قراءة وتعريف

الممانعة المجتمعية – تأصيل فكري للمفهوم والوسائل
book
محمد إبراهيم السعيدي
عنوان الكتاب: الممانعة المجتمعية – تأصيل فكري للمفهوم والوسائل
النـاشــر: مركز الفكر المعاصر
سنة الطبع: ط 1 – 1433هـ
عدد الصفحات: 43

التعريف بموضوع الكتاب:

لم يعد تغيير الأخلاق والقيم أمراً تلقائياً, يحصل بالتأثير والتأثر, وتفاعل الحضارات فيما بينها وتبادلها للخبرات والأخلاق والقيم, بل أصبح هذا  التغيير أمراً مقصوداً, وحرباً سياسية واستراتيجية تخطط لها دول العالم الأول, ساعية إلى الهيمنة على الشعوب بتغيير أخلاقها, وتحويل قيمها, فيسهل بعد ذلك الاستحواذ عليها, بديلاً عن الفكرة القديمة والتي تسعى إلى إرضاخ الشعوب وقهرها سياسياً وعسكرياً.

إن فكرة حرب القيم وتغيير الأخلاق ليست نتاجاً لعقدة المؤامرة  - كما يزعم البعض – بل هي معلومات حقيقية, ونتائج يقينية, نطقت بها أفواه القوم ورشحت به كتاباتهم, وفاضت بها تقاريرهم, فهي حرب ضروس, ومعركة طاحنة تحتاج إلى إعداد العدة للمواجهة والتصدي, والوقوف أمام هذه الموجة العاتية والآتية من قبل أعداء الله لتغيير أخلاقنا وقيمنا.

هذا الكتاب الذي بين أيدينا جاء ليوضح لنا طرق الوقاية من هذه الحروب الأخلاقية, وأساليب التصدي لها.

بدأ المؤلف كتابه بمقدمة بين فيها نقاط مهمة جدًّا في كتابة تاريخ الأخلاق والقيم, فأوضح أن الأمم – والمتحضرة خصوصاً -  تعتني بكتابة تاريخ الدول والحروب والأقطار والعقائد, وتهمل تاريخ الأخلاق والطبائع, إلا ما يمكن استنباطه من كتب الأدباء والمؤرخين, ونتيجة هذا الاستنباط خطيرة متأثرة بحسب إدراك الكاتب وميوله الخاصة.

وضرب على ذلك مثالاً بتاريخ الأخلاق في البصرة أوائل القرن الثاني وكيف أنه يختلف بحسب المصادر المختلفة، ويخرج المؤلف بنتيجة مهمة وهي أن المجتمعات المنغلقة تحافظ على طبائعها أزماناً قد تصل إلى قرون بعكس المجتمعات المنفتحة فإن التغير الأخلاقي يتسارع ولا يستغرق سوى سنين قليلة.

ويبين المؤلف   - كما أسلفنا  - أن التغيير القيمي لم يعد مسألة تلقائية، بل أصبح صناعة سياسية واستراتيجية يخطط لها, مبيناً أن المجتمع هو حارس الأخلاق والقيم وينبغي أن يكون كذلك، لأن القيم والأخلاق هما آلته التي يتحرك بهما في يومه وليلته، بل في منامه ويقظته، وفي حله وترحاله.

وبعد هذه المقدمة يشرع المؤلف في كتابه المؤلَّف من فصلين اثنين:

الفصل الأول: عنون له المؤلف بـ (تأصيل الممانعة المجتمعية) وبين فيه أن الأصل في أخلاق الأمم وقيمها أنها تنشأ من داخل تلك الأمم، ولكن هذا ليس عائقاً دون تأثير الأمم في بعضها بحكم الجوار أو المخالطة.

وذكر المؤلف شرطين لإنتاج مجتمع منتمٍ لأصله وأمة ذات قيم رائدة:

الشرط الأول: أن تنشأ القيم داخل المجتمع نفسه نتيجة تفاعل الإنسان مع أصول القيم. وهي: دينه وبيته ولغته وتاريخه ومقدرات أرضه.

الشرط الثاني: أن يكون هذا التفاعل لإنتاج سلوك أو عادة أو رؤية مستغرقاً لكامل أصول القيم الإجتماعية لا مع البعض دون الآخر.

ثم ذكر المؤلف تجربة تاريخية ممثلاً بها على ناتج تفاعل الإنسان مع بعض مكوناته الأصيلة دون البعض الآخر, وهو ما جرى  في العالم الإسلامي حيث نشأت بعض العادات والرؤى السيئة جدًّا نتيجة أنها لم يراع فيها الدين أو التاريخ أو البيئة أو اللغة.

 بعد الاستعمار الغربي لمعظم بقاع العالم الإسلامي بدأ المسلمون يحتضنون عناصر قيميَّة لأمم أخرى نشأت في بيئات مختلفة عن البيئة الإسلامية. ليزيد الأمر سوءاً ظهور اجتهادات فقهية تحاول الربط بين هذه العناصر الوافدة من قيم الآخرين وبين الأصول المكونة لقيمنا وأعظمها الدين.

ويذكر المؤلف أن من أسباب سوء الواقع القيمي التي يغفلها المؤرخون كثيراً غياب الممانعة المجتمعية أو ضعفها.

ثم يعرف المؤلف الممانعة المجتمعية فيقول هي: اقتصار المجتمع على دينه وبيئته وتاريخه ومقدرات أرضه ولغته في إنتاج آدابه وأخلاقه ورؤاه وعباداته وعاداته وأعرافه.

 وبين أن الحث على الممانعة المجتمعية لا يعني رفض مطلق التأثر بالآخرين, بل سيكون التفاعل مبنياً على أصول قيمه وتصفية ما يرد من قيم خارجة عنه.

ثم يذكر المؤلف أهمية الممانعة المجتمعية وأنها الوسيلة الأضمن والأقوى لحفظ الهيئة الاجتماعية للأمة من الاضمحلال, وهي سبب رئيسي للحفاظ على هوية الأمة المسلمة وهو مسؤولية المجتمع بأسره بجميع أفراده وليس العلماء ورجال الدولة إلا أعضاء في بناء المجتمع.

وذكر المؤلف أن الإسلام نادى إلى هذه الممانعة المجتمعية وأن يكون المجتمع منفرداً ببناء قيمه التي تتلخص في آدابه وأخلاقه ورؤاه وعباداته وعاداته وأعرافه وأن تكون تلك القيم مستمدة من دينه الذي لابد أن يكون مصدراً وحاكماً وكذلك بيئته وتاريخه ومقدرات أرضه ولغته. ومن ذلك:

1- ترسيخ مفهوم الخيرية والفضل على جميع الأمم لدى المسلمين وأن مصدر هذه الخيرية إنما هو الالتزام بالدين وتعاليمه وليس له مصدر آخر {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]، {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110].

2- إلحاح آيات الكتاب العزيز على شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

3- مبدأ التواصي الذي أقرته سورتا البلد والعصر { ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا} [البلد: 17]، {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا} [العصر: 3].

4- عقيدة الولاء والبراء – مودة المؤمنين ومباغضة الكافرين – ومباغضة الكافر تسوق المؤمن إلى مجافاة ما يأتي به من قيم ولا شك أنها طريقة ممتازة لحفظ الهيئة المجتمعية للمسلمين من الأختراق سواء قيمياً أو عسكرياً.

5- النهي المتواصل من الرسول صلى الله عليه وسلم عن مشابهة الكافرين بجميع أصنافهم وفي كل شيء قد يوهم التقاءً في الهيئة بينهم.

الفصل الثاني: هذا الفصل خصصه المؤلف لعرض وسائل الممانعة المجتمعية وطرق ترسيخها فذكر من ذلك ما يلي:

الوسيلة الأولى: الإرجاع للأصل ، وتنبيه البيئة المستهدفة إلى أن هدف الدعوة إلى الممانعة المجتمعية هو إعادة المجتمع إلى أصله الحقيقي وليس إلى الدخيل الذي يجب التحرك لنفيه وإن كان عليه بعض الآباء والأجداد. قال تعالى: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا} [يونس: 19] وهذه إحدى صور الإرجاع للأصل.

الوسيلة الثانية: مبدأ التواصي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والذي يضمن بقاء قيم الأمة مؤثرة مستفيدة، لأن الأمم التي لا تؤثر ولا تستفيد هي أمم ملغاة أي تصبح متأثرة فقط. أما الأمم الحية فهي التي تستفيد دون أن تتأثر.

الوسيلة الثالثة: سدّ الذرائع وأراد المؤلف بهذه الوسيلة تحريم ما أصله الإباحة إذا تحقق إقضاؤه إلى المفسدة الراجحة. وبين أن سدُّ الذرائع يقوم على حماية الفرد من نفسه والمجتمع من أفراده، والأمة مما يحيط بها. فهو عبارة عن حراسة للأمة بسلطة الحلال والحرام.

الوسيلة الرابعة: مواكبة مستجدات العصر ، وبين فيها المؤلف أن الأمة التي تحمي قيمها من الإنتهاك الحضاري لابد أن تضمن أن ممانعتها لن تجعلها في مؤخرة الركب، لأنه حين تقنع الأمة أن موروثها أو جزءً منه يقعد بها عن ميدان السباق فإنها تلقيه عن كاهلها تخففاً حتى تلحق بركب الباقين.

الكتاب عالج قضية مهمة جدًّا ينبغي التنبه لها, ووضع لها معالم واضحة, ووسائل ناجعة لوقف هذه الحرب الشعواء على القيم والأخلاق، والكتاب رغم صغر حجمه إلا أنه فريد في بابه وجدير بالقراءة والتأمل.