قراءة ونقد

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الفكر الإسلامي 2/2
book
مايكل كوك
عنوان الكتاب: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الفكر الإسلامي
ترجمة ومراجعة وتقديم: رضوان السيد - عبد الرحمن السالمي - عمار الجلاصي
الناشر: الشَّبكة العربيَّة للأبحاث والنشر - بيروت - لبنان
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: 2009
عدد الصفحات: 910
تاريخ الرفع: 6-12-1435هـ
عرض ونقد: القِسم العِلمي بمؤسَّسة الدُّرر السَّنية

2/2

 

أولًا: عرض الكتاب:

سبَق  عرْضُ الكتاب كاملًا  في الجُزء الأوَّل من العَرْض والنقد لهذا الكتاب، ونقْدُنا في هذا الجزء يكون بدايةً من: القِسم الرَّابع من الكتاب الذي جاء بعنوان: (الفِرَق والمدارس الأُخرى)، واشتمل هذا القِسم على سِتَّة فصول (من الثاني عشر إلى السابع عشر): تحدَّث في الفصل الثاني عشرَ عن الحنفيَّة قبل العثمانيِّين، وعن شُرَّاح العصر العثماني، كما فصَّل الحديث عن برغلي ووَرَثته، وعن الحنفيَّة في الفترة العثمانية المتأخِّرة. وجعَل الفصل الثالث عشر للحديث عن الشافعيَّة، جاعلًا الإمام الغزالي محور الحديث؛ فتحدَّث عن الشافعيَّة قبل الغزالي، وعنهم بعد الغزالي. والفصل الرابع عَشَر خصَّه للحديث عن المالكيَّة في الفترة المبكِّرة، وفي الفترة المتأخِّرة، ثم تحدَّث عن الممارسة المالكيَّة لهذه الشعيرة. بينما جعَل الفصل الخامس عشر للحديث عن إباضية المغرِب وإباضية المشرق. وخصَّ الفصل السادس عشر للحديث عن نظريَّة الغزالي في الأمْر بالمعروف، وإنجازه وتراثه، ثم استطرد متحدِّثًا عن الصوفية مادحا لها. والفصل السابع عشر جعَله عبارةً عن نظرة استبصار لِمَا أسماه (إسلام العصر الكلاسيكي)، متحدِّثًا عن سِياسات النَّهي عن المنكَر، وعن حُرمة الحياة الخاصَّة والنهي عن المنكَر، وعن الإطار الاجتماعي له، ثم متحدِّثًا عن العلماء والمجتمع.

والقسم الخامس والأخير (العصر الحديث)، وجاء في فصلين (الثامن عشر والتاسع عشر)، جعل الفصل الثامن عشر للحديث عن التطوُّرات الإسلاميَّة في العصر الحديث، ذاكرًا التطورات في الإسلام السُّنِّي، والتطورات في الإسلام الشِّيعي، ثم عقَد مقارنة بين مواقِف السُّنة ومواقف الشِّيعة الإماميَّة. بينما خصَّص الفصل التاسع عشر للحديث عن جُذورٍ ومقارنات مقارنًا الموضوع في الأديان التوحيديَّة وغير التوحيدية؛ فتكلَّم عن الجاهلية، وعن موازيات ممَّا أسماه (أديان التوحيد الأخرى)، وعن ظواهر شَبيهة في الأديان غير التوحيديَّة، ثم ذكر تفرُّد مثال الإسلام.

ثانيًا: نقد الكتاب:

أشَرْنا في الجزء الأوَّل من نقْد الكتاب إلى الجُهد الذي بذَلَه المؤلِّف في جمْع مادَّة هذا الكتاب وتأليفها، وفي رجوعه إلى مصادرَ كثيرة جدًّا مطبوعة ومخطوطة، وبلغات متعدِّدة كذلك، ممَّا يَعجِز - للأسف - عن الوقوف عليها، أو على غير قليل منها كثيرٌ من كُتَّاب المسلمين أنفسهم. كذلك تم الإشارة إلى ما امتاز به الكتاب من المبالغة في دِقَّة التوثيق، حتى إنَّه أحيانًا ما يَذكُر رقم السَّطر، مع ذِكر البيانات الوافية للمصادر التي ينقُل منها، ونسبة كل فائدة لصاحبها، والامتنان له.

كما تمَّ التنبيهُ على قصورِ فَهم المؤلِّف لقضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك تقصيرُه واختزالُه الشَّديد في البَحث، وقد انْبَنى على هذه الأمورِ الخطأُ في النتائج المستخلَصة. وأيضًا قد شاب الكتابَ كثيرٌ من الطَّعن والاتِّهام وعدَم الموضوعيَّة والحياديَّة العلميَّة، خصوصًا مع أئمَّة أهل السُّنَّة والجماعة. واتَّضح أيضًا أنَّ هذا الكتاب لم يُقدِّم الرؤيةَ الكافيةَ الشاملة لموضوع الأمر بالمعروف في الفِكر الإسلامي كما هي في الواقِع. وكذلك ظهَر خطأُ المغترِّين بهذا الكتاب، وخطأُ وصفِهم له بالعدل والإنصاف والحياديَّة ... إلخ. وثمَّة مؤلَّفات ودراسات جيِّدة وكافية في هذا الموضوع ألَّفها علماءُ ومُتخصِّصون مسلمون قديمًا وحديثًا، مَن بحَث عنها وجدَها في مظانِّها.

كما تَحدَّثْنا عن المستشرقين وعن طبيعة مَنهجهم ودِراساتهم عن الإسلام، بما أنَّ مؤلِّف الكتاب من المُستشرِقين، ويصدُق عليه في كتابه ما يَصدُق عليهم في كتاباتِهم.

وفي هذا الجزء نُكمل بقيةَ الأمثلة من الكتاب على بعضِ المآخذ:

فمِن المؤاخذات على المؤلِّف: تعبيرُه عن الخِلافة العثمانية بالغزو التركي، حيث يقول (ص 449): (الحنفية أقدم مذاهب الفقه السنيَّة. لكن قوَّة التاريخ الغاشمة، في صورة الغزو التركي في القرن 5/11 وسيطرة الأتراك اللاحقة ألغت ذلك التنوُّع، وجعلت الماتريدية الوجهَ الأصوليَّ للحنفية). ويقول (ص 453): (لكن بفضل الغزو التركي في القرن 5/11 صارت حنفيَّة الركن الشمالي الشرقي من العالم الإسلامي تحتلُّ مركز الصدارة).

التعقيب:

التعبير عن (الخِلافة العثمانيَّة) أو (الدولة العثمانيَّة)، بـ(الغزو التركي) خطأ؛ إذ دلالة الغزو لا تنطبق عليها، كما أنَّ في هذه العبارة طعنًا فيها، واتهامًا لها بما هو من توابع الغزو، وهذا التعبير من المؤلِّف يلتحق ضِمنًا بالحملة الشعواء والحرب التي لا هوادةَ فيها التي شنَّها اليهود والنصارى والعلمانيون بأقلامهم المسمومة على تاريخ الدولة العثمانيَّة المشرِق. ومعروف ما كان للدولة العثمانيَّة - على بعض المآخِذ عليها - من مآثِرَ حسَنةٍ في الإسلام، وجهادٍ لأعداء الله تعالى، ونَشْر دِينه في الآفاق، وإسهامٍ في بِناء الحضارة الإسلاميَّة في المجالات كافَّةً: العلميَّة، والسياسيَّة والحربيَّة، والاقتصاديَّة والإعلاميَّة، والأعمال العظيمة التي قدَّمتْها الدولة العثمانية للأمَّة، حتى غاظَ ذلك أعداءَ الملَّة من اليهود والنَّصارى وأذنابهم، وتيقَّنوا أنَّهم يستحيل أن ينتصروا على الإسلام في ظلِّ وجود هذه الدولة وهذه الخِلافة التي تجمع المسلمين تحت راية واحدة، فعَمِلوا جهدَهم في تفتتيتها وإسقاطها، في قِصَّة طويلة يُنظر في تفصيلها: ((تاريخ الدولة العلية العثمانية)) لمحمد فريد (بك)، و((الدولة العثمانية: عوامل النهوض وأسباب السقوط)) لعلي محمد الصلابي، وغيرهما.

ومن المؤاخذات على المؤلِّف: نقْل الأخبار التي فيها تشويهٌ لأمَّة الإسلام بلا تَحرٍّ للدِّقَّة، ولا تأكُّد من الصِّحَّة:

يقول (ص 461): (لَمَّا زار الرحالة ابن بطوطة (ت 710/1368) لاذق (وهي دنزلي الحديثة) بغرب الأناضول لاحظ أنَّ أهل هذه المدينة لا يُغيِّرون المنكر ولا أهل الإقليم كله، وقدَّم صورةً حيةً عن بغاء الجواري الرُّوميات، أكَّد أنَّ [مَن أراد الفسادَ فَعَل ذلك بالحمام من غير منكِر عليه]، وذُكِر له أنَّ لقاضي المدينة جواريَ على تلك الصورة وأنَّ الجواري يدخُلْنَ إلى الحمامات مع زبائنهنَّ)!

التعقيب:

في هذا الكلام تصوير للمجتمع المسلِم ببعض ما عليه الغربُ المنحلُّ اليومَ، وما عليه رُهبان النصارى من الانحلال، الذي عصَم الله تعالى منه أمَّةَ الإسلام في غالِب العصور، خصوصًا تلك العصور التي يتكلَّم عنها المؤلِّف، وهو كلام تَنقصُه الدِّقَّةُ وتحرِّي الصحَّة؛ لأنَّ رحلة ابن بطوطة مجرَّد مذكِّرات أملاها ابن بطوطة على تلميذه ابن جزي الكلبي، وقد ذَكَر ابن حجر العسقلاني  أنَّ ابن بطوطة لَمَّا رجَع من رِحلته إلى المغرب (حكَى بها أحوالَه وما اتّفق له، وما استفاد من أهلها؛ ونقَل ابن حجر عن شيخه ابن البلفيقي، أنَّ ابن بطوطة حدَّثهم بغرائبَ ممَّا رآه... ثم قال: وقرأتُ بخطِّ ابن مرزوق أنَّ أبا عبد الله بن جزي نمَّقها وحرَّرها بأمر السلطان أبي عنان، وكان البلفيقي رماه ) يعني رمى ابن بطوطة) بالكذب فبرَّأه ابن مرزوق) [الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (5/ 227) باختصار]. كما تَضمَّنت رحلة ابن بطوطة أمورًا يُقطَع بكذبها، وبعض العجائب والخُرافات التي يُقطع بأنَّها مختلقة، ومجرَّد أساطير يتناقلها الناس، ويُسجِّلها ابن بطوطة وكأنه شاهدها أو اتَّصل بها! وقد يُعزى الكذب والتلفيق والخُرافات الموجودة في هذا الكتاب إلى النُّسَّاخ، وليس لابن بطوطة نفسه؛ قال ابن خلدون عنه: (وأكثر ما كان يحدِّث عن دولة صاحب الهند ويأتي من أحواله بما يستغربه السَّامعون... وأمثال هذه الحكايات فتناجى النَّاس بتكذيبه، ولقيت أيَّامئذ وزير السُّلطان فارس بن وردار البعيد الصِّيت ففاوضته في هذا الشَّأن وأريته إنكارَ أخبار ذلك الرَّجُل لما استفاض في النَّاس من تكذيبه...) [تاريخ ابن خلدون (1/ 227)].

وعليه: فلا تُعدُّ رحلة ابن بطوطة توثيقًا أمينًا يُمكن الاعتمادُ عليه، خصوصًا إذا كان المذكور شيئًا يَطعن في المسلمين ويُشوِّه صورتهم، أو يتَّهمهم بما هم منه بَراء.

ومن المؤاخذات: اتِّهامه للإمامِ ابن القيِّم بالتشدُّد؛ يقول المؤلِّف (ص 563): (حتى حنبلي متشدد كابن قيم الجوزية يستصوب الخروجَ على سبيل إنكار المنكَر، لكنَّه يغلب عليه اعتبار ما ينشأ عنه من مفاسد تجعله أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر).

وهذا الكلام خطأ من ناحيتين:

الأولى: أنَّ اتِّهامه للإمام ابن قيِّم الجوزيَّة بالتشدُّد خطأٌ بيِّن، ومخالِفٌ لِمَا عُرِف من سِيرة الإمام ابن القيِّم العَطِرة التي تنمُّ عن شخصيَّةٍ تربويَّة وعلميَّة غير عادية، بعيدة كلَّ البُعد عن التشدُّد، وممَّا جاء في ترجمته: أنه (سَاد عِلمًا وَعَملًا، مَعَ الْخُشُوع وَالْعِبَادَة والتواضُع) [توضيح المشتبه لابن حجر (4/ 289)]، وأنَّه - كما يقول ابنُ كثير  -: (كَانَ ملازمًا للاشتغال لَيْلًا وَنَهَارًا، كثيرَ الصَّلَاة والتلاوة، حسَنَ الخُلُق، كثير التودُّد، لَا يحْسد وَلَا يحقد، ثمَّ قَالَ: لَا أعرف فِي زَمَاننَا من أهل العلم أَكثرَ عبادةً منه) [الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (5/ 138)، وينظر كتاب ((ابن قيم الجوزية الداعية المصلح والعالم الموسوعي)) لصالح أحمد الشامي]؛ فهل مثل هذه الشخصية يصحُّ أن تُوصف بالتشدُّد، إلَّا إذا اعتبرت جُرأته في الحقِّ - التي تميَّز بها - تَشدُّدًا، وفي مِثل هذا يقال: تلك شكاةٌ ظاهرٌ عنه عارها، أو: كيف يَعتذر مَن عُدَّتْ محاسنُه عيوبًا؟!

الثانية: أنَّ كلامَ المؤلِّف عن ابن القيِّم أنَّه يستصوب الخروج على سبيل إنكار المنكَر... خطأ؛ ويبيِّن هذا أنَّ نصَّ كلام ابن القيِّم في المكان الذي أحال إليه المؤلِّف - إعلام الموقعين عن ربِّ العالمين (3/ 12) - هو: (فإذا كان إنكارُ المنكَر يستلزم ما هو أنكرُ منه وأبغضُ إلى الله ورسوله، فإنَّه لا يسوغ إنكارُه، وإنْ كان الله يُبغضه ويَمقُت أهلَه، وهذا كالإنكار على الملوك والوُلاة بالخروجِ عليهم؛ فإنَّه أساسُ كلِّ شرٍّ وفتنة إلى آخِر الدَّهر)؛ فأين استصوابه للخروج على سبيل إنكار المنكر؟!

ومن المؤاخذات: قوله (ص 557): (أين تُوجَد النظرية التي تُطابق هذا الأسلوبَ العنيف في ممارسة النهي عن المنكر؟ لا توجد طبعًا في مذاهب علماء المالكيَّة التي عَرَضْنا، ولا تظهر كذلك في المصادر التي استُمدَّت منها تلك الأمثلة التاريخيَّة. ربما ليس علينا البحث عنها في أيِّ محل؛ إذ ليس على الناس أن ينظروا لأفعالهم، لكن يَجدُر بلا شكٍّ أن نبحث - مثل مرثيدس غارثيا - أرينال - عمَّا إنْ كان يَكمُن في الحقيقة منحًى نظريٌّ على قدْر غير اعتيادي من الحِدَّة خَلْفَ تلك الظواهر، كلها أو بعضها، بخاصَّة تلك التي نشأت في وسط مالكي. هناك مصدر محلي يتبادر إلى الذهن، هو آراء ابن حزم (ت 456/1064). ففي مناقشة لقضية النهي عن المنكر يؤيِّد بقوَّة استعمالَ السلاح حيثما دعَتِ الضرورة، ويرَى خلع الإمام إنْ وقَع شيء من الجور وإنْ قلَّ، فكُلِّم في ذلك فلم يمتنعْ ويذعن لإقامة الحدِّ عليه. في مناقشة أخرى يُقرِّر أنَّ واجب المسلمين، إنْ نشَب قتال بين إمام قرشي جائِرٍ وآخر قام عليه وهو أعدلُ منه، أن يقاتلوه مع القائم؛ لأنَّه تغييرُ منكر. لكن قول ابن حزم على حَصافته لم يبلغْ مسامعَ الأجيال اللاحقة).

التعقيب:

هذا الكلام خطأ من وجهين:

الأول: الاتِّهام الصَّريح للعلماء بمخالفة أفعالهم لأقوالِهم، وقد سبَق الردُّ على هذه النقطة في الجزء الأول من الرد، وسيأتي أيضًا شبيه لها.

- الثاني:  أن المؤلِّف أشار قَبْل هذا الكلام في (ص 555) إلى أنَّ (هناك فِعلًا في تاريخ المغرب الإسلامي أمثلة من النَّهي عن المنكَر كعنصر ضِمن تشكيلةٍ من الوسائل التي استخدَمها مَن سَعْوا إلى الإطاحة بالدول أو إلى إنشاء دول... وعدَّد أمثلة: منها آراء ابن فروخ ومحاولته الفاشلة، واستخدام الثائر الأندلسي ابن القط شِعارَ النهي عن المنكر عند إطلاق حركته التمرديَّة، ومِثال ابن أبي ركوة، وابن ياسين وإنشاء دولة المرابطين، وابن تومرت وتأسيس دولة الموحديَّة، ومحمد المهدي وتأسيس الدولة السعديَّة...إلخ)، ثم ربط في هذا الكلامِ هذا الأسلوبَ العنيف - على حدِّ تعبيره - من المالكيَّة بكتاباتِ ابنِ حزم، وجعَلَها   (المنحى النَّظري الكامِن خَلْفَ تلك الظواهر، كلها أو بعضها)؛ وهذا غيرُ صحيح؛ إذ من المعلوم ما دار بين ابن حزم وبين أتباع المذاهب الفقهيَّة الأربعة، وخُصوصًا المالكيَّة، من الخِلاف والرُّدود، حتَّى (قام عليه جماعةٌ من المالكيَّة، وجرَتْ بينه وبين أبي الوليد الباجي مناظراتٌ ومنافرات، ونفَّروا منه ملوكَ الناحية، فأقصتْه الدولة، وأحْرَقَتْ مُجلَّدات من كتبِه) [سير أعلام النبلاء (18/ 198)]؛ ممَّا يُستبعد معه تأثُّر المالكيَّة بابن حزم.

ومن المؤاخذات على المؤلِّف: إيثارُه لَمْزَ أهل السُّنَّة، ومَدْحَ غيرِهم، حتى ولو كانوا من الخوارج (الإباضية)! يقول (ص 583): (وكما هو الشأن غالبًا، يُنكِر المتشدِّدون مظاهِر الحزن الصاخِبة، ومظاهر البهجة الصاخبة على حدٍّ سواء، والصراخ على الموتى شاغلٌ يتكرَّر التشديدُ على نكره). ثم يقول (ص 586): (عمومًا لا يَبدو مُبرَّرًا اعتبارُ علماء الإباضية أكثرَ تشددًا من غيرهم، بل إنَّ موقفهم من الضحك والمزاح ألينُ من موقِف الغزالي).

ومن اتِّهاماته كذلِك ولمْزِه للأئمَّة السُّنة: قوله (ص 614) (يبيِّن جواب الغزالي بقوَّة أنَّه ليس نفعيًّا كابن تيميَّة).

التعقيب:

المؤلِّف هنا يَرْمي شيخ الإسلام ابن تيمية بالنفعيَّة، و(النفعيَّة) مصطلح حديث يُشير إلى مذهب فلسفي اجتماعي يُقرِّر أنَّ صِدْق الفكرة في كونها نافعةً مفيدة للإنسان، وإنْ أضرَّ بغيره، وأنَّ الأخلاق نسبيَّة ذرائعيَّة، يستعين بها الإنسان لتحقيق مصالحه الشخصية، وأنَّ الغاية تبرِّر الوسيلة، وهو مذهب يُركِّز على النتائج فقط، ويركِّز على المتعة فقط، وليس على ما هو صالح فعلًا. وخُصَّ بمَن يَطلُبون المنفعةَ مجرَّدةً، والوصول إلى المراد من غير تعَب أو جُهد أو استحقاق، وبطريقة غير شريفة، وغير مستقيمة أحيانًا، في تفاصيل كثيرة لهذا المذهب الرَّديء، وعيوب ظاهرة لهذا السُّلوك الشَّائن، يطول المقام بذِكر تفاصيلها؛ فهل يصحُّ إسقاط هذا الوصْف على شيخ الإسلام ابن تيميَّة وهو من هو؟! فهذا أيضًا من الاتهامات الباطلة التي يُطلقها المؤلف جزافًا على أئمَّة الإسلام والسُّنَّة، وهو من تأثير ثقافته وإخضاع تُراث الإسلامِ لها.

ومن المؤاخذات: قوله (ص 646): (والحقُّ أنَّ التصوف مفهوم غامض وفضفاض - ويجب أن يظلَّ كذلك. قد نميل إلى اعتباره إسلامًا بديلًا لو لم [كذا، ولعلَّ الصَّواب: إنْ لم] يكن في حالات تاريخيَّة عِدَّة ببساطة الإسلامَ عينه، وواضح أنَّ الصوفية لم يكونوا مجموعةً كالفرق ومذاهب الفقه التي اعتبرناها في الأبواب السابقة). ثم قال في الهامش: (يجب أن أنبِّهَ إلى أني غير معتاد على قراءة الأدب الصوفي؛ لذا سيجد القارئ مصادري لهذا الفصل قليلة نسبيًّا، وفَهْمي مفرطًا في التبسيط. لكن أظنُّ أنَّ ما يلي صحيحٌ في خطوطه العريضة)!

التعقيب:

زعْمُ المؤلِّف هنا زعمٌ خاطئ، ومبنيٌّ على قُصور في التصور والفَهم أيضًا - وهو ما اعترف به المؤلِّف نفسه - إضافةً إلى عدَم الموضوعيَّة في تناول البحث، حيث يجزم بالحقِّ في قضية كبيرة وشائكة، مع أنَّ الذي جزَم به أنه الحق ليس حقًّا ولا صوابًا، بل هو خطأ، ودعوتُه أنه ينبغي أن يظلَّ مفهوم الصوفية الغامض - على حدِّ تعبيره - غامضًا كما هو، دعوة خاطئة أيضًا؛ فالواجب هو فَهم الأمور على حقيقتها لأخْذِ الموقف السَّديد منها. ثم إنَّ ميله لاعتباره أنَّ الصوفية إسلام بديل، أو هو الإسلام بعينه في بعض الحالات التاريخيَّة، خطأ أيضًا؛ إذ الدِّراسة المتأنية والعميقة للفكر الصُّوفي تُبيِّن أنَّه من أشدِّ الأخطارِ على أمَّة الإسلام، وكان سببًا رئيسًا في تحويل عِزَّ هذه الأمَّة ذلًّا ومهانة، فكيف يُعتبر هذا الفِكر إسلامًا بديلًا، أو يُعد هو الإسلام بعينه؟! إلَّا أن يكون الإسلام المعنيُّ هنا إسلامًا غير الذي نعرفه!

ومن المغالطات: قوله (ص 452): (مع ذلك إن انتظرنا أن نجِدَ هنا بداية تقليد أدبي حنفي ثري عن موضوعنا [أي: موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر]، سيخيب رجاؤنا؛ إذ لا يتناوله الأحناف في كتب الفقه - شأن أهل السُّنة عمومًا. وما يُفاجِئ أكثرَ هو أنَّهم، باستثناء قلَّة، لا يُعالجونه كذلك في كتُب الأصول. [وقال في الهامش: يتمثَّل استثناء لا يُعتدُّ به في كُتيب في الأصول منسوب إلى الطحاوي (ت 321/ 933) أدرج فيه (الأمر بالمعروف) ضِمن قائمة من الفروض... "فصول في أصول الدِّين" مخطوط... هذا الكتاب غير عقيدة الطحاوي المعروفة]. والنتيجة هي نُدرة تحاليل منهجيَّة تتناوله لعلماء أحناف. نجِد بدلًا من ذلك مادَّةً متفرقة غير ثريَّة من حيث المضمون المذهبي).

التعقيب:

هذه النتيجة التي توصَّل إليها المؤلِّف تعوزها الدقَّة؛ إذ غفل المؤلِّف عن مصادر كثيرة معتمَدة لدى الأحناف، وفيها كلام جيِّد وتفريعات مهمَّة في مسألة الأمر بالمعروف، وللردِّ على هذه النقطة ولبيان مغالطة المؤلِّف؛ يُنظر: (النتف في الفتاوى) للسغدي (2/ 702)، حيث تكلَّم عن مسألة الإكراه في الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ. و(المبسوط) للسرخسي (4/ 89)، (10/ 2)، (16/ 60)، وفي مواطن عديدة منه، مثل: (24/ 138)، و(24/ 154)، و(30/ 260)، و(بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع) للكاساني (7/ 125)، و(7/ 169)، و(المحيط البرهاني في الفقه النعماني) لابن مَازَةَ البخاري الحنفي (5/ 371 - 372)، و(8/ 45)، و(8/ 115)، و(الاختيار لتعليل المختار) لأبي الفضل الحنفي (2/ 82)، و(4/ 118)، و(اللباب في الجمع بين السنة والكتاب) لجمال الدين الخزرجي (1/ 303)، و(شرح مشكل الآثار) للطحاوي (2/ 50)، و(3/ 205) حيث أفرد بابًا لبيان مُشكِل ما رُوي عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فيما ينبغي أن يُفعل بِمَن رأى منه منكرًا، وبقوله في ذلك: ((ولتأطرنه على الحق أطرًا))، و(3/ 208) حيث عقَد بابًا لبيان مشكل ما رُوي عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في المراد بقول الله عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]، و(2/ 83)، (3/ 217) ففيه باب بيان مُشكِل ما رُوي عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الزمان الذي يجب على الناس فيه الإقبال على خاصَّتهم وترْك عامتهم، و(5/ 355) في باب بيان مُشكِل ما رُوي عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من قوله: ((ما بعَث الله من نبي, ولا استَخلَف من خليفة إلَّا وله بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضُّه عليه, وبطانة لا تألوه خبالًا))، و(8/ 417) في باب بيان مُشكِل ما رُوي عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الحين الذي يقع فيه ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، (14/ 162). وكذا يُنظر: (المعتصر من المختصر من مشكل الآثار) للملطي الحنفي (2/ 391)، و(درر الحكام شرح غرر الأحكام) للمولى خسرو (1/ 323)، و(البحر الرائق شرح كنز الدقائق) لابن نجيم، مع (منحة الخالق) لابن عابدين، و(تكملة الطوري) (6/ 282)، و(8/ 215)، و(8/ 223)، و(مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر) لشيخي زاده, المعروف بداماد أفندي (2/ 150)، و(الدر المختار) وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (1/ 350)، وفيه مطلب في الأمر بالمعروف، و(2/ 149)، و(تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق) للزيلعي، و(حاشية الشلبي) (4/ 175).

والردُّ على مسألة عدَم تناول أهل السُّنة لمسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كتُب الأصول (العقائد) سبَق في الجزء الأوَّل من نقد هذا الكتاب.

ومن المؤاخذات: قوله (ص 559) عن المالكيَّة: (أما من حيث الأفكار فيُلاحظ تفكُّك مماثِل، بخاصَّة في ما يتعلَّق بالجانب السياسي من النهي عن المنكر. مثلًا ليس لموقف مالك المتعاون مع الدولة صدًى، فيسجل الممارسة بإفريقية تقريبًا، والنظرة التراتبية لأداء الفريضة سِمة بارزة في التفاسير، لكنَّها تكاد لا تظهر خارجها).

التعقيب:

هذا الكلام باختصار هو نتيجةٌ خاطِئة بناءً على تصوُّره القاصِر، وسيأتي التعقيب على نقطة مشابِهة له تبيِّن قُصورَ المؤلِّف وإغفالَه لمصادر مهمَّة معتمدة في المذاهب الفقهيَّة.

ومن المؤاخذات على المؤلِّف: محاولةُ إقحام العلمانية، وربْطها بالإسلام أو ببعض المظاهر فيه؛ رأينا في الجزء الأول من هذا النَّقد كيف ألْمَح المؤلِّف إلى اتِّهام الإمام أحمد بالعلمانيَّة، وهنا يقول (ص 693): (وكانت توجد في العالم الإسلامي تقاليدُ فِكريَّة مهمَّة تقع خارج مجال الدِّين، أو على الأقل لا تقع داخل حدوده تمامًا، ويُمكن بهذا المعنى أن ندعوها (علمانية). واضح أنَّ اثنين من أوسعها انتشارًا، الطب والتنجيم، لا يهماننا. ما يسترعي اهتمامنا هو الطَّيف الواسع من التفكير الأخلاقي العلماني، الممتد من الفِكر التجريدي وفق التقليد اليوناني إلى النصائح العمليَّة وَفق التقليد الفارسي. ثم يقول في الهامش: [لا أعني بقولي طبعًا: أنَّهم كانوا بمعزل عن التأثيرات الدينيَّة، ولا أنَّهم كانوا معادين للدِّين]).

وكذا يقول (ص 697): (لننظر إلى لقاء المأمون والرجل المتزمِّت الذي أتاه متكفنًا (يحتسب عليه). هذه قصة غير عادية؛ لأنَّها تدعونا إلى الوقوف إلى جانب الخليفة. من هذه الناحية هي تعبير صيغ بإحكام عن وجهة نظر الخليفة ( La These caliphale ). ويُمكن أن يعتمد عليها أيُّ علماني (منادٍ بفَصْل الدِّين عن شؤون الدنيا)؛ لدَعْم موقفه؛ فهي تُظهر الخليفة بصورة الشخص الرَّصين الحليم والمسؤول، ومحاورَه المتزمِّت بمظهر المتعصِّب المتجاوز الحدود والضيِّق الأُفق. يصحُّ ذلك أيضًا على ملاحظة كاتب شلبي (ت 1067/1657) الحذاء أنَّ من الحماقة محاولةَ استئصال بِدَع مستحكمة باسم النهي عن المنكر. هنا أيضًا توجد نبرةٌ يمكن أن يرَى العلمانيُّ فيها موقفَه، لكن يمكن أن نفهمَ ما يقول كاتب شلبي حقًّا كتطبيق لشرط التأثير). ويقول في آخِر الكتاب (ص 811): (تتعلَّق كل الإشارات إلى الثقافة الغربيَّة في هذه الخاتمة بشكلها العصري السائد - الذي يمكن وصفه إجمالًا بأنه علماني وليبرالي. وهو بطبيعة الحال يتماشَى تمامًا مع الولاء غيرِ الأصولي لدِيانات عِدَّة تقليديَّة، بما في ذلك اليهوديَّة والمسيحيَّة والإسلام).

التعقيب:

هذه النُّقولات واضحٌ منها تأثير ثقافة المؤلِّف فيه، أو دوافعه لاستخلاص نتائجه المرادَة من مادَّة التراث الإسلامي هي السببُ في ذلك، وهذا من المآخِذ الكبيرة التي تُؤخَذ على كتابات المستشرقين عمومًا، وهو مِن المآخذ الكبيرة أيضًا على مايكل كوك خصوصًا.

ومن المؤاخذات: قوله (ص 703): (تبايُن مضمون هذه الفريضة وحياةَ العلماء العادية ظاهرٌ للعيان، خصوصًا في القرون الأولى في ما يتعلَّق بالعنف. ومنذ الفترة المبكِّرة من التاريخ الإسلامي يولد مهازل، يكفي (لتقديم مثال عليها) أن نفكر في الحسن بن صالح بن حي (ت 167/783ت) الذي استصلب ولم يجد أحدًا يصلبه، أو ابن فروخ (ت 175/791) الذي اضطرَّ إلى التخلِّي عن مشروعه لما وافاه اثنان فقط ممن واعدهم على الخروج. بالنسبة إلى معظم التاريخ الإسلامي، لا نُخالف الصواب إن قلنا: إنَّ النهي عن المنكر حكر العلماء. لكن هناك من التباين ما يدعو إلى التساؤل كيف صار حكرًا لهم ؟، وهل يمكن أن يرجوا الاحتفاظ به في ظروف العصر الحديث ؟).

التعقيب:

في هذه النقطة زعْم بمخالفة حياة العلماء العمليَّة لمضمون فريضة الأمر بالمعروف العلمية النظرية، وهي مسألة سبَق مِثلها في الجزء الأوَّل من هذا النقد، فلتراجع.

ومن المؤاخذات: قوله: (ص 707): (من بين الفِرَق والمدارس الكبرى التي بوبنا تبعًا لها معظم مادَّة هذا الكتاب، بقِي الشيعة الإماميَّة وحدهم متميزين بقوَّة عن التيار الأعرض للإسلام الحديث. لكن هذا الانقسام الباقي واقع صلب، لا يتمثَّل فقط في الاختلاف الكبير بين التراثين السُّني والإمامي من بعض الوجوه في المضمون والطابع. يتعلَّق التباين الذي سيشغلنا في هذا الفصل بالأحرى بمصيري هذين التقليدين. تحول التقليد السُّني بالتحديد إلى تراث: كصرح أثري يعتزُّ به الناس الذين لم يعودوا يسكنونه. في المقابل يمكن إلى اليوم وصفُ التقليد الإمامي باعتباره تقليدًا حيًّا، يَدين باستمراره وتطوره لعلماء يعملون داخله).

التعقيب:

مِن المآخِذ على المؤلِّف تحيُّزُه إلى الشِّيعة الإمامية (الرافضة) والثناء عليهم بأنَّهم - وحدهم - هم الذين بقوا متميزين بقوَّة عن التيار الأعرض للإسلام الحديث، مع ظُلمه لأهل السُّنة، وزعْمه تحول التقليد السني بالتحديد إلى تراث، كصرح أثري يعتزُّ به الناس الذين لم يعودوا يسكنونه. بينما يُثني - في المقابِل - على التقليد الإمامي باعتباره تقليدًا حيًّا، يَدين باستمراره وتطوره لعلماء يعملون داخله!

وممَّا يلتحق بهذه النقطة: مَدْحُه للمجتمع الرَّافضي وذمُّه للمجتمع السُّني حيث يقول (ص 758): (إلى جانب هذه المسائل النظرية، يشكل تاريخ النهي عن المنكر كما طُبق عمليًّا في الجمهوريَّة الإسلاميَّة [إيران] على مدى السِّنين العشرين السابقة موضوعًا ذا أهمية اجتماعية وثقافية وسياسية كبرى. النهي عن المنكر بموجب الدستور فرض يقوم به (الشعب كل تجاه الآخر، والحكومة تجاه الشعب، والشعب تجاه الحكومة). عمليًّا طغى الجانب الثاني على الأول والثالث. صارت إيران، كالمملكة العربيَّة السعوديَّة، مجتمعًا يمثِّل فيه النهي عن المنكر بالأساس وظيفةً لجهاز الدولة، تضطلع بها في هذه الحالة دواليب حكومية عِدَّة لا تعمل دومًا باتفاق. ولأنَّ المجتمع الإيراني أثرى ثقافيًّا من شعب المملكة، وسياسة إيران أكثر انفتاحًا، نستطيع هنا أن نقص عليك أحسن القصص، ونجد مادة أوفر وأثرى).

ويقول (ص 762): (ظلت الروابط بين الفريقين غير متكافئة، كما يُتوقع نظرًا إلى فارق الحجم. قلما يُظهر الكتاب السُّنة معرفةً بآراء العلماء الإماميَّة، بله التعلُّم منهم). ويقول أيضًا (ص 763): (بالعكس كثيرًا ما نجد عند العلماء الإماميَّة استعدادًا للاستفادة من مصادر الإسلام السُّني. يحبون بالأخص الاستفادة من أول تفسير حديث للآية 3: 104، تفسير الشَّيخين محمد عبده ورشيد رضا. مثلًا يأخذ منه الواعظ عباس علي إسلامي مادَّةً وفيرة، بينما يُلخِّصه نوري لمن أراد التطوع للدعوة، ويستشهد به كذلك مفسرون، بل يجد طريقه إلى النشر في صحف الجمهورية الإسلامية. يعود كذلك بعض الكتاب الإمامية إلى مصادر سُنيَّة أقدم. أحيانًا يستشهدون بالغزالي، وتجد بعض أحاديث أهل السُّنة حظوةً عندهم، أحدها حديث قوم السَّفينة، والآخر: (كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤول عن رعيَّته). وكما تشير هذه الأمثلة، الاستعارة غير عشوائية، فالموضوع المحبَّذ هنا أيضًا هو التضامن والتنظيم. في هذا الاتجاه يُظهر الكتاب الإمامية المحدَثون اهتمامًا محلوظًا بمؤسسة الحسبة السُّنية التقليديَّة وأدبها، بل ويُشيرون من حين إلى آخر إلى تنظيم النهي عن المنكر في البلدان الإسلامية حاليًّا - يعنون على الأرجح المملكة العربية السعودية).

التعقيب:

- ففي هذه النقولات كلها يُظهر المؤلِّف ميلًا عجيبًا إلى الشِّيعة الإمامية ودولة الرافضة، وثناءً كبيرًا عليهم، وعلى علمائهم، مع لَمْزه لأهل السُّنة وطعنه فيهم وفي علمائهم، وكل هذا منافٍ للحياديَّة العلميَّة المدَّعاة في هذا البحث، كما أنَّه مخالف أيضًا للواقع؛ إذ تميَّز أهل السُّنة في سائر العصور بالعَدْل؛ فإنَّهم الوسط بين الفرق كما أنَّ أمة الإسلام هي الوسطُ بين الأمم، ومن عدلهم: أنَّهم يَقبلون الحقَّ مِن كلِّ مَن جاء به حتى لو كان من الشِّيعة الإماميَّة، ويردُّون الباطلَ على كلِّ مَن جاء به حتى لو كان من المنتسبين لأهل السُّنة، وإعطاء كل ذي حق حقه، ولا يكذبون ولا يفترون على أحدٍ. بعكس الإماميَّة الرافضة الذي لا يألون جهدًا في تشويه صورة أهلِ السُّنَّة ووصفهم لهم بأشنع الصِّفات مع الكذب عليهم ونِسبة أباطيل كثيرة لهم لم يقولوا بها، مع المكر والكيد لهم بما هو مشاهَدٌ للعيان.

ومنها: قوله (ص 720): ( لا يُورِد كتابٌ ما قبل العصر الحديث بكثرة هذا الحديثَ [يعني قولَه صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَثَلُ القائمِ على حُدودِ اللهِ تعالى والواقِعِ فيها كمَثَل قومٍ استهموا على سَفينةٍ... الحديث))] في مناقشة النَّهي عن المنكر؛ لكن كاستثناء انظر: محيي الدين أحمد بن النحاس، تنبيه الغافلين).

التعقيب:

في هذا الكلام والجزم بهذه النتيجة قُصورٌ في البحث، ومغالطةٌ علميَّة؛ فقد أوردَه في مناقشة النَّهي عن المنكر:

الطَّبريُّ في تفسيره (7/ 124)، والبغويُّ في تفسيره (2/ 86)، والقرطبيُّ في تفسيره (7/ 392)، وابنُ كثير في تفسيره (4/ 39)، والخازنُ تفسيره (1/ 281)، والشهابُ في تفسيره (1/ 238).

وفي كتُب السُّنن : أخرجه الترمذيُّ في سننه (4/ 469)، في بَابُ (ما جاء في تغيير المنكر باليد أو باللسان أو بالقلب)، حيث قال بعدَه: (باب منه)، وأخرج الحديث. وأورده كذلك عبد الغني المقدسي في كتاب الأمر بالمعروف (ص: 7، 11)، وكذا أورده ابنُ الجوزي في (التبصرة) (2/ 303) في باب الأمر بالمعروف، وورد كذلك في شرح المشكاة للطيبي (10/ 3261) في باب الأمر بالمعروف. وأورده الإمامُ النوويُّ في ((رياض الصالحين))، وتكلَّم عليه باستفاضةٍ ابن علَّان في شرحه (دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين) (2/ 473)، وفي (الترغيب والترهيب) للمنذري (3/ 159) في باب الترغيب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

بل أكثر مِن هذا فقدْ ورد ذِكْر هذا الحديثِ في كتاب (مختصر منهاج القاصدين) (ص: 123)- الذي هو مأخوذٌ من إحياء علوم الدِّين، الذي هو عُمدة البَحْث عند المؤلِّف مايكل كوك - كما أنَّ كتاب (مختصر منهاج القاصدين) لابن قُدامة هو مِن مصادر المؤلِّف أيضًا التي رجَع إليها!

ومن المؤاخذات على المؤلِّف: تشكيكُه في صِحَّة نِسبة الشِّعر الجاهلي إلى عصر الجاهليَّة، والتلويح بأنه من من انتحالِ المسلمين، حيث يقول (ص 786): (المصدر الآخَر الذي يسترعي الانتباه هو الشِّعر. هناك طبعًا مشاكلُ كبرى في ما يتعلَّق بصحة نِسبة شعر الجاهليَّة وفَجْر الإسلام، لكن، كما سنرى، لا تبلغ درجة تحول من دون استخلاص نتائج معقولة حول قضية الحال).

ثم يقول عن بيت للنابغة الذبياني (ص 788): (بل نجد حتَّى العبارة الإسلامية (أنكر المنكر) عند أحد شعراء الجاهليَّة. يجوز أن نستبعد العبارة الأخيرة بوصفها إسقاطًا لاحقًا؛ لأنَّنا لا نجد العبارة في (غير هذا البيت من) الشعر المنسوب للجاهليَّة. لكن تجاهل الشهادات العديدة بكلمتي (معروف) و(منكر) يعني إنكار الشعر الجاهلي جملةً، كما يَقتضي إنكارَ القرائن حيث وردتَا مقترنتين درجة كبرى من الشك. ثم يعلق في الهامش قائلًا: [السياق الذي جاءت فيه العبارة ذو صِبغة دِينيَّة قويَّة؛ مما يُلقي ظلالًا من الشكِّ على طابعه الجاهلي؛ قارن المقابلة بين معروفة ومنكرة في بيت من قصيدة تنسب إلى الشاعر أمية بن أبي الصلت الذي أدرك الإسلام ويُشك في صِحَّة نسبتها إليه].

التعقيب:

المؤلِّف في هذا الكلام يردِّد الكلامَ غير الدَّقيق الذي تولَّى كِبْرَ نشره وإثارتِه الدكتورُ طه حسين في كتابه (في الشِّعر الجاهلي)؛ تقليدًا لللمستشرق مرجليوث، وهو كلامٌ عارٍ عن الصِّحَّة العلميَّة، إضافةً إلى ما فيه من تشكيك وطعن في تراث الأمَّة، وقد كشفتِ الباحثةُ نجوى عبد العزيز عبد السلام بناني في رِسالتها للماجستير (أشهر الردود على كتاب "في الشعر الجاهلي" لطه حسين - دراسة نقدية تحليلية) الصُّورةَ الحقيقيَّة للكتاب، ممثَّلةً في أخطائه المتعمَّدة، وأهوائه المتَّبعة، واعتدائه على النصوص بتحريفها أو ابتسارها؛ ليصلحَ الاستدلال بها. وفي شناعة الاجتراء على الحقائق الدينية والتاريخية واللُّغوية، مع التناقض المزري الذي يجعله ينفي الشيءَ في مجال ثم يُثبته في مجال آخر . وفي بُعْده عن المنهج العلميِّ القديم والحديث. بما يَكفي عن التفصيل في هذه القضية.

ومن المؤاخذات أيضًا: قوله (ص 794): (يبدو من المعقول إذًا افتراض خلفية يهوديَّة للفريضة الإسلاميَّة. لا يثبت افتراضنا، لا محالة، الشَّبه العام بين الفريضتين. لكن ربما قدَّمت السابقة اليهوديَّةُ منطلقًا لتنظير علماء الإسلام أقربَ إلى الصِّيغة الإسلاميَّة الكلاسيكيَّة من آيات القرآن الغامِضة التي أعطتِ الفريضة اسمَها).

التعقيب:

هذا الافتراض الذي يزعم المؤلِّف أنَّه معقول، هو افتراضٌ باطل، إضافةً إلى ما فيه من طَعْن في كتاب الإسلام العظيم؛ القرآن الكريم، بأنَّه غيرُ كاف، وبأنَّ آياته غامضة! وفيه كذلك طعنٌ في علماء الإسلام حيث انطلقوا في تنظيرهم لهذه الشعيرة العظيمة ممَّا قدَّمته السابقةُ اليهوديَّة!

يبيِّن بطلانَ هذا الزعم: أنَّ الله تعالى قال في كتابه الكريم بعدَما ذَكَر التوارة - كتاب اليهود - والإنجيل - كتاب النصارى - قال عزَّ مِن قائل: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} [المائدة: 48]، والمهيمن هو الأمينُ على الكتُب المتقدِّمة؛ فما وافقه منها فهو حقٌّ، وما خالفه منها فهو باطل، وهو كذلك شهيدٌ، وحاكمٌ على ما قبله من الكتب، حيث جعل الله هذا الكتابَ العظيم - الذي أنزله آخِرَ الكتُب وخاتمها - أشملَها وأعظمَها وأحكَمَها، حيث جمع فيه محاسنَ ما قبله، وزاده من الكمالات ما ليس في غيرِه؛ فلهذا جعله شاهدًا وأمينًا وحاكمًا عليها كلِّها [تفسير ابن كثير (3/ 128) باختصار]، فأثبت سبحانه كمالَ كتابه، وعدَم حاجته إلى ما قبله من الكتب، بل أثبت حاكميَّةَ كتابه (القرآن) على كلِّ ما سبَقه من كتب.

وممَّا يبيِّن بطلانَ زعْمه - فيما يخصُّ علماء الإسلام وتنظيرهم لهذه الشعيرة العظيمة، وأنَّ السابقة اليهودية قدمت لهم المنطلق لتنظيرها -: أنَّه وردت نصوصٌ كثيرة ناهية عن التشبه بأهل الكتاب (اليهود والنصارى)، وناهية عن الاعتماد على ما في كُتبهم، والاكتفاء بما في القرآن العظيم، وبما جاء في السُّنَّة المطهَّرة؛ فقد قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لعمر بن الخطَّاب لَمَّا أتاه قائلًا له: إنَّا نسمع أحاديث من يهود تُعجبنا أفترى أن نكتب بعضها؟ فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أمتهوِّكون [أي: أمتحيِّرون في دِينكم حتى تأخذوا العِلمَ من غير كتابِكم ونبيِّكم] أنتم كما تهوَّكت اليهود والنصارى؟! لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولو كان موسى حيًّا ما وَسِعَه إلَّا اتِّباعي)). وفي روايةٍ: أنَّ عمر بن الخطَّاب أتى النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بكتاب أصابَه من بعض أهل الكتاب فقرَأه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم, فغضِب, فقال: أمتهوِّكون فيها يا ابنَ الخطَّاب؟! والذى نفسي بيده لقد جئتُكم بها نقيَّةً, لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحقٍّ فتكذِّبوا به, أو بباطل فتصدِّقوا به, والذي نفسي بيده, لو أنَّ موسى صلَّى الله عليه وسلَّم كان حيًّا ما وَسِعَه إلَّا أن يتبعنى". [أخرجه أحمد (15156) والدارمي (449)، وغيرهما، قال ابنُ كثير في (البداية والنهاية) (2/ 122): إسنادُه على شَرْط مسلم، وحسَّنه الألبانيُّ في مشكاة المصابيح (رقم: 177)].

وقد دلَّ على ذلك الكتابُ والسُّنة والإجماعُ - كما ذكر ذلك مفصَّلًا ومحرَّرًا شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّة في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم)، فليراجع ثَمَّةَ.

بعد ذلك نقول: لا يُظنُّ بعلماء الإسلام - الذين هم أولى الناس باتباع شرعة الإسلام - أن يتركوا ما ورَدَ في القرآن والسُّنة، ثم تكون سابقةُ اليهود منطلقًا لهم في تنظيرهم لشعيرةٍ من أعظمِ شعائر الإسلام، ومن خيرِ ما تميَّز به أمَّةُ الإسلام بين الأُمم، وجُعِلت خيرَ أمَّة أخرجت للناس؛ كما قال سبحانه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].

على أنَّ المؤلِّف يُناقِض نفْسَه في هذه الجزئيَّة، ويُضعِّف هذا الافتراض بنَفْسه، وذلك حين يقول في (ص 796): (بينما لا نستبعد منطلقًا يهوديًّا لتنظير الفريضة في الإسلام، نلاحظ وجودَ ظاهرة شبيهة تُضعف هذه الفرضية؛ إذ لم تنفرد اليهوديَّة والإسلام بتنظير هذه الفريضة. فقد عرَفها كذلك الغربُ اللاتيني حيث كانت تُدعى التأديب الأخوي ( fraterna correctio ).

ولكنَّه هنا يُضعِّف رأيه بزعْم آخَر تعوزه الدِّقَّة، وهو باطلٌ أيضًا إذا ما كان يَعني به أنَّ المسلمين تأثَّروا في تنظير تلك الفريضة بالغَرْب اللاتيني.

ثم تأتي ثالثة الأثافي؛ فيُشكِّك المؤلِّف في أصل شعيرة الأمر بالمعروف، وأنَّ انحدارَها من أصلٍ واحدٍ غيرُ محسوم، حيث يقول (ص 806): (بينما تنزع المقارنةُ بالزرادشتية إلى إعادة الشكِّ في انحدار تلك القِيمة المقترنة بأديان التوحيد من أصلٍ واحد. وبالتالي تبقى مسألة الأصول غير محسومة).

ومن المؤاخذات على المؤلِّف:

أنَّه مع كثرة المراجِع التي رجَع إليها، إلَّا أنَّه لم يَرجِع إلى مراجعَ مهمَّة تُعدَّ أَوْلى ممَّا رجَع إليه، وعلى سبيل المثال: الكتُب المعتمدة في المذاهب الفقهيَّة، لم يَرجع المؤلِّف إلى الكتُب المعتمدة والمشهورة في كلِّ مذهب؛ ففي المذهب الحنفي مثلًا: لا نجد ذِكرًا لكتاب (المبسوط) لشمس الأئمة السرخسي، مع أنَّ فيه مسائلَ متناثرةً متعلقة بالأمر بالمعروف، وغيرها من الكتُب المعتمَدة في المذهب، وكذلك ترَك كثيرًا من الكتُب المعتمَدة في بقية المذاهب الفقهيَّة الأربعة (المالكيَّة والشافعيَّة والحنابلة)، فلم نجد في ضِمن المصادر المالكيَّة كتاب: (الرسالة) لابن أبي زيد، و(الذخيرة) للقرافي. ولا نجد في ضِمن المصادر الشافعيَّة: (الأم) للشافعي، ولا (الوجيز في فقه الإمام الشافعي) للغزالي، ولا (فتح العزيز شرح الوجيز) للرافعي، ولا (أسنى المطالب شرح روض الطالب) لزكريا الأنصاري الشافعي. ولا نجد في ضِمن المصادر الحنبليَّة: (الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف) للمَرْداوي، ولا (قواعد ابن رجب)، ولا (الفروع) لابن مفلح و(تصحيح الفروع) للمرداوي، ولا (دقائق أولي النهى لشرح المنتهى) المعروف بـ(شرح منتهى الإرادات) للبهوتي.

 وهذا لا شكَّ أثَّر في استخلاص النتائج التي يصِل إليها المؤلِّفُ، وغالبها لا يكون دقيقًا كما سبَق الإشارةُ إلى أمثلةٍ من ذلك.

ويلتحق بهذه النقطة : أنَّ المؤلِّف يعتمدُ في تصوُّره وبناءِ نتائجه عن العَصر الحديث وطبيعة تناول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعَرْضه له عندَ أهل السُّنَّة على أعلام ليسوا من العلماء المحقِّقين، وليسوا من أئمَّة أهل السُّنة المعروفين بالتزامِهم بمنهج أهل السُّنة وتحقيقهم له أمثال: سعيد حوى و محمَّد عمارة وغيرهما، ولم يعتمدْ مثلًا على أئمَّة السُّنة أمثال ابن باز، والألباني، وابن عثيمين، وأمثال هذه الطَّبقة، مع أنَّ لهم كلامًا متينًا، وتحقيقاتٍ نفيسةً في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كتُبهم المطبوعة، وتسجيلاتهم المسموعة وفتاواهم، مع كونهم من أشهر أئمَّة السنة في العصر الحديث، ولولا خشيةُ الإطالة لنقَلْنا بعض ذلك.

ختامًا:

بعْد عَرْض هذا الكتابِ ونقْد بعضِ ما جاء فيه، وبيان أوجه القصور العلميَّة والمنهجيَّة، نقول: الحقُّ يُقبَل مِن كلِّ مَن جاءَ به، ولا نُنكِر أيَّ جُهد مبذول لخِدمة الإسلام، وخِدمةِ البحث العِلمي السَّديد، بل يُستفاد منه، ونحن أَوْلى ببذل الجهد واستفراغ الوسع لخِدمة دِيننا، ومع ذلك الاعترافِ بالفضل، والإقرار بالحقِّ: لا يَنبغي التهويل، ولا الانبهارُ بكتابات المستشرقين، حتى وإنْ بدَتْ في ظاهرها حسنةً ومُتْقَنة؛ فإنَّ غالبها عند البحث الدقيق يكون مشتملًا على كثيرٍ من الأخطاء العِلميَّة، والمآخِذ المنهجيَّة، مع ما فيها من حقٍّ وصواب، كما هو الشَّأن في كتاب هذا الشَّهر الذي انبهر به كثيرٌ من أبناء جِلدتنا رغمَ ما فيه من أخطاء، وقصور، وطَعْن في أئمَّة الإسلام والسُّنة...إلخ ممَّا تمَّ عرْضُه والتعقيب عليه بما يتناسب مع المقام.

أخيرًا

نود التنويه إلى أن هذا العرض والنقد إنما هو للنسخة المترجمة إلى العربية ولم نطلع على النسخة الأصلية الإنجليزية، والمؤلف يتحمل ما في هذه الطبعة لأنه هو من وافق على الترجمة ما لم يبين ما فيها من خطأ أو اختلاف عن الأصل إن وُجد.

والله الهادي إلى سَواء الصِّراط

 

 

 

للاطلاع على الجزء الأول: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الفكر الإسلامي 1-2