قراءة وتعريف

أعمال الكافر متعدّية النفع مآلها وأثرها في الواقع وموقف المسلم منها
book
السَّعيد صبحي العيسوي
عنوان الكتاب: أعمالُ الكافِرِ متعَدِّيَةُ النَّفعِ مآلها وأثرها في الواقع وموقف المسلم منها - دراسة مقارنة في ضوء مقاصد الشريعة
اسم المؤلف: السَّعيد صبحي العيسوي
الناشر: كنوز إشبيليا - الرياض
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: 1436هـ
عدد الصفحات: 184

التَّعْريفُ بالكتاب

ظهرَتْ في الآوِنَة الأخيرة بعضُ المنظَّمَاتِ والجمعيَّات التي جعلَتْ شعارَها النَّاسَ والمجتمعَ والقيامَ بأعمال الخير والبِرِّ، وإغاثَةَ المكروبينَ حول العالَم، وقد شارك في هذه المنظَّمات والجمعيَّات القساوِسَةُ والملاحِدَة وغيرهم ممَّن لا يَدين بدِين الإسلام، فنسمع بين الحين والآخر أنَّ غَنِيًّا نصرانيًّا تبرَّع بنصف مالِه في أعمال الخير، أو وهَب من ماله ما يَسُدُّ به حالةَ المكروبينَ من آثار الزلازل والسُّيول والأعاصير والحروب، أو بعض الدُّول غير الإسلاميَّة تَصْرِف معوناتٍ لبلاد المسلمين لبناءِ مدارسَ أو مراكزِ علاجٍ وغير ذلك، وممَّا يدعو للأسف أنْ كان إحسانُ هؤلاء ومشاركَتُهم في مثل هذه الأعمال مُسَوِّغًا للبعض لحبِّ هذا الكافر المحْسِنِ وموالاتِهِ وتعظيمِهِ والتَّرَحُّمِ عليه، إلى غير ذلك، وربَّما ينخدعون بشعارات لبعض المؤسَّسات والمدارس التي تدَّعِي العملَ الخيريَّ التطَوُّعِيَّ، وهي في حقيقة الأمر تقوم بالتَّنصير!

فكان من الأهمِيَّة بمكان تناوُلُ هذه المسألة (أعمالُ الكافر متعدِّيَةُ النَّفْعِ) مع بيان دوافِعِ هذه الأعمال الخيريَّة وآثارِها المترتِّبَة على واقعِ مَن يتلقَّى هذه المساعدات والمعونات وحالِهم واعتقادِهم، مع وصْف عَملهم وصفًا دقيقًا وتكييفِهِ من النَّاحية الفِقْهيَّة والاعتقادِيَّة، مع بيان الحُكم المفصَّل لهذه النازلة، وهل تُقْبَل منهم هذه المعوناتُ والأموال؟ وهل يجوز للمسلمِ أَخْذُها إذا أُعْطِيَتْ له أو لا؟

وكِتابُ هذا الأسبوعِ جاء لتفصيلِ هذا الموضوعِ الذي أشارَ المؤلِّفُ إلى أنَّه لم يَسْبِق إفرادُه بدِراسةٍ.

وقدْ تألَّفَتْ هذه الرسالةُ بعد المقدِّمة مِن تمهيد، وثلاثة أبواب:

تنَاوَلَ في التمهيد مُفرداتِ عنوان هذه الرِّسالة: الكفر وحقيقته، والأعمال المتعدِّيَة النَّفعِ، ثم ذكَر تصوُّرًا إجماليًّا لموضوع الكتاب.

وأمَّا الباب الأول: فتناولَ فيه حُكْمَ عملِ الكافر متعدِّي النَّفع في الآخرة، ذاكرًا مذاهبَ العلماء فيه مع بيان أدلَّة كُلِّ مذهب ومناقشتِها، وبيان الإيرادات عليها؛ ليخْلُصَ إلى أنَّ الكافِرَ لا يَنتفعُ في الآخرة بشيءٍ من عمله المتعدِّي نفعُه إلى غيره، وإنَّما تتفاوت درجةُ العذاب بتفاوُتِ درجة الكُفْر، وأنَّ الكافر قد يُجْزَى على فِعْله الذي يتعدَّى نفعُه في الدنيا فيعيش عَيْشًا طيِّبًا.
 

وأمَّا الباب الثاني: فأفرده لموضوعِ عمل الكافر متعَدِّي النَّفْع في واقعنا المعاصِر، وتَناوَلَه من ناحيتين:

الناحية الأولى: دوافعُه، سواءٌ الدَّوافع القديمة؛ كالصَّدِّ عن سبيل الله، وحُبِّ المدح والثناء والجُود، أو الدَّوافع المعاصِرَة التي منها دَعْمُ مصالِحِهم وأسواقِهِم، وأيضًا الدعوة إلى مُعتقداتهم وأفكارهم.

 والنَّاحية الثانية: مسألةُ قَبُول المعونات والمساعَدَات في ضوء مقاصِدِ الشَّريعة وقاعدة المصالح والمفاسِد، ثم ذَكَرَ جانبًا من المصالح المترَتِّبة على قَبول هذه المساعدات؛ مثل إقامة المدارس وبعض المراكز الصِّحِّيَّة، وتطوير بعض المرافق، إلى غير ذلك، وأَعقبَ ذلك بذِكر أَهَمِّ المفاسد المترتِّبة على قَبول هذه المساعدات؛ مِثل استمرار نفوذِهم في بلاد المسلمينَ والتدَخُّل في شؤونهم، حتَّى صارتْ وسيلةً لجمْع المعلوماتِ عن البلاد الإسلاميَّة، وأيضًا وسيلةً ضغْط على بعض الدُّوَل لتنفيذ مآربهم، مع كونها مَدْعاةً لحبِّ الكافرين والإعجاب بهم، وتعطيل مصالح المسلمين وإنتاجهم الداخليِّ، وأخطَرُ هذه المفاسِدِ: أنَّ أكثرَ هذه المعونات كان لتحقيق الأهداف الدِّينيَّة التنصيريَّة التي اتَّخذتْ عدَّةَ وسائلَ لتنفيذ أهدافها؛ كالمعونات الغذائيَّة، والاتِّصال بالمثقَّفين والمؤسَّسات الثقافيَّة، واستغلال المجاعات والكوارث.

 وانتهى المؤلِّفُ بعدَ عرْض المصالح والمفاسِد إلى أنَّ البُعْدَ عن قَبُول هذه المساعدات مُتَعَيِّنٌ إلَّا في بعض الحالات التي تَقِلُّ فيها المفسدةُ وتَزيد فيها المصلحة، فيُغَلَّبُ حينَها جانِبُ القَبُول. وهذا هو الموضوع الذي أفردَه بالدِّراسة في:
 

البابِ الثالث: الذي كان عنوانه «مسائل مُتَمِّمَة»، وذَكَرَ فيه مسألتين؛ الأولى: حُكْم قَبول المعونةِ في حالة تخاذُل المسلمين، وذكَر لها ثلاث صُوَرٍ؛ الأولى: أنْ يكون غَرَضُ المغيثِ بعيدًا عن دِين المسلم، فيترجَّح القَبول. والصورة الثَّانية: أن يكون لهم غَرَضٌ دينيٌّ مقابِلَ الإغاثة، وهذه الصُّورة قد يَضبطها حُكْمُ الإكراه وأنَّه قد يُضْطَرُّ لِقَبُولها حِفظًا لحياته وحياة مَن يَعُوله ما لم يَجُرَّه ذلك إلى الفتنة في دِينه؛ كما قال تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106]. والصورة الثالثة: أن يكون لهم غَرَضٌ دِينيٌّ مُشْتَرطينَ فيه الدخولَ في دِينهم مع متابعَتِه وملاحَقَتِه.
 

 ويميلُ المؤلِّفُ إلى أنَّ الأظْهَرَ هو رفضُ هذه المعونة.

والمسألة الثانية: قَبُول تبرُّعات الكفَّار في بناءِ المساجد.

 وانتهى إلى ترجيح جواز قَبُول ذلك منهم مع مراعاةِ الأحوال والملابَساتِ والأهداف التي يَهدُفُ إليها المشرِكون من هذه الأعمال التي يتعدَّى نَفْعُها.

وقد ألْحق المؤلِّفُ بالرِّسالةِ عددًا من تقريظاتِ المشايخ للرِّسالة، وفتوى للشيخ ابن جبرين تتعلَّق بخُلاصةِ ما في البحث.
 

والرِّسالة جيِّدة في بابها؛ نسألُ اللهَ أن يَنفعَ بها، وأنْ يَجْزِيَ مؤلِّفَها خيرًا.