتمهيدٍ، وثلاثةِ فُصولٍ، وخاتمةٍ.

فذكَرَ في المقدِّمة أهميَّةَ البحثِ، وأسبابَ اختيارِه، وأهدافَه، ومنهجَ الدِّراسةِ، وذكَرَ أنَّه اتَّبعَ فيه المنهجَ الاستقرائيَّ التَّحليليَّ المُقارِنَ.
 

ثمَّ التمهيدُ وتناوَلَ فيه الكلامَ عن تعريفِ السِّحرِ لُغةً واصطِلاحًا، وأشار إلى أنَّ له تعريفاتٍ كَثيرةً، لكِنَّ تعريفَ الحنابلةِ له بأنَّه: عَقدٌ وَرَقيٌّ وكلامٌ يتكَلَّم به أو يَكتُبُه، أو يعمَلُ شَيئًا في بدَنِ المَسحورِ أو قَلبِه أو عَقلِه، مِن غيرِ مُباشَرةٍ له- هو أوضَحُها وأبيَنُها.

ثمَّ تكَلَّم عن حقيقةِ السِّحرِ، وأنَّ فُقَهاءَ أهلِ السُّنَّةِ مُتَّفِقونَ على وجودِ السِّحِر، وذكَرَ أنَّ العُلَماءَ اختلفوا في حقيقةِ السِّحرِ على قولينِ:
 

القول الأوَّل: أنَّ السِّحرَ ثابِتٌ وله حقيقةٌ، وهو مذهَبُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، وقَولُ جماهيرِ الفُقَهاءِ.
 

القول الثَّاني: أنَّ السِّحرَ لا حقيقةَ له، إنَّما هو تمويهٌ وتَخييلٌ وإيهامٌ، وهو قَولُ عامَّةِ المُعتَزِلةِ ومَن وافقهم، كأبي بكر الرَّازي الحَنَفي، وأبي إسحاقَ الإستراباذيِّ، وابنِ حزم.
 

ورجَّحَ المُؤَلِّفُ القولَ الأوَّلَ، وأنَّ السِّحرَ له حقيقةٌ؛ لِقُوَّةِ الأدلَّةِ الدالَّةِ على ذلك، وكَثرتِها ووضوحِها، ثمَّ تكَلَّم عن جوازِ السِّحرِ على الأنبياءِ، وتناوَلَ الرَّدَّ على من أنكَرَ سِحرَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثمَّ تناول الكلامَ عن مسألةِ دُخولِ الجنِّيِّ بَدنَ الإنسيِّ، وأشار إلى أنَّه ثابتٌ بالأدلَّةِ مِن الكتابِ، كقَولِه تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275]، ومن السُّنَّةِ ما ذُكِرَ عن يَعلَى بنِ مُرَّةَ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أنَّه أتَتْه امرأةٌ بابنٍ لها قد أصابَه لَمَمٌ، فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: اخرُجْ عَدُوَّ اللهِ، أنا رسولُ اللهِ)). وغيرها من الأدلَّةِ.
 

وقد ذكَرَ المُؤَلِّف عددًا مِمَّن نَصَّ على جوازِ دُخولِ الجِنِّيِّ في الإنسِ، منهم: الإمامُ أحمدُ بنُ حَنبل، وابنُ تيميَّةَ، وابنُ القَيِّم، وابنُ باز، وغيرُهم.

وكذلك مِمَّا تناوله في المقَدِّمةِ الكلامُ على أنواعِ السِّحرِ؛ مِن حيثُ تأثيرُه على المسحورِ: كسِحرِ التَّفريقِ، وسِحرِ المحبَّةِ، وسِحرِ التَّخييلِ. وأنواع السِّحرِ؛ مِن حيثُ المكانُ الذي يُوضَعُ فيه: كالسِّحر ِالهوائيِّ، والسِّحرِ المائيِّ، والسِّحرِ النَّاريِّ. وأنواع السِّحرِ؛ مِن حيثُ كيفيَّةُ إدخالِه على المسحورِ: كالسِّحرِ المأكولِ، والمَشروبِ، والمشمومِ، والمرشوشِ، وغيرها من الأنواعِ.
 

ثمَّ كان الفصلُ الأوَّلُ : وقد عَنْوَن له المُؤَلِّفُ بـ (الأحكام المُتعَلِّقة بالسِّحرِ) وتناولَ فيه الكلامَ عن حُكمِ عَمَلِ السِّحرِ، وأشار إلى أنَّه عَمَلٌ مُحَرَّمٌ، ومن الكبائِرِ، وقد يكون كُفرًا.

ثم تكَلَّم عن حُكمِ تعلُّمِ السِّحرِ، وأشار إلى الخلافِ في المسألةِ بذِكرِ أدِلَّةِ كُلِّ فريقٍ، ورجَّحَ أنَّ تعَلُّمَ السِّحرِ وتعليمَه مُحَرَّمان، وأشار إلى أنَّ ابنَ باز وابنَ عُثَيمين واللَّجنة الدائمة مِمَّن رجَّحوا هذا القولَ.

أمَّا عن حُكمِ اقتناءِ كُتُبِ السِّحْرِ فقد جوز المُؤَلِّفُ للعالمِ البَصيرِ وطالِبِ العِلمِ المتمَكِّنِ الاطِّلاعَ على هذه الكُتُبِ؛ مِن أجلِ تَبيينِ ما فيها مِن الكُفرِ والضَّلالِ.
 

ثمَّ تناول عددًا من المسائِلِ المُتعَلِّقةِ بعلاجِ السِّحْرِ، منها:

حُكمُ تخصيصِ آياتٍ مُعَيَّنةٍ في الرُّقيةِ مِن السِّحْرِ، وأشار إلى أنَّ الرُّقيةَ لا يُشتَرَطُ أن يكونَ مَنصوصًا على تفاصيلِها، بل الشَّرطُ أن تكون خاليةً مِن المُخالفاتِ الشَّرعيَّةِ، ثمَّ ذكَرَ عَددًا من الرُّقَى التي ورد عن بَعضِ السَّلَفِ استِعمالُها، وعُرِفَ بالتَّجرِبةِ أنَّها تُعالِجُ السِّحْرَ.

كما نَبَّه إلى أنَّه يجوزُ استِعمالُ الأدويةِ الطَّبيعيَّةِ في علاجِ السِّحْرِ إذا عُرِفَ بالتَّجربةِ أنَّها تنفَعُ، وذَكَرَ منها العَسَلَ، والحبَّةَ السَّوداءَ، وماءَ زَمزَم، والحِجامةَ، وغَيرَها.
 

وتكَلَّم عن حُكمِ ضَربِ الرَّاقي للمَسحورِ، وبَيَّنَ أنَّه يجوزُ ضَربُ المسحورِ بشُروطٍ، منها: أن يكونَ الضَّربُ مِن راقٍ خَبيرٍ بمواضِعِ الضَّربِ، وأن يتأكَّدَ الرَّاقي أنَّ الضَّربَ يقَعُ على الجنِّيِّ لا على المسحورِ، وغيرُها من الشُّروطِ.

أمَّا عن حُكمِ رُقيةِ الرَّجلِ للمرأةِ، فأشار إلى أنَّ الرُّقيةَ ضَربٌ مِن العلاجِ، والأصلُ أنَّه لا يعالِجُ الرَّجُلُ المرأةَ، ولا تعالجُ المرأةُ الرَّجُلَ إلَّا عند الضَّرورةِ.

وكذلك تكَلَّمَ عن حُكمِ أخذِ الأُجرةِ على الرُّقيةِ مِن السِّحْرِ، ورجَّحَ جوازَ أخذِ الأجرةِ على الرُّقيةِ، وجوازَ اشتِراطِها.
 

أمَّا الفصلُ الثَّاني فقد خصَّصَه المُؤَلِّفُ لدراسةِ الأحكامِ المُتعَلِّقةِ بالسَّاحِرِ، وتكَلَّم فيه عن حُكمِ السَّاحرِ، وأشار إلى اتِّفاقِ الفُقَهاءِ على كُفرِ مَن اعتقَدَ إباحةَ السِّحْرِ، لكِنَّهم اختَلَفوا في حُكمِ السَّاحِرِ الذي لم يعتَقِدْ إباحةَ السِّحْرِ على قولينِ:
 

الأوَّل: أنَّ السَّاحِرَ يَكفُرُ بفِعلِه سواءٌ اعتقَدَ تَحريمَه أم لا.

الثَّاني: أنَّ السَّاحِرَ يَكفُرُ بفِعلِ السِّحْرِ المُشتَمِل على كُفرٍ، أو كان مِمَّا يُفَرِّقُ بين الزَّوجَينِ.
 

ورجَّحَ المُؤَلِّفُ أنَّ السَّاحِرَ لا يَكفُرُ إلَّا في خمسِ حالاتٍ، منها:

- أن يعتَقِدَ إباحةَ السِّحْرِ.

- أن يقولَ أو يَفعَلَ ما هو كُفرٌ.

- أن يستعينَ بالجِنِّ في معرفةِ ما لا يَقدِرُ على معرفتِه إلَّا اللهُ.

ثمَّ تناول مسألةَ عُقوبةِ السَّاحِرِ، وبعد ذِكرِ أقوالِ العُلَماءِ وأدِلَّتِهم رجَّحَ أنَّ السَّاحِرَ يُقتَلُ في حالتَينِ:

- إذا اعتقدَ إباحةَ السِّحْرِ أو قال أو فَعَل ما يَكفُرُ به، بِشَرطِ أن يكون مُسلِمًا، وإذا تاب قُبِلَت تَوبتُه.

- إذا قَتَلَ بسِحرِه عَمدًا معصومَ الدَّمِ، فيُقتَلُ قِصاصًا، أمَّا إذا قصَدَ الإضرارَ به دونَ قَتلِه، فيكونُ شِبهَ عَمدٍ.

أمَّا عن توبة السَّاحرِ فقد رجَّح المُؤَلِّفُ أنَّه يُستَتابُ، فإن تاب قُبِلَت توبتُه مالم يَثبُتْ عليه القَتلُ باعتِرافِه أو بالبَيِّنةِ، إذ السِّحْرُ ليس بأعظَمَ مِن الشِّركِ، والمُشرِكُ يُستَتابُ.
 

ثم كان الفَصلُ الثالث وتناول فيه المُؤَلِّفُ الأحكامَ المُتعَلِّقةَ بالمَسحورِ، وتكَلَّم فيه عن أثَرِ السِّحْرِ في العباداتِ، فتحَدَّث عن أثَرِ السِّحْرِ في الطَّهارةِ والصَّلاةِ. وكذلك أثَرُ السِّحْرِ في الزَّكاةِ، ورَجَّحَ فيه وجوبَ الزَّكاةِ في مالِ المجنونِ؛ لأنَّ الزَّكاةَ حقٌّ في المالِ إذا بلغ النِّصابَ.
 

وكذلك تكَلَّم عن أثَرِ السِّحْرِ في الصَّومِ، ورجَّحَ فيه قَولَ الحنابلةِ القائِلَ إنَّ المسحورَ زائِلُ العَقلِ، وإذا أفاق أثناءَ الشَّهرِ فعليه صيامُ ما تبقَّى من الشَّهرِ، وليس عليه قَضاءُ ما مضى.

وتحدَّث كذلك عن أثَرِ السِّحْرِ في الحَجِّ، ورجَّحَ فيه أنَّ المسحورَ الذي زال عقلُه بالسِّحْرِ يجوزُ أن يُحرِمَ عنه وليُّه، لكِنْ إذا حُجَّ بالمسحورِ زائِلِ العَقلِ، ثمَّ أفاق؛ فإنَّ ذلك لا يُجزئُه عن حَجَّةِ الإسلامِ، بالإجماعِ.

ثمَّ تناول بالحديثِ أثَرَ السِّحْرِ في المعاملاتِ، فتكَلَّم عن أثَرِ السِّحْرِ في التصَرُّفاتِ الماليَّة، وفي الوِلايةِ والقَضاءِ، وفي الوَصيَّةِ والإرثِ، وغيرها من المسائِلِ. وكذلك تكَلَّم عن أثَرِ السِّحْرِ في النِّكاحِ والطَّلاقِ والجِناياتِ.
 

ثمَّ ختم الفَصلَ بمسألةِ مَصيرِ المَسحورِ في الآخرةِ، فتكَلَّم عن مسألةِ مَصيرِه إن جُنَّ بالسِّحْرِ قبل البُلوغِ واستمَرَّ به الجُنونُ بعد البُلوغِ ومات على ذلك، وذكر أنَّ فيه تفصيلًا، وهو:

- إن كان من أبناء المُسلمينَ، فإنَّه في الجنَّةِ.

- أمَّا إن كان من أبناء الكُفَّارِ، فذكر المُؤَلِّفُ أنَّ فيه أقوالًا كثيرةً، وأشار إلى أنَّ أقرَبَها وأعدَلَها: أنَّهم يُمتَحَنونَ يومَ القيامةِ؛ لحديثِ الأسوَدِ بنِ سريع أنَّ نبيَّ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((أربعةٌ يومَ القيامةِ: رجُلٌ أصَمُّ لا يسمَعُ شَيئًا، ورجلٌ أحمَقُ، ورجلٌ هَرَمٌ، ورجلٌ مات في فَترةٍ؛ فأمَّا الأصَمُّ فيقولُ: رَبِّ، لقد جاء الإسلامُ وما أسمَعُ شَيئًا، وأمَّا الأحمَقُ فيقولُ: رَبِّ، لقد جاء الإسلامُ والصِّبيانُ يَحذِفوني بالبَعرِ، وأمَّا الهَرَمُ فيقول: رَبِّ، لقد جاء الإسلامُ وما أعقِلُ شَيئًا، وأمَّا الذي مات في الفَترةِ فيقول: ربِّ، ما أتاني لك رَسولٌ، فيأخُذُ مَواثيقَهم لَيُطيعُنَّه، فيُرسِلُ إليهم أنِ ادخُلوا النَّارَ، قال: فوالذي نفسُ مُحمَّدٍ بِيَدِه، لو دخَلوها لكانت عليهم بردًا وسلامًا)). وللنُّصوص ِالدَّالةِ على أنَّ اللهَ تعالى لن يُعَذِّبَ أحدًا بغيرِ عَمَلٍ يستَحِقُّ ذلك، وهذا ما يقتَضيه عدلُ اللهِ تعالى.

أمَّا إن جُنَّ بعد البُلوغِ بزَمَنٍ (قليلًا كان أو كثيرًا) فالظَّاهِرُ أنَّه يُطبَعُ على عَمَلِه الذي عَمِلَه بعد البُلوغِ في فَترةِ إفاقتِه حتى جُنونِه.
 

ثم كانت الخاتمةُ وذكَرَ فيها أهَمَّ النَّتائِجِ التي توصَّلَ إليها، ومنها:
 

- جوازُ الذَّهابِ لِمن يَرقِي مِن السِّحْرِ بما ليس فيه شِركٌ ولا مَعصيةٌ عند الحاجةِ.

- لا يجوزُ حَلُّ السِّحْرِ بسِحرٍ؛ لأنَّ السِّحْرَ في الغالِبِ لا يكونُ إلَّا بكُفرٍ، ولا يجوزُ التَّداوي بما فيه كُفرٌ.

- تجوزُ مُخاطبةُ الجِنِّي بقَدرِ الحاجةِ، ولكن لا يجوزُ تصديقُه فيما يُخبِرُ من الغَيبِ، أمَّا ما يُخبِرُ به من الحاضِرِ فيُعامَلُ مُعاملةَ الفاسِقِ، أي: لا بُدَّ مِن التثَبُّتِ مِمَّا يقولُ قبل العَمَلِ به.

ومِمَّا وصى به المُؤَلِّفُ إنشاءُ مراكِزَ صِحِّيَّةٍ لعلاجِ المُصابينَ بالسِّحْرِ وَفْقَ ضَوابِطَ شَرعيَّةٍ وطِبِّيةٍ، بحيث يكونُ فيها أطِبَّاءُ نَفسيُّونَ، ورُقاةٌ مُتمَيِّزونَ.

والكتابُ جيدٌ في بابه